أفضل 10 كتب علمية غير خيالية يمكن قراءتها الآن
بقلم: سايمون إنغز
ترجمة: محمد قبازرد
ثورة آينشتاين غير المكتملة: البحث عمّا يقبع خارج حدود فيزياء الكم
تأليف: لي سمولين
Einstein’s Unfinished Revolution: The search for what lies beyond the quantum
by Lee Smolin
Allen Lane
في عام 2019 كتب لي سمولن Lee Smolin في مقالة نُشرت في مجلة نيوساينتست New Scientist: “من السهل تحديد مشكلة ميكانيكا الكم Quantum mechanics الأساسية التي هي نظرية للواقع، مشكلتها إنها لا تخبرنا بما يجري بالفعل على أرض الواقع”.
وكحال ذلك الولد الصغير في رواية هانز كريستيان آندرسون Hans Christian Anderson، فإن الاختصاصي بعلم الفيزياء النظرية لي سمولن، من معهد بيريميتر Perimeter Institute في واترلو بكندا، يشير مبتهجا إلى أن “أباطرة” فيزياء يلبسون قطعا أقل من ثياب الذكاء. إذ تبدو نظرياتهم فوضوية، وما من اكتشافات علمية يمكن أن تدحضَها. كما أنهم لا يفسّرونها حتى من زاوية الواقع المنظور. وقد أعلن سمولن الحربَ على كوكبة من اختصاصيي نظرية الأوتار String theorists، خصوصا في عام 2006 في مقالته المعنونة لمشكلة الفيزياء The Trouble With Physics، ويمتاز نقده المستمر بالرصانة العلمية إضافة إلى الإخلاص في النقد. إذ ينبغي على النظرية أن تقدم تفسيراً معقولاً للكيفية التي يعمل بها العالَم، لا أن تستعيضَ عن ذلك بفرضيّات رياضياتية تجريدية معقّدة مهما بدت أنيقة. وللأسف، فمع تنامي شغفنا بالرياضيات، صرنا معزولين عن الواقع.
أبغض آلبرت آينشتاين Albert Einstein نظرية فيزياء الكمّ كما أبغضها لويس دي برولي Louis de Broglie الذي كان أول من تنبأ بالطبيعة الموجيّة للمادة. والأمر ذاته ينطبق على إروين شرويدنغر Erwin Schrodinger الذي منحنا انهيار دواله الموجية المسألة الفكرية للقطة اللاميتة . ولا يستطيع روجر بينروز Roger Penrose وجيرارد تهوفت Gerard ‘t Hooft تحمّل ذلك. إنه لا يُرضي أحداً، ولكن من سيجرُؤ على البدء بالنقد الموضوعي الأول؟ يقول النقاد إن سمولن لا يزال في طور المداولة والنقاش. كما يزعم المختصّون بهذا المجال أنه قد أقحم فيزياء الكم ذاتها في هذا المسار النقدي.
شقٌ في عملية التخليق: الطاقة الجديدة للتحكم في عملية التطور
تأليف: جينيفر دودنا، سامويل ستيرنبرغ
A Crack in Creation: The new power to control evolution
by Jennifer Doudna and Samuel Sternberg
The Bodley Head
تكتب جينيفر دودنا Jennifer Doudnaفي الكتاب الذي شبّهه مراجعنا اللغوي آدم رثرفورد Adam Rutherford بالقصة الكلاسيكية لاكتشاف الـحمض النووي DNA في كتابه اللولب المزدوج The Double Helix: “بدأت أشعر بأنني دكتور فرانكشتاين Frankenstein نوعاً ما، أ كنتُ قد خلقتُ وحشاً؟”
بعد مُضيّ ثلاث سنوات باستطاعتنا القول بأمان إن ذلك ” الوحش” لا يُشرع بوصف مقياس وحجم إنجاز دودنا العلمي. وكانت دودنا العالِمة التي وجّهت الجهود وقادتها للتسخير عمليات الأنظمة المُعدِّلة للجينوم Genome-editing التي تحدث بالخلايا البكتيرية طبيعيا.
وإذا لم تعن العبارة السابقة الكثير لك، ربما سيعني الاختصار: CRISPR، التقنية التي تسمح لنا بقطع تسلسل المعلومات الجينية الوراثية. ومعرفة الجين والعمل على كشف وظيفة شيفرته الوراثية وتعديلها لأداء وظيفةٍ وراثيةٍ أخرى أو أفضل، كل هذا كان قدرةً إعجازيةً خارقةً تطلبت عقداً من الزمن، وأبقت علماء البيولوجيا والأخلاق متيقظين لغرابة ما قد يؤول إليه البحث من أثرٍ في الجنس البشري والكوكب ككل. وكان يمكن لهذه العمليات في السابق أن تستغرق شهوراً أو حتى سنوات، إلاّ أنه بتطبيق التقنية CRISPR بإمكاننا تنفيذها في غضونِ أيامٍ قليلة.
الباحثة دودنا ومساعدها سامويل ستيرنبرغ Samuel Sternberg يقدمان تقريراً مميّزاً عن هذا البحث، ويعرضان إثارة هذا الكشف العلمي المذهل. والأفضل من ذلك كله أنهما لم يغفلا بتاتاً عن الهدف السامي المرجو: تبيان كيف سنتمكن من تطويع التقنية CRISPR تطويعاً خيّراً لمحاربة الأمراض، على سبيل المثال: من خلال تعديلها وتعديل ما قد أفرزته من اعتلالات.
عالَم ما وراء الفيزياء: نشأة وتطوّر الحياة
تأليف: ستيوارت كوفمان
A World Beyond Physics: The emergence and evolution of life
by Stuart Kauffman
Oxford University Press
ستيوارت كاوفمان Stuart Kauffman عالم موسوعي، وهو خرّيج كلية الطب في الأصل، كما أنه متمرس بالكيمياء الحيوية وعلم الجينات والفيزياء والفلسفة، وحاصل على منحة الزمالة من كل من مؤسستي ماكارثر MacArthur ووينر ميدال Wiener Medal. وهو كاتب قدير. ففي تقريره، المدهش والسهل قراءته لدرجة مدهشة أيضاً، و الذي يعيد فيه تقييم عمله طوال حياته، يشرح كاوفمان كيف يمكن للآليات الجزيئية Molecular machines أن تنتظم وفقَ أنظمة مترابطة متآلفة، بحيث تولّد وتستجمع أجزاءَها بنفسها لإتمام وظيفةٍ ما. ومع تطورها بالانتخاب الطبيعي Natural Selection، تخلق هذه الخلايا البدائية الأولية Protocells كوات بيئية Niches جديدة تمهّد لنشأة كائنات حية جديدة. والتنوّع Diversity الذي نشهده ذاتيُّ البناء ذاتيُّ التكاثر، كما أن مساره التطوّري عصيٌّ على التنبؤ.
هذا، ويتجنّب كاوفمان السفسطة الفلسفية الفارغة المضمون. غير أنه تضمينات عمله مخيفة. ففي كون يحتوي على ما يقدَّر بــ 100 بليون نظام شمسي، قد تنشأ الحياة وتتطور في كل مكان. ولا يمكننا، والكلامُ لكاوفمان، في خِضمّ كل هذا التوليد اللامتناهي أن نستشفَّ كيف سيتطوّر الكون. والفيزياء قاصرة عن هدايتنا في هذا الكون البيولوجي. كما يطرحُ كاوفمان قصورَ البيولوجيا ذاتها كأداة اهتداءٍ بالمثل التي هي قادرة بالكاد على استيعاب مسار الرحلة التطورية لكائن حي واحد على كوكب سماوي واحد فحسب. ثمة شيٌ ما قادم، شيٌ ما جديد، كأنظمة علوم حديثة تماماً، لا تزال قيد الانتظار لتُكتشف بَعدُ.
مداويات العقل: البحث النفسي المُضني لبيولوجيا الاعتلالات العقلية
تأليف: آن هارينغتون
Mind Fixers: Psychiatry’s troubled search for the biology of mental illness
by Anne Harrington
- W. Norton & Company
بخلاف الأطباء الآخرين، لا يستطيع الأطباء النفسيون Psychiatrists النظر عبر المجهر لرؤية السبب البيولوجي للاعتلالات Illness التي يعالجونها، فهم عالقون في الحقبة الغابرة، ويستخدمون الأعراض الظاهرية لتطوير آلية التشخيص والعلاجات، عِوَضاً عن الطريقة التي يستخدمها الأطباء لمعالجة أمراض مبهمة مثل البرداء (الملاريا) Ague والاستسقاء Dropsy بواسطة الفصد وضمّادات الخردل.
في كتاب مداويات العقل Mind Fixers تشرح مؤرخة علوم الأعصاب آن هارينغتون Anne Harrington ما الذي حدث حين بدأ علماء القرن العشرين، محبطين من مجالهم البدائي، بالمُبالَغة بما حققته أبحاثهم. ففي بدايات القرن العشرين تخلص علم النفس من النهج المبهم الذي يركز على المريض نفسه في كل حالة. وتوقع الباحثون أن الدراسة العلمية ستكشف لهم حقيقة الأسباب البيولوجية وراء المعانات العقلية، إلاّ أن شيئاً من هذا لم يحدث.
يستجيب بعض الأشخاص تماماً للإجراءات الجراحية والصيدلانية التي طورها علم النفس الطبي الحديث. لكن، وفي كل حالة، يتأتى العلاج أولاً عادةً من خلال الصدفة، و تفسيرات مدى فاعليته إما أن تكون غائبة أو مشكوك فيها.
فتاريخ علم النفس الطبي ليس سجلا من الكشف العلمي العظيم. بل إنه سردٌ احترازيٌّ لما يحصل عندما لا يتكشف العالَم وفق الطريقة التي تتوقع أحاسيسنا أن يتكشف بها. فالدماغ هو العضو الأشد تعقيداً في هذا الكون Universeحسبما نعرف. والأطباء النفسيون الذين يبحثون في هذا الدماغ بواسطة أدواتهم البحثية المتواضعة ليسوا مضلَّلين تماماً في مسعاهم، وإنّما ليس بمقدورهم أن يتوقّعوا نتائج فوريةً، وفقا لتعبير هارينغتون العادل إلى حد الإعجاب وتأريخه المتزن.
كيف تروّضُ ثعلباً (وتربّي كلباً)
تأليف: لي آلان دوغاتكن، ليودميلا تروت
How to Tame a Fox (and Build a Dog)
by Lee Alan Dugatkin and Lyudmila Trut
University of Chicago Press
هل تحب حكايات الأشخاص المسلية عن علاقاتهم بحيواناتهم المحببة؟ هل تحب المجالات الدرامية الموسّعة عن التطوّر في هذا السياق؟ هل تحب أبحاث المختبر الدقيقة الجادة الخاصة بتطوّر الحيوانات؟ إذاً ستعشق هذا الكتاب الذي يطمح إلى تجميع كل هذه الرؤى الثلاث بين دَفَّتَيْهِ إلى جانب دراساتٍ مبتكرة عن ترويض الحيوانات المنزلية وتدريبها، ابتداءً من الاتحاد السوفييتي الذي تكتب عنه المؤلفة المشاركة ليودميلا تروت Lyudmila Trut وأستاذها ديميتري بليايف Dmitri Belyaev في عام 1959.
في تلك الأيام كان علم الجينات يوصَم بــ “العلم الزائف الفاشيستي” Fascist pseudoscience ، وقد كانت دراسته تكلّفك وظيفتك المهنية أو أن تُطرد أو تُنفى. ولكن بليايف شرع في برنامجه الطويل تحت مرأىً من السلطات ليفهم العلاقة التطورية الودودة الذكية وملامحها المادية الظاهرية للحيوانات الأليفة المُستأنَسَة كالثديّات ذوات الأذيال المعكوفة. واستغرق التطور الطبيعي للكلاب عن منشئها الأولي كذئاب قرابة 15,000 سنة، غير أنّ الأمر استغرق بليايف وتروت أقل من عقدٍ من الزمن لاستئناس ثعالبَ بجحم الجِراء الصغيرة المرقّطة المعكوفة الأذيال من ذوات الآذان الفارعة الطويلة.
وحتى هذا التاريخ، فقد رُوِّضَ 56 جيلاً من هذه الثعالب. ومن الممكن استئناس المزيد منها، غير أنه مكلف بعض الشيء، والمال يُخصّص للإبقاء لاستدامة البحث العلمي.
جيلاً بعد جيلٍ، تساعدنا هذه الثعالب على فهم العمليات التطورية والبُنى الجزيئية القابعة خلف هذا الاستئناس. ويبدو أن الحيوانات الأكثر استئناسا قد حَظِيَت بفترة حضانة مطوَّلة؛ مما أدى إلى تطوير وإحداث تغيّرات هرمونية سلوكية لديها.
وقد نجحت تروت، بالتعاون مع لي آلان دوغاتكن Lee Alan Dugatkin المختصة بمجال البيولوجيا التطورية من الولايات المتحدة الأمريكية، من تصوير كل من روعة عملها طوال حياتها من جهة، ووحشية جميع تلك الشتاءات السيبيرية من جهة أخرى، في كتاب مليء بالمتعة الثقافية والإنسانية معاً.
عصر الرأسمالية الرقابية
تأليف: شوشانا زوبوف
The Age of Surveillance Capitalism
by Shoshana Zuboff
PublicAffairs
In 1988
في عام 1988 نشرت شوشانا زوبوف Shoshana Zuboff، البروفيسورة من كلية هارفارد للأعمال Harvard Business School، في كتابها في عصر الآلة الذكية In the Age of the Smart Machine دراسةً عن تأثير الحوسبة في المؤسسات التي تعطينا لمحة عن “مستقبل سوق العمل والقوة” على حد تعبيرها.
وها هي تعود، بعدها بثلاثة عقود، بدراسة أوسع وأدق (من 660 صفحة) وأكثر إثارة للخوف عن كيفية استغلال أنظمتنا الاستثمارية التجارية الراهنة للتكنولوجيا والتقنية الحديثة لخلق نمطٍ من الرأسمالية المستجدّة وغير المألوفة (والمتوارية عن قصدٍ) كليةً، وهي الرأسمالية التي تسلبنا حرّيتنا (تماماً كما تفعل السلطة إذا ما تُرِكَت دون مراجعة من التوجهات المدنية عند سن القانون).
تشرح زوبوف ذلك قائلةً: ” إن الرأسمالية الرقابية تعمل على توفير خدمات مجانية نستخدمها كلنا ببهجةٍ إلى حدّ إدمانها”. وتراقب هذه الخدمات المجانية سلوكنا وتُدخل هذه البيانات في خوارزميّات تتنبأ بما سوف نُقدمُ عليه الآن، عاجلاً أم آجلاً. ولهذا قيمة مالية إذ تراهن كثير من الشركات على سلوكنا المستقبلي.
يمتعضُ الغربُيّون من النظام الاشتراكي الصيني الذي يتصرف كأنه هيئة محلفين وقاضٍ من الذكاء الاصطناعي الذي يراقب الشعب باستمرار، إلاّ أنّ المنطق التجاري لغوغل Google وإكسبيريان Experian وفيسبوك Facebook وغيرها بالكاد تختلف عنه، وتتقارب الثقافات السياسية الديمقراطية وديكتاتورية الحزب الواحد من بعضها بسرعة لدرجة لا يمكن تمييزهما من بعضهما البعض.
كتاب عصر الرأسمالية الرقابية The Age of Surveillance Capitalism كنزٌ من النقاشات التي كان يجب أن نخوضها قبل 20 عاماً من الآن.
عناق الأم الأخير: عواطف الحيوانات وما تشي به لنا عن مشاعرها
تأليف: فرانس دو فال
Mama’s Last Hug: Animal emotions and what they tell us about ourselves
by Frans De Waal
- W. Norton & Company
في أبريل 2016 زار البيولوجي جان فان هوف Jan van Hooff حديقة الحيوان الملكية The Royal Burgers Zoo في آرنهيم بهولندا ليودّع الشمبانزي الأم، ماما Mama، التي كان قد قابلها وصادقها قرابة 40 سنة. كانت ماما البالغة من العمر 58 عاماً تحتضر آنذاك كما كانت بالكاد قادرةً على الحركة. غير أنها عرفت فان هوف، وهو يبلغ اليوم 79 عاماً بالمناسبة، وبِلُقياها صديقها القديم ابتسمت ابتسامةً عريضةً من الأذن إلى الأذن وأسندت هيكَلها استعداداً لاحتضانه.
لقد شوهد ذاك الاحتضان إلى جانب ذاك اللقاء السعيد المؤثر أكثر من عشرة ملايين مرة عبر موقع اليوتيوب.
لا ينفرد البشر النوع الوحيد القادر على التعبير عن المشاعر. ويقول دو فال: “إذا ما نظرنا إلى الكيفية تتصرف بها الحيوانات مثلنا، وما تتشارك فيه معنا من ردات أفعالنا النفسية، وما لديها من إيماءات وجه تعبيرية، وامتلاكها للنوع نفسه من الأدمغة، أ لن يكون من المستغرب حقاً أن تختلف خبرات الداخلية عنا اختلافا كبيرا؟”
قصة ماما وما يشبهها، من الكلاب التي “تشعر” بجراح أقرانها إلى الفئران التي تساعد أقرانها في الشدة، ستقنع القارئ أنه بدلاً من المرور على المشاعر مرور الكرام ” فقد حان الوقت لكي نواجه درجة التأثير التي تحرّك فيها المشاعر جميعَ الحيوانات”، كما يقول دو فال.
كوننا: الدليل الإرشادي لرائد الفضاء
تأليف: جو دنكلي
Our Universe: An astronomer’s guide
by Jo Dunkley
Pelican
لو كنت جديداً على علم الفلك أو أردت كتابا صغيرا وسهلا، ويشرح لك الكوزموس Cosmos، إذاَ جو دنكلي Jo Dunkley، البروفيسورة في علوم الفيزياء والفيزيافلكية من جامعة برينستون، قد كتبته لك. تفكك دنكلي أثناء أيام عملها اليومي المعتاد مواضيع نشأة الكون وتطوره، وهي هنا تثبت مهارتها في هذا الكتاب المُصاغ بسلاسةٍ في الكشف عمّا يقبع وراء الأرض وسبب جريانه في المسار الكوني على نحوه الذي هو جارٍ عليه، وهو ما شرحه باتريك مور Patrick Moore للجيل السابق.
ويبدو أن الكوزموس أوسع وأضخم وأثرى تنوّعاً بكثيرٍ مما تصوّر مور وأقرانه ممن تلوه من بعده. مثلا هل كنت تعلم أن كلا من الصور المتعددة للأجرام الفضائية البعيدة الناتجة من تأثير عدسة الجاذبية (الثقالية) هي انعكاس للجرم عبر أزمنةٍ مختلفةٍ من الوقت؟ أو أن لدينا نظريّتين لقياس معدل اتساع الفضاء وقياس معدل شيخوخة الكون Universe- وأنّ كلتا النظريّتَيْن لا تتوافقان؟ كتابُ دنكلي مُفعمٌ بالتفاصيل الشيّقة وبالألغاز المحيّرة والمسائل والمُعضلات غير المحلولة. ويُعَدُّ كتابُها هذا بداية جيدة للقارئ الجديد على مجال الفلك وللباحث الذي قد يكون وجهاً مألوفاً في مجالها العلمي بالسنوات القادمة.
قصة الديناصورات عبر 25 اكتشافاً
تأليف: دونالد بروثيرو
The Story of the Dinosaurs in 25 Discoveries
by Donald Prothero
Columbia University Press
الكتب التي تتلف من مقالات مرقمة هي كثيرة ووفيرة جداً هذه الأيام، إلاّ أننا الآن نحظى بمؤلِّفٍ يستخدم مادته البحثية للإتيان بطرح جديد لم يُسبَق له بتاتاً من قبل. فكل كشفٍ علميٍ من الخمس وعشرين أحفورة التي يعرضها دونالد بروثيرو Donald Prothero هي لغز معقّد، يتكشف عبر عدد من الأجيال وعبر عمل علماء الأحافير لتركيبها وتفكيكها من جديد ثم إعادة تركيبها، لحل طلاسمها المعقدة في أحجية رُباعية الأبعاد تعكس عملية التطور الديناصوري عبر الزمن.
كيف جُمِعَت كسرات العظام الأحفورية المبعثرة لتصنع لنا كائناً لم يره أحدٌ من قبل؟ كيف أمكن التعرف على ديناصورات عصورٍ زمنيةٍ عدّةٍ وتصنيفها على أنها تعودُ إلى كائنٍ حيٍ واحد في الأصل؟ كيف لنا أن نعرف الهيئة التي بدت عليها الديناصورات سلفاً في بادئ الأمر وقد تحللت واضمحلّت الأجزاء الطرية منها أبان فترة حضانتها الأحفورية في باطن الأرض؟ ولماذا طُرحَت تلك الفكرة الجدلية القديمة القائلة إن الطيور تحدّرت من الديناصورات؟
وعبر ذلك كله، سنعلم سبب عدم وجود البرونتوصورات Brontosaurus أصلا، وكيف لم تركب قرون الترايسيراتوب Triceratops ولم تثبت، لزمن طويل، على رأسه باتّساق. ومن على طاولة عالم أحافير شهير من كاليفورنيا، هذه قصة من قصص الخيال والتنافس والخطأ والعبقرية الصارخة. ويبرز فيها عظماء التاريخ، فهناك الرائع المجتهد المتفاني والمغرور والنزق ريتشارد أوين Richard Owen وهناك النرجسي الفظ ويليام بوكلاند William Buckland الذي لا يشبهه أحد في طموحه ومسعاه الدؤوب. وكما كشف بروثيرو، فإن الميدان اليوم مليءٌ بالأعاجيب والأفكار المبتكرة التي لا تقل بهجة وإدهاشاً عما اكتُشف مسبقاً.
التسامي: كيف تطور الإنسان من خلال النار واللغة والجمال والزمن
تأليف: غيا فنس
Transcendence: How humans evolved through fire, language, beauty, and time
by Gaia Vince
Basic Books
تجمّع المحررة السابقة لأخبار مجلة نيتشر Nature الأدلةَ (جينية، أحفورية، أنثرولوجية، أثرية – والقائمة تطول) من العقود الأخيرة المنصرمة للكشف عمّا يميّز النوع البشري. ولعل قرّاء ريتشارد رانغهام Richard Wrangham ( Catching Fire, 2009) أو ريتشارد داوكنز Richard Dawkins ( Climbing Mount Improbable ، 1996) أو سو سافاج رامبو ( Kanzi: The Ape at the Brink of the Human Mind، 1994) أو أيٍ من المجلّدات التي قد تحدثت عن موقعنا في هذا العالم الحي على مدى العشرين سنة الماضية، لن يواجهوا أيَّ صعوبة في التعرف على من أين ينبع خليط قصص فنس. غير أن هناك تشويقاً وإمتاعاً ورؤىً في الطرح الذي تقدمه في كتابها.
السمات التي اعتقد في السابق أننا نتفرد بسببها، كإجادتنا لقواعد اللغة والإيثار وإشعال النار وتوظيف الآلات وخوض الحروب والبحث عن الجمال والعواطف، إنما هي سمات مشتركة بين كثيرٍ من الأنواع الحية، والتي تربطها مع احتياجاتها الخاصة. وبعد ذلك، لا بد من سببٍ ما وراء تلك السمات وتطوّرها مُجتمعةً مما مهّد لنشوء النوع البشري هومو سابينس Homo Sapiens المعاصر على هيئته الحالية، وهو النوع الحي الذي يستغل 40% من مُجمَل إنتاج الأولى Primary production الكوكب.
وفي تفسير فنس تتسيد قُدرَتَا طبخ الأطعمة وقصّ الحكايا. وهي أبعد ما تكون من أن تبدو متباهية بكتابها: يمكن تشبيه التمدّن الإنساني الحضاري بالمُضغة الحيّة اللزجة أولية التكوين، حيث تتحلّق الخلايا الأولى فيما بينها في عملٍ جماعي لحماية المركز مُعرّضةً أطرافها للأذى.
ولكن، لِمَ هذا المنظور القاسي؟ تفضل فينس أن نسعد بما نحن عليه على هذا الكوكب المتغير والمتنوع، وعلى الرغم من كل التفرد، فلسنا وحدنا في نهاية المطاف.
© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC