المختبرات تتسابق لإنتاج تقنيات تشخيصية جديدة لفيروس كورونا
عدم وجود فحص للأجسام المضادة للفيروس الجديد يخفي مدى تأثيره الفعلي
بقلم: جون كوهين و كاي كوبفرشميدت
ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة
الدقة الظاهرية في تعداد الحالات والوفيات العالمية التي سببها فيروس كورونا المستجد- الذي ينتشر من ووهان، بالصين- تُخفي حقيقة مخيفة. إذ يجهل العالم المقدار والسرعة الحقيقية لانتشار الوباء؛ وذلك لأن الفحوص الحالية محدودة القدرة، كما أن الفحص غير منتظم. لذا يحذر جيريمي فارار Jeremy Farrar، رئيس صندوق ويلكم ترست Wellcome Trust: “نحن نستخف بمدى شيوع هذه العدوى”.
في غضون أيام من نشر باحثين صينيين سلسلة جينوم الفيروس في 11يناير 2020، طور العلماء فحوصًا قادرة على الكشف عن التسلسلات الجينية التي تميز النوع الجديد من فيروسات كورونا التي تسري في دماء البشر. وبحلول 28 يناير، وافقت الإدارة الوطنية للمنتجات الطبية National Medical Products Administration الصينية على عِدَدٍ للفحوص التشخيصية والمقدمة من خمس شركات. كانت تلك السرعة في الاستجابة لكائن مُمرِض Pathogen حديث الاكتشاف مذهلة، ومع ذلك فإن تلك كانت البداية فحسب.
واليوم، لا يوجد عدد كاف من عِدَد الفحوص Test kits المتاحة لتُواكب الأعداد المتزايدة بكثرة من المصابين، كما قد تفتقر بعض المناطق في العالم إلى موظفي المختبرات المدربين على استخدامها. وبسبب أن الفحوص الجينية تبحث عن قطع من المادة الجينية الفيروسية في المسوح الأنفية أو الحلقية أو السائل الذي يؤخذ من الرئة، فإنها فاعلة فقط عندما تكون لدى الشخص عدوى نشطة. ولا تزال المختبرات تتسابق للكشف عن الأجسام المضادة التي تتكون استجابة للفيروس في الدم، الأمر الذي قد يساعد على العثور على الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى وشفوا منها.
يُعزى إلى محافظة هوباي، التي تشتمل على ووهان، ما نسبته 75% مما يزيد على 43 ألف حالة مؤكدة من المرض COVID-19، وهو الاسم الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية World Health Organisation (اختصارًا: المنظمة WHO) في 11 فبراير2020 . (كما أطلقت- في اليوم نفسه- مجموعة دراسية من اللجنة الدولية لتسمية الفيروسات International Committee on Taxonomy of Viruses على الفيروس المستجد اسم فيروس كورونا المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة 2، أو SARS-CoV-2).
ولكن العديد من التقارير الإخبارية أفادت بوجود نقص في وسائل التشخيص في هوباي. “إنهم عاجزون”، هذا ما قاله عالم الأوبئة إيان ليبكين Iam Lipkin من جامعة كولومبيا Columbia University، والذي عاد مؤخرًا من الصين، ووضع نفسه طوعًا في حجر صحي في منزله. ركز الفحص في هوباي على شديد المرض لدرجة تدفعهم إلى طلب العناية الطبية، ومن ثم فإن عشرات الآلاف من الحالات الأخف ربما لم تسجل. وخارج هوباي، فإن الفحص أسوأ حالًا. يتساءل كيجي فوكودا Keiji Fukuda: “ما الوضع في المناطق الأخرى في الصين؟”، وفوكودا هو عالم أوبئة في جامعة هونغ كونغ University of Hong Kong والذي قاد عمليات استجابات لتفشيات مرضية أطلقتها منظمة الصحة العالمية.
وتلوح أسئلة أخرى في مكان آخر. لم تُؤَكّد أي حالة في إفريقيا، ولكن الفحص هناك كان منخفضا. في البداية، كان هناك مختبران إفريقيان قادران على الكشف عن الفيروس، وذلك بحسب جون نكينغاسونغ John Nkengasong الذي يقود المراكز الإفريقية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها African Centres for Disease Control and Prevention، ويقول: “لو ظهر أن هذا الفيروس ظهر في إفريقيا في ديسمبر، أو في بدايات يناير، لكان ذلك أمرًا مدمرًا”. كما يقول إن جاهزية القارة صارت أفضل بعد ورشة علمية في داكار بالسنغال، الأسبوع الماضي، حيث تدرب عدد من العاملين في المختبرات من 15 دولة إفريقية على كيفية استخدام أحد الفحوص الفيروسية الجديدة، والتي تعتمد على مقايسة تفاعل البوليميراز المتسلسل polymerase chain reaction assay. (وأقيمت ورشة علمية في الأسبوع الثالث من فبراير). وبما أن الفيروس انتشر بهذه الصورة الكبيرة، يقول فارار إنه سيكون “مندهشًا جدًا” إن لم يكن الفيروس موجودا في إفريقيا.
وحتى في الولايات المتحدة، فإن هناك نقصًا في عِدَد الفحص. إذ تشترط القوانين أن توفر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة U.S. Centers for Disease Control and Prevention (اختصارًا: المراكز CDC) جميعَ الفحوص، ,لكن الوكالة بدأت بتطبيق ذلك فقط في 5 فبراير، ولم توزع إلا ما يزيد قليلا على 200 عدة فحص حتى الآن، وكل منها يستطيع أن يؤدي 800 فحص على الأكثر. ولا يزال الموظفون الرسميون لا يفحصون أغلب الأشخاص الذين يصلون بالطائرات من الصين، ولكنهم يركزون على الأشخاص الذين يظهرون أعراض المرض. تقول ويندي كونرت-تولمان Wendy Kuhnert-Tallman، والتي ترأس فريق عمل مختبرات المراكز CDC لهذا الفيروس: “لا نستطيع أن نجري المسح الذي ينبغي علينا أن نجريه”.
تتسابق العديد من المختبرات، ومنها مختبر ليبكين، لتطوير فحوص للأجسام المضادة، والتي لن تكون شديدة الفعالية في تشخيص الحالات الحادة؛ وذلك بسبب أن الاستجابة المناعية قد تستغرق أسابيع. غير أنها قد تساعد على توضيح أسئلة مبهمة حول انتشار الفيروس SARS-CoV-2.
تستخدم هذه الفحوص بروتينًا سطحيًا للفيروس، أو منظومة من الببتيدات Peptides في حالة ليبكين، لاكتشاف الأجسام المضادة المميزة للفيروس في الدم. ولكن الفحص الجديد يجب أن تُثْبَت فعاليته باستخدام دم من أشخاص أصيبوا بالعدوى. تفضل المراكز CDC الانتظار لثلاثة أسابيع بعد أن يمرض الشخص من أجل أن تزيد مستويات الأجسام المضادة، وذلك بحسب كونيرت-تالمان. ويقول إنه حتى الآن، “لدينا حالة واحدة فقط في الولايات المتحدة وصلت إلى حد اليوم الحادي والعشرين”. يتوقع فريق بقيادة ماريون كوبمانز Marion Koopmans في مركز إيراسموس الطبي Erasumus Medical Center في روتردام بهولندا، أن يطلق الأسبوع المقبل مسودات أولية لدراساتٍ تتناول فحوص الأجسام المضادة. قد يستغرق الأمر عدة أسابيع أخرى قبل أن تطور إحدى الشركات عِدَد فحص الأجسام المضادة، ويمكنها أن تنتجها بكميات كبيرة تقدر بالآلاف.
قد تساعد فحوص الأجسام المضادة على تحديد مكان وزمن بداية الوباء بشكل دقيق، وأيَّ الحيوانات كانت المصدر الأساسي للفيروس؛ إذ يمكن للباحثين البحث عن دليل على العدوى في العينات المُخزَّنة من الدم البشري أو في الحيوانات التي قد تكون مستودعًا طبيعيًا للفيروس. يقول كوبمانز إن ” التطبيق الأكثر نفعا هو مسح مختلف المجموعات العمرية للبشر”، وذلك من أجل تحديد عدد الأشخاص الذين يصابون ولا يظهرون إلا القليل من الأعراض، أو لا يظهرون أي عرض. إذا اكتشف العلماء حقًا عددًا كبيرًا من الحالات الخفيفة؛ فإن معدلات المرض الشديد (والمقدرة بـ20%) والموت (والمقدر بـ2%) ضمن المصابين ستنخفض بسرعة، وهو ما سيكون بمثابة أخبار سارة في النهاية.
© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.