فيروس كورونا: ما سبب كون العداوى المنتقلة من الحيوانات مسببة للموت
بقلم: مايكل لو بيج
ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة
فيروس كورونا القادم من ووهان هو المثال الأحدث على عدوى انتقلت من الحيوانات إلى البشر، وعندما يحدث ذلك، قد تكون العدوى مميتة بشكل خاص.
فيروس كورونا المستجد هو أحدث مثال على مرض انتقل من الحيوانات إلى البشر. وعندما يحدث ذلك، فقد تكون العدوى مميتة بشكل خاص.
الفيروسات والبكتيريا التي تصيب كائنات غير البشر، كلها تقريبًا، غير مؤذية للبشر على الإطلاق. ولكن نسبة صغيرة منها يمكنها أن تصيبنا بالعدوى وتسبب ما يعرف بالأمراض حيوانية المصدر Zoonotic diseases، والتي تأتي من الحيوانات وليس من بشر آخرين.
“يمكن للأمراض حيوانية المصدر أن تكون مميتة بشكل كبير؛ لأننا لا نمتلك مناعة مسبقة ضدها”
ومثل هذه الأمراض مشكلةٌ كبيرة جدًا؛ فهي تصيب ما يقارب 2.5 بليون شخص كل عام، وتقتل 2.7 مليون، وذلك بحسب توقعات نشرت في عام 2012. ولا تكون جميع الأمراض حيوانية المصدر أمراضًا خطيرة، ولكن فيروس إيبولا على سبيل المثال، يقتل أغلب الأشخاص الذين يصيبهم.
أحد الأسباب الذي يجعل الأمراض حيوانية المصدر بمثل هذه القدرة على الإماتة هي افتقارنا للمناعة المسبقة لها. وسبب آخر هو أن هذه الفيروسات ليست متأقلمة مع البشر؛ فالفيروسات التي تنتقل بين البشر بشكل اعتيادي يمكنها أن تتطور لتصير أقل إماتة؛ إذ إن ذلك يساعدها أن تنتشر أكثر. يقول كريس كولمان Chris Coleman من جامعة نوتنغهام University of Nottingham في المملكة المتحدة: “لا تريدك الفيروسات أن تموت خلال يوم واحد لأنك لن تنقل المرض إلى أي شخص آخر”.
ولكي يصاب المرء بالمرض يجب أن يحتك بحيوان يصيبه الفيروس عادة. وعلى الأرجح أن هذه الحيوانات حيوانات مُستأنسة. على سبيل المثال، تحمل الجمال فيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (اختصارا: المتلازمة MERS) الذي يسبب حالات إصابة بشرية بشكل فردي.
نادرًا ما تنتقل الفيروسات التي قفزت من الحيوانات إلى البشر بين البشر، وهذا ينطبق على العديد من الفيروسات. ولكنها مع ذلك تبقى قادرة على إصابة الآلاف؛ فداء الكَلَب ينتقل عن طريق عضات الكلاب، ولكنه يقتل 60 ألف شخص في السنة. وهناك فيروسات أخرى، من مثل إيبولا، والتي يمكنها الانتقال من شخص إلى آخر، ولكنها ليست جيدة في ذلك، ومن ثم فهي تسبب أوبئة (فاشيات) Outbreak محدودة نسبيًا.
أما فيروس كورونا 2019 فيبدو أنه جيد جدًا في الانتقال من شخص إلى آخر. ومع أننا لا نعلم ما مقدار قدرته على الإماتة بالضبط بعد، إلاّ أن كولمان يقول: “هذا ليس أشد فيروسات كورونا التي مرت علينا من حيث الإماتة”.
من أجل أن يتتبع الباحثون أصول هذا الفيروس، كان الباحثون يقارنون جينومه بجينوم فيروسات كورونا الأخرى. وقد أظهر ذلك أن هذا الفيروس مشتق من سلالة من الفيروسات تصيب الخفافيش، من المحتمل أن تكون أتت من خفاش حذوة الفرس Horseshoe bat (Nature, doi.org/ggj5cg). يقول فايتيلينغاراجا أروموغاسوامي Vaithilingaraja Arumugaswami من جامعة كاليفورنيا University of California بلوس أنجلوس: “هذا الفيروس مرتبط بشدة بفيروس كورونا القادم من الخفافيش”.
وهذا أمر منطقي؛ إذ إن الخفافيش معروفة بأنها تحمل العديد من الفيروسات، ومن ضمنها فيروسات كورونا. ويحتمل جدًا أن تنتشر العداوى الفيروسية بشكل خاص بين الخفافيش، خصوصًا وأنها يمكنها الطيران لمسافات طويلة، وتجثم قريبة من بعضها. كما يبدو أن الخفافيش قادرة على حمل العداوى من دون أن تصاب بالمرض، وهو ما يساعد على نشر الفيروسات.
وقد يكون فيروس كورونا المستجد قد قفز من الخفافيش إلى حيوان آخر قبل عدة أشهر أو ربما قبل عدة عقود، ومن ثم وصل عبر هذا الوسيط إلى البشر. نعلم الآن أن فيروس كورونا المتسبب بوباء السارس SARS outbreak عام 2992 إلى 2003 انتشر من الخفافيش إلى حيوانات زباد النخيل Palm civets قبل أن يصيب البشر.
تشير إحدى الدراسات الأولية إلى أن الفيروس قد يكون انتقل إلينا من الأفاعي، ولكن بعض علماء الأحياء متشككون بالأمر. كما تشير دراسة أولية أخرى إلى أن حيوان المنك Mink هو الوسيط. ويُفحَص عدد من العينات من الحيوانات في سوق ووهان، حيث ظهر الفيروس، ولكن لم يُعلَن عن أي نتائج.
استغرق تتبع أصل السارس سنواتٍ من البحث، ولكن التكنولوجيا تحسنت بشكل كبير منذ ذلك الحين. وفي الوقت الراهن، طالبت بعض المؤسسات الخيرية بالإغلاق الكامل للأسواق التي تبيع الحيوانات البرية في الصين. ولكن هذا قد يقود هذه التجارة إلى السوق السوداء التي هي أكثر خطورة. عندما أغلقت الصين أسواق الطيور عام 2013 و2014 لمحاولة وقف فيروس H7N9 المرتبط بإنفلونزا الطيور، ازداد الأمر سوءا.
يظن كولمان أن هناك القليل مما يمكننا فعله لمحاولة إيقاف الناس عن الاحتكاك بالحيوانات التي قد تحمل فيروسات خطيرة. ويقول: “يصعب جدًا التحكم في ذلك”.
ويقول إنه بدلًا من ذلك، علينا أن نمتلك اللقاحات مسبقًا. وقد يعني ذلك أن نصنع لقاحات فاعلة ضد عدد كبير من الفيروسات، أو تطوير لقاحات تحتاج إلى تعديلات بسيطة فقط من أجل أن تصير فاعلة ضد السلالات الفيروسية المستجدة، مشابهة في ذلك لقاحات الإنفلونزا السنوية.
لطالما كان علماء الأحياء على مدار عقود يحذرون من مخاطر الفيروسات الحيوانية التي تنتقل إلى البشر، ويدعون إلى مزيد من المراقبة والتحضير. هناك سبب جيد يدعو إلى القلق؛ فالوباء العالمي (جائحة) Pandemic الأخيرة، وهي إنفلونزا 2009 التي قتلت ما يصل لـ400 ألف شخص، سببتها سلالة من الإنفلونزا التي أتت من الخنازير. ويُظَنُّ أن تلك الإنفلونزا منحدرة من إنفلونزا 1918، والتي أتت من الطيور، وقتلت ما يصل إلى خمسين مليون إنسان. فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة HIV، والذي أصاب نحو 75 مليونًا، يعتبر الآن فيروسًا بشريًا. ولكنه قفز من حيوانات الشمبانزي إلى البشر مؤخرًا نسبيًا، في ثلاثينات القرن العشرين. وتوجد الآن أربعة فيروسات كورونا بشرية تسبب أعراضًا خفيفة شبيهة بالزكام. ويظن أنها أتت من الحيوانات قبل آلاف السنين. يبقى الإنفلونزا واحدًا من أكبر الأخطار، بوجود تخوفات أن تنبثق منه سلالة مميتة جدًا. وهناك فيروسات تشكل تهديدًا من مثل فيروس حمى لاسَّا Lassa fever، وحمى الوادي المتصدع Rift valley fever، ومرض فيروس ماربورغ Marburg virus، وعدوى فيروس نيباه Nipah virus infection.
© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.