كتاب الحياة كما صنعناها Life As We Made It
تأليف بيث شابيرو Beth Shapiro
انظر حولك؛ ستجد تأثيرنا نحن البشر واضحًا. فقد غيَّر نوعُنا البيئةَ وحسّنها عبر أجيال متتالية، فالمشهد الطبيعي والموائل المختلفة التي نعتقد أنها “طبيعية” بالتأكيد كانت ستبدو -وتتصرف- بطريقة مختلفة جدا إذا لم يظهر الإنسان على المشهد، وهذا كله قبل أن تُضيف تأثيرنا في الأنواع الأخرى من الكائنات الحية.
في كتاب الحياة كما صنعناها، تستكشفت بيث شابيرو، الأستاذة في الإيكولوجيا والبيولوجيا التطورية من جامعة كاليفورنيا University of California في سانت كروز، الطرق التي غيّر بها البشر العالم من حولنا. وعندما غيرنا العالم لم نُحكِم قبضتنا فقط على زمام تطورنا نحن كبشر بل أثرنا أيضًا في تطور العديد من الأنواع الأخرى، سواء إلى الأفضل أم إلى الأسوأ.
تعود بيث شابيرو بالزمن إلى الوراء إلى الوقت الذي تعلم فيه أسلافنا كيفية “كسر قواعد” الطبيعة؛ وتتعقب تعديلاتنا البيئية وصولا إلى وقتنا الحالي، وظهور التقنيات الحيوية الجديدة التي تعطينا المزيد من القوة للتأثير في هذا العالم أكثر من أي وقت مضى.
في الجزء الأول من الكتاب الذي كان تحت عنوان “الطريقة التي هي عليها” The way it is تنظر شابيرو إلى كيف بدأنا نفهم طرق تغيير البيئة بدلًا من أن نترك هذه البيئة هي التي تُغيِّرنا. في البداية لم يكن الأمر متعمدًا. ولكن منذ نحو 50 ألف سنة مضت تحولنا تحولا محوريا، من مجرد وجودنا جنبًا إلى جنب مع الأنواع الأخرى وصرنا على قمة الهرم الافتراس، ومن ثم مستأنسين ومزارعين ومبتكرين. وهذا كان تحول مهم جدًا لأنه سمح لنا بأن نوجِّه مسارنا التطوري. عنى ذلك أن أولئك الذين ما كانوا لينجوا من قبل يمكنهم الآن العيش لفترة كافية لتمرير جيناتهم.
وكما تقول شابيرو :”هي الكيفية التي صرنا بها مختلفين بلا شك عن كل الأنواع الأخرى التي تعيش الآن أو عاشت من قبل على سطح الأرض، وهذا ما يعنيه أن تكون إنسانا”.
اعتمدت شابيرو في تمحيصها لهذه الفكرة على مجموعة مختلفة من المؤثرات، بدءا كيفية تعامل أسلافنا مع الهومينين Hominins (أشباه البشر) الآخرين، على سبيل المثال النياندرتال Neanderthals، مرورًا بالانقراضات الجماعية Mass extinctions عبر التاريخ، والتي قد يكون انتشارنا في الكوكب سببًا جزئيًا على الأقل في حدوثها، مع زعزعتنا للنظم الإيكولوجية حثيما سرنا.
الجزء الثاني من الكتاب تحت عنوان “الطريقة التي ربما سيكون عليها الأمر” The Way It Could be، ففي هذا الجزء تلقي شابيرو الضوء على أهم نقطة في تاريخ البشرية حتى الآن: هو ظهور التقنيات التي تسمح لنا بتعديل الجينات تعديلاً مباشراً. فهذا قد سمح لنا بهندسة وتعديل الصفات التي نرغب بها في الكائنات التي تُفيدنا؛ وفتح مجالات غير مسبوقة من احتمالات إعادة توجيه مسار التطور كما يحلو لنا. فبمثل هذه المناهج لدينا القدرة على محو الأمراض، وحماية الأنواع المهددة بالانقراض من الانقراض، وتطوير مواد أكثر واستدامة، وإزالة الملوثات من المحيطات، وأكثر من ذلك بكثير. وتكتب شابيرو قائلة: “مع هذه البيولوجيا التخليقية Synthetic biology لا نعود مقصورين على البقاء ضمن حدود ما يمكننا تخيله فحسب”.
ربما لا يجب علينا أن نسمح لأنفسنا باستخدام هذه التقنيات الحديثة، فمع استخدامها تأتي المسؤولية؛ مسؤولية تنظيم الإجراءات والابتكارات الناتجة منها؛ مسؤولية تحديد وقت استخدامها، وما إذا كان ينبغي استخدامها على الإطلاق.
تجادل شابيرو في هذه النقطة موضحةً أن الكثير من المعلومات الخاطئة حول الكائنات المعدلة وراثيًا والمخاوف التي لدينا حول ما إذا ما كان ينبغي علينا أن نؤدي دور المسؤول في التعديل في هذه الكائنات؛ كل هذا أدى إلى عدم ثقة الناس في هذه التقنيات الجديدة. وهذا يُسمى “عامل ردة الفعل العاطفي”، وتقول شابيرو إن هذا يمثل عائقا كبيرا أمام تحقيق الإمكانات الكاملة للهندسة الوراثية.
تقدم شابيرو حجة قوية مفادها أنه نظرًا إلى القضايا الملحة التي تواجهنا الآن -من تزايد أعداد السكان وتغير المناخ ومشكلات فقدان التنوع البيولوجي- يتعين علينا بإلحاح مطرد أن ننظر في هذه الأدوات، إذا كان لنوعنا وغيره من الأنواع أن ينجو ويزدهر. وتقول شابيرو: “لا يمكننا الحفاظ على عشوائية التطور المريحة وندفع في الوقت نفسه بعالَمنا نحو مستقبل مُحدد”.
وعلى الرغم من أن هذا حوار مهم بالتأكيد، إلا أن كتاب الحياة كما صنعناها يبدأ هنا بالانخراف عن هدفه المتمثل باستكشاف الابتكار البشري، في اعتقادي، فإن هذا الكتاب هو الأكثر كشفًا للتفاصيل عندما ينظر في كيفية تغييرنا للطبيعة من خلال عدسة تفاعلاتنا في الماضي مع الأنواع الأخرى؛ أحيانا لأننا ببساطة تعلمنا كيف نهجِّن الحيوانات والنباتات لمصلحتنا.
ومع ذلك، يقدم الكتاب تفاصيل دقيقة لبعض أكثر التقنيات تأثيرًا في عصرنا. كما يقدم إلينا لمحة عما قد يكون مُخبأ لنا في المستقبل، عندما تبدأ البشرية باستثارة الأشياء من جديد.
بقلم: جيجي لي
ترجمة: د. محمد نصّار
© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC