سر القضاء على السرطان قد يكون في قدرته المميتة على التطور
بقلم: كلير ويلسون
ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة
لا تتحدث ليديا نوت Lydia Knott كثيرًا عن الموضوع، إلا أن السيدة نوت والبالغة من العمر 82 عامًا تعلم ما الذي سيحدث لها بعد موتها. وسيؤخذ جسدها إلى مختبر من أجل فحصٍ استثنائي لجثتها بعد الموت.
ولن يكون ذلك لمعرفة سبب موتها. وشُخصت نوت بسرطان الرئة قبل خمس سنوات. وبعد جراحة أجريت عليها لإزالة جزء من رئتها، صارت في صحة جيدة: “جيدة بالنسبة إلى امرأة في 82 من العمر، لا يمكنني أن أتذمر”. ولكن إذا عاد المرض وقتلها، تريد نوت من الأطباء أن يعرفوا أكثر عن سرطانها عن طريق “التشريح الدافئ” Warm autopsy ، والذي سمي بذلك لأنه يحدث بعد وقت قصير بعد موت الشخص.
خلال 24 ساعة سيزيل فريق ما يصل إلى 80 عينة نسيجية ويحفظها باستخدام النيتروجين السائل. وأحد الأهداف هو سبر أغوار القدرة المفاجئة للسرطان على التطور. والقوة التي تشكل شجرة الحياة هي نفسها ما يحفز الأورام على التكاثر والانتشار، منتجة تنوعًا جينيًا كبيرًا من الخلايا السرطانية في الشخص الواحد.
والآن، وبفضل القفزات الحديثة في السَلْسَلة الجينية Genetic sequencing، نأمل بأن نستطيع تتبع الرحلة التطورية للسرطان ونصنع علاجات قوية باستخدام هذه المعلومات. ويقول روبيرت غاتينبي Robert Gatenby من مركز موفيت للسرطان Moffitt Cancer Center في تامبا بفلوريدا: “قد نمتلك في الحقيقة التكنولوجيا اللازمة للشفاء من العديد من السرطانات، كل ما في الأمر أننا لم نكن نستخدم الاستراتيجية الصحيحة”.
قد نكون قادرين على منع الأورام من التطور في المقام الأول، ولكن هذا لن يكون سهلًا. ويقول تشارلز سوانتون Charles Swanton من معهد فرانسيس كريك Francis Crick Institute في لندن، والقائد المشارك في دراسة اشتركت فيها نوت: “نحن نحارب الانتخاب الطبيعي Natural selection، أحد القوانين الأساسية للعالم. ولكنني أظن أن هذه أفضل فرصنا”.
السبق بخطوة على الورم
نعلم من سبعينات القرن العشرين أن الأورام تنشأ عندما تحدث طفرة Mutation في أحد الجينات في الخلية التي تتحكم في تكاثرها؛ تنسخ خلايانا نفسها باستمرار، حتى في الأنسجة الحية، عن طريق النمو والانقسام إلى اثنتين؛ من أجل تعويض الخلايا التي ماتت.
تحكم مئات الجينات هذه العملية، بحيث تنقسم الخلايا في الوقت والمكان المناسبين. وإذا كانت في إحدى الخلايا طفرة في أحد هذه الجينات، ربما عن طريق التعرض لدخان السجائر أو الأشعة فوق البنفسجية أو فقط لأن حظها سيئ، قد تبدأ بالتضاعف تضاعفًا أسرع، وسيتفوق نسلها على الخلايا السليمة.
وحتى إن هاجم الجهاز المناعي هذه الخلايا السرطانية، فإن قدرتها على التطور قد تحبط قدرة الجسد على تدميرها. وهناك تشابهات بين الطريقة التي تشكل بها المفترساتPredators تطوّر Evolution مجموعات الفرائسPrey populations ، وبين الطريقة التي يقتل فيها الجهاز المناعي الخلايا السرطانية الأضعف، وذلك بحسب ميل غريفيس Mel Greaves من معهد أبحاث السرطان Institute of Cancer Research في لندن. ويمكن لخلايا السرطان التي تتفوق على تطور الجهاز المناعي أن تنمو. “إنه البقاء للأصلح. ولكنه لا يحدث في غابة أو بركة، بل في البروستات أو الثدي. ولكنه في النهاية عملية داروينية Darwinian process”.
وهذه المعرفة لم تؤثر بعد في الطريقة الفظَّة والوحشية عموما والتي نتبعها في علاج السرطان، والتي يصفها البعض بالقطع والحرق والتسميم، مشيرين إلى الجراحة والعلاج الإشعاعي، والعلاج الكيماوي. وهذه الطرق قد تنجح إذا اكتشف السرطان مبكرًا بشكل كاف، أي قبل انتشاره. ولكن العلاج الكيماوي والعلاج الإشعاعي يعملان عن طريق قتل كل الخلايا سريعة الانقسام، والذي يعني أنها تدمر الجلد، والأمعاء، والجهاز المناعي، مسببة أعراضًا جانبية كفقدان الشعر، والغثيان، وسرعة التأثر بالعداوى.
مؤخرًا، ازداد السعي نحو العلاجات الموجهة Targeted theraphies على أنها الهدف الكبير التالي. وتعمل هذه العلاجات عن طريق حصر Blocking جزيئات موجودة على الخلايا السرطانية، وهي جزئيات خاصة بهذه الخلايا، ومن ثم تميل هذه العلاجات إلى أن تنتج أعراضًا جانبية أقل ضررا بالنسيج السليم. وهذا يحتاج إلى فحص السرطان في الشخص نفسه من أجل معرفة الطفرات الموجودة، ومن ثم يمكن أن يُقدّرعلى أنه الدرجة الأعلى في الطب الشخصي Personalised medicine.
يقول سوانتون إننا عادة ما نرى التغطية الإعلامية عندما يصل أحد هذه العلاجات الجديدة إلى العيادات، ولكن الحقيقة أنها في العادة تمدد عمر الأفراد بمقدار أشهر قليلة. وذلك بسبب أن مطوريها فشلوا في أخذ تطور السرطان باعتبارهم. ويقتل العلاج الموجه كل الخلايا السرطانية التي تحمل جزيئًا معينًا، ولكن أي خلية لا تمتلك هذا الجزيء سوف تعيش. ومن ثم، فإن هذه العلاجات “تنتخب من أجل” نمو الخلايا المقاومة لها، وخلال عدد قليل من الأشهر، تكون خلايا الورم التي لا تمتلك الجزيء أكثر عددًا، وعندها لا تعود للعلاج أي فائدة. ويكون السرطان قد طور مقاومة ضد الدواء.
لطالما كان الأطباء واعين لمسألة أن العلاجات المُوجَّهة لا تمدد في العادة من حيوات الأشخاص لفترة طويلة، ولكنا فقط مؤخرًا صرنا قادرين على رسم مخطط جيني لكيفية نشوء المقاومة. وفي دراسة أجريت عام 2012، سلسل فريق سوانتون عدة عينات من سرطان الكِليَة من أربعة أشخاص، ووجدوا أن الخلايا تتشعب مع مرور الوقت، بالطريقة نفسها التي تتفرع فيها الأنواع الحيوانية من بعضها عبر ملايين السنين. يقول سوانتون: “هذا ليس تطورًا خطيًا، وإنما هو تطور تشعبي Branching evolution”.
في كل شخص منهم، لم تكن ثلثا الطفرات الجينية مشتركة في جميع خلايا الورم. وهذا يدل على أن أخذ عينة صغيرة من السرطان من أجل توقع العلاج المُوجَّه الذي يجب استخدامه قد يكون أمرًا مضللًا. ويقول سوانتون: “حسب المكان الذي تضع فيه إبرة الخزعة، ستحصل على نتائج مختلفة”.
ومنذ ذلك الحين أُطلقت العديد من الدراسات التي تهدف إلى رسم الأشجار التطورية Evolutionary trees المفصلة للسرطانات بشكل منفرد، مستغلين قدرتنا الجديدة على سلسلة الحمض النووي DNA. وأكبر هذه الدراسات هي تلك التي ضمت نوت كواحدة من الأشخاص الذين فحصتهم. ولكنّ الطريقة الوحيدة للحصول على عينات كافية من الورم من كل شخص هي أن تُجمع العينات منهم بعد الموت، وإلا فإن عملية جمع العينات ستكون شديدة الإضرار، وذلك بحسب مريم جمال-خانجاني Mariam Jamal-Hanjani من معهد فرانسيس كريك، وهي قائدة مشاركة في الدراسة مع سوانتون.
يعمل الفريق مع مستشفيات حول المملكة المتحدة لإيجاد 500 شخص لديهم العديد من الأنواع المختلفة من السرطانات. وتقول جمال-خانجاني، مع أن بعض الأطباء مترددون، “دائمًا تقريبًا، هؤلاء المرضى مستعدون بشكل مذهل للتبرع بأجسادهم وذلك لمعرفتهم أنها ستفيد آخرين”. وكما تقول نوت: “أريد أن أساعد شخصًا آخر وبدا أن تلك خطوة تالية منطقية. وعندما تموت، فإنك تموت”.
كانت النظرة إلى الورقة البحثية التي نشرت 2012 عن سرطان الكلية ترى أنها أخبار سيئة للعلاجات الموجهة، إلا أنها أيضًا أظهرت أنه في كل شخص، فإن ثلث الطفرات تقريبًا كانت موجودة في خلايا الورم التي أخذوها. وهذه الطفرات لا بد أنها ظهرت عندما كان الورم صغيرًا، قبل أن تكون خلاياه قد تشعبت كثيرًا، وهي تدعى أحيانًا بـ”الطفرات الجذع” Trunk mutations، بمعنى أنها موجودة في جذع الشجرة التطورية، وليس في فروعها. ويجب على أي علاج يستهدف الطفرات الجذعية نظريًا أن يقتل جميع الخلايا السرطانية، فيقل احتمال أن يحفز مُقاومة السرطان للعلاج.
يظن سوانتون أن الطريقة المثلى للقيام بذلك هي عن طريق تسليح الجهاز المناعي للمريض. ويمتلك الأشخاص المصابون بالسرطان في العادة بعض الخلايا المناعية الفاعلة ضد الورم، ولكن أغلبها يستهدف الطفرات الفرعية. إذا أمكن توجيه الخلايا المناعية للأشخاص تجاه الطفرات الجذعية، فإن هذا قد يكون كافيًا للتخلص من الخلايا الخبيثة من أجسادهم.
شارك سوانتون في تأسيس شركة تدعى أخيليس ثيرابيوتيك Achilles Therapeutics، والتي يقدر أنها ستبدأ بتجربتين صغيرتين تتبعان هذه الاستراتيجية هذه السنة في سرطاني الرئة والجلد.وعندما تُستأصلُ الأورام من الأشخاص ستسلسل الشركة العديد من خلايا الأورام من أجل التعرف على الطفرات الجذعية. كما سيستخلص الباحثون خلايا مناعية من داخل الورم، ويختارون الخلايا التي تستهدف هذه الطفرات. بعد ذلك ستضاعف الشركة هذه الخلايا المناعية في المختبرات، حتى يصير بالإمكان حقن العديد من هذه الخلايا في المريض مرة أخرى.
“استهداف طفرات ورمية معينة يجب نظريًا أن يقتل جميع الخلايا السرطانية”
تكيفات عظيمة
لم تكن الشركة أخيليس الأولى في المحاولة لاستغلال الاستجابة المناعية للأشخاص أنفسهم وتوجيهها ضد سرطاناتها. فلهذه الفكرة تاريخ طويل، وقد حولت حديثًا إلى علاج يسمى العلاج CAR-T gg لعلاج اللوكيميا leukemia واللمفوما Lymphoma، وهي سرطانات تنشأ عندما تتحول خلايا الدم إلى خلايا خبيثة. ومع ذلك، فإن استخدام هذه الطريقة ضد الأورام الصلبة Solid tumours أثبت أنه أصعب. فهناك عدة مجموعات حاولت ذلك وفشلت، على الرغم من أن أحدًا منهم لم يحاول أن يتعرف جينيًا على الطفرات الجذعية كما ستفعل الشركة أخيليس، وذلك وفقا لسوانتون.
بغض النظر عن نجاح هذه الطريقة، فإن التركيز على الجانب التطوري قد يقود إلى وسائل علاجية أخرى، من مثل تعديل الطرق التي نستخدم بها أدوية السرطان. ويرى غاتينبي تماثلات بين تطوير مقاومة للأدوية في الخلايا السرطانية ومقاومة مبيدات الحشرات عند الحشرات. “تعلموا قبل 50 سنة أننا لا يمكننا الإبادة باستخدام جرعات عالية من مبيدات الحشرات، كل ما نفعله حينها هو أن نطور مقاومة ضدها”. والعلاج بشكل متقطع طريقة أفضل، ويمكنها أن تنجح على السرطانات أيضًا، كما يقول غاتينبي. ويكمل: “إذا عالجت قليلًا ثم أوقفت العلاج، سيعود الورم إلى النمو مجددًا على مدى أشهر أو سنوات. ولكن عندما يعود، فلن يكون هناك انتخاب للمقاومة”.
مؤخرًا، وجد معهد غاتينبي علامات مشجعة من فحص أولي صغير لهذه الاستراتيجية في سرطان البروستات. فالباحثون هناك بدأوا الآن أو أنهم يخططون لبدء خمس تجارب واسعة النطاق من أجل فحص هذا “العلاج التكيفي” Adaptive therapy فحصًا أكثر صرامة، وذلك بمقارنته بالعلاج المعياري في سرطان البروستات وثلاثة أنواع أخرى من الأورام.
وفي مسعى متصل، يخطط فريق آخر من مركز موفيت للسرطان لحل مشكلة أحد الأشكال النادرة والعدوانية لسرطان العضلات عن طريق الانتقال من دواء لآخر، بدلًا من استخدام دواء واحد بشكل متقطع.
الطريقة المتبعة حاليًا هي إعطاء تجميعة معينة من الأدوية لمدة 10 شهور، ومن ثم انتظار السرطان ليعود مع خلايا مقاومة للدواء، وهو ما يحدث دومًا تقريبًا. وفي هذه المرحلة يعطى الأشخاص علاجًا ثانيًا، الفكرة الجديدة هنا هي إعطاء العلاج الأول لثلاثة أشهر فقط، ومن ثم الانتقال مباشرة إلى العلاج الآخر. والمنطق من وراء ذلك هو أن هناك عددًا صغيرًا من الخلايا المقاومة للدواء موجودة هناك منذ البدء، وذلك بحسب اختصاصي الأورام دامون ريد Damon Reed، والذي يتولى مسألة التخطيط للتجربة. والهجوم السريع والقوي بالعلاج الثاني قد تكون له فرصة أكبر في قتل جميع الخلايا.
يقول ريد: “الفكرة هي أنه توجد لحظة معينة يمكنك عندها أن تحفز إحداث انقراض”. وعندما يكون عدد الخلايا الحساسة للعلاج الثاني أقل ما يمكن، “تكون هذه فرصتك لتحقيق ذلك”.
الأفضل من تحسين علاجات السرطان هو إيقاف ظهورها في المقام الأول. وهذا الهدف يجري استكشافه في الأشخاص الذين لديهم احتمال أعلى لظهور بعض الأورام، ومرة أخرى يكون ذلك باستخدام المبادئ التطورية. وإحدى هذه المجموعات هم الأشخاص المصابون بمريء باريت Barrett’s Oesophagus، وهو حالة يصير فيها الأنبوب الذي يصل الفم بالمعدة ملتهبًا بسبب الحمض المعوي الذي يتسرب إليه، مما يجعل هؤلاء الأشخاص عرضة لسرطان المريء. والمصابون به يجرون مراجعات دورية كل بضع سنوات باستخدام كاميرا تمرر عبر حلقهم، بحيث تؤخذ عينات من النسيج العادي من أجل اكتشاف الأورام مبكرًا. ولكن الوقت الأمثل للتدخل العلاجي ليس واضحًا. لا يريد الأطباء أن يستأصلوا أي جزء من المريء من دون داع، وبعض الأشخاص يصابون بالسرطان على الرغم من القيام بفحوص التحري هذه. يقول تريفور غراهام Trevor Graham من معهد بارتس للسرطان Barts Cancer Institute في لندن، إننا قد نكون أكثر دقة إذا أخذنا التطور بالاعتبار؟
تقول النظرية التطورية إنه، عند تساوي جميع العوامل الأخرى، فإن الأنواع الحيوانية أو النباتية ذات التباين الجيني الأكبر تكون أكثر عرضة لأن تتفرع إلى عدة أنواع أخرى تحت وجود ضغط انتخابي Selective pressure جديد، من مثل التغير في الطقس. وبالمبدأ نفسه، مجموعة الخلايا في المريء ذات التباين الجيني قد تكون أكثر عرضة لأن تشتمل على خلية يمكنها أن تتحول إلى خلية سرطانية، والضغط الانتخابي في هذه الحالة هو التغيير في نمط الحياة، مثل أن يبدأ المرء بالتدخين.
اختبر فريق غراهام هذه الفكرة عن طريق سلسلة الحمض النووي DNA للخلايا المأخوذة من خزعات روتينية لـ320 شخصًا لديهم مريء باريت. وانتهى المطاف بـ20 شخصًا بأن يطوروا السرطان، وكان احتمال إصابة الأشخاص الذي امتلكوا خلايا ذات تباين جيني أكبر منذ البدء.
وهذا يعني أن توفير سلسلة الحمض النووي DNA لجميع المصابين بالمرض قد يتيح لنا أن نقرر ما إذا كان الأشخاص ذوي خطر عالٍ، فيطلب إليهم أن يجروا فحوصًا كل بضع شهور بدلًا من بضع سنوات، أو أنهم ذوو خطر منخفض. يقول غراهام: “إذا كان شخص ما ذا خطر عال، يمكننا أن نراقبه عن كثب، ولكن الفوز الحقيقي يكمن في إرسال الناس إلى بيوتهم وأن نخبرهم بألا يقلقوا”.
“قد تكون هناك طريقة أفضل لنعرف ما إذا كان عند الأشخاص سرطانات عدوانية أو سرطانات بطيئة النمو”
وقد أجرى فريقه الآن الدراسة نفسها على الأشخاص المصابين بحالة التهاب معوي تسمى التهاب القولون التقرحي Ulcerative colitis، والذي يعرضهم لخطر أكبر للإصابة بسرطان الأمعاء، وهم أيضًا تجري مراقبتهم بخزعات دورية. ويقول غراهام إن النتائج لم تنشر بعد ولكنها مماثلة للسابقة. وهذا الأمر نفسه قد يكون موجودًا في أنواع أخرى من السرطان، كسرطان الثدي والبروستات، بحسب ما يقول غريفيس. وفي كلا الورمين غالبًا ما نأخذ خزعات من كتل صغير نجدها خلال فحوص التحري، ولا ندري ما إذا كانت سرطانات عدوانية يجب استئصالها مباشرة، أو أنها سرطانات بطيئة النمو مناسبة للانتظار والمراقبة، أحيانًا ما توصف بأنها “نمور” Tigers و”قطط لطيفة” Pussycats.
أعطنا عجلة القيادة
على مدى عقود، مازال الباحثون يحاولون أن يطوروا فحوصًا للخزعات، من أجل أن تخبرنا ما نوع السرطان في شخص ما. وكانت الجهود منصبة على تحديد الطفرات الموجودة، ولكن هذا لم ينتج منه أي فحص مفيد حتى الآن. ويقول غريفيس إننا يمكننا أن ننجز تقدمًا أكثر عن طريق قياس “قدرة التطور” عند الخلية. وهذا قد يتأثر بالتنوع الجيني Genetic diversity فيها، أو معدل الطفرات Mutation rate ، أو عوامل أخرى لم تكتشف.
هذا أحد البرامج البحثية العديدة المبنية على التطور والتي يخطط لها معهد البحوث السرطانية. وستشتمل الوسائل الأخرى على تطوير أدوية يمكنها إبطاء التطور، عن طريق تقليل معدل الطفرات، وعلى تقنية تسمى “التوجيه التطوري” Evolutionary steering. ولا يزال ذلك مفهومًا نظريًا، بحيث يجري تصميم الأدوية بطريقة معينة لتسمح للخلايا أن تطور مقاومة لها فقط عن طريق تكوين طفرات تجعلها معرضة للتأثر بعلاجات أخرى. يقول غريفيس: “نريد أن نقيِّم أدوية مرشحة ليس عن طريق تقييم قدرتها على قتل الخلايا في طبق الاختبار، ولكن عن طريق تقييم قدرتها على كبح التطور”.
في الولايات المتحدة بدأ المعهد الوطني للسرطان National Cancer Institute برنامجًا كبيرًا وجديدًا يركز على التطور في 2018، منشئين بذلك مركز أريزونا لتطور السرطان Arizona Cancer Evolution Center. وستحتاج مبادرات من هذا النوع إلى سنين قبل أن تؤتي ثمارها، ولكن غريفيس يرى أن هذه هي الطريقة المنطقية الوحيدة لحل مشكلة هذا المرض المخيف.
يقول غريفيس: “لعقود متعددة، ما زلنا نحصل على أدوية جديدة عن طريق فحصها على خلايا في زرعات نسيجية وهذا ليس جيدًا كفاية. كل دواء جديد يبدو جيدًا، ولكنه مع ذلك يحفز مقاومة ضده. نحتاج إلى أن نغير طريقتنا بحيث نرى ذلك على أنه مشكلة تطورية. وبعدها، يمكننا أن نحاول أن نجد علاجًا تطوريًا”.
© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.