هل يتدفق الزمن في كلا الاتجاهين انطلاقا من الانفجار الكبير ليصنع مستقبلين؟
إن السبب الكامن وراء جريان الزمن إلى الأمام فقط هو لغزٌ كبير في الفيزياء. والآن، تقترح فكرة جديدة أنه يمضي في كلا الاتجاهين انطلاقا من الانفجار الكبير- بل، وبشكل أكثر جذرية، لا ينبثق الزمن عن الإنتروبية Entropy وإنما نتيجة لنمو البُنية.
بقلم: جوليان باربور
ترجمة: همام بيطار
يتدفق الزمن إلى الأمام. فهذا واضح جداً، ونعتبره أمراً مفروغًا منه. يبدو أن هذه القاعدة صالحة في كل مكان ننظر إليه، فجميع الظواهر القابلة للرصد لا تتكشف إلا في اتجاه زمني واحد. إننا نتقدم في العمر، ولا نصغر أبدًا، ونتذكر الماضي عوضًا عن المستقبل. كما أنّ النجوم تتكتل معا لتشكل المجرات بدلا من تشتتها. أما النُوى المشعة؛ فتتحلل بدلا من اتحادها.
والسؤال الكبير الذي نود الحصول عن إجابة عنه هو مصدر سهم الزمن أحادي الاتجاه؟ إنّ أكثر الإجابات شعبية تتعلق بمفهوم الإنتروبيةEntropy . فوفقًا لهذه الصورة، يُعتبر تدفق الزمن مجرد مظهر من مظاهر ميل الكون نحو الاضطراب Disorder.
لديّ فكرةٌ مختلفةٌ عن ذلك، أو بالأحرى فكرتان. فالزمن يتدفق في كلا الاتجاهين، فالانفجار الكبير (العظيم) Big Bang ليس أصلا له، وإنما نقطة وسيطة انطلق منها جزءا الكون في اتجاهين متعاكسين. فلا يمكننا أبدا رؤية الجزء الذي سلك الاتجاه الزمني المعاكس، وعلى الرغم من ذلك أقترح وجوده كنتيجة أساسية لقانون جوهري من قوانين الطبيعة.
أما فكرتي الثانية؛ فأكثر راديكالية، وقد تغير فهمنا لطبيعة الزمن، كما أنّ نتائجها تتجاوز عالَم الفيزياء الكلاسيكية، والعالَم الذي يمكننا رؤيته بسهولة، لتقدم إلينا أدلة جديدة عن الطبيعة الكمية للجاذبية، وهي النظرية المراوغة التي تحاول الجمع بين النسبية العامة General Relativity وميكانيكا الكم Quantum Mechanics.
تدين معظم أفكار الفيزيائيين الحالية عن الزمن بالفضل لألبرت آينشتاين Albert Einstein، فقد مزجت نظريته في النسبية العامة الأبعاد الثلاث للمكان مع الزمن بمفهوم الزمكان Space–time، والذي يمثل الخلفية التي تدور داخلها كل الأحداث. فمن حيث المبدأ، وعلى الرغم من أن ذلك ليس ممكنا دوما من الناحية العملية، يُمكننا التحرك في المكان كما نرغب، لكنّ الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الزمن. إذ يُصر الزمن على التحرك في اتجاه واحد: ليس لدينا أي خيار غير المضي بالزمن من الماضي نحو المستقبل.
لا تُملي القوانين الأساسية في الطبيعة تدفق الزمن هذا، فكل تلك القوانين، باستثناء واحدة منها، متناظرٌ بالنسبة إلى الزمن Time-symmetric، فهي تعمل بشكل متكافئ باتجاه الماضي والمستقبل.
خذ، على سبيل المثال، التصادم بين كرتي بلياردو. يخضع هذا الحدث إلى أحد تلك القوانين، فهذا التصادم لن يظهر غريبا إذا تدفق الزمن إلى الوراء أو الأمام. فالقانون الوحيد الذي نعرف عدم تناظره بالنسبة إلى الزمن هو القانون المسؤول عن تحلل جسيمات أولية محددة، وهي حالة غريبة منعت الفناء الكامل للمادة وضديد المادة Antimatter في المراحل المبكرة من عمر كوننا، وأكدت وجودنا، نحن المكونين من المادة، هنا اليوم. ولكنه لا يستطيع هذا القانون أبدا شرح سبب التدفق المستمر للزمن نحو الأمام.
ولتفسير ذلك، لجأ الفيزيائيون إلى قانون آخر لا يعتبر أساسيا، لكنه ناتج من قوانين أكثر أساسية. وينص القانون الثاني في الديناميكا الحرارية Thermodynamics على أن الفوضى الإجمالية لنظام مغلق، والتي يُميزها كمية معرَّفة إحصائيا تُدعى الإنتروبية، تزداد دوما. وهي تفعل ذلك لأنه يوجد عدد أكبر من الحالات الفوضوية مقارنة بتلك المنظمة لأي نظام. ولذلك، سينصهر مكعب جليدي موجود في إحدى زوايا صندوق ويصير ماءً سائلا لتنتشر جزيئات الماء وتزيد الفوضى، ومن ثمّ تزداد الإنتروبية. فقد لاحظ الجزئية “معرَّفة إحصائيا”، فقوانين الفيزياء لا تستبعد أن تكون العملية عكسية، لكنها تدّعي أن هذا الحدث غير مرجح إلى درجة كبيرة من الناحية الإحصائية.
وفقاً لهذه الصورة، ينشأ اتجاه الزمن عن الزيادة الحاصلة في الفوضى. فإذا أخذت مجموعة من اللقطات التي تظهر المواقع المختلفة للجزيئات في الصندوق، فإنّ حفيدتي البالغة من العمر أربع سنوات ستستطيع إعادة ترتيبها. وبالنسبة إلى العديد من العلماء هذا كافٍ: الإنتروبية تزود الزمن بالاتجاه.
من ناحيتي، لا أشك أبدا في رسوخ الديناميكا الحرارية، التي وصفها آينشتاين بأنها “النظرية الفيزيائية الوحيدة ذات المحتوى العالمي التي أقتنع بها، ويشمل ذلك مجالات تطبيقها، ومفاهيمها الأساسية الصامدة”. لن أتحلى بالجرأة على معارضته أبدا.
لكن التحذير الذي أطلقه آينشتاين مهم، ويقودنا إلى السؤال التالي: هل يتضمن مجال تطبيق الديناميكا الحرارية كوننا؟ الذي لا يبدو نظاما مغلقا. فقد يكون حجمه محدودا، كما أنه يتوسع بالتأكيد وربما دون أي عائق. وإذا كان ذلك صحيحا، فهو لن يكون داخل صندوق. ولكن الصندوق، سواء كان فيزيائيا أم مفاهيميا، ضروري لتفسير فكرة الإنتروبية.
إن هذا السبب وحده كافٍ للتشكيك في تطبيق الديناميكا الحرارية في الكوزمولوجيا Cosmology. ولكن هناك سببًا آخر أيضا. ويفترض الفيزيائيون، عند استخدامهم لفكرة الزمن المحكوم بالإنتروبية، أن الكون بدأ مع حدث انفجار كبير لديه إنتروبية صغيرة جدا، أي أنه حالة خاصة جداً ومرتبة بشكلٍ استثنائي. فهذا الافتراض إجباري نوعا ما، فقد جرى إرجاع واحد من أكثر جوانب الوجود جوهرية إلى شرط خاص جداً، وقد دُعي ذلك بفرضية الماضي Past Hypothesis. وفي اعتقادي، فإن هذه الفرضية لا تمثل حلاً لمسألة الزمن، وإنما قبولاً بالهزيمة.
في الواقع، ربما لدينا بين أيدينا بديل لفرضية الماضي منذ نحو القرنين. ففي عام 1772 أثبت عالِم الرياضيات جوزيف لويس لاغرانج Joseph-Louis شيئاً يتعلق بسلوك نظام مكون من ثلاثة جسيمات تتفاعل مع بعضها البعض بواسطة قوة جاذبية نيوتن. وتنص فكرة لاغرانج على أن كل جسيم يجذب الجسيم الآخر بقوة تتناسب مع كتل الجسيمات وعكسياً مع مربع المسافة بينها.
نحو الأمام
أظهرت نتيجة لاغرانج التي يمكن تطبيقها على أي عدد من الجسيمات، أنه إذا كانت الطاقة الكلية للنظام (مضافا إليها الطاقة الكامنة Potential والطاقة الحركية Kinetic) صفرًا أو موجبة، فإن حجم النظام، وخاصة قطره، يصل إلى قيمة صغرى وحيدة أثناء تطوره في الزمن.
تسير هذه العملية إلى الوراء تماما كسيرها إلى الأمام لأن جاذبية نيوتن متناظرة بالنسبة إلى الزمن. ولكن هناك استثناء وحيدًا سأعود إليه لاحقا، ويتضمن نمو حجم النظام بشكلٍ لانهائي في كلا الاتجاهين: الماضي، والمستقبل.
من المثير للاهتمام، أن تجانس توزع الجسيمات يكون أفضل ما يمكن عند تلك النقطة ذات القيمة الصغرى. فمنذ فترة طويلة نعرف أن التوزع المنتظم للجسيمات Uniform Distribution غير مستقر بالنسبة إلى الجاذبية، إذ يتشظى هذا التوزع إلى مجموعة من التكتلات. ولكن ما لم يدركه الجميع هو أنه إذا ما عدت بتطور النظام بالزمن نحو الوراء، انطلاقاً من الحالة المؤلفة من مجموعة من التكتلات باتجاه النقطة الصغرى، أي الحالة المتجانسة، فإننا عندما نتجاوز هذه النقطة تعود الجسيمات إلى الحالة المتكتلة مجددا.
في ورقة نشرتها عام 2014 مع كلٍ من توم كوسلوفسكي Tim Koslowski من الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك National Autonomous University of Mexico وفلافيو ميركاتي Flavio Mercati من جامعة نابولي University of Naples في إيطاليا، أثبتنا صحة هذه الفكرة باستخدام كون مبسَّط. فقد بينت عملية المحاكاة لآلاف الجسيمات المتفاعلة فيما بينها بواسطة قوة نيوتن أنه من المحتمل جداً أن كل مجموعة من الجسيمات ستتطور نحو تلك الحالة الصغرى، ومن ثم تتوسع مجددا لتصير أكثر تنظيما في كلا الاتجاهين. وقد أطلقت على الحالة الصغرى تلك نقطة جاينوس Janus point نسبة إلى الإله الروماني الذي ينظر إلى الاتجاهين المختلفين للزمن في الوقت نفسه.
ماذا يعني ذلك بالنسبة إلينا؟ إذا كنا نعيش في ذلك الكون الذي وصفته، فلا بد أننا على أحد جانبي نقطة جاينوس. فقد وجدنا أن قانون نيوتن المتناظر زمنيا يحكم ما يحصل حولنا، لكنه يحكم أيضا سهما من الزمن يُحدد مستقبلنا. أما في الاتجاه الزمني المتعلق بالماضي، فإنه بوسعنا رؤية الضباب فقط. إنّه ذلك الذي ندعوه الانفجار الكبير، لكن لا شيء بعده.
قادنا عدم إدراكنا إلى أن ذلك الضباب هو نقطة جاينوس إلى إقحام فرضية الماضي لشرح ما لا يمكن تفسيره. ولكن قانون نيوتن ينص على أن تلك النقطة الخاصة موجودة، ولذلك لا داعي لإقحام فكرة فرضية الماضي. وعوضا عن ذلك، يُمكننا رياضياتيا تعريف كمية تعكس حالة تطور نظامنا المكون من مجموعة من الجسيمات نحو حالة بنيوية جديدة. ودعنا ندعُ تلك الكمية “التعقيد” Complexity.
يُحسب التعقيد بالاعتماد على كتل كل الجسيمات الموجودة، ونسب المسافات بينها. ولا يرتبط هذا المفهوم أبدًا بالأرجحية الإحصائية للحالات الممكنة، ويختلف عن الإنتروبية لأنّ نموه يعكس زيادة في تعقيد البنية، أو التنوع، عوضا عن الفوضى.
في كتابي الصادر مؤخرًا نقطة جاينوس The Janus Point، أخذت الأمر إلي ما هو أبعد من ذلك. ففي نهاية المطاف، يقترح نموذجنا أن تاريخ الكون ليس قصة ترتيب يتحول بشكلٍ مستمر إلى فوضى، وإنما هي قصة نموٍ لبنية، أو التعقيد وفقاً للتعريف الذي وضعناه.
ينتج هذا الاقتراح في المقام الأول من نظرية نيوتن في الجاذبية. ولم يتضح بعد ما إذا كان ممكنا توسيعه ليشمل وصف الجاذبية في إطار النسبية العامة. لكن، وفي العديد من الحالات، تتنبأ جاذبية نيوتن بسلوك مطابق للنسبية تقريبا، ولذلك لدينا أدلة تدفعنا إلى البحث عن تأثير مماثل في نسبية آينشتاين.
ويقودني هذا الأمر إلى الاستثناء الوحيد لنتيجة لاغرانج التي ذكرناها سابقا. ففي كل القضايا التي ناقشناها حتى الآن، فإنّ الحجم الأصغر للكون عند نقطة جاينوس ليست صفرًا وإنما محدودا، لكن تطبيق النسبية العامة عند لحظة الانفجار الكبير يُعطينا حجما صفريا للكون، ويُعرف هذا الحجم بالمتفرد Singularity الذي تتحطم عنده كل المعادلات.
من المعروف أيضاً وبفضل الورقة العلمية الرائعة التي نشرها الفرنسي جان تشيزي Jean Chazy عام 1918 أن تلك الأحداث المتفردة Singularevents، المعروفة بالتصادمات الكلية Total Collisions، قد تحصل في إطار نظرية نيوتن. وفي أثناء هذه الأحداث تتقارب الجسيمات من بعضها البعض وتتصادم جميعا في الوقت نفسه عند مركز كتلتها المشترك. وعند هذه النقطة، تتحطم معادلات نيوتن، ولا يعود توظيفها ممكنا للتنبؤ بتطور أي حل بعد التصادم الكلي، وعوضا عن حلٍول ثنائية الجانب، لدينا الآن حلولٌ أحادية الجانب.
إذا أخذنا هذا الاستثناء على محمل الجد، فلن يعود بوسعنا القول إن للزمن اتجاهين متعاكسين، وإنما، وبشكلٍ ملحوظ، نجد أن ذلك لا يستبعد فكرة أن التعقيد أعطى الزمنَ اتجاهه.
تبقى معادلات نيوتن متناظرة بالنسبة إلى الزمن، ولذلك فإن الحلول التي تنتهي عند التصادم الكلي يُمكن أن تمضي في الاتجاه الآخر، فهي تصير أحداث “انفجارات كبيرة” نيوتونية تبتعد خلالها الجسيمات فجأة عن بعضها البعض. ففي البداية تماما، تكون الجسيمات مرتبة بطريقة متجانسة جداً، لكنها سرعان ما تتحرك بطريقة مشابهة لما يحصل على الجانب الآخر من نقطة جاينوس التي رأيناها في حساباتنا.
ونتيجة لبدئها من حجمٍ مساوٍ للصفر، فإن تشكيلها، المميز بالتعقيد، يحقق شرطاً خاصا جدا. فهناك العديد من التشكيلات، أو الأشكال، التي تحقق هذا الشرط، لكن واحدًا منها فقط يمتلك القيمة الصغرى المحتملة للتعقيد. إنه أكثر انتظاما من أي شكل آخر يُمكن أن يأخذه الكون.
هنا حصل التحول الجذري في القصة أثناء المراحل الأخير من تأليفي للكتاب. إن حقيقة أنّ للكون شكلا متجانسا جدا في المراحل المبكرة بعد الانفجار الكبير جعلتني أُفكِّر مليًا. فهل الشكل الخاص الذي حددته، والذي دعوته ألفا Alpha يُشير إلى نظرية جديدة عن الزمن، أو إلى طريقة قد تكون أكبر الجوائز التي تعدنا بها الفيزياء: نظرية كمية عن الجاذبية؟
تصف نظرية الكم Quantum Theory السلوك المنافي للبداهة والذي تتبعه الجسيمات تحت (دون) الذرية Subatomic. وعلى الرغم من كل النجاحات التي حققتها هذه النظرية، فإنها اعتمدت دوما على المفهوم الكلاسيكي الأساسي للزمن الذي يُوجد بشكل مستقل عن النظام وخارجه. لكن من المؤكد أن أي محاولة لإيجاد نظرية كمية للكون يجب أن تبدأ دون فكرة الزمن الموجود مسبقا. يجب أن ينشأ الزمن في مكان ما، في أي مكان آخر غير العالم الكمي.
وفكرتي عن التعقيد قد تساعد على ذلك. ويُمكن إطلاق الجاذبية الكمية النيوتونية على مقترحي Newtonian Quantum Gravity لأنها توحد الجوانب المختلفة لنظرية نيوتن في الجاذبية، وفوق كل ذلك قيمة التعقيد والميزتان الكميتان الرئيسيتان والجديدتان: الاحتمالات المختلفة لأن يجد نظام ما نفسه في حالة محددة، والكمية المعروفة بالدالة الموجية Wave Function التي تحدد كيفية تطور هذه الاحتمالات.
والفكرة هي: أن دالة موجية للكون هي التي تُحدد الاحتمالات المختلفة لكل الأشكال المحتملة للكون. فهذا تقليدي شيئا ما. ولكن الجديد الذي اقترحه هو كيفية حصول ذلك: وضعت ولادة الزمن عند ألفا، أي هذا التشكيل المنتظم والفريد للجسيمات، وجعلت التعقيد هو الوقت نفسه.
أكوام من الزمن
قلت إنه بوسع حفيدتي فرز اللقطات العشوائية ووضعها بالترتيب الصحيح. لنفترض الآن أنني أعطيتها لقطات لكل الأشكال المحتملة للكون لكي ترتبها في أكوام، كومة لكل درجة من التعقيد. ففي الكومة الأولى سنجد الشكل الأكثر انتظاما: ألفا. ومن ثمّ، سيكون هناك عدد لانهائي لكل قيمة من قيم التعقيد المحتملة، وستحدد الدالة الموجية الاحتمالات النسبية لكلٍ من تلك الأشكال داخل كل كومة.
هذا ما يجري في إطار ميكانيك الكم بالنسبة إلى الاحتمالات المتعلقة بالحالات المختلفة لنظام ما عند لحظات زمنية خارجية مختلفة. ويتضمن مقترحي شيئا مشابها لكنه مزود بزمن خارجي غير مرئي يستبدل فكرة التعقيد التي تعتبر مرئية لأنها محددة مباشرة بواسطة شكل الكون. ولذلك، فإن التعقيد لا يعطي الزمن اتجاهه فقط، وإنما هو الزمن نفسه.
تتطابق الصورة التي وضحتها مع التاريخ المعروف للكون، لكنها مجرد البداية فقط. فالخبر الجيد في رأيي بالنسبة إلى المراحل التالية هو وجود اختبار رصدي حتى ولو من حيث المبدأ حاليا.
تُشير عمليات المسح للضوء الأول في الكون، والمعروف بإشعاع الخلفية الكونية الميكروي CMB إلى أن توزع المادة في الكون في اللحظات المباشرة بعد الانفجار الكبير كانت متجانسة كثيرًا، وتكشف أيضا عن الاختلالات الصغيرة الحاصلة في تلك البنية الخاصة جدا لكوننا. ويُمكن لنظرية التضخم Inflation التي تنص على أن الكون خضع لتوسع ضخم في الأجزاء الأولى من الثانية بعد ولادته، أن تشرح شكل تلك الاختلالات بشكل جيد. ولكنها لا تُخبرنا كيف بدأ التضخم، ومن ثم يجب ضبط العوامل الرئيسية من أجل التطابق مع عمليات الرصد.
وفقا لفكرتي، يجب أن يبدأ الكون بأكثر الأشكال انتظاما على الإطلاق، ومن ثم يُطور اختلالات صغيرة. فقد يبدو ذلك افتراضا عشوائيا، لكنه في الحقيقة نتيجة مباشرة لأبسط قوانين ميكانيك الكم التي يُمكن اقتراحها للكون، والذي بدوره يُجبر الدالة الموجية على التطور من حالة محددة موجودة عندما يأخذ الكون أكثر أشكاله انتظاما. ففي الحقيقة ويُمكننا استخدام المبادئ الأولية للتنبؤ مباشرة بشكل تلك الاختلالات، والتي نستطيع لاحقا تأكيدها أو استبعادها بالاعتماد على عمليات مسح الخلفية الكونية الميكروية.
قد تمضي هذه الفكرة في كلا الاتجاهين. أنا متفائل وذلك ليس ناجما عن وجود نظير للتعقيد النيوتوني في نسبية آينشتاين فقط، وإنما لأنني أجد تشجيعا في أفكار نيلز بور Niels Bohr، مؤسس ميكانيك الكم، والذي قال إن أي أفكار كمية جديدة لا بد أن تكون مجنونة. وفكرة أن التعقيد نفسه هو الزمن هي بحد ذاتها مجنونة -وقد تكون مغيرة أيضا. فإذا كان الزمن تعقيدا، وهي “إذا” كبيرة جدا هنا، فإنه سيصيب عصفورين بحجر واحد، إذ سيقدم نقطة بدء جديدة يُمكننا من خلالها إعادة صياغة نظرية الجاذبية الكمية وإيضاح كيفية حصول الزمن على اتجاهه معتمدين في ذلك على أبسط المبادئ الأولية.
© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC