أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحةبيولوجياعلم الجينات والوراثةوباء الكورونا

تحليلات الجينوم تساعد على تتبع تحركات فيروس الكورونا

تكشف الطفرات عن روابط بين تفشي الأمراض، ولكن من السهل المبالغة في تفسيرها

بقلم: كاي كوبفرشميت

ترجمة: صفاء كنج

بعد أن نشر كريستيان دروستنChristian Drosten  تسلسلًا جينيًا Genetic sequence لفيروس كورونا المستجد على الإنترنت في 28 فبراير، أعقبَ ذلك مباشرة بنشر تحذير عبر تويتر. ومع انتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم شارك الباحثون في نشر أكثر من 350 تسلسلًا لجينوم الفيروس عبر منصة المبادرة العالمية لمشاركة جميع بيانات الإنفلونزا (اختصاراً: المنصة GISAID) على الإنترنت. وتوفر هذه التسلسلات أدلةً على الكيفية التي ينتشر بها الفيروس المسمى سارس-كوف-2  (SARS-CoV-2)، ويتطور. ولكن نظرًا لأن التسلسلات هذه تمثل جزءًا صغيرًا من الحالات وتظهر القليل من الاختلافات الواضحة، فمن السهل الإفراط في تفسيرها، كما اتضح لدروستن.

فقد سلسل دروستن اختصاصي علم الفيروسات من مستشفى شاريتيه الجامعي Charité University Hospital في برلين، الفيروس من مريض ألماني أصيب بالعدوى في إيطاليا. وبدا الجينوم مشابهًا لفيروس عُثر عليه لدى مريض في ميونيخ، عاصمة بافاريا، قبل ذلك بأكثر من شهر. واشترك كلا الفيروسين في ثلاث طفرات Mutations لم تظهر في سلسلات مبكرة أجريت في الصين. وأدرك دروستن أن التشابه قد يشير إلى أن المرض المتفشي في إيطاليا ربما “نشأ” عن الفيروس الذي عثر عليه في بافاريا والذي قال مسؤولو الصحة العامة بالمقاطعة إنهم نجحوا في إيقافه عن طريق تتبع جميع من خالطوا الأربع عشرة حالة المؤكدة ووضعهم في الحجر الصحي. لكنه ظن أنه من المحتمل بالمثل أن يكون التنويع Variant الجيني الصيني من الفيروس يحمل الطفرات الثلاث قد اتخذ طرقًا مستقلة وصولاً إلى كلا البلدين. وكتب دروستن على تويتر أن الجينوم المسلسل حديثًا “لا يكفي للقول بوجود صلة بين ميونيخ وإيطاليا”.

لكن تحذيره لم يلق اهتماماً. وبعد بضعة أيام كتب تريفور بيدفورد Trevor Bedford، من مركز فريد هتشنسون لأبحاث السرطان Fred Hutchinson Cancer Research Center، الذي يحلل الجينومات الفيروسية المختلفة، أن النمط “يقترح” أن الفاشية Outbreak التي انتشرت في بافاريا لم يُنجح احتواؤها في  نهاية الأمر، وقد تسببت في تفشي الوباء الإيطالي. وانتشر التحليل على نطاق واسع على تويتر ومنصات أخرى، وبادر مراسل مجلة ساينس Science، كاتب المقال هذه بإعادة تغريد خيط التغريدات المتصلة أيضًا، ودعا بعض مستخدمي تويتر ألمانيا إلى الاعتذار.

تتفق عالمة الفيروسات إيفا بروبرغ Eeva Broberg  من المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها European Centre for Disease Prevention and Control ، مع دروستن على أن هناك سيناريوهات منطقية أكثر حول الكيفية التي وصل بها المرض إلى شمال إيطاليا بدلاً من ان يكون قد انتشر دون ملاحظته من بافاريا. ويتفق معها علماء آخرون. إذ يقول ريتشارد نيهر Richard Neher، اختصاصي علم الأحياء الحاسوبي من جامعة بازل University of Basel ويعمل مع بيدفورد: “علي أن أنهر [بيدفورد] قليلاً على ذلك”. ويقول أندرو رامباوت Andrew Rambaut، اختصاصي علم الأحياء التطوري الجزيئي من جامعة إدنبره University of Edinburgh: “يجب أن نتعلم من هذا أن نكون حذرين. … لا يمكن بأي طريقة طرح هذا الادعاء بالاعتماد فقط على علم تطور سلالة Phylogeny وحده”. ويعترف بيدفورد حالياً بذلك بقوله: “أظن أنه كان يجدر بي أن أكون أكثر حذرًا بشأن سِلسلة رسائل تويتر تلك”.

كانت تلك بمثابة دراسة حالة عن قوة إجراء تحليل في الوقت الحقيقي للجينوم الفيروسي ومزالقه. وتقول بيتي كوربر Bette Korber، اختصاصية علم الأحياء من مختبر لوس ألاموس الوطني Los Alamos National Laboratory التي تدرس أيضًا جينوم سارس-كوف-2 (فيروس المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة كورونا-2  Severe acute respiratory syndrome coronavirus 2): “هذا مرض مهم جداً. ويتعين علينا أن نفهم كيف يتحرك”. ولكن حتى هذه اللحظة، فليس بوسع العلماء الذين يحللون الجينومات سوى تقديم “اقتراحات”، على حد قولها.

لقد أجاب أول تسلسل لفيروس سارس-كوف-2، في أوائل يناير، عن السؤال الأساسي حول المرض: ما هو العامل المُمرض Pathogen الذي يسببه؟ وكانت الجينومات التي تلت ذلك متطابقة تقريبًا، الأمر الذي يقترح أن الفيروس الذي كان منشأؤه حيوانيًا، قد انتقل إلى البشر مرة واحدة فقط. فلو أنه قفز حاجز الأنواع عدة مرات؛ لأظهرت الحالات البشرية الأولى تنويعات جينية أكبر.

يظهر حالياً بعض التنوع. فعلى طول جينومه الحامل 30,000 زوج قاعديBase pair ، يراكم سارس-كوف-2 في المتوسط  طفرة أو اثنتين شهريًا، كما يقول رامباوت. وباستخدام هذه التغييرات الطفيفة يرسم الباحثون الأشجار التطورية الجينية Phylogenetic trees، الشبيهة بأشجار العائلة، ويقيمون روابط بين الحالات ويقيسون ما إذا كان هناك انتشار غير مكتشف للفيروس.

على سبيل المثال، بدا الجينوم الفيروسي الثاني المسَلسل في ولاية واشنطن، من مراهق شُخص لديه المرض في 27 فبراير، وكأنه سليل مباشر للجينوم الأول، من حالة عُثر عليها قبل ستة أسابيع. كتب بيدفورد على تويتر أنه اعتبر أنه “من غير المحتمل إلى حد كبير” أن يأتي الجينومان من مدخلات منفصلة، وقال إن الفيروس كان ينتشر دون أن يُكتشف في واشنطن. جاء كلا المريضين من مقاطعة سنوهوميش؛ مما جعل الرابط بينهما أكثر إقناعًا من ذلك الذي رسمه بيدفورد بين بافاريا وإيطاليا؛ يقول رامباوت: “من غير المحتمل إلى حد كبير أن ينتقل هذا الفيروس المرتبط للغاية إلى المدينة نفسها في واشنطن”. فقد أبلغت الولاية حتى تاريخه (13 مارس) عن أكثر من 160 حالة، وعززت الجينومات التي حُصل عليها من مرضى إضافيين الرابط الذي لا يزال بيدفورد يشتبه به، فوفرة الجينومات ليست سوى عينة صغيرة من أكثر من 100 ألف حالة في جميع أنحاء العالم، والعينات غير متساوية من حيث التوزيع. وفي تاريخ 9 مارس، حمَّل علماء صينيون 50 سلسلة جينوم جديدة، بعضها جزئي، من مرضى أصيبوا بفيروس كوفيد-19 (COVID-19) في مقاطعة غوانغدونغ؛ معظم الجينومات السابقة جاءت من مقاطعة هوبي. ولكن، بشكل عام، فإن أقل من نصف الجينومات المنشورة أتت من الصين التي انتشرت فيها 80% من جميع حالات كوفيد-19. ولا تزال التسلسلات من جميع أنحاء العالم متشابهة جدًا؛ مما يجعل من الصعب استخلاص استنتاجات قوية. يقول نيهر: “مع انتشار الفاشية نتوقع رؤية المزيد والمزيد من التنوع والسلالات المتميزة بصورة أوضح. … وبعد ذلك سيصبح من الأسهل والأسهل بالفعل تجميع كل الأدلة معاً وفهمها”.

سيبحث العلماء أيضًا في التنوع الجينومي Genomic diversity بحثًا عن إشارات تدل على أن الفيروس يزداد خطورة. هنا أيضًا ينبغي توخي الحذر. جادل تحليل 103 جينومات نشره لو جيان Lu Jian من جامعة بكين Peking University وزملاؤه بتاريخ 3 مارس في مجلة ناشونال ساينس ريفيو National Science Review أنهم وقعوا على أحد نمطين متميزين سُميا اس S-type وإل L-type، يتميزان بطفرتين. ونظرًا لأن 70% من جينومات سارس-كوف-2 المسَلسلة تنتمي إلى النمط L-type، وهو النوع الأحدث، استنتج الباحثون أن هذا النوع قد تطور ليكون أكثر عدوانية وأسرع انتشاراً.

ويقول رامباوت: “ما فعلوه في الأساس هو أنهم رأوا هذين الفرعين وقالوا إن أحدهما أكبر، [لذا يجب أن يكون ذلك الفيروس] أكثر ضراوة أو أكثر قابلية للانتقال”. لكن قد تؤدي عوامل أخرى دوراً في ذلك. مثلا أن تكون “إحدى هاتين السلالتين أكبر من الأخرى بمجرد المصادفة”. وطالب بعض الباحثين بسحب الورقة البحثية. وكتب أربعة علماء في جامعة غلاسكو على www.virological.org “من الواضح أن الادعاءات الواردة فيها لا أساس لها من الصحة وتهدد بنشر معلومات خاطئة خطيرة في وقت حرج من تفشي المرض”. وفي تعقيبه، كتب لو أن الأربعة قد أساؤوا فهم دراسته. يقول دروستن إن معظم التغييرات الجينومية لا تغير من سلوك الفيروس. إن الطريقة الوحيدة للتأكد من أن للطفرة تأثيراً هو دراستها في المختبر وإظهار، على سبيل المثال، أنها صارت أكثر قدرة على دخول الخلايا أو الانتقال، كما يقول. وحتى الوقت الراهن، لا يزال العالَم بمنأى من تلك الأنباء السيئة.

© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى