ما سبب اختلاف طريقة تعامل المملكة المتحدة مع فيروس كورونا عن سائر الدول؟
بقلم: آدم فون
ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة
لماذا لا تتخذ المملكة المتحدة أفعالا حاسمة وسريعة مثل الدول الأخرى من أجل حل مشكلة فيروس كورونا Coronavirus؟ ففي تاريخ 12 مارس أصدرت حكومة المملكة المتحدة إرشادات جديدة، تطلب إلى الأشخاص الذين يعانون السعال أن يبقوا في بيوتهم. ولكن هذا لا يصل إلى درجة التدابير الأكثر تشددا كمنع التجمعات الكبيرة وإغلاق المدارس، وهو ما فعلته بعض الدول المجاورة.
أثار هذا النهج انتقاد البعض للحكومة، ولكن باتريك فالانس Patric Vallance، رئيس المستشارين العلميين في المملكة المتحدة، تحدث على التلفاز والراديو هذا الصباح من أجل توضيح هدفي هذه الاستراتيجية. وأخبر مكتبه مجلة نيوساينتست New Scientist اليوم بأنه يعمل على جعل النمذجات الحاسوبية Models التي بني عليها هذا المنطق متاحة لفحص الجمهور وتدقيقهم.
قال فالانس إن الهدف الأول كان: “تقليل ذروة الفاشية (الوباء) Peak of the epidemic، وتسطيحها وتوسيعها، حتى لا ينتهي الأمر بضغط عالٍ على أنظمة العناية الصحية في وقت واحد”.
والهدف الثاني كان حماية الأشخاص الأكثر عرضة خلال انتشار الفيروس بين السكان. وقال إن هذه الطريقة ستساعد على بناء مناعة قطيع Herd immunity، وهي أمر يحدث عندما يشفى الأفراد من المرض ويصيرون منيعين ضده؛ مما يقلل فرصة انتقاله.
ويبدو أن وجهة النظر هذه تتعارض مع منظمة الصحة العالمية World Health Organization (اختصارًا: المنظمة WHO) التي طلبت إلى الدول “أن تتخذ إجراءات عاجلة وصارمة”.
يقول مارك وولهاوس Mark Woolhouse من جامعة إدنبره University of Edinburg في المملكة المتحدة: “ما أفهمه من ذلك هو أنك ببساطة يجب أن تضرب بقوة”.
ولكن وولهاوس عموما يدعم الطريقة التي تتبعها حكومة المملكة المتحدة. ويعود ذلك جزئيًا إلى اعتقاده أن هذه الطريقة أنجح على المدى الطويل من طريقة المنظمة WHO، التي، بحسب وولهاوس، يبدو أنها تريد القضاء على الفيروس بالكامل، كما حصل مع السارس SARS، بدلًا من تعلم التعايش معه، والذي قد يستمر بالوجود فترة طويلة.
ويقول: “في مرحلة ما، أظن أن المنظمة WHO ستغير موقفها إلى موقف يشبه حكومة المملكة المتحدة، وليس العكس”.
كان العديد من خبراء الصحة العامة يتوقعون تدخلات أكثر دراماتيكية أمس، وذلك بحسب هيلين وارد Helen Ward من إمبيريال كوليدج لندن Imperial College London. وتقول إن الحديث عن مناعة القطيع مثير للقلق، وهو تشتيت للانتباه عن الهدف الحيوي المهم المتمثل في تسطيح ذروة الوباء.
وتضيف: “من الغريب جدًا استخدام هذه [مناعة القطيع] كاستراتيجية للمكافحة من دون وجود لقاحات”. حتى إن حَمَى ذلك الأشخاصَ الأكبر سنًا، فإنه سيؤدي إلى إصابة الملايين من الأشخاص الأكثر قدرة على الشفاء بمرض شديد.
وتقول: “أظن أن هذا نوع من ‘تلقي الإصابة وتحملها’، وأن تصاب بالمرض لتنتهي منه”، مشيرة إلى جملة استخدمها رئيس الوزراء بوريس جونسون Boris Johnson. وتتابع قائلة: “هذا من شأنه أن يدمر نظام الرعاية الصحية. لا يعني ذلك أن الحكومة متهورة، ولكننا في وضع متقلب جدًا”.
تظن ديفي سريدار Devi Sridhar، من جامعة إدنبره، أن الطريقة التي تتبعها حكومة المملكة المتحدة خاطئة، إذ غردت: “أثبتت دول أخرى أن السرعة أمر ضروري. توجد طريقة وسطى بين الإغلاق الكامل، وبين المضي بالعيش بشكل طبيعي”، واستشهدت ببعض الأمثلة على إيقاف التجمعات العامة الكبيرة، وإيقاف السفر غير الضروري، وحث أصحاب العمل على السماح للموظفين بالعمل من المنزل.
ودافعت الحكومة بدورها عن امتناعها عن اتخاذ إجراءات أشد؛ فقال فالانس في مؤتمر صحفي في داوننغ ستريت Downing Street أمس إن أحد الأسباب يتمثل في أن الجمهور سيتعبون من تطبيق الإجراءات المشدَّدة وسيقل التزامهم عندما تقترب ذروة الوباء.
تقول وارد إنه صحيح أن الناس يصابون بالتعب. ولكن خلفيتها في التعامل مع فيروس نقص المناعة البشرية HIV أثبتت أن الأفراد يكونون أكثر رغبة في التحرك عندما يرون الآثار التي تصيب مجتمعهم، وتقول: “عندما تكون هناك أزمة صحية، تصير قدرة الناس على القبول والتحرك أكبر”.
نظر البعض إلى ما فعلته الصين من أجل التوصل إلى الوقت والكيفية اللذين يجب على المملكة المتحدة أن تتصرف فيهما بخطوات أكثر تشديدًا. وهناك دراسة نشرت بتاريخ12 مارس حول إجراءات التباعد الاجتماعي Social distancing التي فرضتها ووهان، حيث بدأت فاشية Outbreak فيروس كورونا، وقد أظهرت أن هذه الإجراءات ناجحة.
ولكن، بسبب اختلاف الديموغرافيات بين البلدين، فإن ما فعلته ووهان لا يجب تطبيقه على دول أخرى بالضرورة، وذلك بحسب بيترا كليباك Petra Klepac من مدرسة لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارة London School of Hygiene & Tropical Medicine (اختصارًا: المدرسة LSHTM)، وهي أحد أعضاء الفريق الذي كتب الورقة العلمية. وتقول: “هذا أمر يختلف باختلاف المكان. وما نستنتجه هو أن الإجراءات نجحت في ووهان”.
يقول أنتوني كاستيلو Anthony Costello من كلية لندن الجامعية University College London، الذي عمل في المنظمة WHO بين 2015 و2018، إن الدلائل التي نستنتجها من الصين وكوريا الجنوبيا تشير إلى أن التباعد الاجتماعي ناجح، ويجب على المملكة المتحدة أن تقوم بما هو أكثر بكثير. ويقول: “نحن نخالف سياسات الدول الأخرى كلها، إذ لم تُفَعِّل الحكومة التباعد الاجتماعي”.
وهناك أيضًا تساؤلات عن مقدار شفافية المملكة المتحدة حول الدلائل التي تشكل الأساس لقراراتها. فقد غرد آدم كوتشارسكي Adam Kucharski من المدرسة LSHTM أن حكومة المملكة المتحدة كانت تعمل وفقا لنمذجات حاسوبية من جامعات المملكة المتحدة لبناء “قاعدة استدلالية متينة قدر الإمكان من أجل التوصل إلى قرارات صعبة جدًا”.
ومع ذلك، فإن وارد ترغب في المزيد من الانفتاح من الحكومة، إذ تقول: “أعلم أن الأشخاص العاملين على نصح الحكومة محدودون من حيث ما يسمح لهم بمشاركته، وأظن أن هذه هي المشكلة. نحتاج إلى شفافية عالية بقدر المستطاع”.
عندما سئل أحد المتحدثين باسم المكتب الحكومي للشؤون العلمية عن سبب عدم نشر الحكومة للنمذجات الحاسوبية التي بنت عليها قرارتها حتى الآن، قال: “نحترم ونتفق مع الحاجة إلى النشر، بما يتوافق مع الصرامة العلمية والشفافية، ونعمل في سبيل جعل هذه المعلومات متاحة للجمهور”.
يجدر بالذكر أن عدد الحالات في المملكة المتحدة قفز إلى 798 هذا اليوم، وهو أكبر ارتفاع حصل في يوم واحد حتى الآن.
© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.