أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فيزياءفيزياء نظرية

على العكس من الأخبار المعتادة، الدليل على فيزياء جديدة لم يتلاشَ

 تكرار تجربة تؤكد المغناطيسية الإضافية للميون

بقلم:    أدريان تشو

ترجمة: مي بورسلي

في الأسبوع الثاني من أبريل 2021 أفاد فريق مكون من أكثر من 200 اختصاصي بعلم الفيزياء بأن الثغرة المحتملة في فهمهم للجسيمات والقوى الأساسية تبدو أكثر واقعية حالياً. فقد أكدت القياسات الجديدة أن جسيمًا سريعًا تحت (دون) ذري يسمى الميون Muon قد تكون له قوة مغناطيسية أكبر قليلاً مما تستنتجه النظرية. فهذا الشذوذ الصغير، 2.5 جزء فقط في البليون، هو تهديد مرحب به للنظرية السائدة لفيزياء الجسيمات، النموذج القياسي Standard model الذي طالما شرح إلى حد كبير كل ما رأوه في مُحطِّمات الذرات Atom smashers وتركهم متلهفين إلى شيء جديد يحيرهم.

ويقول أليكسي بيتروف Alexey Petrov، الاختصاصي بعلم الفيزياء النظرية من جامعة واين ستيت Wayne State University: “منذ سبعينات القرن العشرين، كنا نبحث عن صدع في النموذج القياسي… قد يكون هذا هو”. ولكن سالي داوسون Sally Dawson، الاختصاصية بعلم الفيزياء النظرية من مختبر بروكهايفن الوطني Brookhaven National Laboratory، تشير إلى أن النتيجة لا تزال غير نهائية. إذ تقول: “إنه لا يضيف شيئًا إلى فهمنا للفيزياء سوى أن نقول إنه يتعين علينا الانتظار لفترة أطول قليلاً لنرى ما إذا كان ذلك حقيقة”.

ولعقود من الزمن، قاس الفيزيائيون مغناطيسية الميون، وهو ابن عم أثقل وغير مستقر للإلكترون Electron، والذي يتصرف مثل قضيب مغناطيسي صغير. إذ وضعوا الميونات في مجال مغناطيسي عمودي يجعلها تدور أفقيًا مثل إبر البوصلة الصغيرة. ويكشف التردد Frequency الذي تدور فيه الميونات عن درجة مغناطيسيتها، والتي يمكن أن تشير من حيث المبدأ إلى جسيمات جديدة، حتى تلك الجسيمات الضخمة جدًا التي لا يمكن تفجيرها لتتكشف لنا في محطم ذرة مثل مصادم الهادرونات الكبير Large Hadron Collider في أوروبا.

وذلك، بفضل اللايقينية الكمّيّة Quantum uncertainty، لأن الميون يتوارى وسط ضباب الجسيمات الأخرى وضديدات الجسيمات Antiparticles التي تظهر وتختفي من الوجود. لا يمكن ملاحظة هذه الجسيمات “الافتراضية” Virtual مباشرة، لكنها قد تؤثر في خصائص الميون. وتتنبأ نظرية ميكانيكا الكم Quantum mechanics ونظرية النسبية الخاصة Special relativity لآلبرت آينشتاين Albert Einstein بأن الميون يجب أن تكون له مغناطيسية أساسية معينة. والجسيمات القياسية المألوفة التي تدور حول الميون تزيد تلك المغناطيسية بنحو 0.1%. والجسيمات غير المعروفة الكامنة في الفراغ Vacuum يمكن أن تضيف زيادة أخرى غير متوقعة.

في عام 2001 أفاد الباحثون في تجربة Muon g-2، المشتغلون وقتها في مختبر بروكهايفن، أن مغناطيسية الميون كانت أكثر بقليل مما يتوقعه النموذج القياسي. وكان الاختلاف بنحو تقريبا 2.5 ضعف اللايقينية النظرية والتجريبية معاً. وهذا غير قريب من معيار الفيزيائيين للادعاء بأنه اكتشاف جديد: الذي يكون عادة لديه خمسة أضعاف اللايقينية الكلية Total uncertainty. ولكنه يظل تلميحاً محيرًا لجسيمات جديدة غير مفهومة بعد.

لذلك، في عام 2013، نقل الباحثون التجربة إلى مختبر معجّل فيرمي الوطني Fermi National Accelerator Laboratory  (اختصارا: المختبر فيرميلاب Fermilab) في إلينوي، حيث يمكنهم الحصول على حزم أنقى من الميونات. وبحلول الوقت الذي بدأت فيه التجربة المُحدَّثة بالحصول على البيانات في عام 2018، تحسنت تنبؤات النموذج القياسي لمغناطيسية الميون وارتفع الفرق بين النتائج التجريبية والنظرية إلى 3.7 ضعف اللايقينية الكلية.

وفي 7 أبريل أعلن الفريق في ندوة بمختبر فيرميلاب أن فريق التجربة g-2 قد أصدر النتيجة الأولى من التجربة  المُحدَّثة، باستخدام بيانات جُمعت خلال عام. فالنتيجة الجديدة تتفق تمامًا تقريبًا مع النتيجة القديمة. والتوافق يوضح أن النتيجة القديمة لم تكن مصادفة إحصائية ولا نتاجًا لبعض العيوب غير المكتشفة في التجربة، كما يقول كريس بولي Chris Polly، الاختصاصي بعلم الفيزياء من مختبر فيرميلاب والمتحدث باسم فريق التجربة g-2. ويقول: “بالنسبة إلي، وبما أنني كنت وقتها طالب دراسات عليا في التجربة التي أجريت في المختبر بروكهايفن، فقد كان بالتأكيد شعورًا باعثا على الارتياح”.

والنتائج الجديدة والقديمة تزيد من قيمة الاختلاف مع تنبؤ النموذج القياسي إلى 4.2 ضعف ما قد ينتج بسبب الأخطاء التجريبية والنظرية. وهذا لا يزال غير كافٍ للادعاء باكتشاف محدد لكن في مجال تلوح فيه تلميحات مشابهة لوجود فيزياء جديدة ثم تلبث أن تختفي، ظلت مغناطيسية الميون لغزًا فرديًا تقريبًا، كما يقول غراهام كريبس Graham Kribs، الاختصاصي بعلم الفيزياء النظرية من جامعة أوريغون University of Oregon. “لا يوجد شيء آخر متميز يجعل المجتمع العلمي بأكمله يقول إنه علينا أيضًا التعامل مع هذه الفيزياء”.

وفي 25 من فبراير تشاطر فريق التجربة g-2 بأكمله لحظة مفصلية عندما كشف العلماء التجريبيون لأول مرة عن النتيجة الجديدة لأنفسهم. وتتضمن التجربة قياس المعدل الذي تدور به الميونات بدقة متناهية. ولمنع أنفسهم من التوجيه القياس بلاوعي إلى القيمة التي يفضلونها، اعتمد العلماء التجريبيون على ساعة تدق بتردد سري معروف لشخصين فقط، وكلاهما خارج هذا التعاون. فقط في نهاية التحليل فتحوا المظاريف التي تحتوي على التردد السري وذلك في اجتماع عقد عبر التطبيق Zoom بسبب القيود التي فرضتها جائجة كوفيد-19. وتقول هانا بيني Hannah Binney، طالبة الدراسات العليا وعضو الفريق من جامعة واشنطن University of Washington في سياتل: “بالتأكيد كان هناك جوٌّ من التوتر الشديد”. وفي غضون ثوانٍ، كما تقول، استخدم الباحثون التردد السري لحساب الأرقام واكتشاف أن النتيجة الجديدة تتطابق مع القديمة.

ويقول بيتروف إن الاستجابة الفورية للنتيجة الجديدة ستكون على الأرجح ذات شقين. أولاً، مع تأكيد القيمة التجريبية، من المرجح أن يشكك الفيزيائيون في التقدير النظري من جديد. ابتداءً من عام 2017، التقى أكثر من 130 اختصاصيًّا بعلم الفيزياء النظرية في سلسلة من ورش العمل للتوصل إلى توافق في الآراء حول تنبؤ النموذج القياسي، والذي نشروه في نوفمبر 2020. ولكن بيتروف يقول إن الحساب عبارة عن “خليط” معقد يستخدم مجموعة متنوعة من الأساليب بما في ذلك الاستقراء Extrapolating من نتائج المصادم – لحساب أنواع مختلفة من جسيمات النموذج القياسي التي تظهر وتختفي داخل الفراغ وخارجه. وسيضاعف العلماء الآن جهودهم للتحقق من قيمة يُجمع عليها الجميع وتطوير أساليب حسابية تمكنهم من حسابها من المبادئ الأولى، كما يقول بيتروف.

وبالطبع، سيبدأ الآخرون باختلاق نظريات جديدة تتجاوز النموذج القياسي وتشرح المغناطيسية الإضافية للميون. ويتوقع بيتروف أن “هذا سيكون يومًا مذهلا للفيزيائيين النظريين”. وقد تكون تأملاتهم سابقة لأوانها، إذ لا يزال الفيزيائيون التجريبيون في التجربة g-2 يحصلون على البيانات ويأملون بتقليل اللايقينية التجريبية بنسبة 75% في غضون بضع سنوات. لذا، فإن التناقض قد يتلاشى. ولكن، إذا كان الميون يشير حقًا إلى وجود شيء جديد، فسيكون العديد من العلماء النظريين حريصين على البدء بهذه الأبحاث.

©2021, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى