أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أخبار العلوم

فهرس للطيور يكشف عن منجم ذهب إيكولوجي

قياسات تفتح نافذة جديدة على صحة النظام الإيكولوجي

في عام 2012 بدأت عالمة بيولوجيا التطور كاثرين شيرد Catherine Sheard مشروعاً طموحاً لنيل الدكتوراه: قياس شكل كل طير من الطيور [العصفوريات] العابرة Passerine أو الجاثمة Perching، في العالم. «ظننت أن ذلك يعادل نحو 6,000 نوع Species، وهو أمر ممكن عملياً»، كما تقول شيرد. وكان الأمر كذلك، إذ حفَز عملها هذا جهداً دولياً لقياس طيور العالم جميعها.

المشارك في المشروع AVONET ماركوس تشوا Marcus Chua يقيس طائر سبد Nightjar من سلفادور

الآن نشر فريق من 115 باحثاً من 30 بلداً يقودهم المشرف على رسالة شيرد للدكتوراه – الإيكولوجي جوزيف توبياس Joseph Tobias من جامعة الامبريال كوليدج لندن Imperial College London قياسات تشريحية Anatomical measurements  لنحو 11,009 نوع حي من الطيور – ليس فقط طيوراً عابرة  مثل أبو الحناء Robins، لكن كل شيء من البط و البطاريق إلى النسور و النعام.  «إنه منجم ذهب»، كما تقول عالمة الوراثة نانسي تشين Nancy Chen من جامعة روتشستر University of Rochester، والتي لم تشارك في المشروع.

في مارس 2022 أعلن عن قاعدة البيانات المفتوحة المصدر Open-source data set – أطلق عليها اسم أيفونت AVONET –  في عدد خاص من مجلة إيكولوجي لترز (مراسلات الإيكولوجيا) Ecology Letters، وذلك بنشر أوراق علمية تصف قيمتها لدراسة تطور الطيور وإيكولوجيتها، إضافة إلى تأثير تغيرات المناخ والموائل Habitat على الأنواع المعرضة للانقراضVulnerable species . «للمرة الأولى نحصل على منظور عالمي كمّيّ حول التنوع البيولوجي للطيور، وهو أمر مدهش فعلاً»، كما يقول الايكولوجي بريان انكويست Brian Enquist من جامعة أريزونا University of Arizona.

استلهم توبياس عمله من قاعدة بيانات ضخمة لقياسات النباتات تدعى TRY، والتي تحتوي على ملايين السجلات تصف شكل الأوراق، وتركيبها الكيميائي، ومتوسط تاريخ إزهارها، و أكثر من ذلك. وبربط Correlating هذه السجلات بأنواع أخرى من البيانات مثل الاستشعار عن بعدRemote sensing ، درس الإيكولوجيون مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك مقدار التدهور في التنوع عندما تتجزأ الموائل. ومع ذلك، فإن قاعدة البيانات TRY تحتوي على تفاصيل لأقل من نصف الـ 391,000 نوعٍ من أنواع النباتات في العالم، مما يحدَ من قدرتها على الإجابة عن بعض الآسئلة.

وبدا تجميع مجموعة بيانات كاملة للطيور ممكناً بعدما أنجزت شيرد مشروعها مستخدمة بعناية الفرجار العرضي Calipers على عينات هشة أحياناً، لقياس نحو 80 طيراً كل يوم، في خمسة متاحف رئيسة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

في المحصلة، قدَم المؤلفون بيانات من 78 مجموعة وبعض الدراسات الميدانية Field studies. قاسوا بالمتوسط ثمانية إلى تسعة أفراد من كل نوع. ولملء المئات القليلة الأخيرة من الأنواع المفقودة، اتصلت توبياس عبر الانترنت والهاتف بباحثين من جميع أنحاء العالم.  «مع بلوغ تلك المرحلة كان العمل نابعاً من الحب»، كما يقول.

تحتوي مجموعة بيانات AVONET على 11 خصائص مورفولوجية Morphological traits، مثل شكل المنقار Beak shape و طول الجناح Wing length، لنحو 90,020 طيراً من 181 بلداً. « إن ما حقّقوه لهو إنجاز كبير»، يقول جان شكرجيوغلو Çağan Şekercioğlu، وهو عالم طيور Ornithologist و إيكولوجيا الحماية Conservation ecologist من جامعة أوتا University of Utah، والذي أنشأ قاعدة بيانات للخصائص الإيكولوجية للطيور بما في ذلك الغذاء والموئل.

وكانت نسخ سابقة وغير كاملة من قاعدة بيانات AVONET  قد ألهمت العلماء بعض الرؤى العميقة (التبصرات). ففي عام 2020، أفادت شيرد في نيتشر كوميونيكيشينز (اتصالات نيتشر) Nature Communications أن التوزع الجغرافي للأنواع الذي وُثق في دراسات سابقة يرتبط بالقدرة على الطيران، كما ظهر من نسبة طول اليد إلى طول الجناح. ومقارنة بالطيور المهاجرة في المناطق المعتدلة، فإن الطيورالمقيمة Sedentary في المناطق الاستوائية لها أجنحة أقصر وأثخن Stubbier، وقدرة طيران ضعيفة وذات مجالات أضيق. تلك الصلة بين تشريح الجناح ومجالات الطيران يمكن أن يساعد الباحثين على قياس احتمال تعرض الأنواع للانقراض جراء تدمير الموائل أو تغير المناخ، مع احتمال عدم قدرة الطيور الأضعف طيرانا على الرحيل من البيئات غير المضيافة، كما يقول شكرجيوغلو.

كما تستعرض الأوراق العلمية في العدد الخاص اكتشافات جديدة. إذ تبيّن إحداها أن تطور الطيران خفَض من اعتماد الطيور على الأسلحة، مثل النتوءات العظمية Bony spurs، ربما لأن هذه الدفاعات تضيف وزناً زائداً. و تؤكد دراسة أخرى أن مجموعات Communities أنواع الطيور ذات التنوع أكبر في الشكل -مثل مناقير متخصصة لأغذية خاصة Niche diets – يكون احتمال انقراضها أقل.

يمكن لفرق أخرى أن تطبَق البيانات على أسئلة جديدة.  «وهذا يجعل هذا البيانات في المتاحف أكثر ديمقراطية»، كما يقول ساهاس بارف Sahas Barve  زميل ما بعد الدكتوراه في متحف سميثسونيان الوطني للتاريخ الطبيعي Smithsonian National Museum of Natural History. ويضيف: «ليس فقط متاحاً للطلبة في كل مكان، بل متاحًا للعلماء في الدول التي أخذت منها هذه العينات أصلاً».

يمكن للدراسات في المستقبل أن تجمع بين قياسات شكل الجسم والبيانات الجينية والتوزع الجغرافي والظروف البيئية لاختبار نظريات حول تطور الطيور ودورها في الأنظمة الإيكولوجية، كما يقول المؤلف المشارك في مشروع AVONET كارستين رابيك Carsten Rahbek  من جامعة كوبنهاغن University of Copenhagen. فعلى سبيل المثال، يمكن لقياسات AVONET أن تساعد على تقدير أقصى حجم من الفاكهة يمكن لنوع ما أن يأكله، وتقريبا المسافة التي يطيرها قبل أن يطرح البذور– وهي دلائل إلى أي النباتات قد تتوزع ومدى كفاءة ذلك.

يمكن للباحثين بعد ذلك استخدام قاعدة البيانات للتنبؤ بالعواقب الإيكولوجية للتغيرات العالمية، مثل إزالة الغابات والتغيرات العالمية. « هذا هو باب المستقبل»، كما يقول رابيك. وعلى سبيل المثال، باستخدام البيانات لأنواع بمناقير متخصصة لأزهار غير عادية يمكن للباحثين أن يتنبؤوا بأنواع النباتات المهددة أكثر بالانقراض إذا اختفت طيورها المُلقَحة. ففي بعض الدول الاستوائية تصطاد الطيور الكبيرة آكلة الثمار بكثافة، ويمكن أن يخفَض فقدها انتشار البذور. حول العالم ، فإن قرارات حماية الطبيعة « يجب أن تصدر سريعاً وأن تكون شديدة»  كما يقول إنكويست. ويضيف قائلا:«  مجموعات بيانات كهذه تمكننا من توقع ما سيحدث و تساعد على إعلامنا بما يجب أن نفعله».

يخطط توبياس و آخرون للاستمرار بتحسين مجموعة البيانات بملء المعلومات الناقصة لنحو 100 نوع. وسيقيسون أيضاً أفراداً أكثر، و يضيفون أنوعاً أخرى من المعلومات حول تاريخ الحياة Life history و السلوك Behavior. حتى الآن توجد مجموعة البيانات على شكل جداول في ملف إضافي Supplemental file لورقة علمية. إن إنشاء قاعدة بيانات وموقع إلكتروني مدفوعين من المجتمع مثل قاعدة البيانات TRY سيتطلب تمويلاً جديداً، وأيضاً آليات للتحقق من البيانات التي تحمَل حديثاً، مثل قياسات تؤخذ عندما يلتقط باحثون أو متطوعون طيوراً حية ويحجّلونها Band. فكما يقول توبياس: «لو جمعناها كلها مع بعضها البعض، فسيمكننا الحصول على مصدر رائع».

بقلم: اريك ستوكستاد

ترجمة: د.سعد الدين خرفان

2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved©

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى