أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أخبار العلوم

كتلة جسيم قد تُرجِّح كفة الميزان لصالح فيزياء جديدة

تقدير جديد لكتلة بوزون W تتعارض مع المُتنبَّأ بها في «النموذج القياسي»

أخيراً، ربما أدرك فيزيائيو الجسيمات وجود خرقٍ في فهمهم لحقل الجسيمات تحت الذرية Subatomic – وسيسرَهم ذلك. تقترح نظرة جديدة في بيانات قديمة أن جسيماً عابراً يدعى بوزون W (W boson) أثقل من ذلك الذي تنبأ به فيزيائيو «النموذج القياسي» Standard model للجسيمات والقوى. ويمكن لهذا الخرق أن يشير إلى جسيمات لم تدرج ضمن النظرية التي مضى عليها 40 عاماً، كما تقول دورين واكيروث Doreen Wackeroth من جامعة بافالو University of Buffalo، والتي لم تشارك في العمل. وتتابع قائلة: «لقد أثارت هذه النتيجة حماسي! »

لكن النتيجة التي نشرتها مجلة سيانس Science (p. 170) في 8 أبريل 2022، تتناقض مع القياسات السابقة، مما دفع ببعض الفيزيائيين إلى التّروي. «فهذه القياسات كلها تدَّعي أنها تقيس الكمية نفسها»، كما يقول مارتن غرونوالد Martin Grunewald – فيزيائي تجريبي من يونيفرسيتي كوليدج دبلن University College Dublin. ويتابع قائلا: «لا بد أن أحدهم، لن أقول إنه مخطئ، لكنه ربما أخطأ، أو أعطى النتيجة الخطأ تقييما مرتفعا جداً».

في عام 2012 اكتمل النموذج القياسي الناجح نجاحا مُحيِّرا، وذلك عندما اكتشف أضخم محطم ذرات في العالم – مصادم الهادرونات الكبير Large Hadron Collider (اختصارا: المصادم LHC) في مختبر فيزياء الجسيمات الأوروبي European particle physics laboratory (اختصارا: المختبر سيرن CERN)- آخر قطعة مفقودة وهي بوزون هيغز Higgs boson التي تُنُبئ بها منذ فترة طويلة. وتفسِّر النظرية تداخل كل جسيم اكتشف حتى الآن، لكنها تعاني قصورا واضحا. فهي تتضمن ثلاث قوى – الكهرومغناطيسية والقوية والضعيفة – لكنها لا تشمل الجاذبية. ولا تتناول أيضاً على المادة المعتمة Dark matter، وهي الكتلة غير المرئية التي تشكَل 85% من مادة الكون.

الآن بما أن جسيمات النموذج القياسي جميعها صارت معروفة، يمكن للفيزيائيين أن يختبروا الاتساق الداخلي للنظرية، لأن خصائص كل جسيم تعتمد على خصائص الجسيمات الأخرى. فعلى سبيل المثال، فإن كتلة Mass بوزون W – التي تعطي القوة النووية الضعيفة، تماماً كما يعطي الفوتون القوة الكهرومغناطيسية – تعتمد على كتلة الهيغز بوزون، وعلى جسيم تحت ذري ثقيل لكنه عابر يدعى الكوارك القمّي (الأعلى) quark Top. لذا يمكن للفيزيائيين أن يتنبؤوا بكتلة البوزون W من تلك القياسات، وأن يدققوا في اختلافها مع القيمة المقاسة تجريبياً.

القياس معقد. بعد تخلّقه نتيجة تصادم جسيمات بطاقة عالية، يتحلل البوزون W بسرعة إلى إلكترون أو إلى ابن عمه الأثقل، وهو جسيم يدعى ميون Muon، وإلى ضديد نيوترينو Antineutrino. ليس من الممكن اكتشاف ضديد النيوترينو، لذا يتعين على الفيزيائيين استنتاج وجوده بجمع عزوم Momenta وطاقات  Energies الجسيمات الأخرى جميعها التي تنتج من كل تصادم، والنظر في حوادث يبدو فيها أن شيئا ما غير مرئي خارج جدار الكاشف الأسطواني. ومن طاقة وعزوم الجسيمات المتحللة Decay particles، والتي تحسب بالتحليل الإحصائي خلال عدد من الحوادث، يمكنهم تقدير كتلة البوزون W.

الآن، هناك فريق يقول إن قراءاته تتعارض مع تنبؤات النموذج القياسي. تأتي هذه البيانات من كاشف المصادم Collider Detector في مختبر المسرَع الوطني فيرمي Fermi National Accelerator Laboratory (اختصارا: الكاشف CDF)، وهو كاشف جسيمات يُغذَى بمصادم تيفاترون Tevatron، الذي عمل في مختبر فيرمي من 1984 حتى 2011. بعد عقد من العمل، وجد آشوتوش كوتوال Ashutosh Kotwal  -عالم فيزياء الجسيمات من جامعة ديوك Duke University و397 زميلا مشاركا في الكاشف CDF أن كتلة بوزون W تعادل 80,443.5 ميغا الكترون فولت – وهي 86 ضعف كتلة البروتون. ويختلف هذا القياس عن الكتلة المتنبأ بها بسبعة أضعاف قيمة عدم التأكد التجريبي Experimental uncertainty.

«ماذا يعني ذلك؟ هذا هو السؤال الكبير التالي»، كما تقول واكيروث. إذ لاحظ الفيزيائيون عدداً من المفارقات الصغيرة الأخرى التي تقترح بأن النموذج القياسي بدأ ينهار أخيراً، كما تقول. فعلى سبيل المثال، تشير واكيروث إلى أن الميون يبدو أكثر مغناطيسية بقليل من القيمة المتنبأ بها (Science, 9 April 2021, p.113).

لكن قياسات أبكر لكتلة البوزون W اتفقت عموماً مع النموذج القياسي (انظر: الرسم البياني). تتعارض النتيجة الجديدة حتى مع نتيجة الكاشف CDF السابقة التي نشرت في عام 2012، والتي بنيت على أساس الربع الأول من مجموعة البيانات الحالية، أما ديمتري دينيسوف Dmitri Denisov -فيزيائي من مختبر بروكهافن الوطني Brookhaven National Laboratory الذي عمل على D0، وهو كاشف تيفاترون منافس- فيقول: «هذا هو اهتمامي الأول».

لكن باحثي الكاشف CDF أجروا تحسينات عدة على التحليل الذي يفسر الاختلاف. فكما يقول كوتوال: «نحن واثقون بالتقنيات التي استخدمناها. وهناك احتمال واضح في أن هناك شيئا جديدا في الطبيعة لا يمكن للنموذج القياسي تفسيره».

نظرية بوزون هيغز

مسألة ثقيلة

القياس الجديد لكتلة جسيم يسمى W boson يختلف اختلافا شديدا عن التنبؤ النظري، كما يتناقض مع نتائج القياسات السابقة، بما في ذلك قياس من المجموعة البحثية نفسها.

الكتلة (ميغا إلكترون فولت)

كاشف المصادم في مختبر فيرمي

المتوسط المعترف به رسميا

تنبؤ النموذج القياسي

اللايقين

الكاشف ATLAS

الكاشف CDF

من المفترض أن يحصل الفيزيائيون قريباً على قياس آخر لكتلة البوزون W. ويأمل علماء يعملون على الميون اللولبي المضغوط Compact Muon Solenoid (اختصارا: الكاشف CMS)، وهو كاشف في المصادم LHC، بأن يتمكنوا من نشر نتائج قياس آخر في أوائل العام المقبل، كما يقول غويللمو غوميز سيبالوس Guillemo Gomez Ceballos -فيزيائي يعمل في الكاشف CMS من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology. وهو أيضاً عضو في الكاشف CDF، وعلى الرغم من أنه لم يشارك في الدراسة الجديدة، إلا أنه يقول: «لا أذكر أي تحليل أجري بمثل هذه الدقة».

وقد يستغرق الأمر عدة سنوات للوصول إلى توافق بين هذه القياسات. لكن الفيزيائيين لن يكونوا بلا وجهة واضحة خلال هذا الوقت. فمنذ عام 1957 احتفظت مجموعة بيانات الجسيمات Particle Data Group (اختصارا: المجموعة PDG) -في مختبر لورانس بيركلي الوطني Lawrence Berkeley National Laboratory (اختصارا: المختبر LBNL)- بملخص وافٍ عن الجسيمات والاختلافات في خصائصها المقاسة تجريبياً. تأتي القيمة الجديدة لكتلة البوزون W مع تحضير المجموعة PDG لتحديثها السنوي، كما يقول مايكل بارنيت Michael Barnett – فيزيائي متقاعد من المختبر LBNL قاد المجموعة PDG من عام 1990حتى 2015، و لايزال عضوا فيها. ويتابع قائلا: «سنضطر إلى إيقاف المطابع انتظارا للنتائج، تماماً كما فعلنا عند اكتشاف البوزون هيغز».

بالنسبة إلى معامل Parameter متغير مثل كتلة البوزون W، فإن المجموعة PDG تأخذ متوسط أحدث القياسات وأكثرها مصداقية. وإذا اختلفوا بما يتجاوز اللايقين، تطبَق المجموعة خوارزمية حسابية معينة توسَع فعلياً مجال الخطأ Error bars ليشمل النتائج الفردية المخالفة، كما يقول بارنيت. ومن المفارقة أنه على الرغم من أن الكاشف CDF نشر الآن القياس الأكثر دقة لكتلة البوزون W، إلا أن القيمة الرسمية لها قد تكون أقل موثوقية من قبل.

بقلم: أدريان تشو

ترجمة: د.سعد الدين خرفان

©2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى