هل يجب أن تُرفَقَ وسائل التواصل الاجتماعي بتحذيرٍ صحي؟
أمْسِكْ علبةَ سجائر وستشاهد على الأرجح صورةً مرعبةً لآفات السرطان مع تحذيرٍ صارمٍ بأن التدخين يمكن أن يقتلُك. لعقودٍ في الولايات المتحدة، كان هذا يسمى تحذير الجراح العام للولايات المتحدة الأمريكية Surgeon general’s warning، وكان بمثابة تذكيرٍ بأن السجائر سيئةٌ جداً لدرجة أن الطبيب الأعلى في الحكومة كان ضدها. الآن، أوصى الجراح العام الحالي، فيفيك مورثي Vivek Murthy، بأن نطبق تحذيراتٍ مماثلةً على المعلومات المُضَلِلَةِ على وسائل التواصل الاجتماعي.
قال مورثي في حديثه في منتصف يوليو لشبكة CNN إن شبكات التواصل الاجتماعي أدّتْ “دوراً رئيسياً” في نشر معلوماتٍ مُضَلِلَةٍ عن كوفيد-19 (Covdi-19). وقال إن هذا “يضرُّ بصحةِ الأشخاص” و “يكلفُهم حياتهم”. يبدو أن آراء مورثي وصلَتْ إلى أعلى مراكز صناعة القرار: فقد قال الرئيس الأمريكي جو بايدن Joe Biden إن وسائل التواصل الاجتماعي “تقتلُ الأشخاص” الذين يتلقون أخباراً مشوبةً بالمؤامرة عن الجائحة Pandemic من قائمة آخر الأخبار Feeds. رداً على ذلك، قالتْ شركة فيسبوك Facebook إنها كانتْ كبش فداءٍ للبيت الأبيض الذي لم يحقق بعض أهدافه.
مع أن اللقاحات Vaccines متوفرةٌ على نطاقٍ واسعٍ، إلا أنّ نصف الأشخاص فقط في الولايات المتحدة استكملوا التطعيم. وبالنسبة إلى الأشخاص غير المطعمين الباقين، لا يعتزمُ الكثيرون الحصول على اللقاح. فقد وجدَتْ دراسةٌ حديثةٌ أجراها مركز مكافحة الكراهية الرقمية Center for Countering Digital Hate أن هذا يرجع جزئياً إلى المعلومات المُضَلِلَةِ على المنصات الاجتماعية مثل فيسبوك وتويتر Twitter. وحددت المجموعة حفنةً من المؤثرين في الفيسبوك أطلقوا عليهم اسم ” دستة المُضَللين ” Disinformation dozen الذين روجوا أخباراً عن شرور اللقاحات لملايين الأشخاص. فقد كانت النتيجة هزةَ جائحةٍ ارتداديةً ضخمةً، إذ اجتاحَ المتحور دلتا Delta variant السكان غير المطعمين. وإذا نظرَتْ إلى البيانات بهذه الطريقة، فستبدو إشارات التحذير على وسائل التواصل الاجتماعي ذات معنى.
إنها فكرةٌ كانت صفية أوموجا نوبل Safiya Umoja Noble، من جامعة كاليفورنيا University of California في لوس أنجلوس Los Angeles ومؤلفة كتاب خوارزميات الاضطهاد Algorithms of Oppression، تدرسها منذ أعوامٍ عديدةٍ. فقد حاججتْ بأنّ منصات وسائل التواصل الاجتماعي يجبُ أن تُنَظَّمَ مثل صناعة التبغ. وسألْتُ نوبل عن رأيها حول طرح عملها سياسةً أخيراً.
أخبرتني في رسالةٍ مباشرةً: “هناك العديد من النساء السود، نساءٌ ملوناتٌ، وعلماء وناشطون في المجتمع الذين أصدروا تحذيراتٍ وحاولوا لفت انتباه صانعي السياسة، ولكن من المؤسف، إن لم يكن من يتكلمُ من رجال السلطة، فلن يُسْمَعَ”. “وعلى الرغم من ذلك، فإن التحذير مهمٌ ولكنه سيكون بلا معنى دون الإصلاح والترميم الذي يجب إجراؤه للعديد من المجتمعات العالمية التي قوّضَتْ وأُوذيت مسبقاً”.
بالنسبة إلى نوبل وزملائها، لا يكفي التحذير. بل يجب أن نُحَمِّلَ الشركات المسؤولية عن الضرر الذي تسببه، وهذا يعني وضع حدٍ لمفهوم أن المنصات الاجتماعية تسمح فقط بتداول “حرية التعبير”. في الولايات المتحدة، قوانين حرية التعبير ممتلئةٌ بالاستثناءات: فلا يمكن للأشخاص قول أي شيءٍ ببساطةٍ، بصورةٍ خاصةٍ إذا كان ينطوي على تعريض الآخرين للخطر. هذا هو المنطق الكامن وراء القوانين التي تجعل مشاركة الصور غير اللائقة للأطفال غير قانونيةٍ، حتى ولو لم يكونوا قد أنشؤوا الصور شخصياً.
أعتقد أن أحد أكبر المخاوف حول التنظيم هو أنه سيكتمُ كل التعبير، ويمنع الأشخاص التشاركَ مع بعضهم البعض على وسائل التواصل الاجتماعي تشاركاً صادقاً ومنفتحاً. ولكن هذا يفترض وجودَ تعريفٍ ضيقٍ جداً للتشارك. في الوقت الحالي، تشجع معظم منصات الوسائط الاجتماعية الأشخاص على المشاركة بعرض المحتوى الذي يثير غضبَكَ؛ مما يجعلك منفعلاً جداً لدرجة أنه لا يسعُك إلا نشرُ ردٍ. ولكن ماذا لو بدأنا تشجيعَ نوعٍ آخر من المشاركة ـ نوعٍ لا يشبه الخبطَ على زر الغضب، بل شيئاً كالـ … التصويت؟
قالت كندرا بيير لويس Pierre-Louis، الصحافيةُ العلمية منذ فترةٍ طويلةٍ، في حديثٍ لها مؤخراً إنها تحاول دائماً جذب اهتمام قرّاءها دون اللجوء إلى الجعجعة. وبدلاً من ذلك، قالتْ إنها “تعاملُ القراء كناخبين، مشاركين في عمليةٍ ديمقراطيةٍ”. توجههم إلى جلساتِ استماعٍ يمكنهم حضورها، وتشرح كيفية التعليق على التنظيماتِ قيد البحث. وقالت إن الهدف هو إظهار كيفية المشاركة في الحلول بدلاً من المناقشات الزائفة.
ماذا لو ساعدتنا وسائل التواصل الاجتماعي على أن نصير أكثر مشاركةً في العمليات الحكومية؟ أنا لا أتحدث عن وضع مربعٍ يمكن تجاهله في ركن قائمة آخر الأخبار يقول: “تحذير: ربما لا يكون هذا المحتوى مفيداً لك”. بل أتخيل عالماً فيه زرٌ يعطيك إمكانية: “مشاركة مع مُمثلك المحلي؟” ربما تُمْنَحُ الوصول بنقرةٍ واحدةٍ إلى منطقة تعليقٍ عامٍ حول القضايا السياسية في مجتمعك. ماذا لو عرضَتْ عليك وسائل التواصل الاجتماعي قائمةً بالأماكن التي يمكنك التطوع فيها لمساعدة الجيران الذين يعانون المرض لدرجةٍ تمنعهم العملَ بدلاً من عرض “آراءٍ” عن الجائحة؟
إذا لم تعلّمنا وسائل التواصل الاجتماعي إلا شيئاً واحداً فهو أننا جميعاً في أمسِّ الحاجة إلى المشاركة. نريد أن تُعْرَفَ آراؤنا، ونريد المساهمة في المناقشات حول مستقبلنا. ولكن دون تنظيماتٍ جيدةٍ، فإن حافزنا للمساعدة ستعرقلُه شبكةٌ من الأكاذيب. لا يجب أن يكون الأمر على هذا النحو. يمكننا أنّ نغيّرَ. كل ما علينا فعله هو المشاركة.
بقلم: أنالي نيويتز
ترجمة: د. محمد الرفاعي
© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC