أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
وباء الكورونا

أول فضيحة بحثية كبيرة حول الجائحة

 المراجعون المستقلون يشككون في بيانات المرضى المستخدمة باختبار أدوية الملاريا

بقلم:       كيلي سيرفيك ومارتين إينسرينك

ترجمة:   د. عبد الرحمن سوالمة

كان من الواضح جدًا أنها نتيجة مهمة: الأدوية المضادة للملاريا Anti-malarial التي روّج لها البيت الأبيض كعلاجات محتملة لكوفيد-19 (COVID-19) كانت تبدو غير فعالة، بل قاتلة بكل ما للكلمة من معنى. ففي 22 من مايو نشرت دراسة في دورية ذي لانسيت The Lancet استُخدمت فيها سجلات مستشفى حصلت عليها شركة تحليل بيانات غير مشهورة تدعى سيرجيسفير Surgisphere ، وكانت النتيجة أن مرضى كوفيد-19 الذين يتناولون الكلوروكوين Chloroquine أو الهيدروكسي كلوروكوين Hydroxychloroquine هم أكثر احتمالا لأن تظهر لديهم أنماط من عدم انتظام ضربات القلب – عرض جانبي Side effect معروف، ويظن أنه عرض نادر- كما أن احتمال الوفاة لديهم يكون أكبر. وخلال أيام، سرعان ما توقفت التجارب الكبيرة ذات التصميم العشوائي Randomized trials. كذلك، فإن التجربة الضخمة سوليداريتي (تضامن) Solidarity -إحدى تجارب منظمة الصحة العالمية World Health Organization (اختصارًا: المنظمة WHO) للعلاجات المحتملة لكوفيد-19- توقفت عن تسجيل متطوعين في ذراع الدراسة التي تختص بهيدروكسي كلوروكوين.

ولكن بالسرعة نفسها بدأت النتائج بالتكشف، ووقعت شركة سيرجيسفير -التي زوّدر ورقتي كوفيد-19 أخريين مهمَّتين ببيانات مرضى – تحت وطأة تمحيص مضاد على الإنترنت يجريه باحثون ومحققون هواة. وقد أشار هؤلاء إلى العديد من المشكلات الجوهرية بالورقة المنشورة في دورية ذي لانسيت، ومن ضمنها العدد المذهل من المرضى، وتفاصيل البيانات الديموغرافية للمرضى، والجرعات التي بدت غير منطقية. “بدأت تتمادى كثيرًا في سرعة تصديق النتائج”، كما يقول نيكولاس وايت Nicholas White، الباحث في الملاريا من جامعة ميهيدول Mahidol University في بانكوك.

ومع ذهاب مجلة ساينس Science إلى المطبعة، أصدرت الدورية لانسيت “تعبيرًاعن القلق” Expression of Concern، ذكرت فيه إن هناك “تساؤلات علمية جادة” حول هذه الورقة. وقبلها بساعات أصدرت دورية طب نيوإنغلاند The New England Journal of Medicine (اختصارًا: الدورية NEJM) “تعبيرًا عن القلق” حول دراسة ثانية تستخدم بيانات شركة سيرجيسفير، والتي نشرت في 1 مايو. وقد ذكرت الورقة أن تناول أدوية معينة من الأدوية المعالِجة لضغط الدم، من ضمنها مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين Angiotensin-Converting Enzyme  (اختصارًا: الإنزيم ACE) لم يزد خطر الوفاة في مرضى كوفيد-19، بعكس ما أشار إليه بعض الباحثين من قبل. وقد طلبت المجلة إلى المؤلفين “أن يقدموا أدلة على أن البيانات موثوق بها”.

وهناك دراسة ثالثة تستخدم بيانات شركة سيرجيسفير تتعرض حاليًا للانتقاد. وفي نسخة أولية (ما قبل الطباعة (Preprint في أبريل، استنتج سابان ديساي Sapan Desai، مؤسس شركة سيرجيسفير ومديرها التنفيذي، والمشاركون المؤلفون أن الدواء إيفيرمكتين Ivermectin، وهو دواء مضاد للطفيليات Antiparasitic drug، قلل نسبة الوفيات كثيرًا في مرضى كوفيد-19. وفي أمريكا اللاتينية، حيث  يُستخذم إيفيرمكتين على نطاق واسع، قادت هذه الدراسة بعض الموظفين الحكوميين إلى السماح باستخدام الدواء، مما ولّد زيادة  مفاجئة في الطلب.

ولم تنشر شركة سيرجيسفير، مقرها في شيكاغو، البيانات المستخدمة في الدراسات علنًا. وفي 2 يونيو أعلن ديساي  لمجلة ساينس على لسان متحدث رسمي إنه “يُعدّ لاتفاقية عدم إفصاح Non-Disclosure Agreement ستتيح لمؤلفي الورقة التي نشرت في الدورية NEJM الوصول إلى البيانات كما طلبتها الدورية NEJM”. وفي تصريح بتاريخ 29 مايو، دافعت شركة سيرجيسفير عن نزاهة بحثها وقالت إنها كانت تسعى إلى ” تدقيق أكاديمي مستقل” لنتائجها المنشورة في الدورية ذي لانسيت . كما قالت الدورية ومؤلفون لا يعملون لدى شركة سيرجيسفير إن مراجعات البيانات هي قيد البحث.

هذه الحادثة دفعت قادة تجارب الهيدروكسي كلوروكوين المتوقفة إلى التفكير فيما إذا كان يتعين عليهم أن يبدؤوا من جديد. ويقول وايت، وهو باحث مشارك في إحدى تجارب الوقاية من كوفيد-19 التي أوقفت: ” المشكلة هي أننا تركنا وحدنا لنتعامل مع كل هذا الضرر الناتج من ذلك”. ويقول إنه سيكون  من الصعب حاليا إشراك أشخاص في دراسات مهمة.  “الجميع يظن الآن أن هذه الأدوية سامة”.

وقد شارك ديساي في تأليف ورقة نشرت في الدورية ذي لانسيت مع مانديب ميهرا Mandeep Mehra ، اختصاصي القلب من مستشفى بريغهام ووومين Brigham and Women’s Hospital التابع لجامعة هارفارد Harvard University  (اختصارًا: المستشفى BWH)، و فرانك روشيتزكا Frank Ruschitzka، اختصاصي القلب من المستشفى الجامعي في زيورخ University Hospital Zürich، و أميت باتيل Amit Patel، جراح القلب الذي ذكر أنه يعمل في  جامعة يوتا University of Utah ومعهد HCA للأبحاث HCA Research Institute في ناشفيل بولاية تينيسي. (تقدم ميهرا وباتيل باستفسارات إلى المستشفى BWH. ولم يرد روشيتزكا على الطلبات المقدمة للحصول على تعليقه). هذا، ويصف المؤلفون تحليلًا لبيانات سجل صحي إلكتروني لمرضى أصيبوا بكوفيد-19 وعولجوا من قبل في 671 مستشفًى في ست قارات، ونحو 15 ألف شخص تناولوا كلوروكوين أو هيدروكسي كلوروكوين وحده أو مع مضاد حيوي، وهناك مجموعة تحكّم (مقارنة) Control group من 81 ألف مريض آخرين. وعند أخذ عوامل الالتباس Confounding factors المحتملة بالاعتبار، وجد الباحثون أن احتمال الوفاة كانت 9.3% في مجموعة التحكّم، مقابل 23.8% للذين تناولوا هيدروكسي كلوروكوين مع مضاد حيوي.

وفي بيان صحفي بتاريخ 25 مايو، استشهد المدير العام للمنظمة WHO، تيدروس أدهانوم غيبريسيوس Tedros Adhanom Ghebreyesus بالنتائج معلنًا “وقفًا مؤقتًا” لذراع دراسة التجربة سوليداريتي المختصة بهيدروكسي كلوروكوين. كما أصدرت الجهات المُنظِّمة في فرنسا والمملكة المتحدة تعلميات للباحثين، ومن ضمنهم فريق وايت، بوقف إشراك المتطوعين في التجارب. وقالت شركة سانوفي Sanofi إنها ستوقف مؤقتًا عن إشراك المرضى في تجربتين تفحصان الصيغة الدوائية الخاصة بالشركة من الهيدروكسي كلوروكوين.

هذا، وقد أبدى باحثون آخرون اعتراضهم على التحليل؛ فالدراسة لا تأخذ في تصميمها بعين الاعتبار  احتمال أن المرضى الذين يتناولون الأدوية التجريبية كانوا أكثر مرضًا من مجموعة التحكم، وذلك بحسب ما يقول ماثيو سيملير Matthew Semler، وهو طبيب مختص بالرعاية الحرجة من جامعة فانديربيلت Vanderbilt University. ويشير وايت شذوذات Anomalies في البيانات. وعلى الرغم من أن 66% من المرضى ذكر أنهم عولجوا في أمريكا الشمالية، إلاّ أن الجرعات المذكورة تميل إلى أن تكون أعلى من توصيات منظمة الغذاء والدواء الأمريكية U.S. Food and Drug Administration. ويقول المؤلفون إنهم استخدموا بيانات 4,402 مريضًا من إفريقيا، ولكن من غير المرجح أن تمتلك المستشفيات الإفريقية سجلاتٍ إلكترونية صحية مفصلة لمثل هذا العدد من المرضى، وذلك وفقًا لوايت. كما أبلغت الدراسة عن عدد وفيات أكبر في المستشفيات الأسترالية مقارنة بالإحصائيات الرسمية لوفيات كوفيد-19 في أستراليا، وفقا لصحيفة  الغارديان  The Guardian. وفي 29 مايو، أصدرت الدورية ذي لانسيت  تصحيحًا تقول فيه إن أحد المستشفيات المنسوبة إلى “أستراليا” كان يجب أن تنسب إلى آسيا، وتم تحديث الجدول في المواد الإضافية للورقة. وذكر التصريح: “ولم يؤد ذلك إلى تغيرات في نتائج الورقة”.

وقد أثارت هذه الاستجابة المختصرة خيبة آمال بعض الباحثين. فقول جيمس واتسون James Watson، الباحث الإحصائي الذي يعمل مع جامعة ميهيدول: “كان هذا مزعجًا جدًا”. وفي تاريخ  28 مايو  نشر واتسون رسالة مفتوحة، وقعها الآن أكثر من 140 باحثًا، تدعو إلى نشر بيانات المستشفيات الواردة في سجلات شركة سيرجيسفير، وإجراء تقييم مستقل للنتائج، ونشر تعليقات التحكيم العلمي الذي أدى إلى نشر ورقة الدورية ذي لانسيت. وقال متحدث الدورية الرسمي مجيبًا: ” تحث الدورية ذي لانسيت النقاش العلمي وستنشر الملاحظات على الدراسة، مع أجوبة من المؤلفين”.

وفي تاريخ 2 يونيو نشر العديد من الباحثين أنفسهم وغيرهم رسالة مفتوحة للدورية NEJM ولمؤلفي دراسة مثبط الإنزيم المحول للأنجيوتنسين ACE inhibitor، مستشهدين بمشكلات مشابهة في هذه الورقة. وتشير هذه الملاحظات إلى تناقضات عديدة بما فيها تضارب Discrepancy بين العدد القليل من المستشفيات في كل دولة، والتي قالوا إنها قدمت بيانات مرضاها لشركة سيرجيسفير والنسبة العالية للحالات المؤكدة من كوفيد-19 المشمولة في هذه الدراسة في هذه الدول.

 كما ظهرت شذوذات في دراسة الدواء إيفيرمكتين Ivermectin، وفقا لكارلوس شكور Carlos Chaccour من معهد برشلونة للصحة العالمية Barcelona Institute for Global Health. فهناك أدلة على أن إيفيرمكتين، السلاح الرئيسي في الحملة العالمية ضد العمى النهري River Blindness، له أيضًا خصائص نافعة في مقاومة الفيروسات. وفي النسخة الأولية المنشورة بتاريخ 6 أبريل، والتي شارك في تأليفها باتيل، وديساي، ومهرا، مع ديفيد غرينغر من جامعة يوتا University of Utah، استخدمت بيانات من لشركة سيرجيسفير التي ذكر أنها جمعت من 169 مستشفًى حول العالم بين 1 يناير و1 مارس. واشتملت على ثلاثة مرضى من إفريقيا تناولوا إيفيرمكتين، مع أنه لم تكن هناك غير حالتين مصابتين بكوفيد-19 مبلغٍ عنهما بحلول 1 مارس، وذلك بحسب ما ذكر شكور وزميلين آخرين في مدونة Blog post مؤخرًا.

ويقول شكور إنه بعد أن تساءل عن سبب هذا التضارب، نشر المؤلفون نسخة أطول من المسودة الأولية في 19 أبريل، مشتملة على بيانات جمعت خلال الفترة ما بين 1 يناير و31 مارس. وذكرت المسودة الجديدة أن إيفيرمكتين قلل الحاجة إلى استخدام التنفس الصناعي بمقدار 65%، وخفض  نسبة الوفيات بمقدار 83%. ولكن المراجعة كانت فيها مشكلات أخرى، بحسب ما كتب شكور وزملاؤه في ورقتهم المنشورة. على سبيل المثال، كان معدل الوفيات للمرضى الذين ركّبت عليهم لأجهزة التنفس الاصطناعي ولكن من دون تناول العقار إيفيرمكتين كان فقط 21%، وهي نسبة ضئيلة جدًا. وكذلك، كانت البيانات في أحد الأشكال البيانية Figure مختلفة اختلافًا كبيرًا عما هو مكتوب في النص. (ولم يُجب غرينجر عن تساؤلاتنا حول هذا).

واستجابةً لدراسة الإيفيرمكتين، عدلت وزارة الصحة في دولة بيرو بروتوكول علاج كوفيد-19 ليشتمل على إيفيرمكتين (وكذلك هيدروكسي كلوروكوين) للحالات الطفيفة والشديدة من كوفيد-19، وسرعان ما تزايد الطلب على الدواء في بيرو. أما في ترينيدياد وبوليفيا؛ فقد قررت الحكومة توزيع أكثر من 350 ألف جرعة مجانية من إيفيرمكتين بعد أن سمحت وزارة الصحة هناك باستخدامه ضد كوفيد-19.

هذا، وقد حفز الوجود المتواضع لشركة سيرجيسفير على الإنترنت تشككًا شديدًا؛ على سبيل المثال: لا يورد الموقع قائمة بأسماء المستشفيات المتعاونة مع الشركة، كما لا يفصح عن أسماء أعضاء مجلسها العلمي. وقد تساءل الطبيب ورائد الأعمل جيمس تودارو James Todaro، من صندوق الاستثمار Blocktown Capitak، في مقالة منشورة على مدونة عن سبب عدم استخدام قاعدة البيانات المهولة لشركة سيرجيسفير في دراسات بحثية محكمة قبل مايو2020 . ويتساءل شكور كيف أن شركة بهذا الصغر (حيث إن موقع LinkedIn لا يذكر إلا حفنة من الموظفين) كانت قادرة على الوصول إلى اتفاقيات تبادل بيانات مع مئات المستشفيات حول العالم.

ويقول المتحدث الرسمي باسم ديساي إن الشركة لديها 11 موظفًا وكانت تطور قاعدة بياناتها منذ 2008.

وقد غدت قدرة هيدروكسي كلوروكويل على علاج كوفيد-19 مسألة حرجة سياسيًا. وديدييه راولت Didier Raoult، اختصاصي الميكروبيولوجيا الفرنسي والذي تشير دراساته المُنتقدَة من نطاق واسع إلى أن الدواء مفيد، قلل من أهمية الدراسة المنشورة في الدورية ذي لانسيت في فيديو نشره في 2 يونيو، واصفًا المؤلفين بأنهم “غير أكفاء”.

وأما العلماء الذين يجرون دراسات عشوائية التصميم على الهيدروكسي كلوروكوين؛ فيواجهون سؤالا ملحَّا: كيف يستجيبون للورقة وللبلبلة التي تبعتها. اختارت تجربة يمولها المعهد الوطني للقلب والرئة والدم Natoinal Heart Lung and Blood Institute في الولايات المتحدة الأمريكية أن تستمر بعد أن راجع مجلس مراقبة البيانات والأمان Data and Safety Monitoring Board (اختصارًا: المجلس DSMB) بيانات الأمان من المشاركين المنخرطين في الدراسة، وذلك وفقا لسيملير، الباحث المشارك في الدراسة. كما أن التجربة سوليداريتي التي تجريها المنظمة WHO والمتوقفة مؤقتًا، تنتظر مراجعة مشابهة من مجلسها لمراقبة البيانات والأمان، وفقًا لسوميا سواميناثن Soumya Swaminathan، كبيرة علماء المنظمة.

ويقول ميغل هيرنان Miguel Hernán، اختصاصي علم الأوبئة من جامعة هارفارد والباحث المشارك في تجربة جارية حول هيدروكسي كلوروكوين في إسبانيا وأمريكا اللاتينية، إن الخلاف هو إلهاء غير مرغوب فيه. ويقول: ” إذا كنت ستقوم بشيء حول مسألة ما شديدة الهيجان كهذا من دون قاعدة متينة، ستجعل الكثير من الناس يضيعون وقتهم محاولين فهم ما الذي يجري”. ويقول شكور كان على كل من الدورية NEJM وذي لانسيت أن يدققا في المصدر الحقيقي لبيانات لشركة سيرجيسفير تدقيقًا أفضل قبل نشر الدراستين. ويقول: ” هنا نحن في منتصف الجائحة حيث تقع مئات آلاف الوفيات، والدوريتان الطبيتان الرصينتان قد خذلتانا”.

© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى