أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئيةعلم المناخملف خاص

كيف يمكننا تغيير نظام الطاقة لتحقيق الصافي الصفري من الانبعاثات

إنهاء استخدام الوقود الأحفوري لوقف الاحترار العالمي هو التحدي الأكبر الذي نواجهه. ولدينا الآن خطة رئيسية للخطوات التي يجب أن نتخذها ولتوقيت كل خطوة – وليس هناك وقت للتأخير

شغلوا أقرب مفتاح. لن تلاحظ أي شيء مختلف؛ هذه هي الفكرة نوعاً ما. ولكن في العديد من الأماكن، هناك فرصة أفضل من أي وقت مضى لأن تكون الكهرباء التي تخرج من المقبس مولَّدة من مصادر نظيفة ومتجددة مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح.

هذا تقدم من نوع ما. غير أن معظم الكهرباء في معظم البلدان لا تزال تأتي من مصادر الوقود الأحفوري الملوثة للمناخ. فنظام التدفئة لديك، أيضاً، لا شك تقريباً في أنه يستخدم الوقود الأحفوري، كما تفعل سيارتك، إذا كانت لديك واحدة. وتتطلب معظم البضائع التي تشترونها وقوداً أحفورياً لصنعها ونقلها إلى المتجر أو إلى بابكم منزلكم. وإذا كان هذا هو العالم الذي تعيشون فيه، فأنتم محظوظون: فالوصول إلى طاقة معقولة وموثوق بها ومريحة من أي نوع أبعد ما يكون عن أن يكون أمراً مفروغاً منه في أجزاء كثيرة من العالم.

هذه هي خلفية ثورة الطاقة التي يجب أن تحدث على مدى العقود الثلاثة المقبلة إذا أردنا أن نحقق صافي انبعاثات كربونية صفري net-zero carbon emissions، وأن نحد من الاحترار العالمي Global warming إلى درجة حرارة “آمنة” تبلغ 1.5سْ. وقال فاتح بيرول Fatih Berol، رئيس الوكالة الدولية للطاقة  International Energy Agency (اختصارا: الوكالة IEA)، أثناء عرض التقرير التاريخي للوكالة “الصافي الصفري بحلول عام 2050″ (Net Zero by 2050): “إن حجم الجهود والسرعة المطلوبيْن، لتحقيق هذا الهدف الحاسم والهائل هذا، يجعل من هذا التحدي الأكبر الذي واجهته البشرية على الإطلاق”.

ولم يتضمن ذلك التقرير سوى مفاجآت قليلة حول ما يتعين علينا القيام به. والسؤالان الكبيران المتبقيان هما عما إذا كنا سنفعل ذلك بالفعل، وما هو نوع العالم الذي سينتهي بنا المطاف إلى صنعه في خضم هذه العملية.

فقصص تزايد الاعتماد على الطاقة المتجددة تجعلنا نبدو كما لو كنا نبرع بالفعل في تعزيز استخدامها. والأمر ليس كذلك، للأسف. ففي ستينات القرن العشرين، كانت نسبة تبلغ 6% من الطاقة العالمية تأتي من مصادر منخفضة الكربون، ولاسيما الطاقة النووية. وبحلول عام 1994، كانت هذه النسبة 14%، لكن النمو توقف إلى حد كبير منذ ذلك الحين. أما في عام 2019، وهو العام الأخير الذي لدينا أرقام جيدة عنه، فقد وفر الوقود الأحفوري 84% من إجمالي الطاقة في العالم، بعد استبعاد الكتلة الحيوية Biomass “التقليدية” – الخشب المستخدم في الطهي وما إلى ذلك. ومن بين الـ16% المتبقية، كانت الطاقة الكهرومائية توفر 6%، مع توفير الطاقة النووية 4% فقط. وإمدادات الرياح والطاقة الشمسية توفر ما هو أقل من 4% من الطاقة العالمية.

وفي الوقت نفسه، يتزايد الطلب العالمي على الطاقة باطراد، من 40 ألف تيراواط ساعة عام 1965 إلى 160 ألف تيراواط ساعة اليوم. ولا تنمو قدرة الطاقة المتجددة المثبتة الكفاءة بالسرعة الكافية لتغطية هذا الطلب المتزايد.

التحدي الرباعي

ومع ذلك، هناك أسباب تدعو إلى  التفاؤل. فمنذ وقت ليس ببعيد، شكك العديد من الناس في ما إذا كانت طاقة الرياح والطاقة الشمسية يمكن أن توفر كمية كبيرة من الطاقة بتكلفة معقولة. ليس بعد الآن. ويقول سايمون إيفانز Simon Evans من كربون بريف Carbon Brief، وهو موقع إلكتروني بريطاني متخصص بتحليل المناخ: “من الواضح أن مصادر الطاقة المتجددة فاقت توقعات معظم الناس بنسبة كبيرة واستمرت بتحقيق ذلك بانتظام. نحن نقترب من النقطة التي ستقتطع فيها مصادر الطاقة المتجددة حصة في الوقود الأحفوري نهائيا”.

ويتطلب الانتقال إلى نظام للطاقة يتسم بالصافي الصفري حدوث أربعة أشياء. أولاً، يحتاج توليد الكهرباء إلى التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، ليحل محل كل ما يُولَّد باستخدام الوقود الأحفوري. ثانياً، يجب على كل ما يمكن أن يعمل على الكهرباء أن يفعل ذلك: السيارات والقطارات وأنظمة التدفئة والعمليات الصناعية مثل صنع الصلب. ثالثاً، نحن بحاجة إلى إيجاد طرق مستدامة حقاً لتشغيل الطائرات والسفن والقطاعات التي لا يمكن تحويلها بسهولة إلى العمل على الكهرباء، مثلاً، عن طريق إزالة الكربون مباشرة من الغلاف الجوي واستخدام الطاقة المتجددة لتحويله إلى وقود.

سيتطلب هذا كله كثيراً من الكهرباء. ويتوخى تقرير الصافي الصفري بحلول عام 2050 ارتفاع توليد الكهرباء على الصعيد العالمي عما هو عليه حالياً، أي 27 ألف تيراواط ساعة سنوياً، وهو ما يمثل سدس الطاقة التي نستهلكها، إلى أكثر من 50 ألف تيراواط ساعة بحلول عام 2050، وهو ما يمثل نصفها تقريباً. ولكي يحصل ذلك، يجب أن يحدث شيء رابع: زيادة هائلة في كفاءة استخدام الطاقة.

لقد خطت بعض البلدان خطوات واسعة في مواجهة التحدي الأول. ففي المملكة المتحدة، مثلاً، ارتفعت نسبة الكهرباء المنخفضة الكربون من الخمس إلى أكثر من النصف في العقد الماضي، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى طاقة الرياح المتنامية. ولكن على الصعيد العالمي، يعني انخفاض الطاقة النووية أن نسبة الكهرباء المستمدة من مصادر منخفضة الكربون عام 2019، وهي 37%، لم تتزحزح منذ ثمانينات القرن العشرين.

وقد تؤدي الطاقة النووية دوراً كبيراً في استبدال الوقود الأحفوري، لكن التكاليف، وطول فترات البناء، والافتقار إلى الدعم الشعبي والسياسي في العديد من البلدان التي لم تساعدها كارثة فوكوشيما في اليابان عام 2011 تعني أن حدوث ذلك غير مرجح. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة IEA زيادة بنسبة 25% فقط في القدرة على توليد الطاقة النووية بحلول عام 2030، مدفوعة أساساً بالمحطات الجديدة في الصين وتمديد الحياة التشغيلية للمحطات القائمة. وفي الوقت نفسه، لا تزال مفاعلات الاندماج النووي Nuclear fusion reactors ، والتي تهدف إلى محاكاة عمليات توليد الطاقة في الشمس، على بعد عقود من القيام بأي دور عملي – إذا تمكنت من أدائه أصلا.

وعموما، يقول الباحث في مجال الطاقة نيك آير Nick Eyre، من جامعة أكسفورد University of Oxford إن تقنيات مثل الطاقة النووية وطاقة المد والجزر التي تنطوي على مشاريع إنشاء ضخمة ومكلفة جداً لن تؤدي على الأرجح دوراً كبيراً في التحول في الطاقة. وبفضل التحسينات الضخمة في الكفاءة وانخفاض الأسعار، القصة مختلفة مع توربينات الرياح والألواح الشمسية، والتي يمكن إنتاجها وتركيبها على نطاق واسع عند الحاجة. يقول آير: “لقد تحسنت الألواح الكهروضوئية تحسناً فاق كل اعتراف، لكن محطة الطاقة النووية تبدو نفسها إلى حد كبير”. وتتوقع الوكالة  IEA أن توفر الرياح والطاقة الشمسية وحدهما ما يقرب من نصف الكهرباء العالمية بحلول عام 2050، وسيأتي الثلث من الطاقة النووية والطاقة الكهرومائية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة، والوقود الأحفوري الذي سيوفر خُمس الطاقة فقط.

 

المعالم الرئيسية للصافي الصفري

من الآن إلى عام 2025

(وفق تقرير الوكالة الدولية للطاقة الصافي الصفري بحلول عام 2050: خارطة طريق لقطاع الطاقة العالمي Net Zero by 2050: A roadmap for the global energy sector)

  • عدم الموافقة على إنشاء محطات فحم جديدة من دون احتجاز للانبعاثات اعتباراً من عام 2021
  • عدم الموافقة على تطوير حقول نفط وغاز جديدة، وعدم إنشاء مناجم فحم جديدة أو السماح بتوسعات جديدة للمناجم
  • لا مبيعات جديدة لمراجل النفط أو الفحم بحلول عام 2025

قد يكون من الممكن تحقيق المزيد. ولا يعتقد الجميع أن توليد الطاقة المتجددة بنسبة 100% أمر ممكن الإنجاز، لكن كثراً يتفقون على أنه يمكننا الاقتراب منه أكثر مما كنا نعتقد في السابق. ويقول إيفانز: “مع مرور الوقت، ارتفع الحد المتصور أكثر فأكثر”.

والحجر العثرة الرئيسي هو التغير الموسمي لطاقة الرياح والطاقة الشمسية. والبطاريات مناسبة لتخزين الطاقة والتخفيف من الاختلافات على مدى ساعات أو أيام، وفق جيني تشايس Jenny Chase، رئيسة التحليل الشمسي في بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة BloombergNEF، لكن في بعض الأحيان لا تهب الرياح أبداً ولا تشرق الشمس إلا قليلاً لأسابيع. تقول: “لذلك سيكون بناء بطارية مكلفاً إلى درجة لا تُصدَّق”.

وإذا تحول الناس إلى الكهرباء للتدفئة، ستكون هناك أيضاً طفرات أكبر بكثير في الطلب على الكهرباء خلال العواصف الباردة. ويجب تصميم الشبكات لتجنب حوادث مثل أزمة الطاقة في تكساس خلال فبراير 2021، عندما أدى الانقطاع الواسع النطاق إلى نقص المياه والغذاء والحرارة، ووفاة ما لا يقل عن 150 شخصاً. وألقى بعض السياسيين باللائمة في ذلك على مصادر الطاقة المتجددة، لكنه كان في الواقع بسبب فشل مصانع الغاز في التعامل مع ظروف التجمد.

وهناك طرق للتخفيف من مشكلة التغير الموسمي. الأولى هي صيانة مزيد من المحطات النووية والكهرومائية لتوفير الطاقة “الأساسية” أو بناء محطات كهذه. والثانية هي إنشاء شبكات فائقة على مستوى القارة: الشمس تشرق دائماً أو الرياح تهب دائماً في مكان ما. كما تخسر خطوط التيار المتردد Alternating current power lines  كثيراً من الطاقة بسبب امتدادها عبر مسافات شاسعة، لكن ربط المناطق البعيدة باستخدام خطوط التيار المباشر العالية الجهد High-voltage direct current lines يقلل كثيراً من هذه الخسائر. وتحمل أطول هذه الخطوط حتى الآن، التي اكتملت عام 2019، الكهرباء إلى نحو 2,500 كيلومتر، من محطة للطاقة الكهرومائية في منطقة الأمازون البرازيلية إلى ريو دي جانيرو.

 

المعالم الرئيسية للصافي الصفري

بحلول عام 2030

  • توسيع نطاق الوصول الشامل إلى الطاقة ليشمل البلدان المنخفضة الدخل كلها
  • التخلص التدريجي من استخدام الفحم من دون احتجاز للانبعاثات في الاقتصادات المتقدمة
  • جعل 60% من مبيعات السيارات العالمية من السيارات الكهربائية
  • المباني الجديدة كلها جاهزة للكربون الصفري
  • تطوير معظم التكنولوجيات النظيفة الجديدة اللازمة لإزالة الكربون من الصناعة الثقيلة على نطاق واسع

 

الكهرباء، الكهرباء، الكهرباء

سيصبح ما سبق كله أكثر أهمية ونحن نواجه التحدي الثاني، تشغيل أكبر قدر ممكن من استهلاك الطاقة على الكهرباء. ومرة أخرى، بدأنا ببعض المجالات. وتكتسب السيارات الكهربائية حصة سوقية في العديد من البلدان، بمساعدة خطط لحظر بيع السيارات العاملة على البنزين والديزل. وتقول إيفانز: “قبل بضع سنوات، لو قلتم إنه بحلول عام 2021، سيخطط عدد كبير جداً من شركات السيارات الرائدة في العالم لمستقبل كهربائي بالكامل؛ لما كنت سأصدقكم. هذا تحول ملحوظ جداً”. ومع ذلك، أمامنا طريق طويل جداً ووقت قليل جداً. ووفق خريطة الطريق الخاصة بالصافي الصفري التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة يجب أن تكون 60% من السيارات المباعة على مستوى العالم كهربائية بحلول عام 2030. وعام 2020، لم تصل هذه النسبة إلا إلى 5%.

وعندما يتعلق الأمر بتبديل التدفئة لتشغيلها على الكهرباء، يكون التحدي أكبر. وذلك لأن نحو ربع الطلب العالمي على الطاقة هو للتدفئة والتبريد للمساحات التي نعيش ونعمل ونلعب فيها. عدد قليل من البلدان، مثل السويد، تمكن من التحول إلى أنظمة تدفئة خضراء، لكن معظمها لا يزال يعتمد اعتماداً كبيراً على الوقود الأحفوري. ففي المملكة المتحدة، مثلاً، تمتلك 85% من المنازل غلايات غاز، على الرغم من أن الحكومة تدرس فرض حظر على بيعها اعتباراً من عام 2035.

وتروج العديد من شركات الغاز للتحول إلى غلايات الهيدروجين، لكن هذا ليس خياراً أخضر كما هو الوضع عليه الآن. فعلى الرغم من إمكانية توليد الهيدروجين “الأخضر” “Green” hydrogen عن طريق شطر المياه باستخدام الكهرباء النظيفة، فإن أكثر من 95% من الهيدروجين الذي نستخدمه حالياً مستمد من الوقود الأحفوري؛ مما يطلق ثاني أكسيد الكربون في هذه العملية.

أما استخدام الكهرباء المتجددة مباشرة بدلاً من استخدامها لإنتاج الهيدروجين؛ فهو أكثر كفاءة بكثير، على أي حال. وينظر كثر، بمن فيهم آير، إلى المضخات الحرارية Heat pumps، التي تستخرج الحرارة من الهواء أو الماء أو الأرض لإنتاج ثلاثة أضعاف الطاقة الحرارية التي تستهلكها من الطاقة الكهربائية، على أنها الحل الأفضل. لكنها ليست بديلا مباشرا لغلايات الغاز. فهي أكبر حجما وأكثر تكلفة في الوقت الراهن، وتتطلب في بعض الأحيان استبدال المشعات Radiators، وتعمل عملاً أفضل في المنازل المعزولة جيداً. ومع ذلك، ينبغي عليها توفير المال على المدى البعيد، ويمكن للعديد منها العمل في الاتجاه المعاكس لتبريد المنازل في الصيف. وتوصي الجهة الاستشارية الرسمية للمناخ في المملكة المتحدة، لجنة تغير المناخ، بالأنظمة الهجينة التي تتحول إلى استخدام الهيدروجين أو الغاز الطبيعي في الأيام الباردة جداً.

المعالم الرئيسية للصافي الصفري

بحلول عام 2035

  • انبعاثات صفرية صافية من إمدادات الكهرباء في الاقتصادات المتقدمة
  • عدم بيع سيارات جديدة بمحركات احتراق داخلي
  • 50% من الشاحنات الثقيلة المباعة كهربائية

ولا بد من بذل مزيد من الجهود لتشغيل العمليات الصناعية على الكهرباء. مثلاً، تبني شركة إس إس إيه بي SSAB السويدية محطة رائدة للصلب تعمل فقط بالكهرباء والهيدروجين، لكن ذلك لا يخلو من الانبعاثات إلا إذا جاء كل من الكهرباء والهيدروجين من مصادر متجددة. وهذا شيء نحتاج إلى حجز الهيدروجين الأخضر حقاً من أجله في العقود القليلة القادمة، وفق لجنة تغير المناخ، بدلاً من استخدامه للتدفئة، حيث توجد بدائل.

وبالنسبة إلى بعض الأشياء، ليس التشغيل على الكهرباء ببساطة خياراً. مثلاً، إن وزن البطاريات اللازمة لتشغيل طائرة تقطع مسافات طويلة كبير لدرجة أن الطائرة لن تنطلق من الأرض. ويقول أندرياس غولدثاو Andreas Goldthau، من جامعة إرفورت University of Erfurt في ألمانيا: “إن كثافة الطاقة في البطاريات منخفضة حقاَ”.

لذلك ما زلنا بحاجة إلى وقود سائل. وتعتقد صناعة الطيران بأن الوقود الحيوي هو جزء كبير من الإجابة، لكن هذا العلاج يمكن أن يكون أسوأ من المرض. ويمكن للوقود الحيوي أن يزيد من الفقر من خلال رفع أسعار المواد الغذائية، وأن يضر بالتنوع البيولوجي من خلال زيادة الطلب على الأراضي الزراعية؛ مما يؤدي إلى إزالة الغابات. وواقع الأمر أن العديد من أنواع الوقود الحيوي تنتج في الواقع كميات من ثاني أكسيد الكربون أكثر من أنواع الوقود التقليدية: يضاعف استخدام الوقود الحيوي القائم على زيت النخيل الانبعاثات ثلاث مرات، مثلاً. ويمكن أن يكون الحل الأكثر استدامة هو التقاط الكربون من الجو وتحويله إلى وقود نفاث باستخدام الكهرباء المتجددة. وحتى الآن، فإن حلولاً “كربونية سلبية” Negative carbon كهذه تكاد تكون بعيدة المنال.

 

المعالم الرئيسية للصافي الصفري

بحلول عام 2040

  • انبعاثات صفرية صافية من توليد الكهرباء على الصعيد العالمي
  • التخلص التدريجي من المصانع كلها العاملة على الفحم والنفط من دون احتجاز للانبعاثات
  • خفض 50% من انبعاثات وقود الطيران
  • تحديث 50% من المباني القائمة لتكون خالية من الكربون

ولن يحدث أي من هذه التحولات بمفرده أيضاً. فهناك تكاليف مقدمة كبيرة في بناء قدرة توليد الرياح والطاقة الشمسية، وكثير مما حدث حتى الآن يعتمد على الدعوم الحكومية. كذلك ساعدت على ذلك أسعار الفائدة المنخفضة القياسية، التي تعني كثيراً من الأموال الرخيصة المتاحة للاستثمار.

وبمجرد تركيبها، صارت طاقة الرياح والطاقة الشمسية أرخص مصدر للكهرباء في أغلب الأماكن لدرجة أن المشاريع في بعض البلدان، وخاصة إسبانيا، تمضي قدماً من دون دعم حكومي. ولكن مع ارتفاع نسبة الكهرباء الآتية من مصادر متجددة، يكون من الصعب بيع تلك الكهرباء من أجل الربح، لأن كثيراً منها يُنتَج عندما تكون الظروف الجوية مناسبة.

ولتحقيق الزيادة الهائلة في مصادر الطاقة المتجددة المطلوبة، ستكون هناك حاجة إلى تدخل قوي من جانب الدولة، مثلاً من خلال تسعير الكربون – فرض ضريبة على الوقود الأحفوري، في الأساس – أو خفض العديد من دعوم الوقود الأحفوري التي لا تزال قائمة. وببساطة يمكن لحظر بيع التكنولوجيا مثل محركات الاحتراق ومراجل الغاز أن ينجح أيضاً. ويقول آير بغض النظر عن السياسات، إن وجود استراتيجية واضحة وبعيدة المدى أمر حيوي لمنح المستثمرين الثقة للمراهنة على مصادر الطاقة المتجددة. وتقول تشايس: “لا أعتقد أنه يمكن القول إنه ينبغي أن يكون هناك مزيد من الدعم للطاقة الشمسية بعد الآن. الأمر يتعلق أكثر بالتخطيط لمستقبل شمسي مكثف”.

والتحدي أكبر في بعض البلدان. لنأخذ غانا التي حددت لنفسها هدفاً يتمثل بتوفير 10% من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2020 وقدمت بعض الدعوم. يقول أنتوني أفول دادزي Anthony Afful-Dadzie، من جامعة غانا University of Ghana في أكرا إن هذه النسبة لم تحقق سوى 0.5%. وقال إن المشكلة التي تتكرر في العديد من البلدان ذات الدخل المنخفض، هي أن العديد من الناس ما زالوا لا يحصلون على الكهرباء على الإطلاق. قد تكون الألواح الشمسية أرخص في المدى البعيد، لكنها تكلف عموما أكثر من مولدات الوقود الأحفوري مقدماً وتوفر الطاقة فقط خلال النهار – والبطاريات هي تكلفة إضافية كبيرة. ولا يزال المسؤولون الذين يعانون قيود الميزانيات المحدودة يختارون الوقود الأحفوري.

ويقول أفول دادزي: “نريد الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة؛ لأن تغير المناخ عامل كبير. لكن الأمر صعب جداً”. واستثمر العالم نحو 280 بليون  دولار في مصادر الطاقة المتجددة عام 2019، ومع ذلك أُنفِق ما يقرب من 90% من ذلك في مجموعة البلدان ذات الدخل المرتفع المعروفة بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، إلى جانب الصين والهند والبرازيل، كما يقول غولدثاو.

وكجزء من الاتفاقيات الدولية حول المناخ، من المفترض أن تقدم البلدان المرتفعة الدخل 100 بليون دولار سنوياً لمساعدة البلدان الأخرى على خفض الانبعاثات والتكيف مع تغير المناخ. ولكن هذا الهدف لم يتحقق، ويقول الناشطون إن كثيراً من الأموال التي جرى التعهد بها تأتي من ميزانيات المساعدات الحالية. وضغط الناشطون على الدول المشاركة في قمة الأطراف الـ26 للمناخ في المملكة المتحدة التي انعتقدت في نوفمبر 2021، وطالبوا بأن توافق البلدان على توفير أموال إضافية. وسيتطلب التحول في مجال الطاقة تعاوناً وثيقاً بين البلدان لتقاسم التكنولوجيا، ومواءمة السياسات، وتقديم المساعدة المالية عند الحاجة، مثلاً للسماح للبلدان المنخفضة الدخل بـ”القفز” إلى تكنولوجيات الطاقة النظيفة. ومن غير المُسلَّم به أن يحدث هذا الأمر، إذ يمكن تخيل سيناريوهات جيوسياسية أخرى أقل مواتاة.

بالتأكيد سيكون العالم الذي يعمل بالطاقة المتجددة -رئيسياً- مكاناً مختلفاً تماماً. ففي نواح كثيرة، ينبغي أن يكون أفضل: أنظف وأكثر صحة، ومع تلوث هوائي أقل بكثير. ولكنه يجب أن نصل إلى هناك أولاً، وهذا ليس مجرد تحد تكنولوجي. “يتطلب مسارنا موارد هائلة من الاستثمار والابتكار وتصميم السياسات وتنفيذها بمهارة، ونشر التكنولوجيا، وبناء البنية التحتية، والتعاون الدولي والجهود في العديد من المجالات الأخرى”، وفق خريطة الطريق التي وضعتها الوكالة IEA نحو الصافي الصفري.

وتقول إيفانز: “لقد شهدنا مستويات استثنائية من توسع طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وهما تقتربان من اقتطاع حصة من الوقود الأحفوري. لكن حتى ذلك أقل بكثير عما نحتاج إليه. فجعل عالم الطاقة الجديد حقيقة واقعة سيتطلب جميع ما لدينا من إمكانيات”.

 

المعالم الرئيسية للصافي الصفري

بحلول عام 2050

  • يأتي ما يقرب من 70% من توليد الكهرباء على الصعيد العالمي من الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح
  • أكثر من 85% من المباني جاهزة للكربون الصفري
  • أكثر من 90% من الإنتاج الصناعي الثقيل منخفض الانبعاثات

بقلم: مايكل لو بيج

ترجمة: عبد الرحمن أياس

© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى