الفيروسات المكتَشفة حديثًا تشير إلى أن الحصبة الألمانية نشأت في الحيوانات
فيروسان قريبان اكتُشفا في الخفافيش والفئران وحيوانات حديقة الحيوان يقترحان أن "الحصبة الألمانية" عبرت حاجز الأنواع
بقلم: آن غيبونز
ترجمة: مي بورسلي
الفيروس المُسبِّب للروبيلّا Rubella، أو الحصبة الألمانية German measles، صار لديه رفيق أخيرًا. فلم يتعرف العلماءُ قطُّ على أقارب الفيروس؛ مما جعله العضو الوحيد في جنسه ” روبيفيروس” Rubivirus. ولكن مع تقرير نشر في عدد الأسبوع الثاني من أكتوبر من مجلة نيتشر Nature، فإن الحصبة الألمانية اكتسبت عائلةً. فاثنان من أقاربها اكتُشفا حديثًا يصيبان الخفافيش في أوغندا؛ والثاني قتل ثلاثة أنواع مختلفة من الحيوانات في حديقة حيوانات ألمانية كما عُثر عليها أيضا في الفئران البرية التي تعيش بالقرب منها.
ويقول الباحثون إن النتائج تشير بقوة إلى أنه في مرحلة ما بالماضي، قفز فيروس مشابه من الحيوانات إلى البشر؛ مما أدى إلى ظهور فيروس الحصبة الألمانية اليوم. وعلى الرغم من أنه من غير المعروف أياًّ من الفيروسين الجديدين يصيب البشر، إلا أنّ حقيقة قفز فيروس ذي صلة بين الأنواع تثير مخاوف من أن الفيروسين، أو غيرهما من الأقارب غير المعروفين، يمكن أن يتسببوا في تفشي المرض بين البشر. ويقول توني غولدبرغ Tony Goldberg، الاختصاصي بعلم الأوبئة من جامعة ويسكونسن University of Wisconsin في ماديسون، وهو أحد كبار مؤلفي الدراسة: “بالنظر إلى ما يحدث في العالم اليومَ، سنكون مقصرين إذا لم نقلق”.
“بالنظر إلى ما يحدث في العالم اليوم، سنكون مقصرين إذا لم نقلق”
توني غولدبرغ، من جامعة ويسكونسن بماديسون.
وعادة ما يسبب فيروس الحصبة الألمانية الطفحَ الجلدي والحمى، ولكن في النساء الحوامل قد يؤدي إلى الإجهاض، وولادة جنين ميت، وولادة أطفال مصابين بمتلازمة الحصبة الألمانية الخَلْقية Congenital rubella syndrome ، والتي تشمل الصمم ومشكلات في العين والقلب والدماغ. ويتأثر ما يقدر بنحو 100 ألف طفلٍ حديثٍ الولادة بالمتلازمة سنويًا، معظمهم في إفريقيا وغرب المحيط الهادي وشرق البحر الأبيض المتوسط؛ وفي العديد من البلدان الأخرى؛ وبفضل لقاح الحصبة والنكاف Mumps والحصبة الألمانية (اختصارا: اللقاح MMR)، صار من النادر الإصابة بالمتلازمة.
غولدبرغ وأندرو بينيت Andrew Bennett، والذي كان طالبا في الدراسات العليا سابقا، اكتشفا أحد الفيروسات الجديدة في الخفافيش ذات الأنف الورقي Cyclops leaf-nosed bats التي تبدو بصحة جيدة، والتي اصطيدت ليلاً في حديقة كيبالي الوطنية Kibale National Park في أوغندا. وأطلقوا عليه اسم فيروس روهوغو Ruhugu، نسبة إلى منطقة روتيت Ruteete في أوغندا والاسم المحلي للخفافيش. ووجدوا أن بنية جينوم الفيروس روهوغو تتطابق مع بنية فيروس الحصبة الألمانية، وأن 56% من الأحماض الأمينية في بروتيناته الثمانية تتطابق مع تلك الموجودة في الحصبة الألمانية. وكان البروتين الذي يتفاعل مع الخلايا المناعية للمضيف متطابقًا تقريبًا في كلا الفيروسين.
وأثناء استعدادهم لنشر النتائج عَلِم الباحثان أن فريقًا بقيادة مارتن بير Martin Beer، من معهد فريدريش لوفلر Friedrich-Loeffler Institute ، قد اكتشف قريبًا آخر من الحصبة الألمانية في أنسجة دماغ حمار وكنغر وكابيبارا، وهو قارض عملاق موطنه أمريكا الجنوبية، نفقت جميعها من التهاب الدماغ Encephalitis في حديقة حيوان لم تتم تسميتها. ووجدوا الفيروس نفسه في فئران الحقول البرية ذات العنق الأصفر التي اصطيدت في حديقة الحيوان أو بالقرب منها. وبدت الفئران بصحة جيدة؛ مما يشير إلى أنها مكمن طبيعي انتقل منه الفيروس إلى حيوانات حديقة الحيوان.
وبعد مقارنة بياناتها أدرك الفريقان أن فيروساتهما مرتبطة ببعضها البعض، على الرغم من أن الفيروس روهوغو كان أقرب إلى الحصبة الألمانية من الفيروس الثاني، الفيروس روستريلا Rustrela، الذي سُمِّي على اسم بحيرة في بحر البلطيق. ومن ثم قرر الفريقان نشر أبحاثهما معا.
وتقول آن ستون Anne Stone، الاختصاصية بالأنثروبولوجيا الجزيئية من جامعة ولاية أريزونا Arizona State University في تيمبي، إن هذه الورقة البحثية “مهمة حقًا لأننا لا نعرف إلا القليل عن مصدر الحصبة الألمانية”. ويشير غولدبرغ إلى أن الحصبة والنكاف تأتي أيضًا من الحيوانات. ويقول: “نحن نعلم الآن أن كل مرض في حروف اللقاح MMR له أصل حيواني المنشأ”. وبالنظر إلى المسافة الجينية بين الفيروسات الأجناس ” روبيفيروس Rubivirus وروهوغو Ruhugu وروستريلّا Rustrela”، لا يعتقد الباحثون أن أيًا منهما قد قفز إلى البشر، لكنهم يتوقعون أنهم سيجدون روبيفيروسات Rubiviruses أخرى إذا بحثوا جيدا.
ويقول الباحثون إن كلا الفيروسين تحت المراقبة عن كثب. ويقول إدوارد هولمز Edward Holmes، الاختصاصي بعلم الفيروسات التطوري من جامعة سيدني University of Sydney، إنه من “المثير للاهتمام حقًا” أن الفيروس روستريلا كان قادرًا على إصابة الثدييات المشيمية والجرابية…وكان يقفز بنشاط بين الأنواع”. ويقول غريغوري بولاند Gregory Poland، الاختصاصي بعلم اللقاحات من مايو كلينك Mayo Clinic، إن هذه المرونة قد تسبب مشكلة: “مَنْ يدري، إذا كان بإمكانها الانتقال من الفئران إلى الثدييات الأخرى، هل يمكن أن تنتقل إلى البشر؟”.
©2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved