أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

كيف يمكن لماسحات الدماغ أن تساعدنا على إحداث ثورة في الأدوية النفسية

بقلم:       كلير ويلسون

ترجمة:   د. عبد الرحمن سوالمة

عندما يتعلق الأمر بعلاج حالات الصحة النفسية، يمكنك القول إننا كنا نعمل في الظلام. والأدوية التي نستخدمها للعلاج من المعروف أنها مليئة بالمشكلات . فقد طُوِّرت جميع هذه الأدوية تقريبًا قبل قدوم ماسحات الدماغ، ويعتقد ميتول ميهتا Mitul Mehta أن هذه الآلات الفعالة توفر فرصة فريدة لفتح نافذة على الحالات الدماغية المرضية لنرى الكيفية التي يستجيب بها الدماغ للعلاجات. وفي النهاية يمكن لهذا أن يساعدنا على  العثور على أدوية أفضل. ولدفع حدود الطرق التقليدية في اكتشاف الأدوية، فإن ميهتا، البروفيسور في التصوير العصبي والفارماكولوجيا النفسية من كينغز كوليدج لندن Kings College London، يستخدم ماسحات من أجل استكشاف كيف يمكن للأدوية الباعثة على الهلوسة Psychedelic وكذلك التنويم المغناطيسي Hypnosis أن يؤثر في الدماغ، وذلك في مسعى منه إلى العثور على طرق جديدة لعلاج الحالات المرضية النفسية والعصبية.  وما وجده يكشِّف الكثير عن الطريقة التي يعمل بها الدماغ، ويدعونا إلى إعادة النظر في الطريقة التي نفكر بها حول المرض النفسي.

كلير ويلسون: لماذا يجب علينا دراسة الأدوية النفسية باستخدام مسح الدماغ؟

ميتول ميهتا: تقريبًا، كلُّ الأدويةِ متاحةٌ في الطب النفسي، فلا نعلم الكيفية التي يعمل بها في الدماغ. فهناك حاجة كبيرة غير مُلباة في مجال علاج الأمراض النفسية. وعلى سبيل المثال، قد نكون مهتمين في علاج جديد محتمل قد يؤثر في نظام الثواب Reward system في الدماغ. وقد تكون لدينا أعراض دالة على انخفاض في التحفيز Motivation، وهو أمر شائع جدًا في الأمراض النفسية،  كالفُصام Schizophrenia والاكتئاب Depression، على سبيل المثال.

وأحد الأسئلة هو: هل تتوسط الدارات Circuits العصبية نفسها بالدماغ في نقص التحفيز؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإنه قد يستجيب للعلاجات  نفسها أو لعلاجات متشابهة. ومن ثم، فقد تكون هناك فوائد في النظر إلى الأعراض والكيفية التي نفهم بها أعراض معينة فهمًا أفضل، ومن ثم الكيفية التي يمكن بها علاج هذه الأعراض علاجًا أفضل، لأنك بذلك قد تجلب النفع على أكثر من تشخيص واحد عام.

ومن ثم، بدلًا من التعامل مع أمراض نفسية معينة تتلاءم مع النظام الموجود حاليًا في تصنيف الأمراض، فهل تنظرون تقريبًا إلى الأشياء التي تجري عميقًا تحت التصنيفات؟

بالتأكيد. أظن أن هذه هي الطريق التي يجب اتباعها. فالتشخيصات النفسية مفيدة من الناحية الإكلينيكية، ولكنها ليست مبنية على البيولوجيا العصبية، وليست مبنية على فهم وظيفي للدماغ. وإذا كنا سنبني تطوير العلاجات الجديدة على الفهم البيولوجيا العصبي للدماغ، يجب أن ننظر إلى العمليات والأعراض، والتي قد تتجاوز حدود التشخيصات.

هل سبق وأن حالفكم النجاح في طريقتكم في استخدام مسح الدماغ للتقصي عن حالات نفسية؟

الفترة الزمنية التي كنا نعمل عليها هي الفترة الزمنية نفسها المطلوبة لتطوير دواء جديد، ومن ثم لا نتوقع نجاحات كبيرة بعد، ولكنا نأمل بأن يتحقق ذلك خلال السنوات العشر القادمة.

خذي على سبيل المثال، داء باركنسون Parkinson’s Disease، وهو أحد اضطرابات الحركة، ولكنه أيضًا مرض يعاني فيه ما يصل إلى نصف المرضى من الذهان Psychosis. وغالبًا ما يعانون الهلوسات، ويمكن لذلك أن يتطور إلى معاناة الوُهام Delusions. ويمكن لذلك أن يسبب الكثير من الضيق، ليس فقط على مستوى الفرد المصاب، بل أيضًا على شريكه أو على الذي يعتني به.

كيف يمكننا تخفيف أعراضهم؟ أحد النماذج التي نعمل معها تتمثل باستخدام أدوية الهلوسة. وتصيب أدوية من مثل سيلوسيبين Psilocybin [وهو المركب الفعال في الفطر السحري Magic Mushrooms] مُسْتَقبِلًا معينًا في الدماغ يسمى المُستقبِل 5-HT2A ونظن أنه ذو دور أساسي.

إحدى خصائص آثار الهلوسة هي الاختلالات البصرية أو الهذيان. والمثير للاهتمام هو أنك لو درست الأفراد المصابين بذُهان داء باركنسون؛ لوجدت ازديادًا في عدد المستقبلات 5-HT2A، خصوصًا في مسارات المعالجة البصرية في الدماغ. وقد رأينا ذلك في مرضى خضعوا لمسوح التصوير الطبقي بالإصدار البوزتروني PET Scans، كما رأيناها في فحص الجثث كذلك. وبالصدفة عثرنا على دواء كان قد ُطوِّر لعلاج السرطان، ولكنه ثبّط تحفيز المُستقبِل 5-HT2A. ويفعل الدواء ذلك بطريقة جديدة، والتي نظن أنها ناجحة جدًا.

هل اختبرتم هذا الدواء في داء باركنسون؟

في البداية فحصنا الدواء في متطوعين أصحاء أعطوا سيلوسيبين. وهذا بمثابة فحص أبسط لنظريتنا، إذ إننا لسنا متأكدين من دور المستقبِل 5-HT2A في داء باركنسون. كما أن العمل مع المرضى أصعب من العمل مع متطوعين أصحاء. فقد أعطينا المتطوعين دواء السرطان في البداية، ثم وضعناهم في ماسح دماغي ثم أعطيناهم السيلوسيبين؛ فقد قلل الدواء بالفعل من أثر تجربة الهلوسة.

وهذا أمر واعد جدًا. فإذا كان الدواء يقلل أثر الهلوسة، فإن هذا يشير إلى أنه يصل إلى الدماغ بنجاح كافٍ ليكون له أثر في فيسيولوجيا الدماغ. والآن يمكننا استخدام الماسحات على مرضى مصابين بذهان داء باركنسون. ونجري الآن دراسة يُعْطَى فيها المرضى هذا الدواء لأسبوعين. وفي نهاية هذين الأسبوعين، نضعهم في ماسح لنرى إذا صار النشاط في مسار المعالجة البصرية طبيعيًا بسبب هذا المركب أم لا.

ما الذي دفعكم إلى استخدام العقاقير الترفيهية نفسية المفعول Psychoactive Recreational Drugs؟ هل هذه طريقة مفيدة لفهم الكيفية التي يعمل بها الدماغ؟

نعم، مفيدة جدًا. نكتشف الآن لتونا مع زملاء لنا أن سيلوسيبين قد يكون نافعًا كعلاج للاكتئاب. ونتعلم كذلك أن عقار MDMA، والمشهور بإكستاسي Ecstasy، قد يكون نافعًا في المساعدة على علاج اضطراب الإجهاد التالي للصدمة Post-Traumatic Stress Disorder. كما نتعلم أن المركبات الموجودة في القنب الهندي  Cannabis قد تكون نافعة في مختلف الحالات، ومن ضمنها النوم، والألم، والذهان – على سبيل المثال لا الحصر.

 ” الأشخاص الأصحاء سريعو التأثر بالإيحاء يمكنهم أيضًا أن يشعروا بهذا التحكم الخارجي في الحركة “

 

الكيتامين Ketamine مثير جدًا للاهتمام الآن؛ لأنه يبدو أنه ناجح كمضاد للاكتئاب، خصوصًا في الأشخاص الذين لم تنفع معهم العلاجات الأخرى. ولكن الكيتامين مثير للاهتمام أيضًا لأنه يُنْتِج مجموعة من التجارب (الخبرات) المحسوسة Experiences التي كان يظن لوقت طويل أنها تبدو كالذهان إلى حد ما، وهي أحد الأعراض الرئيسية في الفصام. وإذا أعطيت شخصًا دواء الكيتامين ثم استخدمت مقياسًا يستخدم لقياس أعراض الفصام، فإن الشخص سيحرز نقاطًا عالية على هذا المقياس.

وهذا يخبرنا بأمر مهمٍ؛ وهو أنك إذا تلاعبت بأحد الأنظمة في الدماغ، وفي حالة الكيتامين، فأنت تتلاعب بشكل أساسي بنظام الغلوتامات Glutamate System في الدماغ، عندها يمكنك أن تنشئ مجموعة من التجارب، والتي نعلم أن الكيتامين يتوسط التسبب بها، ويبدو ذلك إلى حد ما كالذُّهان. ومن ثم، نستخدم الكيتامين منذ زمن  لنحاول تطوير فحصٍ للعلاجات الجديدة للذهان، والتي تعمل على نظام الغلوتامات.

إذن، أنتم تستخدمون آثار الكيتامين في التغيير بالعقل كبديل للفصام؟

يمكنك إعطاء الأشخاص الأصحاء الكيتامين، يمكنك وضعهم في ماسح وإعطاؤهم أدوية أخرى إضافةً إليه لترى إذا كانت تعكس آثار الكيتامين. وفي البداية، يمكنك أن تعرف إنْ كانت الأدوية الأخرى تعمل أم لا، وإنْ كانت تصل إلى الدماغ وصولًا كافيًا لعكس آثار الكيتامين، ويمكنك أن تعرف أي الجرعات أكثرها نجاحًا. ومن ثم، فبإمكانك فحص المرضى بثقة حقيقية؛ لأنك إذا لم تكن تستطيع عكس آثار الكيتامين، فإنك على الأرجح لم تكن تصيب نظام الغلوتامات إصابة كافية لتكون نافعة للمرضى.

كما أنكم تستخدمون التنويم المغناطيسي. كيف يمكنه مساعدتنا على فهم المشكلات العصبية؟

وضعنا أشخاصًا منومين مغناطيسيًا في الماسح لننظر إلى الأنظمة الدماغية المرتبطة بالتنويم المغناطيسي عموما.

كما يمكننا إعطاء الأشخاص إيحاءات معينة لغرض دراسة تجارب معينة بشكل منفصل [قد يكون الإيحاء في التنويم المغناطيسي أمرًا بسيطًا، على سبيل المثال أن عيني الشخص ثقيلتان وأنه يشعر بالارتخاء، وقد تكون أكثر تحديدًا، كالشلل. بعض الأشخاص أكثر تعرضًا للإيحاء من غيرهم]. وأحد الأشياء التي فعلناها كان أن أوحينا بالشلل؛ حيث نوحي إلى الشخص بأن ذراعه اليسرى غير قادرة على الحركة وأنها مشلولة، ومن ثم قد نطلب إليه أن يحاول تحريك عصا لعب Joystick بينما هو مستلق في الماسح. وبعد ذلك ننظر إلى سلوكه وأنه لا يحرك عصا اللعب.

حسنًا، ربما هم مطيعون جدًا، ربما هم أفضل متطوعين في العالم ويتصرفون تمامًا كما نطلب إليهم [في الإيحاء]. أو ربما هم يختبرون الشلل حقيقةً. ربما يريدون بالفعل أن يتحركوا، ولكن ذراعهم بشكل أو بآخر لا تتحرك. وهذا ما يصفونه لنا. ويمكننا أن نصدقهم، ولكن ذلك لن يعطينا معلومات أكثر من ذلك.

وإذا استطعنا النظر إلى داخل الدماغ خلال هذه التجربة، يمكننا مقارنة ذلك بما يحدث في الدماغ عندما نطلب إليهم محاكاة كونهم غير قادرين على تحريك أيديهم.

هل تختلف العلامات المرئية في الدماغ عندما يكون الشخص مُنوَّمًا مغناطيسيًا مقارنة بمحاكاة ذلك؟

الأمر مختلف تمامًا. ما نجده هو نقصان في النشاط ببعض المناطق المتعلقة بالتخطيط الحركي. وهذا أمر مدهش بالفعل؛ فهو يخبرنا بأنه، من خلال التنويم المغناطيسي، نقلل من نشاط أجزاء في الشبكة الحركية. وهذه التجربة التي يصفها الأشخاص تتناسب مع ما نراه في الدماغ.

وبعدها أوحينا إلى المشاركين أن شخصًا آخر يتحكم في حركاتهم. ومن ثم، فإن هذه الفكرة المتمثلة بوجود فاعل خارجي يتحكم، أو فقدان الوكالة (الفاعلية) Agency، وبكلمات أخرى أنهم ليسوا هم من يتحكم في ذراعيهم. ويمكننا أن نلقي نظرة إلى المناطق الدماغية المتعلقة في هذه التجربة.

بل يمكننا فعل ما هو أكثر، وهو ما فعلناه كذلك، حيث طلبنا إلى الأشخاص كتابة نهايات للجُمل. ويمكننا إخبار الأشخاص أن الأفكار التي فكروا فيها -أي الكلمات التي اختاروها- ليست في الحقيقة كلماتهم، بل تلك التي يكتبونها هي كلمات شخص آخر. ويدعي الأشخاص بالفعل أنهم يمتلكون تحكمًا أقل في الكلمات التي يختارونها ويشعرون بأن شخصًا آخر يعطيهم الكلمات ليكتبوها. ونرى تغيرات في مناطق اللغة بالدماغ خلال هذه التجارب.

أليس هذا عرضًا نراه في الفصام كذلك؟

نعم. نسمي ذلك ظاهرة اللافاعلية Passivity Phenomena وهي عرض شائع جدًا في الفصام. ومن ثم، فإن هذه فرصة حقيقية لدراسة هذه الظواهر منفصلة. وستعطينا بعض المعلومات المهمة جدًا. أولًا، تخبرنا هذه التجارب بأن الأشخاص السليمين سريعي التأثر في الإيحاء يمكنهم اختبار ظاهرة اللافاعلية. ويمكنهم اختبار هذا التحكم الخارجي في الحركة، وتجارب زرع الأفكار Though Insertion. ويمكننا دراسة المناطق الدماغية المتعلقة بهذا العرض بالتحديد. كما أن الأمر قابل للعكس، وهو أمر مثير للدهشة؛ إذ إننا يمكننا النظر إلى الدارات الدماغية المتعلقة ونعلم أنها بيئة آمنة يمكن للأشخاص أن يختبروا هذه التجارب.

هل تأملون بأن تكونوا قادرين على المساعدة على تطوير أدوية لإلغاء هذه الأعراض؟

نعم. نحن ننظر لتونا إلى الكيفية التي يمكن بها للأدوية تعديل بعض هذه الأعراض. أظن أننا بهذا الفهم الجديد، يمكننا أن نبدأ بالتفكير في طرق أفضل لاستخدام الأدوية الموجودة، ولكننا كذلك يمكننا أن نبدأ بتطوير تقنيات للنظر إلى أدوية جديدة وعلاجات جديدة، حتى يتسنى لنا تسريع تطويرها.

[رابط لفيديو:

شاهد: ميتول ميهتا Mitul Mehta يكشف كيف يمكن لمسوحات الدماغ أن تساعد على تطوير الأدوية

https://www.newscientist.com/video/2245584-mitul-mehta-brain-scanners-can-help-revolutionise-psychiatric-drugs/   ]

https://www.newscientist.com/video/2245584-mitul-mehta-brain-scanners-can-help-revolutionise-psychiatric-drugs/

© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى