إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تدعم لقاح كوفيد-19 لشركة فايزر، ممهدة الطريق للاستخدام في حالات الطوارئ في الولايات المتحدة
بقلم: جون كوهين
ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة
في نوفمبر 2020 انتشر التقرير الأولي الذي مفاده أن لقاحًا لكوفيد-19 (Covid-19)، صنعته فايزر وشريكتها بيونتيك، كانت فعالا بنسبة 95%، وقد أدهش ذلك العالم أجمع. وكانت مفاجأة أخرى عندما دعمت اللجنةُ الاستشارية لإدارة الدواء والغذاء الأمريكية Food and Drug Administration (اختصارًا: الإدارة FDA) وبقوة طلب الشركة في الحصول على ترخيصٍ للاستخدام في حالات الطوارئ Emergency use authorization (اختصارًا: الترخيص EUA) للقاحهم لمن أعمارهم 16 سنة أو أكثر. وصدرت موافقة الإدارة FDA بسرعة على التوصية، خلال أيام قليلة، وبدأت مجموعات مختارة من الأشخاص في الولايات المتحدة ، للمرة الأولى، بالحصول على لقاحات لكوفيد-19 خارج نطاق التجارب الإكلينيكية (السريرية).
كما رحب علماء آخرون بقرار الإدارة FDA، إذ تقول ناتالي دين Natalie Dean، الاختصاصية بعلم الإحصائيات البيولوجية والتي تختص باللقاحات من جامعة فلوريدا University of Florida: “من الجيد معرفة أنه لدينا منتجات ناجعة ستُصنع وتكون متاحة للناس”. وتقول إن مستوى فاعلية اللقاح “فاقت التوقعات”.
ويأتي هذا الإعلان المتوقع للإدارةFDA بعد أيام من بدء المملكة المتحدة بتلقيح كبار السن والعاملين في القطاع الصحي العاملين في الواجهة باستخدام لقاح فايزر-بيونتيك، والذي رخصته الدولة للاستخدام في حالات الطوارئ في 2 ديسمبر 2020. وقد طُوِّر اللقاح باستخدام استراتيجية جديدة لم تستخدم من قبل خارج التجارب الإكلينيكية، إذ يحتوي على حمض نووي ريبوزي مرسال Messenger RNA (اختصارًا: الحمض mRNA) والذي يُرمِّز البروتين السطحي Surface protein، وهو بروتين شوكي Spike protein، لفيروس سارس-كوف-2 (SARS-CoV-2)، الفيروس المسبب للجائحةPandemic .
وكما شرح علماء فايزر للّجنة الاستشارية للقاحات والمنتجات البيولوجية ذات الصلة Vaccines and Related Biological Products Advisory Committe (اختصارًا: اللجنة VRBPAC)، فإن مستحضر الحمض mRNA يقي بفعالية من كوفيد-19 المصحوب بأعراض، وذلك في تجربة لنجاعته اشتملت على 44 ألف متطوع: وفي هذه الدراسة أصيب ثمانية أشخاص فقط من المجموعة التي تلقت اللقاح على جرعتين تفصلهما فترة 21 يوم، مقابل 162 مشاركًا أصيبوا في مجموعة الدواء الغفل (الوهمي) Placebo، وهذه فاعلية بمقدار 95%. ومن ناحية أخرى، أصاب المرض الشديد تسعة أشخاص من الذين أخذوا الدواء الغفل، وواحدًا فقط من الذين أخذوا اللقاح، وهذا الأخير انخفض لديه مستوى أكسجين ولكنه لم يُدخل إلى المستشفى.
بعد أن استمعت اللجنة VRBPAC إلى العروض التقديمية المفصلة حول فاعلية اللقاح وحول بيانات الأمان من علماء فايزر والإدارة FDA، وكذلك تعليقات العامة، صوّتت اللجنة بـ17 صوتًا مقابل أربعة، وامتناع صوت واحد، في صالح الاستخدام في حالات الطوارئ . وأكد عدة أعضاء ممن لم يصوتوا مع القرار أنهم إنما اعترضوا على السماح باستخدام القاح بأن يستخدم على مَنْ يبلغون 16 و17 سنة، لأن عدد مَنْ هم في هذا السن في الدراسة كان قليلًا ولا تتوفر معلومات أمان كثيرة لهذه الأعمار. ويقول كودي مايسنر Cody Meissner، طبيب الأطفال في كلية طب جامعة تافتس Tufts University، والذي لا يعتقد أن المخاطر في هذه الفئة العمرية توازي الفائدة المحتملة: “لا يصاب اليافعون بمرض شديد [من كوفيد-19]، ونادرًا ما يُدخَلون إلى المستشفى، وأنهم يشكلون نسبة منخفضة من الوفيات”.
ومع أن اللقاح احتاج إلى جرعتين لتوفير الحماية الأقوى، إلا أن علماء فايزر ذكروا أن الحماية تبدأ بالظهور بعد نحو أسبوعين من الجرعة الأولى. فقد أُجْرِي تحليل إحصائي لكوفيد-19 للكشف عن ظهور العدوى المصحوبة بأعراض بين الجرعة الأولى والثانية، ووجدوا أن هناك 32 إصابة في مجموعة اللقاح مقابل 82 إصابة في مجموعة الدواء الغفل، والذي يعني أن هناك فاعلية بنسبة 52.4%. ولم يشجع موظفو الإدارة FDA ولا ممثلو فايزر على استخدام جرعة واحدة فقط، إذ إن الجرعتين توفران حماية أقوى بكثير. ولكن الأدلة الأولية حول الفعالية تشير إلى أن اللقاح قد يبدأ بإحداث أثر واضح قبل أن يصل إلى قوته الكاملة.
لقد درست التجربةُ اللقاحَ في مشاركين تراوحت أعمارهم بين 12 و91. ويجدر بالذكر أن المرض الذي يسببه الفيروس سارس-كوف-2 يكون أشد وأكثر من حيث الوفيات عندما يصيب كبار السن والأشخاص المصابين بالسمنة أو بالأمراض المصاحبة كداء السكري والمشكلات التنفسية المزمنة. وشَكَّل الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على الـ 65 ما نسبته 21% من مجموع المشاركين في التجربة، وشَكَّل الأشخاص السود – والذين يصابون بكوفيد-19 بنسبة تختلف عن غيرهم – 10% من المتطوعين، كما كان أكثر من الثلث مصابين بالسمنة، وكان واحد من كل خمسة مشاركين مصابًا بأحد الأمراض المصاحبة. أما بالنسبة إلى جنسياتهم، فقد كان أغلب المشاركين يعيشون في الولايات المتحدة، مع أن أماكن التجربة اشتملت على الأرجنتين، والبرازيل، وألمانيا، وجنوب إفريقيا، وتركيا.
لقد أظهر بعض أعضاء اللجنة VRBPAC مخاوف حول أدلة الأمان والفعالية المحدودة في الأشخاص السود، والأمريكيين الأصليين وكبار السن. كما سلَّطت الضوءَ على أوجه قصور أخرى خلال المقابلة الافتراضية التي دامت ست ساعات، ومن ضمنها قلة البيانات التي تشير إلى أن اللقاح يحمي من المرض الشديد، وانعدام الأدلة على أن اللقاح يمنع انتقال الفيروس، ونقص المعلومات حول الأمان والفاعلية في الحوامل وأجنتهن (إذ استثنين من الدراسة) . كما كانت هناك مخاوف حول الآثار الجانبية النادرة التي ظهرت (مع أنها ليست مرتبطة ارتباطاً واضحاً باللقاح) والتي من ضمنها شلل بيل Bell’s Palsy (والذي تنزاح فيه عضلات الوجه، مسببًا تدلي الخد والشفة)، والاختناق، والذي أصيب به شخصان ممن أخذوا اللقاح خلال الأسبوع الأول من ديسمبر 2020 في المملكة المتحدة.
ولكن عدة أعضاء من اللجنة، والتي تتكون أساساً من الأطباء، أكدوا أن منافع اللقاح تفوق المخاطر تفوقاً واضحاً. “أظن أن التجارب بيّنت الأمان بمنتهى الوضوح، ولو قارنا ذلك بوجود 2500 حالة وفاة في اليوم [جرّاء الإصابة بالمرض في الولايات المتحدة الأمريكية]”، فإن التصريح بالاستخدام في حالات الطوارئ يصير أمرًا منطقيًا، وفقا لما يقوله مايسنر.
أحد الطلبات الشائكة التي طلبت الإدارة FDA إلى اللجنة أن تقدم رأيها عنه كان: هل يجب على المشاركين الذين حصلوا على الدواء الغفل في التجارب الإكلينيكية أن يعطوا لقاح الحمض الريبوزي المرسال mRNA؟ ولكن هذا الطلب لم يوضع موضع التصويت، وقاد إلى كثير من النقاش والخلاف. ترى فايزر أنه عند موافقة الإدارة FDA على الاستخدام في حالات الطوارئ، فإن المشاركين الذين اختاروا ترك الدراسة يجب أن يُخبَروا إذا كانوا قد أخذوا الدواء الغفل أو اللقاح، وقد طلب مسؤولو الشركة أن تسمح لهم الإدارة FDA لهم بإعطاء اللقاح للذين أخذوا الدواء الغفل إذا كانوا مؤهلين له خارج نطاق الدراسة. وأساساً، بسبب القصور المتوقع في توفير كميات هذا اللقاح صعب التصنيع على مدى الأشهر القليلة القادمة، فإن مخططات إعطاء الأولوية ستحدد من سيكون في الصف الأول للجرعات الأولى. وترى فايزر أن إعطاء اللقاح لمن تناولوا الدواء الغفل قد يسمح للشركة بتتبعهم وإضافة معلومات أخرى إلى الدراسة.
أما ستيفين غودمان Steven Goodman، الاختصاصي بعلم الوبائيات في جامعة ستانفورد Stanford University، والذي قدم محاضرة للإدارة FDA حول الأخلاقيات البيولوجية للتجارب الإكلينيكية، فيقول إن دراسة فايزر لم تعِد كل المشاركين بأنهم سيحصلون على اللقاح في مقابل مشاركتهم. “لا أظن أننا ملزمون بإعطائهم اللقاح فورا”، هذا ما قاله غودمان مجادلًا في أن مُستقبِلي الدواء الغفل يجب ألّا “يتخطوا الصف” أمام الأشخاص ذوي المخاطر الأكبر أو الأكثرالحاجة إلى التلقيح.
اقترح غودمان مخططًا بديلًا، وهو ألا يُخبَرَ المشاركون في الدراسة بما إذا كانوا قد أخذوا الدواء الغفل أو اللقاح، ويفيد ذلك جزئيًا في التأكد من أن السلوكيات التي تزيد خطر تعرض الناس لفيروس سارس-كوف-2 تبقى على ما هي عليه في كلتا المجموعتين. وبعدها، عندما يصير المشاركون مؤهلين لتلقي اللقاح بناء على مخطط إعطاء الأولوية المحلي أو الحكومي، سيحصلون على حقنتين (من اللقاح إذا كانوا في مجموعة الدواء الغفل، ومن الدواء الغفل إذا كانوا تلقوا اللقاح من قبل). وبهذه الطريقة، تبقى مسألة معرفة إذا كان الشخص تلقى التلقيح أم لا، ومن ثم السلوكيات المحددة للخطر، ثابتة عبر الدراسة ككل. ويقول غودمان: “سيعطي ذلك المشاركين وسيلة للبقاء في الدراسة”، ويقول إن أغلب الأشخاص الذين يشاركون في دراسات اللقاحات يفعلون ذلك لأسباب إيثارية. ويقول: “إذا لم يكونوا يريدون الانتظار حتى يأتي دورهم في التلقيح بعد تحديد أحقيتهم محلياً، فإن الانسحاب لن يسرِّع حصولهم على اللقاح. ومن ثم، لن يكون هناك محفز للانسحاب”. ومع ذلك، تسوية المسألة هي أمر يخص الإدارة FDA وفايزر، ولم تدلي الإدارة FDA دلوها في هذه المسألة ولا حتى من خلال تصريح غير رسمي.
هذا، وقد أكدت الإدارة FDA أن الاستخدام لحالات الطوارئ لا يعتبر موافقة، ولكن بديلًا مؤقتًا خلال حالة الطوارئ. وقالت فايزر إنها تتوقع توفير بيانات كافية تتعلق بالفاعلية والأمان؛ مما يخولها الحصول على موافقة كاملة بحلول أبريل 2021. كما قد تسلط دراسات الحيوانات الضوء على المخاطر االمتوقعة للحوامل وأجنتهن، وقد تتوفر بيانات عنها خلال شهر ديسمبر، وقد تأتي بعض المعلومات من النساء اللاتي حملن خلال الدراسة.
هذا، وقد شكر بيتر ماركس Peter Marks، والذي يرأس قسم اللقاحات في الإدارة FDA، كلّا من ساهم في الاجتماع، وقال: “إبقاء هذه العملية شفافة يعتبر خطوة مهمة جدًا من الخطوات التي نتخذها لتحسين الثقة في اللقاح في الدولة”.
غير أن الإدارة FDA كانت قد تعرضت لانتقاد شديد لإصدارها تصريحا مسبقا بالاستخدام الطارئ لعدد من العقاقير لعلاجات كوفيد-19، وذلك تحت ضغط شديد من الرئيس دونالد ترامب وإدارته، ومن بينها الهيدروكسي كلوركوين Hydroxychloroquine ، والذي كان هناك – في أفضل الأحوال – القليل من الأدلة المقنعة لدعم استخدامه، ولم يُطلَب رأي اللجان الاستشارية بهذا الخصوص. أما اجتماع فايزر-بيونتيك حول كوفيد-19 الذي انعقد في 10 ديسمبر 2020؛ فقد كان عكس ذلك تماما، من حيث أنه قدم حجة مقنعة للتصريح بالاستخدام الطارئ، ومن حيث انفتاح النقاشات فيه.
بعد الاجتماع تحدث ماركس إلى مجلة ساينس Science قائلا: “بذل العلماء جهدا عظيمًا، وقد حافظوا على المعايير العلمية العالية التي يتوقعها العالم من الإدارة FDA. وها نحن نصل إلى عتبة الخطوة التالية التي ستتيح لنا أن نبدأ بالعمل بفاعلية لتخطي الجائحة في الولايات المتحدة عن طريق التطعيم”. ويقول إن فريقه احتاج إلى “أيام قليلة” للتوصل إلى قرار، و”عملوا بأسرع ما يمكن”.
أما روث كارون Ruth Karron، والتي تدير مركز أبحاث التمنيع Center for Immunization في كلية بلومبيرغ للصحة العامة في جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University’s Bloomberg School of Public Health؛ فتقول إنه لأمر لافت للنظر أن العلم انتقل من تحديد التسلسل الجيني للفيروس إلى لقاح عامل وعالي الفعالية في أقل من سنة. وتقول: “الآن علينا التأكد من أن هذا اللقاح، واللقاحات عالية الفعالية التي يرجح أن تتلوه، ستوزع بشكل فعال وعادل، وأن الأشخاص جاهزون وراغبون في الحصول عليها”.
© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.