عندما يجري الزمن نحو الوراء: ما الذي قد تخبرنا به الديناميكا الحرارية عن الحياة
على المقاييس الصغيرة، باستمرار، يُنتهك القانون الثاني في الديناميكا الحرارية -الذي يعطينا سهم الزمن- وهي رؤية تقدم إلينا أدلة جديدة عن بعض أعظم الألغاز المرتبطة بالبيولوجيا
تجلس الآن مع صديقك في المقهى. فقد طلبتُ كوبًا من الكابتشينو، في حين طلب صديقك حليبًا مخفوقًا. ولكن عندما ارتشفت قهوتك، رأيتها تغلي وكان البخار يتصاعد من الكوب بمعدل متزايد. مذهولا بما شاهدته، أدرتَ رأسك نحو صديقك، فصعقك ما رأيت، فلسانه قد علق في المخفوق المتجمد. مرعوبان ومشوشان، ركضتما نحو سيارتك لتشعل المحرك وتهربا، لكنك لاحظت ارتفاع مقياس الوقود، فالمحرك يمتص الحرارة والغازات العادمة الآن ويحولها إلى بنزين وهواء.
لم يحدث ذلك قطُّ وغالبا لن يحصل بكل تأكيد. ولكن الكلمة الأساسية هنا هي “غالبا”. فعلى الرغم من أن العمليات التي تتضمن تبادل الطاقة لا تجري بهذا الشكل عند هذه المستويات المرتبطة بتجاربنا اليومية، إلا أنها يمكن أن تحصل على مستويات الذرات Atoms والجزيئات Molecules.
قبل أكثر من قرن، أقر الفيزيائيون بإمكانية وقوع هذا النوع مثل هذا الانتهاك على جريان الزمن إلى الأمام. ومع ذلك، فلم نبدأ إلا مؤخرا بفهم ما يعنيه ذلك للعديد من العمليات الحرجة التي تعتمد عليها الحياة.
إن فهمنا المتزايد للدافع وراء هذه العمليات -وكذلك الحدود- لا يقلب فقط مفاهيمنا التقليدية عن الطاقة، وإنما يكشف عن أدلة جديدة مرتبطة بتساؤلات محيرة عن البيولوجيا البشرية Human Biology، بما في ذلك كيفية نشوء بعض الأمراض العصبية Neurological diseases. ويركز الباحثون الآن جهدهم على تطبيق هذه الأفكار لفهم واحدة من أعظم الألغاز على الإطلاق: أصل الحياة Origin of Life.
في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر شهدت الثورة الصناعية استبدال العمل اليدوي بطاقة المحركات. ومع دخول المحركات البخارية Steam Engines إلى المشهد، سعى المهندسون أيضا إلى تحسين تصميم وفعالية المحركات الموفرة للعمالة، مثل العجلات المائية Waterwheel وطاحونات الهواء Windmill. وكان هذا العالَم الصناعي الجديد مسرحًا مثيرًا للفلاسفة الطبيعيين Natural philosophers، إذ تمكنوا من البدء بتحليل لغز الطاقة والقواعد التي تحكم تحولها إلى عمل مفيد. وبحلول عام 1860 صاغ كلٌ من رودولف كلاوسيوس Rudolf Clausius وويليام تومسون William Thomson (الذي عُرف لاحقا باللورد كلفن) كل ذلك في قانونين وُسعا لاحقا إلى أربعة. وبُنيت تلك القوانين على أفكار سابقة لعلماء من مثل سادي كارنو Sadi Carnot وجيمس جول James Joule، كما أنها لم تكن صالحة للمحركات فقط، وإنما يمكن تطبيقها على كل العمليات في الطبيعة، وحينها وُلد علم الطاقة: الديناميكا الحرارية Thermodynamics.
ينص القانون الأول في الديناميكا الحرارية على أنه ليس بوسعك خلق الطاقة، وإنما تحويلها. ويستند القانون الثاني في الديناميكا الحرارية على مفهوم يُعرف بالإنتروبية Entropy التي تقيس، تقريبيا، ميل الطاقة إلى التوزع والانتشار مع مرور الزمن. فالقيم المرتفعة للإنتروبية تعني اضطرابا Disorder مرتفعا وطاقة منخفضةLow energy . وينص القانون الثاني الذي تخضع له كل العمليات الطبيعية، على التزايد الحتمي للإنتروبية – بكلمات أخرى، لا يُمكن اكتساب الطاقة أو جعل الأشياء أكثر ترتيبا. وفي بعض التفاعلات النادرة بين الذرات والجزيئات، والتي تؤدي إلى خسارة في الإنتروبية، بدلا من زيادته، تبدو العملية كأنها تعود بالزمن إلى الوراء.
في عام 1878 استغل جيمس كلارك ماكسويل James Clerk Maxwell هذه الثغرة وكتب في مراجعة لمجلة نيتشر Nature: “حقيقة القانون الثاني في الديناميكا الحرارية هي بالتالي إحصائية، وليست رياضياتية لأنها تعتمد على حقيقة أن الأجسام التي نتعامل معها تتألف من ملايين الجزيئات… ولذلك يُنتهك القانون الثاني في الديناميكا الحرارية باستمرار”.
مكاسب صغيرة
بالنسبة إلى العمليات الطبيعية، مثل أن يبرد فنجان قهوتك حتميا، فإن الانتهاكات الحاصلة نتيجة لبعض التفاعلات القليلة التي تتضمن كسبا للطاقة لا تشكل فرقا لسعي الجسم نحو الحالة ذات الطاقة الأقل والفوضى الأكبر، ويُعرف ذلك بمبدأ الإنتروبية القصوى Maximum Entropy. ولكن العالَم النانوي، وبفضل رصد المجموعات الصغيرة من الجسيمات، تمكن العلماء من مشاهدة انتصارات مذهلة لبعض الاتجاهات.
وبالعودة إلى عام 2001، أطلق دينيس إيفانز Denis Evans وزملاؤه، من الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا Australian National University حزمة من الليزر على خرزة من بوليمر الليتيكس Latex Bead معلقة في الماء، ويبلغ حجمها ميكرومتر تقريبا. وقد استخدموا حينها الليزر كـ “ملاقط بصرية” Optical Tweezers، وهي تقنية شائعة في يومنا هذا لالتقاط الأشياء الصغيرة في مسار الضوء. وفي تلك التجربة، أدى السطح المنحني للخرزة دور العدسة، ليحني ضوء الليزر ويؤثر بقوة أبقت الخرزة في مركز الحزمة الليزرية. وباستخدام هذه القوة، سحبوا تدريجياً الخرزة عبر الماء. ووفقًا للديناميكا الحرارية التي صاغها كلاوسيوس وكلفن، فإنه وبصرف النظر عن عدد مرات تكرار التجربة، يجب أن تتبع الخرزة حزمة الليزر بسعادة.
بدلا من ذلك، وبعد تكرار التجربة مئات المرات، كانت الخرزة تسبق الحزمة أحيانا. يقول إيفانز: “استخرجت الخرزةُ الحرارةَ المحيطة من الماء وحولت هذه الحرارة إلى شغل Work جعلها تتحرك في الاتجاه المعاكس للحركة الطبيعية لبؤرة حزمة الليزر”.
على الرغم من استمرارها لثانيتين فقط، فإن هذه الأفعال الصغيرة هي انتهاكات للقانون الثاني في الديناميكا الحرارية. وجوهريا، شهد الباحثون الخرزة وهي تهزم القانون.
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي رُصدت فيها الانتهاكات عند هذه الأزمنة والأطوال، بل تطابقت الأرقام مع تطور حديث في القانون الثاني في الديناميكا الحرارية صاغه إيفانز وزميلته ديبرا بيرنهاردت Debra Bernhardt، من جامعة كوينزلاندUniversity of Queensland بأستراليا في بداية التسعينات القرن العشرين. تلاعبت “نظرية التذبذب” Fluctuation Theorem بالقانون الثاني ليصير بالإمكان دراسته إحصائيا. فمع أنّ القانون الثاني التقليدي صِيغ بحيث تزداد الإنتروبية دوما مع مضي الزمن -القهوة تبرد، والمحركات تحرق البنزين، إلخ. غير أن نظريتهم الإحصائية فسرت كيفية زيادة أو نقصان الإنتروبية في عمليات فردية صغيرة مع ضمان تزايد الإنتروبية على المقاييس الكبرى.
عموما، أظهرت نظرية التذبذب مدى اختلاف الديناميكا الحرارية عندما نركز على المستويات النانوية. فعند تلك المستويات، وبغض النظر عن الجسم الذي تدرسه، فهو يبقى معرضا لقصف مستمر من الجزيئات المحيطة؛ مما يؤدي إلى خلق درجة من الفوضى تجعل النظام يهتز Jiggle. ويتسبب هذا الاهتزاز في تذبذبات في الطاقة وانتهاكات للقانون الثاني في الديناميكا الحرارية، بل حتى في تشويش اتجاه سهم الزمن.
ويقول ديفيد ولبيرت David Wolpert، من معهد سانتافي Santa Fe Institute في نيوميسيكو، وهو مختص بالديناميكا الحرارية: “على المقاييس الاعتيادية، تنكسر البيضة، ولن ترى أبدا أي نقصان في الإنتروبية. لكن مع تركيزنا على المقاييس الصغرى ، سيكون احتمال رؤيتنا لعمليات عكسية أكبر”.
هذه العمليات ليست عكسية كسير عربة إلى الوراء. إن العملية العكسية Backward Process تشابه صعود نابض Slinky على الدرج، أو بيضة متناثرة تعيد تكوين نفسها: إن ذلك مستحيل في عالمنا الاعتيادي، حيث يجري الزمن حتميا نحو الأمام، لكن ليس في العالم النانوي. في ذلك العالم، لا يزال الزمن يميل إلى المضي قدما، لكنه لم يعد مقيدا باتجاه واحد. إن التفضيل الضئيل للمضي نحو الأمام عند مستويات الجزيئات المنفردة يعزز تدريجيا سهم الزمن، مع الإضافة المستمرة للمزيد من الجزيئات، مما يعطي انطباعاً بأن كل شيء يمضي إلى الأمام.
وصولا إلى الوقت الذي كانت فيه تقنيات النانو تسلك طريقها نحو التطبيقات التجارية، حفزت تجربة إيفانز وعواقبها المذهلة العمل المحموم. إذ صاغ العلماء نظريات التذبذب جديدة لمختلف السيناريوهات والتعميمات Generalisations. وقد حاولوا أيضا التوفيق بين نظريات التذبذب تلك ونظرية الكمّ Quantum Theory ومجالات البحث الأخرى. كما أنهم أجروا تجارب لا حصر لها انتهكت القانون الثاني في الديناميكا الحرارية مما أكد صحة النظريات في بيئات مختلفة.
ساعد ذلك الباحثين على التعرف على فائدة تلك النظريات في فهم الديناميكا الحرارية للأنظمة الصغيرة مباشرة، وقاد إلى التحول من عالم الأجهزة الإلكترونية إلى الأجهزة النانوية. مع ذلك، فقد أثبتت تلك النظريات أنها أداة فريدة من نوعها في عالم الفيزياء البيولوجية Biophysics -الذي يتضمن دراسة الأنظمة البيولوجية باستخدام الفيزياء في مجالات كانت التقنيات المتاحة محدودة. ويرجع الفضل في ذلك إلى تجربة أُجريت لاختبار فكرة اقترحها كريس جارزينسكي Chris Jarzynski، الذي يعمل الآن في جامعة ميريلاند University of Maryland، في عام 1997.
إنّ مساواة جارزينسكي Jarzynski’s equality، كما تُعرف، مشابهة لنظرية التذبذب التي صاغها إيفانز وبيرنهاردت، لكن في هذه الحالة يصير العمل -الطاقة التي تنتجها القوة وتنقلها من أو إلى الجسم لتحريكه- هي الكمية المهمة بدلا من الإنتروبية. وكما هي الحال عندما أُقحمت تذبذبات الإنتروبية في نظرية التذبذب الأصلية، دمج جارزينسكي تذبذبات العمل في نسخته. وقد سمح له ذلك بتعريف طريقة لقياس الحد الأقصى من الطاقة التي يُمكن تحريرها من نظام حقيقي لأداء عمل مفيد: فرق الطاقة الحرة Free Energy Difference.
ولاختبار هذه المساواة، فقد كرّر فريق -يقوده كارلوس بوستيمانت Carlos Bustamante، من جامعة كاليفورنيا-بيركلي University of California- عملية فك وإعادة طي جزيء واحد من الحمض النووي الريبي RNA. وعلى مدار نصف الوقت، سحب الفريق الجزيء ببطء، مما سمح للطاقة والقوى بالانتشار بالتساوي أثناء كل مرحلة. أتاح ذلك للفريق سبر العملية باستخدام الديناميكا الحرارية التقليدية لإيجاد قيمة فرق الطاقة الحرة. أما خلال النصف المتبقي من الزمن؛ فقد جذب العلماء أجزاء الحمض RNA نحو بعضها البعض بسرعة كبيرة؛ مما قاد إلى عملية يُمكن تحليل عملها باستخدام مساواة جارزينسكي فقط. ويقول جارزينسكي: “عند تنجز ذلك بسرعة، ستحصل على قيمة شغل مختلفة في كل مرة تُعيد فيها التجربة”، ويتابع قائلاً: “عند إعادة التجربة العديد من المرات، تشكل تذبذبات العمل تلك توزيعا للقيم يُمكنك حساب متوسطه”، ومما يثير الدهشة، فإن قيمة الطاقة الحرة الناتجة من مساواة جارزينسكي تتطابق مع ما ينتج من حسابات الديناميكا الحرارية التلقيدية.
أداة فريدة
أظهر الإثبات البسيط والأنيق الذي قدمه بوستيمانت وفريقه كيفية عمل نظريات التذبذبات، وعموما، الديناميكا الحرارية الإحصائية للحصول على معلومات من الأنظمة النانوي الواقعية Real-Life Nanosystems التي لا يمكن للديناميكا الحرارية التقليدية سبرها. تصف الديناميكا الحرارية التقليدية الأنظمة عند وجودها من وضع التوازن Equilibrium، حيث لا تدخل أو تخرج أي طاقة إلى النظام، ويحصل كل شيء بسلاسة وبطء. في العالم الحقيقي، لا يوجد شيء في حالة التوازن تقريبا. وبدلا من ذلك، توجد معظم الأنظمة في حالة تدفق مستمر Constant flux، مع وجود جريان مستمر للطاقة من وإلى النظام. ومثلت القدرة على استخلاص قيم حرارية عملية، مثل الشغل، من نظام واقعي وفوضوي خطوة كبيرة إلى الأمام.
إضافة إلى ذلك، قد تكون هناك طرق لاستغلال هذه الأدوات في أنظمة أكبر بكثير. ويقول ولبيرت: “تنطبق النظريات نفسها على جميع الأنظمة بصرف النظر عن حجمها”، ويتابع: “يشمل ذلك مستوى المجتمع البشري تماما كما ينطبق على مستوى جزيئات الحمض RNA المنفردة”.
إن صياغة أوصاف ديناميكية حرارية-إحصائية Stochastic thermodynamic descriptions لأنظمة حية كبيرة قد يقدم صورة عن كيفية تتمكن أغلى الظواهر فوق الأرض – أي الحياة نفسها- من الاستمرار بالبقاء في حالة خارجة عن التوازن، والكفاح بلا هوادة ضد الفوضى. يعتقد ولبيرت أيضا أنه يمكن تحديد الفيزياء الكامنة وراء الانتخال الخلوي الطبيعي Cell-Level Natural Selection ومن ثم التوصل إلى أصل الحياة، ويشاركه في ذلك الكثير من العلماء. يقول جارزينسكي: “عندما يتعلق الأمر بفهم أصل الحياة بدلالة التفاعلات بين الجزيئات المختلفة، تقدم الديناميكا الحرارية الإحصائية أدوات نظرية مناسبة لحل المسائل المرتبطة بذلك”. وابتداءً من المستوى الجزيئي، رسخ باحثو الفيزياء الحيوية هذه الأدوات وأجروا مجموعة كبيرة من التجارب على عدد مختلف من الجزيئات البيولوجية مع الحصول على بعض النتائج المثيرة للاهتمام.
المحركات الجزيئية Molecular Motors عبارة عن بروتينات تُحول الطاقة المتاحة إلى حركة ميكانيكية، وهي تؤدي دورا جوهريا بالنسبة إلى عمليات مختلفة وضرورية للحياة، كتقلص العضلات، ونسخ الحمض النووي DNA Transcription، وتحريك المواد حول الخلايا، ويشمل ذلك أيضا النواقل العصبية Neurotransmitters والهرمونات Hormones.
وحتى وقت قريب، كانت دراسات المحركات الجزيئية محدودة بطبيعتها البسيطة. ففي نهاية المطاف، لم تُعد الأداء المعقد والمترابط لتلك المحركات، أو تدرس البيئة المعقدة للخلايا. لكن كلًّا من كوميكو هاياشي Kumiko Hayashi وشينسوكي نيوا Shinsuke Niwa من جامعة توهوكو Tohoku University في اليابان وجدا طريقة لرصد كيفية عمل المحركات الجزيئية المختلفة في بيئتها الطبيعية.
في عام 2018 جرب هاياشي ونيوا تقنية جديدة غير جراحية على الديدان بهدف البحث عن كيفية نقل المحركات الجزيئية المسماة البروتين كينساينس Kinesins والبروتين ديناينس Dyneins المواد ذهابًا وإيابًا بين الخلايا العصبية الحركية Motor Neurons، التي تنقل الإشارات العصبية، على طول محاورها. وتمكن الباحثون من استخدام نظريات التذبذب لتقدير طاقة المحركات الجزيئية من خلال النظر إلى الحركات المتقلبة لشحنة المواد الخاصة بها فقط. وقد وجدا أن هذه المحركات الجزيئية يمكن أن تحمل البضائع بشكل تعاوني، كحال النمل الذي يعمل جنبًا إلى جنب.
ومن المثير للاهتمام أن مقارنة الديدان السليمة بتلك التي حُذف منها الجين المرتبط بالوظيفة الصحيحة للمحرك الجزيئي قادت نيوا إلى اكتشاف أن عدد المحركات الناقلة في الديدان المعدلة جينيا Mutant Worms كان أقل من ذلك الموجود في الديدان السليمة، مما أدى إلى ضعف في النقل، بل إلى تسليم المواد إلى الأماكن الخطأ.
تشير هاياشي أيضا إلى أن باحثين آخرين حددوا مؤخرا سبب الشلل النصفي التشنجي الوراثي Hereditary Spastic Paraplegia -اضطراب نادر يسبب ضعفا وتيبسا في عضلات الساق- وأرجعوه إلى طفرات في البروتينات الحركية التي تنقل الشحنات العصبية، وتعتقد هاياشي أن عملها مع نيوا يوضح الآلية الفيزيائية الأساسية وراء هذا المرض. إنّ هاياشي متفائلة جدا بأن نظريات التذبذب قد تساعد في مجال أبحاث علم الأعصاب من خلال المساعدة على إلغاء الآليات المسؤولة عن أمراض أخرى مثل مرض هنتنغتون Huntington، وباركنسون Parkinson، وآلزهايمر Alzheimer
لكن للحصول على صورة أوسع للصحة والمرض، وكذلك الحياة نفسها، يعمل ولبيرت وآخرون على أنظمة أكبر لمعرفة ما نحتاج إليه من أجل دراسة التفاعلات الغنية والمعقدة بين الأنظمة الفرعية المكونة للنظام الكبير. فعلى سبيل المثال، تحتوي كل خلية في جسم الإنسان على العديد من الأجزاء المتشابكة عند مقاييس مختلفة تؤدي بدورها إلى وظائف متخصصة. ومن الصعب جدا معرفة كيفية انتقال الطاقة في مثل هذه السيناريوهات. ومع ذلك، فهم يشقون طريقهم نحو ذلك الهدف.
أما نظريات المعلومات Theories about Information-النظريات التي تدرس كيفية قياس المعلومات وتخزينها ونقلها؛ فلها تاريخ غني من التفاعل مع نظريات الديناميكا الحرارية. وبالنظر إلى كيفية تدفق المعلومات داخل أنظمة كبيرة، “قد تبدأ أنماط جديدة بالظهور وحكم الخصائص الحرارية المرتبطة بالتفاعلات بين الأنظمة الفرعية” وفقا لولبيرت، الذي يعتقد أن تدفق المعلومات -وبشكل أعم نقل المعلومات- سيؤدي “دورا أساسيا في فهم الديناميكا الحرارية الشاملة” لأنظمة كالخلية.
وبالفعل، نقح ولبيرت نظريات التذبذب رياضياتيا لتشمل بضعة أجزاء متفاعلة، وذلك يسمح له، على الأقل نظريا، بالبدء بتحليل اعتماد الديناميكا الحرارية على بنية الاتصالات بين الأنظمة الفرعية المكونة لنظام كبير. مع ذلك، فهو بعيد كل البعد عن الاعتقاد بسهولة العمل، إذ يقول: “سيحتاج ذلك إلى عمل مستمر على مدى سنوات عديدة”.
عندما يتعلق الأمر بالإجابة عن الأسئلة المرتبط بأصل الحياة واستمرارها، فمن الواضح أن فهمنا الجديد للديناميكا الحرارية سيكون بالغ الأهمية. وإذا كانت التجربة هي الشيء الذي يجب أن نبدأ به، فإنك تقامر حينها بتعريضها لواقع فوضوي ومشوش حيث يخضع التغير لتذبذبات عشوائية يُمكنها تغيير قواعد الزمن. أما عند الحديث عن النتائج التي قد تقود إليها تلك الطريقة المحسنة؛ فالتنبؤ بها غير ممكن.
بقلم: بينجامين سكوز
ترجمة: همام بيطار
© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC