ما مدى سوء جاهزية العالم لجائحة فيروس كورونا؟
بقلم: ديبورا ماك كينزي
ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة
في بداية شهر مارس، رفعت منظمة الصحة العالمية World Health Organization (اختصارًا: المنظمة WHO) من تقييمها للخطر العالمي لفيروس كورونا المستجد إلى “عال جدًا”Very High، وهو أعلى مستوى لديها. وقد هرب الفيروس من محاولات الاحتواء من أربع دول على الأقل.
ولكن المنظمة WHO ترغب في أن تستمر الدول بتطبيق إجراءات الاحتواء. فهذه الإجراءات بإمكانها إبطاء انتشار الفيروس إلى دول فيها عدد قليل من الحالات. ولكن، ما دام الفيروس ينتشر في مكان ما من العالم، فإن الحالات ستستمر بالظهور في الدول حتى وإن كانت تطبق ممارسات احتواء فاعلة.
وفي 28 فبراير، قال مايك رايان Mike Ryan من المنظمة WHO إن الهدف ليس إيقاف الفيروس من الانتشار، ولكن “إبطاء انتشاره بحيث تستطيع الأنظمة الصحية أن تتجهز له”. ولكن ماذا سيتطلب ذلك؟ هل يمكن للدول في أرجاء العالم أن تسيطر على الجائحة Pandemic؟ الإجابة القصيرة هي لا. قال رايان مشددًا: “الأنظمة الصحية، في الشمال والجنوب، غير مستعدة”.
وعندما بدأ الوباء Epidemic في مدينة ووهان بمحافظة هوبي الصينية، طغى التزايد السريع للحالات الشديدة على قدرة العاملين في القطاع الطبي. ولم تكن هناك كميات كافية من المعدات الطبية الواقية، ولم يكن هناك عدد كاف من الأسرّة المجهزة للعناية المكثفة، والمزودة بالأكسجين وأجهزة التنفس التي يحتاج إليها المصابون بالتهاب الرئة Pneumonia الحاد لتساعدهم على التنفس، كانت تلك كلها أقل من أن تغطي الحاجة العالية وقتها. كما أنها شكلت ضغطًا على توفير العناية الطبية العادية.
وقال بروس أيلوارد Bruce Aylward، من المنظمة WHO والذي قاد حملة عالمية لدراسة استجابة الصين، إن الاحتواء أوقف انتشار الفيروس بشكل عام وأنهك نظم العناية الصحية في كل المحافظات الصينية ما عدا هوبي، كما أن الإجراءات التخفيفية Mitigation measures الهادفة إلى منع الاحتكاك بين الأشخاص تساهم بتقليل الحالات في هوبي. ويقول أيلوارد إن هذا ليس دائمًا؛ فلا تزال الصين تبني المستشفيات، وتزيد من قدرة قطاع الصحة العامة، وتشتري أجهزة تنفس أكثر تحسبا لازدياد الحالات مرة أخرى.
ويمكن للدول التي يعاني نظامها الصحي في مواسم الإنفلونزا الشتوية السيئة، أو التي لا يمكنها أن تبني مستشفيات جديدة في أيام، أو أن تغلق مدنًا كاملة، أن تجد صعوبة في تكرار نجاح الصين في إبطاء الفاشية Outbreak.
نظريًا، كان العالم يتحضر لجائحة منذ الفترة التي برزت فيها مخاوف حول إنفلونزا الطيور في 2006. يقول توم إنجليزبي Tom Inglesby من مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي Johns Hopkins Center for Health Security في ماريلاند: “كان هناك بعض التقدم. فأعدت بعض الحكومات نوعًا من التخطيط للجائحات، وحسنت مختبراتها، وأنشأت مراكز للعمليات الطارئة، وحسنت أنظمة مراقبة الأمراض”.
ومع ذلك، فإن التقدم كان غير منتظم. وفي 2017، أُطلِق ائتلاف ابتكارات التأهب الوبائي Coalition for Epidemic Preparedness Innovations من أجل تطوير لقاحات للفيروسات التي يحتمل أن تتسبب بجائحة، ولديها بالفعل بعض اللقاحات المرشحة للوقاية من فيروس COVID-19. ولكنها ستتطلب شهورًا من التطوير والاختبار.
وفي الوقت الحالي نحتاج إلى علاجات لمساعدة أولئك الذين يطورون حالات شديدة من المرض. غير أن جهودا لإنشاء مشروع عالمي كهذا من أجل تطوير أدوية مضادة للفيروسات، باءت بالفشل بسبب نقص التمويل. ولحسن الحظ، وجد بعض الباحثين عددا من المضادات المحتملة لفيروس كورونا، وهذه المضادات المحتملة هي تحت الاختبار الآن.
وحتى في المجتمعات المتقدمة، فإن فيروس كورونا يضرب في وقت تقع فيه فعليا العديد من الأنظمة الصحية تحت الضغط بسبب ازدياد الشريحة السكانية الكبيرة في العمر، وبسبب التقنيات الصحية المتزايدة في التكلفة. بين عامي 2000 و2017 ازداد الإنفاق العالمي عموما على الصحة بمعدل أسرع قليلًا فقط من القطاع الاقتصادي، وذلك على الرغم من زيادة الطلب.
وبعض الأنظمة الصحية التي قد تعاني الضغط بسبب أي جائحة هي الأنظمة الموجودة في أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكذلك تلك الموجودة في العديد من الاقتصادات النامية. وبحسب تقرير نشر في 2015، هناك 56 دولة، غنية وفقيرة، تقتطع من الإنفاق على الصحة كجزء من التدابير التقشفية بعد الأزمة المالية في 2008. واقتطعت بعض الدول الأفقر من أجور القطاع العام؛ مما أثر في المستشفيات العامة والعاملين في القطاع الصحي.
في الولايات المتحدة خُفَّضت قدرات الطوارئ في عهد الرئيس دونالد ترامب Donald Trump الذي أغلق وحدة الصحة العالمية التابعة لمجلس الأمن الوطني National Security Council – أُنشئت بعد أزمة إيبولا 2014، كما حَلَّ الفريق المسؤول عن التنسيق بين الأقسام الحكومية في الاستجابات للجائحات.
من أجل أن نحسن من تحضيراتنا، يذكر إنجليزبي قائمة من الأمور التي يجب على العالَم أن يستثمر نقوده فيها: تطوير الأدوية واللقاحات واختبارات التشخيص السريعة، وتصنيعها بكميات كبيرة وتوزيعها، ومراقبة الأمراض، وتخزين كميات من معدات الوقاية، وزيادة القدرة بحيث إن الطلب على أجهزة التنفس لا يفوق عدد الأجهزة المتاحة.
هناك جانب غير متوقع يحتاج إلى المزيد من الفهم، ألا وهو الحجر الصحي. من بين 300 شخص حجر عليهم صحيًا على متن السفينة السياحية دايموند برينسيس Diamond Princess في يوكوهاما باليابان، بعد أن اختلطوا براكب مصاب، أصيب على الأقل 31 شخصًا منذ تركهم السفينة، مع أن فترة الحجر الصحي كانت كافية لظهور المرض على أي شخص تعرض للعدوى بحلول نهاية تلك الفترة.
وهذا يشير إلى أنه، وعلى الرغم من أن أغلب الحالات الـ634 التي اكتشفت خلال وجودها على متن السفينة أو عند النزول من السفينة كانت مصابة بالعدوى قبل الحجر الصحي، إلا أن الفيروس لا بد وأن يكون قد انتشر خلال فترة العزل الصحي، وذلك وفقا لستيفان لاوير Stephan Lauer من جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University. ولا يجب أن يحدث هذا.
من الواضح أن هناك ما يجب فعله. ويقول إنجليزبي: “نأمل بأن يحفز هذا الوباء المأساوي استجابة فاعلة لمكافحة فيروس الكورونا الذي بين أيدينا، كما نأمل أن يُحدث تغييرات إيجابية في تقدم مستوى استثمارنا والتزامنا بالتخطيط للجائحات”. وحتى حدوث ذلك، سنواجه صعوبات جمة.
© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.