تسارع السباق لإيجاد علاجات لكوفيد-19
منظمة الصحة العالمية تطلق تجربة كبيرة لاختبار أدوية يعاد توظيفها لعلاج أمراض جديدة، وكذلك أدوية تجريبية مرشحة كعلاج محتمل
بقلم: كاي كوبفرشميدت، جون كوهين
ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة
مع التصاعد الحاد لحالات مرض فيروس كورونا المستجد Novel Coronavirus (كوفيد-19) في كل مكان من مدريد إلى مانهاتن، متجاوزة طاقة استيعاب المستشفيات واحدة تلو أخرى، ورافعة حصيلة الوفيات إلى أكثر من 17 ألفًا، فإن السباق لإيجاد علاجات تسارع تسارعًا كبيرًا. فالأدوية التي تُثبِّط فيروس كورونا المستجد، فيروس كورونا المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (SARS-CoV-2)، قد تنقذ حيوات المرضى شديدي المرض، وتحمي العاملين في القطاع الصحي وغيرهم ممن هم أكثر عرضة للعدوى، وتقلل من الوقت الذي يقضيه المرضى على أسرة المستشفى.
هذا، وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية World Health Organization (اختصارًا: المنظمة WHO) الأسبوع الماضي عن دراسة كبيرة لمقارنة استراتيجيات العلاج في دراسة إكلينيكية مُنظَّمة يُمكِن للأطباء حول العالم المشاركة فيها. كما أن هناك تجارب أخرى قد بدأت بالفعل لتوها. وبذلك كله، يصير عندنا على الأقل 12 علاجًا محتملًا لكوفيد-19 تحت الاختبار، ومن ضمنها أدوية تستخدم حاليا لعلاج الإيدز والملاريا، ومُركَّبات تجريبية أثبتت أنها فاعلة ضد مجموعة من الفيروسات في التجارب على الحيوانات، وبلازما مليئة بالأجسام المضادة من الأشخاص الذين تعافوا من كوفيد-19. فقد تثبت أكثر من استراتيجية واحدة أنها ذات فائدة، كما قد تنجح العلاجات الفاعلة في مراحل مختلفة من العدوى، وذلك كما يقول توماس غالاغر Thomas Gallagher، باحث في فيروس كورونا من الحرم الجامعي للعلوم الصحية بجامعة لويولا Loyola University في شيكاغو. ويضيف قائلا: ” قد يقع التحدي الأكبر على عاتق الفريق الإكلينيكي في تقرير متى يجب استعمال الدواء”.
إذ يرغب الباحثون في تجنب تكرار الأخطاء التي حصلت في وباء إيبولا في غرب إفريقيا في الأعوام 2014-2016، عندما ظهرت الكثير من التجارب عشوائيًا، أما التجارب الإكلينيكية عشوائية التصميم Randomized clinical trials فلم تجهز إلاّ في وقت متأخر بحيث لم تتمكن من الحصول على عدد كافٍ من المرضى. ويقول آرثر كابلان Arthur Caplan، اختصاصي الأخلاقيات الحيوية Bioethicist من مركز لانغون الطبي Langone Medical Center في جامعة نيويورك New York University: “الدرس المستقى هو أن نبدأ التجارب الآن. اجعلها جزءًا مما تعمله حتى تتمكن من التحرك بسرعة، كي تكون التدخلات العلاجية الأكثر كفاءة في مقدمة العلاجات”.
ولتحقيق هذه الغاية، فقد أعلنت المنظمة WHO في 20 مارس عن إطلاق تجربة سوليداريتي (تضامن) SOLIDARIY، وهي دفعة منسقة وغير مسبوقة لجمع بيانات علمية رصينة بسرعة خلال فترة تفشي الجائحة. وحرصت هذه الدراسة التي قد تشتمل على عدة آلاف من المرضى في عشرات الدول، على البساطة حتى تتمكن المستشفيات كلها، حتى تلك التي تنوء تحت عبء تدفق مرضى كوفيد-19، من المشاركة في التجربة. وسيوزع موقع المنظمة WHO المرضى عشوائيًا إلى أحد خيارين، إما العناية المحلية المعيارية، أو تناول دواء واحد من أربعة مجموعات من الأدوية، شرط أن يكون الدواء متوفرًا في مستشفى المريض. وكل ما على الأطباء فعله هو تسجيل اليوم الذي ترك فيه المريض المستشفى أو مات، ومدة البقاء في المستشفى، وهل احتاج المريض إلى الأوكسجين أو التنفس الاصطناعي. “هذا كل ما يجب فعله”، كما تقول آنا ماريا هيناو ريستريبو Ana Maria Henao Restrepo، مسؤولة طبية في قسم التطعيم واللقاحات والمنتجات البيولوجية بالمنظمة WHO.
وتقر هيناو ريستريبو بأن هذا التصميم ليس مُعمَّى Not Blinded: بمعنى أن المرضى سيعلمون ما إذا كانوا قد حصلوا على أحد الأدوية المرشحة، وهذا قد ينتج منه بعض آثار الدواء الغُفل (الوهمي) Placebo effect. ولكنها تقول إن هذا يخدم غرض السرعة. “نقوم بذلك في وقت قياسي”. وتأمل المنظمة بأن تبدأ بتسجيل المرضى بدءا من هذا الأسبوع.
وبدلًا من أن يستغرق الأمر سنوات لتطوير مركبات جديدة كلية واختبارها، تود المنظمة WHO وغيرها إعادة استخدام الأدوية الموافق عليها من قبل لعلاج أمراض أخرى، لها درجة مقبولة من الأمان. كما أنهم يبحثون عن أدوية تجريبية أثبتت نجاحها في تجارب على الحيوانات ضد فيروسيْ كورونا القاتليْن الآخرين، اللَّذَيْن يسببان مرض سارس (اختصارًا: المتلازمة SARS) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (اختصارًا: المتلازمة MERS). ويركزون على المركبات الموجودة بشكل وافر وكافٍ لعلاج عدد كبير من المرضى.
واختارت المنظمة WHO لدراستها هذه مضادَ فيروساتٍ تجريبي يسمى ريمديسيفير Remdesivir، ودواء الملاريا الكلوروكوين Chloroquine (أو قريبه الكيميائي هيدروكسي كلوروكوين Hydroxychloroquine)، وتركيبة من الدواءين المضادين لفيروس نقص المناعة البشرية HIV لوبينافيرLopinavir+ريتونافير Ritonavir، وكذلك هذه التركيبة مضافًا إليها الإنترفيرون-بيتا Interferon-beta، وهو جزيء مِرسال للجهاز المناعي قد يساعد على تعطيل عمل الفيروسات. ويمكن للعلاجات أن تُثبِّط الفيروس بعدة طرق، ولكن كلًا منها له آثاره السلبية.
لقد طورت شركة غيلياد ساينسز Gilead Sciences دواء ريمديسيفير لمحاربة إيبولا والفيروسات القريبة منه، بحيث يوقف تكاثر الفيروسات بتثبيط إنزيم فيروسي مهم، وهو بوليميريز الحمض النووي الريبوزي RNA polymerase. لم يساعد هذا الدواء المصابين بإيبولا في اختبار أجري خلال تفشي الوباء في 2019 في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ولكن في عام 2017، أظهر الباحثون أن الدواء يمكنه تثبيط فيروسات سارس وميرس، وذلك في الدراسات المختبرية وعلى الحيوانات.
ويعطى هذا الدواء بطريق الوريد، وقد استخدم في مئات الحالات من مرضى كوفيد-19 في الولايات المتحدة وأوروبا تحت ما يسمى الاستخدام الرحيم Compassionate use، وهو ما يتطلب من شركة غيلياد أن تراجع سجلات المرضى. وقد أبلغ بعض الأطباء عن دلائل على فائدة الدواء في حالات فردية، ولكن لا توجد بيانات Data رصينة. تقول غيلياد إنها قد بدأت الآن بإعطاء ريمديسيفير للمرضى تحت التصنيف الأبسط “الاستخدام الموسع” Expanded use. كما تفحص خمس تجارب إكلينيكية أخرى بدأت لتوها في الصين والولايات المتحدة هذا الدواء وقد تكون لديهم نتائج أولية قريبًا. ومن بين الأدوية المستخدمة في التجربة سوليداريتي، فإن “ريمديسيفير له أفضل احتمال نجاح”، وذلك وفقا لشيبو جيانغ Shibo Jiang من جامعة فودانFudan University، والذي يعمل في مجال الصناعات الدوائية لفيروس كورونا.
وكما هي الحال مع أغلب أدوية العدوى الحادة، فإن ريمديسيفير قد يكون أكثر فعالية بكثير إذا أعطي مبكرًا، وهذا أمرٌ قد يشكل تحديًا، وذلك كما يقول ستانلي بيرلمان، باحث في فيروس كورونا في جامعة أيوا University of Iowa، ويقول أيضًا: “ما تريد فعله حقًا هو إعطاء دواء كهذا للأشخاص الذين يدخلون بأعراض خفيفة، ولكنك لا يمكنك ذلك لأنه دواء يعطى بطريق الوريد، وغالٍ، ولا يحتاج إليه 85 % من الأشخاص”، ﻷنهم ليسوا في مرحلة شديدة من المرض.
استرعى الكلوروكوين وهيدروكسي كلوروكوين الكثيرَ من الانتباه بسبب النتائج الإيجابية من دراسات صغيرة وبسبب الثناء الذي أسبغه الرئيس دونالد ترامب Donald Trump والذي قال: “أشعر بشعورٍ حسنٍ حياله”. يقلل هذان الدواءان مستوى حمضية الأندوسومات (الجسيمات الداخلية( Endosomes، وهي حويصلات تستخدمها الخلايا لهضم المواد الغريبة، والتي تجندها بعض الفيروسات خلال العدوى. ولكن بوابة الدخول الرئيسية لفيروس سارس-كوف-2 مختلفة؛ فهي تستخدم ما يعرف بالبروتينات الشوكية Spike protein الخاصة بها من أجل الالتصاق بمُستقبِل Receptor على سطح الخلايا البشرية. تشير الدراسات التي أجريت على مزارع خلوية إلى أن الكلوروكوين يمكنه أن يثبِّط الفيروسات، ولكن الجرعات المطلوبة تكون عالية في العادة وقد تتسبب بسمية خطيرة. وتقول سوزان هيرولد Susanne Herold، خبيرة العدوى التنفسية من جامعة غيسن University of Giessen: “جرب الباحثون هذا الدواء على فيروسٍ تلو آخر، ولكنه لم يأت بنتائج إيجابية قط في البشر”.
وأما النتائج المأخوذة من مرضى كوفيد-19؛ فغير واضحة. وعرض باحثون صينيون كانوا قد عالجوا أكثر من عشرة مرضى، فوائد الكلوروكوين في رسالة إلى الدورية العلمية بيوساينس BioScience، ولكنهم لم ينشروا البيانات. وتقول المنظمة WHO: “لم تُقدَّم لنا أي بيانات” من أكثر من عشرين دراسة أخرى على كوفيد-19 في الصين باستخدام الكلوروكوين أو هيدروكسي كلوروكوين. وقد نشر اختصاصي المكروبيولوجيا ديدييه راولت Didier وزملاؤه دراسة عن هيدروكسي كلوروكوين في عشرين مريضًا مصابًا بكوفيد-19، وقد استنتجوا أن الدواء قللّ من تعداد الفيروس في المسحات الأنفية. (وبدا أنه يعمل بشكل أفضل إذا أعطي مع المضاد الحيوي أزيثروميسين Azithromycin). ولكن التجربة التي نشرت في الدورية العلمية الدورية العالمية للعوامل المضادة للميكروباتInternational Journal of Antimicrobial Agents، لم تكن عشوائية التصميم، كما أنها لم تبلغ عن النتائج الإكلينيكية كالوفاة مثلاً.
ويمكن للهيدروكسي كلوروكوين أن يضر أكثر مما ينفع؛ ذلك أن له العديد من الآثار الجانبية إلا أنه في حالات نادرة قد يضر القلب، والأشخاص المصابون بأمراض القلب هم أكثر عرضة للإصابة بحالات شديدة من مرض كوفيد-19، وذلك وفقًا لدافيد سميث David Smith، طبيب مختص بالأمراض المعدية في جامعة كاليفورنيا University of California، سان دييغو. ويقول: “هذه إشارة تحذير، ولكن يبقى من واجبنا إجراء التجربة”. كما كانت نشرت تقارير عن سمية الكلوروكوين في الأشخاص الذين تناولوه من تلقاء أنفسهم.
أما تركيبة لوبينافير+ريتونافير، فإن أغلب الباحثين في فيروس كورونا متشككون بها أيضًا. طورت مختبرات أبوت Abbott Laboratories الدواءين لتثبيط بروتييز فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة HIV، وهو إنزيم يقطع السلسلة البروتينية الطويلة خلال عملية تجميع أجزاء الفيروس الجديد. وقد نجحت هذه التركيبة في نسانيس المارموسيت (القشة) Marmosets المصابة بفيروس ميرس، كما اختبرت في علاج المرضى المصابين بسارس وميرس، إلا أن النتائج في البشر غير واضحة. كما أن التجربة الأولى على كوفيد-19 لم تكن مشجعة. فعندما أعطى أطباء في ووهان بالصين، 199 مريضًا العناية الطبية المعيارية مع أو من دون لوبينافير+ريتونافير، لم تختلف النتائج النهائية احصائيا، وقد ذكروا هذه النتائج في الدورية العلمية دورية نيوإنجلند للطب The New England Journal of Medicine بتاريخ 15 مارس. يقول المؤلفون إن المرضى كانوا شديدي المرض جدًا وربما كانوا بدأوا بالعلاجات في وقت متأخر.
أما المحور الرابع من التجربة سوليداريتي؛ فيجمع مضاديْ الفيروسات آنفيْ الذكر مع إنترفيرون-بيتا، وهو جزيء له علاقة بتنظيم الالتهاب، وقد قلل من شدة المرض في نسانيس المارموسيت المصابة بميرس. ولكن إنترفيرون بيتا قد يشكل خطورة على المرضى المصابين بحالات شديدة من كوفيد-19، وذلك كما تقول هيرولد. وتحذر: ” إذا أعطي الدواء في وقت متأخر من المرض؛ فقد يقود بسهولة إلى ضرر نسيجي أسوأ، بدلًا من مساعدة المرضى”.
صُممت سوليداريتي للتوصل إلى حكم سريع ومفيد، مبني على النتائج الأكثر ارتباطا بالصحة العامة، كما يقول اختصاصي الفيروسات كريستيان دروستين Christian Drosten من مستشفى شاريتيه الجامعي Charité University Hospital في برلين. وقد نتحصل على بيانات أكثر تفصيلًا من تجربة أخرى تُجرى في أوروبا أعلنت عنها وكالة الأبحاث الحيوية الطبية الفرنسية (اختصارا: الوكالة INSERM) في 23 مارس. ستشتمل التجربة على 3,200 مريض، وستختبر الأدوية نفسها، ومن ضمنها هيدروكسي كلوروكوين، ولكن ليس الكلوروكوين، وستجمع بيانات إضافية من مثل مستويات غازات الدم أو تصوير الرئة بالأشعة.
كما أن هناك علاجات تجريبية مصادق عليها، منها ما هو الآن في مرحلة الاختبار ضد فيروس كورونا، ومنها ما سيدخل قريبًا في مرحلة الاختبار. ومن ضمنها أدوية يمكنها تقليل الالتهاب، كالكورتيكوستيرويدات Corticosteroids وباريسيتينيب Baricitinib، وهو علاج لالتهاب المفاصل الروماتويدي. كما يعقد بعض الباحثين آمالًا كبيرة على كاموستات ميسايليت Camostat mesylate، وهو دواء رخّصته اليابان لالتهاب البنكرياس، ويُثبط بروتينًا بشريًا له علاقة بالعدوى. كما أن هناك مضادات فيروسات أخرى ستحصل على فرصتها، وممن ضمنها دواء الإنفلونزا فافيبيرافير Favipiravir ومضادات فيروسات قهقرية Antiretrovirals أخرى تتسخدم في علاج الفيروس HIV. كما يخطط الباحثون لتعزيز المناعة باستخدام بلازما “النقاهة” Convalescent plasma من مرضى كوفيد-19 الذين تماثلوا للشفاء، أو الأجسام المضادة أحادية النسيلة Monoclonal antibodies المُطوّرة لعلاج الفيروس سارس-كوف-2.
يقول بيرلمان إن الطريقة الأذكى لاختبار الأدوية تكون على الأشخاص المصابين في مراحلهم الأولى من المرض والذين يظن أطباؤهم أن وضعهم من المحتمل أن يسوء كثيرًا. كيف يمكننا تحديد ذلك، “هذا هو السؤال”، كما قال بيرلمان. قد يجد الباحثون واسمة حيوية (علامة) Biomarker في الدم تساعدهم على توقع مسار المرض.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن الأطباء والباحثين حول العالم يعالجون المشكلة بأقصى سرعة، كما تقول هيناو ريستريبو، وتضيف قائلة: “هذه أزمة ليس لها مثيل وعلينا أن نعمل سوية. ربما تكون هذه الطريقة الوحيدة التي يمكننا أن نصل بها إلى حل”.
© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.