استمرار جائحة فيروس كورونا تهدد بخسارة الاقتصاد العالمي تريليون دولار
بقلم: آدم فون
ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة
عانت الأسواق المالية حول العالم أسوأ فترة مرت عليها منذ الأزمة الاقتصادية عام 2008، ويتزامن ذلك مع اتضاح الأثر الاقتصادي لفيروس كورونا (التاجي) Coronavirus المسبب لمرض كوفيد-19 الذي تحول إلى جائحة.
ففي الأسبوع الأخير من فبراير مثلاً خسرت أسواق البورصة على مستوى العالم نحو خمسة تريليونات دولار، وذلك بينما ينتشر الفيروس في كل القارات ما عدا أنتاركتيكا، وبينما يستمر عدد الحالات بالازدياد أسرع فأسرع خارج الصين.
يمكن لجائحة تستمر ستة أشهر أن تؤدي إلى خسارة 1.1 ترليون دولار من النمو المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي العالمي GDP، وذلك وفقا لتقرير مؤسسة الأبحاث الاقتصادية أكسفورد إيكونوميكس Oxford Economics في المملكة المتحدة.
ووفقًا لأكسفورد إيكونوميكس، سيقل إنفاق المستهلكين، ولن يكون الأفراد قادرين على العمل، أو السفر، وستنخفض السياحة بسرعة، وتنهار الاستثمارات، وقد بنت الشركة تحليلاتها على الفاشيات Outbreaks الماضية، ومن ضمنها السارس SARS وإنفلونزا الخنازير Swine flu.
“1.1 تريليون دولار ستكون أقل بكثير من الأثر الذي حدث وقت الانهيار المالي، وسيستمر اقتصاد العالم بالنمو. وتشير تنبؤاتنا إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بـ %2.3″، كما يقول بين ماي Ben May من أكسفورد إيكونوميكس .
ويقول إن حساب الضرر الاقتصادي الآن يعوقه نقص البيانات؛ فالأرقام المتعلقة بالنشاط الصناعي تنشر متأخرة، والمقارنات بالفترات الزمنية السابقة تصير أصعب بسبب تغيير التوقيت للسنة الصينية الجديدة، إذ إن الفاشية الأولى في ووهان تصادفت مع العطلة السنوية.
ولكن، هناك أدلة من بعض القطاعات كالسفر والسياحة؛ فتايلند على سبيل المثال، والتي عادة ما تحصل على أكثر من ربع سياحها من الصين، شهدت انخفاضًا يصل لـ %70 خلال الأيام العشر الأولى من فبراير، مقارنة بالفترة نفسها عام 2019.
يقول ماي: “من الواضح أنه ستكون هناك آثار كبيرة في السياحة، وهو ما نراه الآن. كما سنشهد تجارة أصعب، وهو ما سيؤدي إلى مشكلات في سلسلة التوريد Supply chain. بعض قطاعات الأعمال ستبقى سليمة، ولكن بعضها الآخر سيتأثر بشكل سيىء”.
هذا وتتوقع الخطوط الجوية أن ينخفض الطلب %4.7 هذه السنة، وهو ما سيؤدي إلى أول انخفاض شامل في السفر الجوي العالمي منذ الانهيار الاقتصادي عام 2008. ويتوقع أن خسارة 29 بليون دولار من العائدات المتوقعة للخطوط الجوية هذه السنة، بحيث تكون الأمور أسوأ في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وذلك وفقا لهيئة التجارة المعروفة باتحاد النقل الجوي الدولي International Air Transport Association.
هذا، وقد خفَّضت شركة التحاليل النفطية رايستاد إنرجي Rystad Energy توقعاتِها للمعدل المرجعي لخام النفط العالمي International crude benchmark، برنت Brent، من 60 إلى 56 دولارًا للبرميل، وحذرت أنه قد ينخفض إلى ما أدنى من ذلك. ويتوقع أن إصدارات الصين الكربونية قد انخفضت بمقدار الربع نتيجة لإجراءات الحجر الصحي.
أما مصنعو السيارات؛ فقد تلقوا ضربة في الطلب، وفقًا لديفيد بيلي David Baily من جامعة بيرمنغهام University of Bermingham في المملكة المتحدة. وقد لاحظ بيلي أن الشركات، ومن ضمنها جاغوار لاند روفر Jaguar Land Rover، قالت إنها لا تبيع حاليًا أي سيارة في الصين، ويقول: “بل إننا قد نرى مبيعات السيارات العالمية تنخفص هذه السنة لأول مرة منذ عدة سنوات”.
مع أن مصنعي السيارات يعملون حسب نموذج “بالكاد على الوقت” Just-in-time؛ مما يعني أن الأجزاء تصل المصنع قبل الوقت الذي تُحتاج فيه بقليل بدلًا من تخزينها في المكان، إلا أن مصنعي السيارات إلى المملكة المتحدة يحصلون على عدد قليل نسبيًا من المكونات من آسيا، أقل من %10.
ولكن، قد يواجهون بعض العراقيل، كما حصل مع الأجزاء التي تنقل جوًا لجاغوار لاند روفر من الصين للملكة المتحدة في حقائب سفر. إذا استؤنف التصنيع في المصانع الصينية التي أوقفت العمل الآن؛ فسيظل هناك تأخر في استعادة سلسلة التوريد كامل سرعتها؛ ﻷن الأجزاء تحتاج من ستة إلى سبعة أسابيع لتنقل إلى أوروبا.
يبقى أن نرى الأثر في المملكة المتحدة، ولكن أمين الصحة مات هانكوك Matt Hancock أخبر قطاعات الأعمال هذا الأسبوع بأن يصدروا دفعة مالية بدل المرض للموظفين الذين عزلوا أنفسهم من الفيروس بناء على نصيحة من الخدمات الصحية الوطنية National Health Service.
غير أنه لم يُعلن عن أي خطط لتعويض الأشخاص ذوي المهن الحرة والعاملين في اقتصاد المهن المؤقتة Gig economy، والذين قد يرغبون في العمل على الرغم من نصحهم بالعزل الذاتي حتى لا يخسروا ما يدفع لهم. لم تستطع إدارة الشؤون الصحية Department of Health أن تجيب عن تساؤلات حول المسألة.
ويقترح تقرير إدارة الشؤون الصحية لعام 2011 أن المرض الناتج عن فاشية قد يكلف المملكة المتحدة البلايين. ومع أن الهدف كان التوضيح فقط، إلا أن التحليل الذي أجري على فاشية محتملة للإنفلونزا وجد أن الثمن الذي يدفعه الناتج المحلي الإجمالي هو 28 بليون جنيه استرليني، بناء على غياب نصف الموظفين من العمل في الجائحة.
وبالاعتماد على طول فترة الجائحة، قد يكون الأثر السلبي في الاقتصاد مميتًا، كالفيروس نفسه.
وقد وجد آرون ريفز Aaron Reeves أن انخفاض البورصة قد تنتج منه حالات انتحار. وآرون ريفز من جامعة أوكسفورد كان عضوًا في فريق وجد أن الانهيار المالي كان مرتبطًا بأكثر من عشرة آلاف حالة انتحار في أوروبا وشمال أمريكا.
ويقول: “هناك فرصة حقيقية أن يؤدي هذا إلى زيادة في نسبة العاطلين عن العمل خلال الأشهر الثلاثة إلى ستة القادمة. وسنتوقع بعض الآثار في الصحة العقلية، والنتيجة القاسية لذلك هي الانتحار”.
ويقول إنه سيكون من المفاجئ إن أدت جائحة فيروس كورونا إلى عدد حالات انتحار كعدد الحالات التي حصلت مع انهيار 2008، ولكن عدد حالات الوفاة لا يزال يرجح أن يكون “غير قليل”. ويعتمد مدى سوء الأثر على مكان وقوع الضرر الاقتصادي؛ فالدول الأكثر رفاهًا اقتصاديًا ستخفف من آثار ذلك في الانتحار، بحسب ما يقول ريفز.
© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.