هل سيساعد ارتداء الجميع للأقنعة على إبطاء انتشار الجائحة؟
بقلم: كيلي سيرفيك
ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة
في الشهر الماضي، تزايدت حالات مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) تزايدًا مضطردًا، وهو ما دفع بالناس في أوروبا وشمال أمريكا إلى التزاحم من أجل الحصول على أقنعة جراحية Surgical masks لحماية أنفسهم. وانطلق مسؤولو الصحة ليثنوهم عن ذلك، قلقين من أن يحدّ ذلك من توفير الأقنعة للعاملين في القطاع الصحي. “جديًا أيها الناس، توقفوا عن شراء الأقنعة!” كانت تلك بداية تغريدة نشرت في 29 فبراير، نشرها كبير الأطباء Surgeon General جيروم آدامز Jerome Adams. هذا، وقد قال ٌّ من منظمة الصحة العالمية (اختصارًا: المنظمة WHO) ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها Centers for Disease Control and Prevention (اختصارًا: المراكز CDC) في الولايات المتحدة إن الأشخاص الذين يظهرون أعراض كوفيد-10 والأشخاص الذين يعتنون بهم هم فقط من يجب أن يرتدوا الأقنعة.
ولكن بعض الخبراء الصحة العامة، ومن ضمنهم مدير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الصين (اختصارًا: CCDC)، يظنون أن هذا خطأ. وقد شجعت السلطات الصحية في أجزاء من آسيا كل المواطنين على ارتداء الأقنعة في الأماكن العامة لمنع انتشار الفيروس، بغض النظر عما إذا كانوا يظهرون الأعراض أم لا. كما أن جمهورية التشيك اعتمدت خطوة غير اعتيادية الأسبوع الماضي في جعل تغطية الأنف والفم أمرًا إجباريًا في الأماكن العامة، وهو ما حفز نزعة محلية لصنع الأقنعة يدويًا.
وحتى الخبراء الذين يفضلون تقنيع العامة يقولون إن أثره في منع المرض على الأرجح أثر متواضع. كما أن العديدين أيضًا خائفون من الترويج لشراء الأقنعة في خضمّ النقص الشديد في المستشفيات. ولكن، باستمرار الجائحة، يظن بعض خبراء الصحة العامة أن الرسائل الحكومية التي تثبط ارتداء الأقنعة يجب أن تتغير.
يجادل كي كي تشينغ KK Cheng، وهو خبير الصحة العامة من جامعة برمينغهام University of Birmingham قائلا: “هذا في الحقيقة أحد التدخلات المثالية غير المستخدمة من تدخلات الصحة العامة. وليس الهدف منه حمايتك، بل حماية الناس من القطيرات القادمة من جهازك التنفسي”.
يشدد تشينغ وآخرون أنه بغض النظر عن استخدام الأقنعة من عدمه، يجب على الناس الالتزام بالتباعد الاجتماعي والبقاء في المنزل بقدر الإمكان من أجل منع انتشار فيروس كورونا المستجد. وعندما يغامر الناس بالتفاعل فيما بينهم، فإنهم على الأرجح يتطاير منهم بعض اللعاب. ويقول: “لا أريد أن أخيفكم، ولكن عندما يتكلم الأشخاص ويتنفسون ويغنون، ليس بالضرورة أن تعطس أو تسعل، فإن الرذاذ يتطاير منهم”.
مع أن هناك بعض الأدلة على أن فيروس كورونا المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة – 2 (اختصارًا: المتلازمة SARS-CoV-2) يبقى في الهباء الجوي Aerosol، وهي الجسيمات الصغيرة التي تبقى معلقة في الهواء، إلا أن الأرجح أن الانتقال عبر الهباء الجوي نادر الحدوث، وذلك حسب ما يقول أرنولد مونتو Arnold Monto، وهو اختصاصي علم الأوبئة من جامعة ميتشيغان University of Michigan في آن أربور. ويقول إنه على الأرجح ينتقل بالقطيرات الأكبر حجمًا، “ونحن نعلم أن الأقنعة الجراحية المعيارية سيكون لها أثر قليل في هذا النوع من الانتقال. عندما تجمع بين [الأقنعة] والطرق الأخرى، فإنها قد تحدث فرقًا”.
لم تثبت التجارب عشوائية التصميم المضبوطة بمجموعة تحكم (مقارنة) Randomized controlled trials، والتي ركزت على فيروسات أخرى، أن تقنيع الناس يقلل من العدوى، مع أن هذه الدراسات كانت تميل إلى أن تكون ذات عينات صغيرة، وفي العديد منها، لم يرتد ِالمشاركون الأقنعة بقدر ما طلب إليهم أن يفعلوا.
على الرغم من الرسائل التي يرسلها بعض مسؤولي الصحة العامة التي تنادي بالعكس، فمن المرجح أن القناع يمكنه حماية المرتدي له من العدوى إذا كان سليمًا، وذلك حسب ما يقول بنجامين كولينغ Benjamin Cowling، وهو اختصاصي علم الأوبئة من جامعة هونغ كونغ University of Hong Kong. كما أُثبِتَ أن كلّا من الأقنعة الجراحية والأقنعة N95 هي الأكثر حماية، إذ تمنع مختلف عداوى الجهاز التنفسي في العاملين في القطاع الصحي. وهناك بعض الخلاف حول أي القناعين مناسب للأنواع المختلفة من العناية الطبية لمرضى العداوى التنفسية. ويقول كولينغ: “من غير المنطقي تخيُّلُ أن الأقنعة الطبية مهمة جدًا للعاملين في القطاع الصحي ولكنها في الوقت نفسه غير مفيدة إطلاقًا للجمهور”.
كما يقول إن الأقنعة قد تمنع العدوى في المستشفيات أفضل من منعها لها بين الجمهور، وسبب ذلك جزئيًا هو أن العاملين في القطاع الصحي يتدربون على كيفية ارتدائها، ولأنهم يتخذون إجراءات سلامة مهمة أخرى كغسل اليدين جيدًا. “أظن أن الشخص العادي، إذا عُلِّمَ كيفية ارتداء القناع بشكل سليم، سيحصل على بعض الحماية ضد العدوى في المجتمع”.
ويجادل كولنغ وغيره في أن الفائدة الأكبر من تقنيع الناس لا تأتي على الأرجح من تغطية أفواه السليمين، بل من تغطية أفواه المصابين بالعدوى لتوِّهِم. ولا يفترض أن يخرج الأشخاص الذين يشعرون بالمرض أبدًا، ولكن الأدلة الأولية تشير إلى أن الأشخاص الذين لا يشعرون بأعراض قد ينقلون فيروس كورونا أيضًا من دون أن يعرفوا أنهم مصابون. كما تشير البيانات المجموعة من جهود تتبع المخالطين Contact-tracing efforts، والتي يراقب فيها الباحثون صحة الأشخاص الذين تفاعلوا مؤخرًا مع شخص تأكدت إصابته بالعدوى، إلى أن ما يقرب من نصف عمليات انتقال سارس-كوف-2 تحدث قبل أن يُظهر الشخص المصاب أعراضًا. ويبدو أن البعض يلتقط الفيروس ويتخلص منه من دون أن يشعر بالمرض. ويقول مونتو: “إذا كنت أعلم أي الأشخاص لا يبدي أعراضًا وأيهم في مرحلة ما قبل الأعراض [لكوفيد-19]، كنت أعطيت هؤلاء أقنعة وجه “. ويكمل قائلًا إنه ولسوء الحظ، “فإننا لا نعلم من هم هؤلاء الأشخاص”.
أحد العوامل المهمة التي تدفع بالسلطات الصحية إلى تثبيط الناس عن ارتداء الأقنعة هو الكميات المحدودة، هذا ما تقوله إيلاين شوو فينغ Elaine Shuo Feng، وهي اختصاصية أوبئة وخبيرة إحصاء من جامعة أوكسفورد University of Oxford، وقد نشر فريقها الأسبوع الماضي في الدورية العلمية The Lancet مقارنة في مختلف التوصيات التي نشرتها السلطات الصحية بخصوص أقنعة الوجه.
ولهذا السبب، يقول مارك لويب Mark Loeb، اختصاصي الميكروبيولوجيا والطبيب المختص بالأمراض المعدية من جامعة ماك ماستر McMaster University: “لا أظن أنها سياسة منطقية في الصحة العامة أن يخرج الناس ويشتروا أقنعة طبية والأقنعة N95 وأن يرتدوها في الشارع”.
ألهم النقص في الأقنعة ظهور حركات “اصنعها بنفسك” في العديد من الدول لتصنيع أقنعة قماشية، والتي تعترف المراكز CDC بأنها قد تكون ملاذًا أخيرًا للعاملين في القطاع الصحي الذي يفتقرون إلى وسائل الحماية الأخرى. وهناك نقص في الدراسات الصارمة التي تقارن الأقنعة القماشية بالأقنعة الجراحية وكذلك الدراسات التي تبحث في المادة المثالية للأقنعة المصنوعة في المنازل.
ويتوقع تشينغ أن تصير الأقنعة أكثر أهمية في الولايات المتحدة وأوروبا بمجرد أن تمر ذروة حالات كوفيد-19 وتخفف القيود المفروضة على التباعد الاجتماعي. ويقول: “تخيل فقط أنك تسافر في قطار الأنفاق في [مدينة] نيويورك في صباح مزدحم. إذا كان الجميع يرتدون أقنعة، أنا متأكد أن ذلك سيقلل الانتقال. لا تطلب إلي أن أريك تجربة سريرية على أن هذه الطريقة فعالة”.
© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.