أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
Advertisement
بيولوجيا

تقنية تعديل الجينات كريسبر تحتاج إلى زر إيقاف – والآن صار لدينا واحدٌ

بإمكان تغيير الجينات باستخدام تقنية كريسبر لعلاج الأمراض وإطعام العالم، إن استطعنا التحكم فيها. والآن يبدو أن الفيروسات لديها الحل

بقلم: جيجي لي

ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة

هناك تقنية يمكنها معالجة بعض مشكلات الحياة المُلِحَّة، من المرض وحتى سوء التغذية. ويمكنها إصلاح مشكلات طبية مثل التليف الكيسي Cystic fibrosis وفقر الدم المنجلي Sickle cell anaemia، وذلك ببساطة بتغيير جزء بسيط من الشيفرة الجينية. ويمكنها كذلك القضاء على الملاريا بتحويل  ذكور البعوض إلى عقيمة. كما يمكنها القضاء على الهوام التي تدمر المحاصيل. كما يمكنها تعديل كائنات أخرى لزيادة فائدتها، مما يساعد على إيجاد أغذية أفضل طعمًا أو أكثر فائدة.

فهذه هي الوعود التي تقدمها تقنية كريسبر CRISPR، وهي أداة كيميائية حيوية في مقدمة ثورة التحرير الجيني. فالبكتيريا هي المصدر الطبيعي لهذه التقنية، وقد ذاعت شهرتها بين العلماء خلال العقد الأخير عندما أدركوا قدراتها الاستثنائية، وهي تقنية بدأت لتوها بالوفاء بوعودها. ولكن خلف كل هذا التحمس تقبع بعض الأسئلة المخيفة. ماذا لو حدث خطأ في التحرير الجيني؟ ماذا لو كانت هناك نتائج غير مرغوب فيها؟ ماذا لو لم نستطع إيقافها؟ من دون وجود وسائل تمكننا من إبقاء تقنية كريسبر على هدفها وإيقافها عند الحاجة، فقد تكون للتعديل الجيني عواقب كارثية – على كل من صحة الناس والكوكب عامة.

ما نحتاج إليه هو زر إيقاف، زر يمكننا استخدامه متى أردنا. فقد قضى الباحثون حول العالم سنوات محاولين أن يجدوا واحدًا، غالبًا بالبحث في مختلف الحلول الكيميائية الحيوية. ولكن، اتضح أن الإجابة قد تكون أمام أعيننا؛ ففي المواجهة التطورية التي تجري بين البكتيريا المنتجة لتقنية كريسبر والفيروسات التي تصيبها، صممت الطبيعة لتوها تقنية مضادة لكريسبر. والتحدي الحالي هو كيف نستفيد من زر الإيقاف المتطور هذا لصالحنا، ونستهل بذلك العصر الذهبي الذي يَعِد به تعديل الجينات.

الفيروسات، مثل المسبب لمرض كوفيد-19، لا يقتصر خطرها على البشر؛ فهي تهاجم جميع الكائنات الحية، ومن ضمنها البكتيريا. ففي المنافسة البدائية بين الفيروسات والبكتيريا، كان لتقنية كريسبر أحد الأسلحة التي طورتها البكتيريا لمقاومة البكتيريوفاجات (العاثيات) Bacteriophages، وهو الاسم الذي يطلق على الفيروسات التي تهاجم البكتيريا (انظر: سباق التسلح التطوري).

تقنية كريسبر هي جزءٌ من جينومات العديد من البكتيريا. ويتكون من تسلسلات متكررة من الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (اختصارا: الحمض النووي DNA) تتخللها قطع من الشيفرة الجينية التي تركتها البكتيريوفاجات من الهجومات الفيروسية السابقة. وعندما تغزو البكتيريوفاجات مرة أخرى، تصنع الخلية البكتيرية نسخًا من الحمض النووي الريبوزي (اختصارا: الحمض RNA) لمناطق كريسبر هذه. وبعدها، تتصل قطع المادة الجينية هذه ببروتين معين، وهو إنزيم يسمى الإنزيم كاس Cas. وبعدها تثبت نفسها بالتسلسلات المكافئة والموجودة في جينوم الفيروس الغازي، ثم يقطع الإنزيم كاس سلسلة الحمض النووي للفيروس، مدمرًا البكتيريوفاجات.عمليا، تعمل التقنية كريسبر كأنها نوع من الذاكرة الجينية للهجومات الفيروسية السابقة، وتوفر مناعة ضد الهجومات المستقبلية.

تعديل رائع

إذا أخذنا باعتبارنا بساطة النظام وروعته، لربما كان من غير المفاجئ أن الباحثين اكتشفوا في النهاية قدرة التقنية كريسبر كأداة للتعديل الجيني. فقد كان هذا الاكتشاف السبب في منح جائزة نوبل لعام 2020 للكيميائية الحيوية جنيفر دودنا Jennifer Doudna من جامعة كاليفورنيا University of California، بيركلي، وإيمانيول شاربينتييه Emmanuelle Charpentier، والتي تعمل حاليًا مديرة وحدة ماكس بلانك لعلوم مسببات الأمراض Max Planck Unit for the Science of Pathogens في ألمانيا. وفي بحث نشرتاه عام 2012 عرضتا نظام كريسبر اشتمل على تسلسلات جينية من اختيارهما، بدلًا من التسلسلات الموجودة في البكتيريوفاجات، مع إنزيم كاس يسمى كاس9 (Cas9). وباستخدام هذه الأداة يمكن لعلماء الأحياء أن يركزوا على تسلسل معين من الحمض النووي DNA وأن يقطعوه في موقع محدد. وهذا يتيح لهم تعطيل جين معين أو قطع جين تالف واستبداله بنسخة عاملة منه.

ومنذ ذلك الحين، استُخدمت تقنية كريسبر-كاس9  استخدامًا ناجحًا في العديد من المرات من أجل تعديل الخلايا جينيًا في المختبر. ولكن من أجل أن تكون التقنية علاجًا طبيًا فعالًا، يجب إعطاؤها مباشرة للخلايا في جسم الإنسان إما فعليا، كأن تعطى بالحقن، أو عن طريق ناقل، والذي يكون عادة فيروسًا مهندسًا وراثيًا ليُرمِّز للجينات المرغوب فيها. ففي 2020 استطاع فريق في الولايات المتحدة الوصول لذلك للمرة الأولى، إذ حقنوا كريسبر في عيني شخص مصاب بنوع وراثي من العمى تسببه طفرة واحدة. ولكن استهداف أجزاء أخرى من الجسم بدقة أصعب من ذلك. فالمشكلة هي كيف تدخل كريسبر فقط للخلايا المطلوبة، مع ضمان حدوث مقدار كافٍ من التحرير في هذه الخلايا حتى ترى النتائج التي تريد. وباستخدام النواقل “لا يوجد ما يسمى ‘الرصاصة السحرية’، بل إن الأمر أشبه بأسلوب بندقية الرش” وفقا لعالم الأحياء الجزيئية إيريك سونثيمير Erik Sontheimer من كلية طب جامعة ماساتشوستس University of Massachusetts Medical School. وهذا الأمر هو سبب بداية المخاوف.

يتخوف العديد من العلماء حول العواقب المحتملة إنْ تُرك تعديل الجينات من غير ضوابط. ويقول ألان دافيدسون Alan Davidson ، الاختصاصي بالميكروبيولوجيا من جامعة تورونتو University of Toronto، كندا: “إن حصل تعبير جيني لكاس9 في المكان الخطأ، أو لمدة طويلة جدًا، سيكون ذلك أمرًا خطيرًا جدًا”. فالمشكلة الأساسية هي أن التقنية كريسبر يمكنها استهداف تسلسلات قريبة من، ولكن غير مطابقة لأهدافها، ومن ثم فإن كاس9 يصير قادرًا على قطع هذه التسلسلات والتسبب باختلافات ضارة في أماكن أخرى من جينوم الشخص، وهذا ما يعرف بالتحرير (التعديل) البعيد عن الهدف Off-target edits.

وفيما عدا الاستخدام الطبي، فإن عواقب التحرير الجيني غير المضبوط مثيرة للقلق بالمثل. ففي أحد التطبيقات على تقنية كريسبر، والمسمى بالمحرك الجيني Gene drive، يمكن استخدام تقنية كريسبر-كاس9 لزيادة نسبة جينات معينة في مجتمع من الكائنات الحية بتعديلها لتزيد من فرص انتقالها إلى الجيل التالي. ويمكن لمحرك الجينات أن يستخدم لإحداث آثار كبيرة؛ كاستخدامه للقضاء على مرض محمول على ناقل مثل الملاريا على سبيل المثال، وذلك عن طريق تعزيز جين يجعل ذكور البعوض عقيمة، أو عن طريق منع الإناث من العضِّ. ولكن هناك خطرًا من أن مثل هذه الكائنات المعدلة وراثيًا قد تعيث فسادا في البيئة وتتبعها نتائج غير مرغوب فيها.

استعادة السيطرة

من الواضح أننا نحتاج إلى طريقة لنتحكم في تقنية كريسبر-كاس9 عن قرب أكثر. وهنا يأتي دور مضاد-كريسبر. فقد وُجِد كريسبر قابعًا في جينومات نصف البكتيريا التي حدد العلماء تسلسلها. ولكن بعض البكتيريوفاجات طورت نظامها الخاص لمقاومة كريسبر.

يتكون دفاعها من بروتينات صغيرة تسمى مضاد كريسبر (اختصارًا: البروتينات Acrs) المرمَّزة في جينوماتها. وعندما يصيب باكتيريوفاج خلية بكتيريا، فإنها تحقن مادتها الوراثية ثم تخطف الآليات الجينية للخلية المضيفة لصناعة نسخ من جيناتها الخاصة. وجينات البروتين Acr تكون من بين أول الجينات التي يعبر عنها، وهذا يعني أن مضاد كريسبر يمكنه أن يبدأ بالعمل مباشرة على إيقاف استجابة كريسبر للبكتيريا. ويستخدم عددًا مختلفًا من الآليات، من ضمنها الالتصاق مباشرة بإنزيم كاس ومنع كريسبر-كاس من الارتباط بالحمض النووي.

ففي عام 2012 اكتُشِف نظام مضاد كريسبر بالصدفة عند بداية صعود ثورة التحرير الجيني باستخدام التقنية كريسبر. فتفاجأ عالم المكروبيولوجيا جوزيف بوندي-دينومي Joseph Bondy-Denomy،  يعمل في مختبر دافيدسون، عندما وجد أن باكتيريوفاجات التي تصيب خلية البكتيريا المسببة للالتهاب الرئوي لم يكن يدمرها نظام كريسبر للبكتيريا. وبالنظر أقرب، اكتشف أن الفيروس عنده جينات قادرة على تعطيل دفاعات البكتيريا. ففي البداية، لم يدرك بوندي-ديموني حجم هذا الاكتشاف. وقتها لم يكن أحد يفكر في مشكلة إبقاء كريسبر-كاس9 تحت السيطرة، ولا في الطرق التي تؤدي إلى ذلك. ومع ذلك، استمر بدراسة البروتينات Acrs، ووجدها في عدد من باكتيريوفاجات الأخرى. وبعد فترة، تسيد هو وزملاؤه هذا المجال وكانوا وحيدين فيه.

ففي 2016 وجد بوندي-ديموني وزملاؤه البروتينات Acrs قادرة على تعطيل إنزيم كاس9، وهو الإنزيم المستخدم في الغالبية العظمى من دراسات تعديل الجينات. وبحلول ذلك الوقت كان لديه مختبره الخاص من جامعة كاليفورنيا University of California في سان فرانسيسكو. وكذلك، فقد اكتشفت زميلته السابقة أبريل باولوك April Pawluk البروتين نفسه، المسمى AcrIIA4، بالتزامن. والآن، تنبه الباحثون في تقنية كريسبر لهذا الأمر. وبالإدراك الواسع لمشكلة السيطرة على كريسبر، فقد بدأ العلماء بالاتجاه بكثرة إلى أبحاث مضاد كريسبر. وخلال شهور أدخل فريقٌ، من ضمنه دودنا، البروتين AcrIIA4 إلى خلايا بشرية جنبًا إلى جنب مع كريسبر-كاس9، ما أتاح لهم الحد من التحرير الجيني ليقتصر على فترة قصيرة، مما يقلل من مشكلة التحريرات البعيدة عن الهدف. وكذلك، فإن اختيار الوقت الذي يعطى فيه البروتين Acr طبقة أُخرى من التحكم، مما أتاح لهم إيقاف عمل كاس9 إما سريعا أو تدريجيا.

لا يزال هناك الكثير لاكتشافه حول البروتينات Acr، ولكن قدرتها على تنظيم تحرير الجينات واضحة. ويقول بوندي-دينومي: “هذه أوقات مثيرة جدًا، تتيح لنا النظر بنهج البروتين Acr على أنه أحد الخيارات، أو حتى الخيار الرئيسي. فما يقدمه إلينا هذا النهج هو القدرة على امتلاك زر إيقاف جيني يُرمَّز إليها مع كاس9”.

ولهذا منافع كبيرة مقارنة بالطرق الأخرى. فمثلًا، ستقلل من عدد العلاجات التي يتعرض لها المرضى مقارنة باستخدام دواء منفصل لتثبيط كاس9. كما أن ذلك يعني أن باستطاعتنا ضمان أن كاس9 و البروتين AcrIIA4 سيكونان في المكان نفسه وفي الوقت نفسه. وستعطيك مزيدًا من التحكم لإيقاف وبدء التحرير الجيني بالسماح لنشاط البروتينَيْن بالتأرجح إلى الأمام والخلف، والذي يحتمل أن يستخدم الضوء كمفتاح تحكم. فهناك مجموعة استطاعت لتوها هندسة نسخة من البروتين AcrIIA4 يمكن تشغيله وإيقاف تشغيله عن طريق تسليط ضوء عليه، في تقنية تعرف بالوراثيات البصرية Optogenetics.

على الهدف

يمكن لمضاد كريسبر أن يساعد على حل مشكلة اقتصار التحرير الجيني فقط على خلايا معينة. وبالتلاعب بالبروتينات Acrs، فمن الممكن إنتاج معقدات من CRISPR-Cas9-Acr بحيث تكون غير عاملة  باستمرار في الأجزاء غير المستهدفة من الكائن الحي. فقد بيّن فريق سونثيمير هذا الأمر في الدراسة الناجحة الأولى لمضاد كريسبر في كائن حي. وقد صنع الباحثون البروتين Acr، بحيث كان نشطًا ما لم يكن هناك وجود لقطعة من الحمض النووي RNA موجودة فقط في خلايا الكبد. وبعد ذلك أضافوا هذا البروتين إلى كريسبر-كاس9 بحيث يضمنون أن يحدث التحرير الجيني فقط في كبد الفأر. ويمكن لمثل هذا النهج أن يستخدم في أي عضو يحتوي على جزيء الحمض النووي DNA فريد.

“نحتاج إلى طريقة للتحكم في تعديل الجينات – وهنا يأتي دور مضاد كريسبر”

هذا، وإن الدمج بين البروتينات Acrs وكريسبر يوفر منافع على المدى الطويل. فالناقلات الفيروسية الآن هي أكثر الطرق شيوعًا لإدخال جينات كريسبر-كاس9 للخلايا، ولكن هذه الجينات ستبقى هناك إلى ما لا نهاية؛ وذلك ﻷنها تندمج مع الحمض النووي DNA للخلية. ونتيجة لذلك، هناك خطر أن يصير كاس9، في وقت ما مِنْ الزمن، ولسبب ما، نشطًا مرة أخرى ويجري تعديلات غير مرغوب فيها على الجينوم. ويمكن منع ذلك إذا كان هناك زر تشغيل وإيقاف تشغيل لتسلسل الحمض النووي المسؤول عن التحرير الجيني.

التقدم في أبحاث مضاد كريسبر كان سريعًا  ومذهلا، ولكن تبقى هناك أسئلة كبيرة. وأحدها هو ما إذا كان من الآمن إعطاء البروتينات Acrs للبشر. ويقول دافيدسون: ” لا أظن أن هناك مخاطر منها أكثر من الموجودة عند استخدام كريسبر، أو في الواقع، عند استخدام أي بروتين غريب ستدخله للبشر”. وعلى الرغم من ذلك، فإن كلًا من البروتينات Acrs وكريسبر-كاس9 يأتيان من أصل غير بشري، ومن ثم يمكنهما توليد استجابة مناعية ستعطلهما وقد تسبب التهابًا يلحق الضرر بالجسم. وقد ثبت لتوه أن كاس9 يولد أجسامًا مضادة في الفئران. ولكن، البروتينات Acrs أصغر بنحو 100 مرة من كاس9، ما يعني أنها قد تكون ذات فرصة أقل في أن تتعرف عليها الأجسام المضادة التي قد تنتج بسببها. ويظن بوندي-دينومي أن إضافة البروتينات Acrs من غير المرجح أن يجعل الأمور أسوأ.

سيكون التحدي الأكبر هو جعل مضاد كريسبر يعمل عمليا. ومن أجل التحكم في التحرير الجيني باستخدام البروتينات Acrs، نحتاج إلى أن نجد طرقًا لإيصالها للمكان المناسب داخل الجسم وأن نسيطر عليها  سيطرة موثوق بها  بمجرد ما تدخل إلى المكان المطلوب. ونحن غير قادرين على ذلك بعد. ويقول دافيدسون: “لا نزال نخدش السطح”. وهذا ليس مفاجئًا، خصوصًا أن هذه الفكرة لم تظهر إلا من عدة سنوات. ويعتقد بوندي-دينومي أن ذلك سيحدث يومًا ما. ولكن من أجل قدرة كريسبر على إنقاذ الحياة أمرًا واقعًا، يجب على مضاد كريسبر أن يثير المستوى نفسه من الاهتمام والأبحاث الإبداعية كما يفعل منافسها. يقول بوندي-دينومي: “من المهم جدًا أن يعرف الجميع بها”.

سباق التسلح التطوري

آلية الدفاع التي طورتها البكتيريا استجابة للفيروسات التي تصيبها هي آلية بارعة. وتعرف هذه الآلية بـ كريسبر، وتتكون من عنصرين: سلسلة من الحمض النووي DNA يمكنها استهداف الفيروسات التي واجهت البكتيريا مثلها قبلًا، وإنزيم يمكنه تقطيع الكائن الغازي. فهذه القدرة على الاستهداف والتدمير هي ما حطت كريسبر محط اهتمام الباحثين الساعين إلى تطوير التحرير الجيني (انظر: المقالة الرئيسية). ولكن، في عالم الطبيعة، يبدو أن قدرة كريسبر تتلاشى؛ فقد طورت بعض الفيروسات التي تصيب البكتيريا هجومًا بروتينيًا مضادًا يسمى مضاد كريسبر، ودائمًا تقريبًا يكون هذا الهجوم ناجحًا.

من المحير قليلًا من الناحية التطورية أن يبقي الانتخابُ الطبيعيُّ Natural selection تقنية كريسبر تعمل في البكتيريا التي تواجه مقاومة من مضاد كريسبر. وأحد التفسيرات المحتملة هو أن كريسبر له وظائف أخرى مفيدة. فعلى سبيل المثال، يبدو أنه يساعد البكتيريا على تكوين الأغشية الحيوية الرقيقة Biofilms، وهي مجتمعات متباينة من الميكروبات، ولها منافع كثيرة على بقاء الميكروبات الموجودة فيها. وإضافة إلى ذلك، تستخدم بعض البكتيريا كريسبر لمساعدتها على تنظيم التعبير الجيني عن بعض جيناتها. كما قد تكون لها فوائد أخرى لم تكتشف بعد.

وأحد الأسباب الأخرى التي تحافظ فيها البكتيريا على كريسبر هي أنها لا تزال فعالة ضد الفيروسات المضادة التي تمتلك مضاد كريسبر في ظروف معينة. ويبدو أن العامل الأهم هو الحجم النسبي لمجموع الفيروس والكائنات المضيفة. ويحتاج نظام كريسبر إلى الطاقة حتى يعمل، ولكن فائدته الكبرى هو أنه يمكنه الاستجابة بسرعة. ومن ثم، عندما تُهاجم البكتيريا من عدد قليل من الفيروسات، فإن كريسبر يمكنه القضاء عليها قبل أن تتكاثر وتفعّل مضاد كريسبر، مما يحمي الميكروب من فقد الكثير من الطاقة.

حرب غير منتهية

تطلب الأمر على الأرجح آلاف السنين من البكتيريا لتطور كريسبر. ” يحتاج الأمر إلى كمية هائلة من الإبداع الجيني، وفقا لإيدزي ويسترا Edze Westra، من جامعة إكستر University of Exeter بالمملكة المتحدة، والذي يدرس الإيكولوجيا التطورية لمناعة البكتيريا. ومع ذلك، فإن مستقبلها التطوري غير أكيد، كل ما يمكننا التأكد منه هو أنه، في سباق التسلح من أجل البقاء، ستستمر البكتيريا بتطوير دفاعات إبداعية ضد الفيروسات، وستطور الفيروسات طرقًا لمواجهة ذلك.

© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى