الأطفال يصابون بكوفيد المُطوّل يتبعها مشكلات طويلة الأمد
بقلم: هيلين تومسون
ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة
هناك قلق شديد يظهر للعيان حول الآثار الصحية طويلة الأمد لكوفيد-19 في بعض الأطفال، كما أن بعض السياسيين في المملكة المتحدة يصفون عدم الاعتراف بالمشكلة بأنه “فضيحة وطنية”.
يبدو أن الأطفال محميون إلى حدٍّ ما من الأعراض الأكثر شدة لكوفيد-19. وبحسب المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض والسيطرة عليها European Centre for Disease Prevention and Control، فإن غالبية الأطفال لا يطورون أعراضًا عندما يصابون بالفيروس التاجي، أو أن أعراضهم تكون خفيفة جدًا.
ولكن، يتضح مع الوقت أن عددًا كبيرًا من الأطفال المصابين بكوفيد-19 المصحوب بأعراض وغير المصحوب بأعراض يعانون آثارًا طويلة الأمد، وذلك بعد عدة أشهر من إصابتهم الأولية.
أعراض طويلة الأمد
كان يُظَنُّ أن أعراض كوفيد مطوّل Long covid تتضمن التعب، وآلام العضلات والمفاصل، والصداع، والأرق، ومشكلات التنفس، وخفقان القلب. والآن، هناك مجموعات دعم وباحثون يقولون إنه قد يكون هناك ما يصل لـ100 عرض آخر، ومنها مشكلات معدية معوية، والغثيان، والدوار، والنوبات التشنجية، والهلوسات، وآلام الخصيتين.
أغلب أبحاث كوفيد مطوّل مبنية على البالغين. وهناك معلومات أقل حول من هم أقل من 18، وسبب ذلك جزئيًا هو طول الوقت المطلوب للحصول على الموافقة الأخلاقية لإجراء الدراسات على الأطفال، وذلك بحسب ما تقول ناتالي لامبرت Natalie Lambert، من كلية الطب بجامعة إنديانا Indiana University.
وجدت دراسة حديثة أن 13.3%من البالغين يصابون بكوفيد-19 المصحوب بأعراض الذي يستمر لأكثر من 28 يومًا (medRxiv, doi.org/ghgdsv). وتزداد احتمال الأعراض طويلة الأمد مع زيادة العمر ومؤشر كتلة الجسم BMI، وكانت أكثر احتمالًا في النساء مقارنة بالرجال، مع أن السبب ليس واضحًا. وأما المعاناة من أكثر من خمسة أعراض في الأسبوع الأول بعد العدوى؛ فقد كان مرتبطًا باحتمال أكبر في الإصابة بأعراض في المستقبل.
“500 ألف طفل في المملكة المتحدة ممن كانت نتائج فحص كوفيد-19 لديهم إيجابية”
تشير الأدلة من الدراسة الأولى التي درست كوفيد مطوّلًا في الأطفال إلى أن أكثر من نصف الأطفال الذين أصيبوا بالفيروس ممن أعمارهم بين 6 و16 يعانون عرضا واحدا على الأقل يستمر أكثر من 120 يومًا، كما أن 42.6% منهم تؤثر هذه الأعراض في نشاطاتهم اليومية. وهذه النتائج المرحلية مبنية على تقييمات دورية لـ129 طفلًا في إيطاليا، والذين شُخِّصوا بكوفيد-19 بين مارس ونوفمبر 2020 في مستشفى جامعة جيميلي Gemelli University Hospital بروما (medRxiv, doi.org/fv9t).
“12.9% هي نسبة أطفال المملكة المتحدة ممن أعمارهم بين 2 و11 والذين يظلون يعانون أعراضا لخمسة أسابيع بعد العدوى الأولية”
يقدر آخر تقارير مكتب المملكة المتحدة للإحصائيات الوطنية UK Office for National Statistics أن 12.9% من أطفال المملكة المتحدة ممن أعمارهم من 2 إلى 11، و14.5%من الأطفال ممن أعمارهم من 12 إلى 16، يظلون يعانون الأعراض لخمسة أسابيع بعد العدوى الأولية. وهناك ما يقرب من 500 ألف طفل كانت نتائج فحص كوفيد-19 لهم إيجابية منذ مارس 2020.
“14.5% هي نسبة أطفال المملكة المتحدة ممن أعمارهم بين 12 و16 والذين يظلون يعانون أعراضا لخمسة أسابيع بعد العدوى الأولية”
تقول أغلب الهيئات الطبية إن كوفيد-19 يتطلب عدة أيام إلى أسابيع للشفاء، وأن الأغلبية يُصلُّون لشفاء كامل خلال 12 أسبوعًا.
تقول مجموعة التأييد المسماة أطفال كوفيد مطوّل Long Covid Kids إنها تمتلك حاليًا بيانات 1200 طفل مصاب بكوفيد مطوّل من 890 عائلة في إنجلترا. وتقول المؤسِّسة سامي ماك فارلاند Sammie Mcfarland: “وهذا الرقم كان ولا يزال في تزايد سريع. ولم يعد أي منهم إلى صحته السابقة، وأغلبهم غير قادرين على أداء نشاطاتهم اليومية”.
ويمكن لعواقب كوفيد المطوّل في الأطفال أن تكون مسببة للضعف. ففي بيان برلماني موجز بالمملكة المتحدة في 26 يناير، وصفت ماك فارلاند كيف أن طفلتها ذات الـ14 سنة بدا وجهها خاليا من التعابير، وصارت صحتها ضعيفة، وكانت غير مستجيبة بعد إصابتها بكوفيد-19 في مارس 2020. وبعد ثلاثة أسابيع في السرير، تمرنت تمارين خفيفة في الحديقة ثم قبضت على صدرها، مشتكية من ألم في القلب. تقول ماك فارلاند: “فجأة شعرت بوهن وكادت لا تستطيع العودة إلى المنزل لسريرها. وبقيت أغلب الوقت هناك في سريرها للشهور السبعة التالية”.
“شعرتْ بوهن وكادت لا تستطيع العودة إلى المنزل لسريرها. وبقيت أغلب الوقت هناك للشهور السبعة التالية”
ومنذ أغسطس 2020 تقول ماك فارلاند إن هناك أوقاتًا تتحسن فيها ابنتها ويذهبون فيها إلى نزهة خارج المنزل، ولكنهم سرعان ما أدركوا أن كل نزهة إلى الخارج تحفز فترة طويلة من الانتكاس، وهي مشكلة يبدو أنها شائعة عند الأطفال المصابين بكوفيد مطوّل أيضًا.
ويبدو أن هناك حالات أخرى تظهر بشكل آخر. وتشارلي ماونتفورد-هيل Charlie Mountford-Hill لديها خمسة أطفال، أصيبوا جميعًا بكوفيد مطوّل بعد إصابتهم بالفيروس في المراحل المبكرة من الجائحة. وبعد ما يقرب السنة من إصابة ابنها ذي الأربع سنوات، فإنه كان لا يزال يعاني ألما في الرئة، والنعاس، ومشكلات في المعدة، وحالات من الصداع. وأما طفلها ذو العشرة سنوات؛ فيعاني التعبَ، ومشكلات معوية، مع وجود ألم حول منطقة القلب. وتقول ماونتفورد-هيل: “مع أنهم عانوا فترات سيئة وأخرى أفضل حالًا، إلا أنهم لم يكونوا معافين قطُّ”.
البحث عن رعاية لكوفيد مطوّل
من أسباب الإحباط الشائعة بين الآباء هو نقص الدعم من الأطباء. وتقول ماك فارلاند إنهم قد يتجاهلون الأعراض باعتبار أنها غير مرتبطة بكوفيد-19 وذلك ﻷنها كثيرة التباين. وغالبًا ما تفشل فحوصات الدم والمسوح بإعطاء أي جواب. وتقول: “الأغلبية العظمى من الأشخاص المعروفين لدى ‘أطفال كوفيد مطوّل’ لا يزالون غير قادرين على الحصول على الدعم”. وتعمل المجموعة الآن مع الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا NHS England ليحاولوا الوصول إلى وسائل العناية.
أعطى عدة آباء أدلة في البيان البرلماني الموجز حول كوفيد مطوّل في الأطفال، والذي أدارته عضوة البرلمان ليلى موران Layla Moran. وتحدثت إلى مجلة نيوساينتست New Scientist قائلة: إن “نقص الدعم، والاعتراف، والعلاج لكوفيد مطوّل في الأطفال هو فضيحة وطنية”. وفي رسالة لرئيس الوزراء، والتي عرضت في مجلة نيوساينتست، يشير العديد من أعضاء البرلمان إلى الوضع على أنه أزمة تحتاج إلى أن تُولى اهتمامًا أكبر.
كما أن نقص المعلومات حول كوفيد مطوّل في الأطفال يعتبر مهما خصوصا بالقرارات المتعلقة بإعادة فتح المدارس، حيث إن موعد فتحها صار وشيكًا في أجزاء من المملكة المتحدة والولايات المتحدة في الأسابيع القادمة.
تقول لامبرت: “من المؤكد أنه ليست لدينا بيانات كافية حول الآثار طويلة الأمد لكوفيد في الأطفال حتى نتخذ قرارات سياسية جيدة حاليًا”، ولامبرت هي مديرة الأبحاث لصالح شركات سرفايفر Survivor Corps، وهي أكبر مجموعات التأييد لكوفيد-19 بالعالم. ففي 18 فبراير منح المعهد الوطني للأبحاث الصحية National Institute for Health Research في المملكة المتحدة 1.4 مليون جنيه إسترليني لدراسة لتقييم عوامل الاختطار ونسبة انتشار كوفيد مطوّل في الأطفال.
سُمِح لبيوت الحضانة بأن تبقى فاتحة في إنجلترا، بينما بقيت المدارس الابتدائية والثانوية مغلقة منذ 5 يناير. وعندما سُئِل قسم التعليم Department for Education في المملكة المتحدة في 5 فبراير عما إذا كان أثر كوفيد مطوّل قد أُخذ بالاعتبار فيما يخص إعادة فتح المدارس، فإنها لم تُعطِ أي جواب.
تقول ماك فارلاند إن إرسال آلاف الأطفال إلى المدارس أمر “جنوني”. كما تقول: “يبدو أن إرسال الأطفال إلى المدارس بمثابة دعوة إلى احتمال أن يرزح جيل كامل تحت وطأة مشكلات صحية مزمنة طويلة الأمد. لماذا نخاطر بفتح المدارس قبل تطعيم الأطفال”.
حتى الآن، لم يصادق على أي لقاح لفيروس كورونا للاستخدام في الأطفال، مع أن شركة كانسينو بيولوجيكس CanSino Biologics في الصين تفحص لقاحًا على من أعمارهم من 6 إلى 12 سنة، وذلك بحسب بيانات كشف عنها في اجتماع حديث لأكاديمية نيويورك للعلوم New York Academy of Science. ويقول شيوفانغ يو Xuefeng Yu، المدير التنفيذي، إن البيانات الأولية ستُحَلَّلُ قريبًا. كما أن الشركة الأمريكية كوداجينيكس Codagenix تخطط أيضًا لفحص اللقاح الأنفي في الأطفال.
الخبر الجيد هو أن الأدلة تشير إلى أن الأطفال لا ينقلون كوفيد-19 بسهولة لبعضهم في الصفوف. ففي إحدى الدراسات، وُجِد أن طفلًا عمره تسع سنوات في فرنسا مصاب بالإنفلونزا وكوفيد-19 قد عرّض أكثر من 80 طفلًا آخر في ثلاث مدارس مختلفة. ولكن، لم يصب أحد بكوفيد-19 نتيجة لذلك، وذلك على الرغم من وجود عدد كبير من حالات العدوى بالإنفلونزا في هذه المدارس، مما يشير إلى أنه على الرغم من كون البيئة مناسبة لنقل الفيروسات التنفسية، إلاَّ أن كوفيد-19 لم ينتقل بمثل سهولة غيره من الفيروسات.
ومؤخرًا، أظهرت دراسة أجريت على الأطفال ممن أعمارهم بين 5 أشهر و4 سنوات في بيوت الحضانة في فرنسا وجود نسب منخفضة من العدوى والانتقال لكوفيد-19. كما أظهرت الدراسة أن العاملين لم يكونوا تحت خطر أكبر للعدوى مقارنة بمجموعة مقارنة من البالغين. وهذه النتائج تشير إلى أن الأطفال أكثر عرضة لأن يصابوا بكوفيد-19 من أعضاء العائلة مقارنة بأقرانهم أو معلميهم في بيوت الحضانة، ولكننا لا نزال بحاجة إلى المزيد من الأدلة، بحسب ما يقول مؤلفو الدراسة؛ وذلك لأن الدراسة أُجرِيَت عندما كانت هناك إجراءات صارمة لمكافحة الفيروس، وقبل ظهور الأشكال سريعة الانتشار منه.
حتى الآن، كان التركيز على الجائحة منصبًا على الوقاية من المرض الخطير والوفاة في الأجيال الأكبر سنًا، ولكن ماك فارلاند تقول إن التفكير يجب أن يتحول لينصب على الأثر الطويل الذي يُحدثه الفيروس في أطفالنا.
© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.