أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أخبار العلومبيولوجيا

كيف نشأت الحياة على عالم من الحمض النووي الريبي RNA

دليل جديد يقترح أن الحمض النووي الريبي والبيبتيدات peptides ربما ساعدت على بناء بعضها البعض مبكراً على الأرض.

إنها أحجية الدجاجة والبيضة القصوى. لا تقوم الحياة من دون آلات جزيئية ضئيلة تدعى الريبوسومات Ribosomes، والتي تترجم الجينات إلى بروتينات. لكن الريبوسومات نفسها مصنوعة من بروتينات. إذن، كيف نشأت الحياة الأولى؟

ربما خطا الباحثون الخطوة الأولى نحو حل هذا السر. فقد أظهروا أن جزيئات الحمض النووي الريبي RNA يمكنها أن تنبت بروتينات قصيرة تدعى بيبتيدات بنفسها فقط – دون الحاجة إلى ريبوسومات. والأكثر من ذلك، فإن هذه الكيمياء تعمل تحت ظروف ربما كانت متوفرة في الأرض المبكرة. «إنه تقدم مهم»، كما تقول كلوديا بونفيو Claudia Bonfio، وهي عالمة في كيمياء أصل الحياة من جامعة ستراسبورغ University of Strasbourg والتي لم تشارك في العمل. الدراسة، كما تقول، تزوَد العلماء بطريقة جديدة للتفكير في كيف بُنيت البيبتيدات.

اعتبر الباحثون الذين يدرسون أصل الحياة لفترة طويلة الحمضَ النووي الريبي RNA على أنه اللاعب المحوري، لأن بإمكانه حمل المعلومات الجينية وتحفيز Catalyze التفاعلات الكيميائية الضرورية في الوقت نفسه. ومن المحتمل أنه وجد على كوكبنا قبل أن تتطور الحياة. ولكن لبدء الحياة الحديثة، كان على الحمض RNA أن “يتعلَم” بطريقة ما تصنيع البروتينات، وفي النهاية الريبوسومات. «حالياً، فإن الريبوسومات تسقط ببساطة من السماء»، كما يقول ثوماس كاريل Thomas Carell الكيميائي من جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ Ludwig Maximilian University of Munich.

جاء دليل على هذه الأحجية من بحث مختبري سابق. ففي عام 2018 كان كاريل وزملاؤه يحاولون فهم كيفية تشكل الأسس الأربعة النظامية «Canonical» للحمض RNA من جزيئات بسيطة. ففي الخلايا الحديثة تشكل هذه الأسس الأربعة للحمض RNA – غوانين Guanine، يوراسيل Uracil، أدينين Adenine  وسيتوسين Cytocine – الأحرف الوراثية في الرنا المرسال (mRNA)، حيث تقرؤها الريبوسومات وتترجمها إلى بروتينات. مع ذلك، فإن هناك أسساً أخرى غير نظامية «noncanonical»  شائعة أيضاً في الخلايا الحديثة، وتؤدي أدوارا مختلفة. وتشمل هذه الأدوار تثبيت الرابطة بين الحموض RNAs النظامية والرنا الناقل «transfer RNAs» الذي يساعد الريبوسومات على تحويل الرمز الوراثي لـ mRNA إلى بروتينات.

لاحظ كاريل وزملاؤه أن بعضاً من أسس  RNAs غير النظامية هذه ربما تخلَقت من جزيئات بسيطة على الأرض المبكرة. استمر هؤلاء وآخرون بإظهار أن بعض الأسس غير النظامية يمكنها أن ترتبط بالأحماض الأمينية، وهي لبنات بناء البروتينات، مما يزيد من احتمال ارتباطها مع بعضها البعض لتشكل البيبتيدات.

الآن، نشر فريق كاريل أن زوجاً من أسس RNAغير النظامية يمكنها فعل ذلك. فقد بدأوا بشريطي RNA – كل منهما يتألف من خيوط من أسس RNA متصلة ببعضها البعض في سلسلة. فهذه الأزاوج من الشرائط يكمل بعضها البعض، مما يمكَنها من التعرف والارتباط معاً. عند أحد طرفي الشريط الأول – يدعى الشريط المانح  donor – أضافوا أساس RNA غير  نظامي يُدعى t6A يمكنه الارتباط بحمض أميني. وعلى نهاية شريط RNA  الثاني– يدعى الشريط المُستقبِل Acceptor – أضافوا أساس RNA آخر غير نظامي يُدعى mnm5U.

وجد فريق كاريل أنه عندما يرتبط شريطا الـحمض RNA المتكاملان – المانح والمستقبل – ببعضهما البعض، فإن الـmnm5U  يمسك بالحمض الأميني على t6A. مع إضافة القليل من الحرارة فقط، ينفصل t6A، ويمرر حمضه الأميني إلى mnm5U ، ويتفكك الشريطان المتكاملان، ويبتعدان بعيداً عن بعضها البعض.

لكن العملية يمكن أن تتكرر. فقد يرتبط شريط مانح ثانٍ يحمل حمضاً أمينياً آخر بالشريط المُستقبِل، ويمرر حمضه الأميني الذي كان مرتبطاً بالشريط الأول. يمكن لهذه العملية أن تصنع سلاسل من البيبتيدات بطول يصل إلى 15 حمضا أمينيا، كما نشر الفريق في مجلة نيتشر Nature.

وجد كاريل وزملاؤه أيضاً أنه عندما ترتبط شرائظ RNA متكاملة تحتوي على أزواج من الأسس غير النظامية مع بعضها البعض، فإن الحموض الأمينية التي اشتركا بها في البداية تقوَي الرابطة بين شريطي RNA. النتيجة، كما تقول بونفيو ، هي أنه على الأرض المبكرة،  ربما كان تشكل البيبتيدات والحموض RNA تعاونياً Synergistic: ربما ساعدت حموض RNA على تشكيل البيبتيدات، وربما ساعدت البيبتيدات بدورها في تشكيل شرائط أطول فأطول من  RNA وجعلتها مستقرة.

بونفيو وكاريل يقولان إن هذا التعاون ربما أنتج تنوعاً كيميائياً واسعاً من  RNAs ، والبيبتيدات ، وتراكيب أخرى من الاثنين معاً، ربما أدت إلى نشوء الكيمياء المعقدة اللازمة للحياة – كل ذلك  من دون الحاجة إلى ريبوسومات.

يقرَ كاريل بأن العمل هو مجرد “خطوة أولى”. ومازال الباحثون بحاجة إلى شرح كيف يمكن لشرائط RNA – الحاوية على أسس نظامية أو أسس أخرى – أن تكون قد اختارت خيوطاً معينة من أحماض أمينية لازمة لصنع البروتينات. ولكن مع تأسيس نقطة الانطلاق الأولى،  فإن لدى الباحثين عن أصل الحياة الآن فكرةً عن أين سيبحثون في المرحلة التالية.

 

بقلم : روبرت سيرفيس

ترجمة : د.سعد الدين خرفان

©2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى