انطلاق سباق احتواء التغييرات المناخية بامتصاص الكربون من الهواء
قد تبدو حظيرة ماشية بالقرب من ادمبرة Edinburgh تمتصّ انبعاثات غاز الميثان، وفريق يعمل على تغيير حمضية مياه البحر في القنال الإنجليزي، طريقتان غير مُجديتين للحدّ من الخطر المتزايد للتغيّر المناخيّ Climate change. ولكنهما مشروعان فقط من أصل أربعة وعشرين مشروعاً يشاركون في المسابقة البريطانية للطرق المبتكرة لامتصاص غازات الدفيئة Greenhouse gases من الجو، والتي تبلغ قيمتها مئة مليون يورو.
إن الحكومات حول العالم قد انتبهت أخيراً وتفهمت مدى أهمية تطوير طرق لإزالة الانبعاثات من الغلاف الجوي حتى تصل إلى أهداف صافي الانبعاثات الصفري Net-zero targets، والتي انتشرت الآن عبر %90 من الاقتصاد العالمي. وقد كان التقرير المرجعي الصادر من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ العام الماضي واضحاً Intergovernmental Panel on Climate Change: استرتيجيّات الإزالة Removal strategies تؤتي ثمارها، وسنحتاج إليها لـ«تثبيت» ارتفاع درجات الحرارة هذا القرن.
حتى الآن، توجد هذه التقنيات بكثرة كعمليات محاكاة افتراضية فقط. ولكن يبدو أن عام 2022 سيكون العام الذي تدخل فيه هذه المخططات التجريبية حيّز التنفيذ. ويقول ستيف سميث Steve Smith من جامعة أكسفورد University of Oxford: «إنهم يسدّون فجوة مهمة حقاً، فهم ينتقلون من نماذج حاسوبية افتراضية إلى الحقول والمصانع، حيث نستطيع رؤية عملهم على أرض الواقع».
تقترب المملكة المتحدة من مقدمة السباق الدولي لتطوير تقنيات إزالة غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو، ولكنها ليست الوحيدة. فقد سنَّت الولايات المتحدة قانوناً سيكلّف 447 مليون دولار لإجراء أبحاث على آلات تسحب غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء. وتعمل النرويج أيضاً على مشروع لسحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتخزينه، ويتكلف عدة بلايين من الدولارات والذي يسمى لونغ شيب Longship. كما تعمل عدة بلدانٍ أخرى من بلدان الشمال الأوروبي على اكتشاف كيفية استخدام أنواع من الطاقة الحيوية للحدّ من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
90 % من الاقتصاد
العالمي يتضمن أهدافاً
تسعى إلى الوصول إلى
صافي انبعاثات صفري
إضافة إلى مسابقة المملكة المتحدة التي هي بقيمة 100 مليون يورو، هناك أيضاً مشروع تكلفته 30 مليون يورو بدعم من الحكومة البريطانية يبحث في خمسة أفكار، بدءاً من طحن الصخور لزيادة مساحة سطحها، ونشر غبارها على المساحات الزراعية لتسريع امتصاصها الطبيعي لغاز ثاني أكسيد الكربون، وصولاً إلى زراعة العشب سريع النمو ليمتصّ غاز ثاني أكسيد الكربون. وتتنوع المشروعات الأربعة وعشرين التي تسعى إلى الفوز بحصة من تمويل المسابقة التي ستجري في أبريل في الأفكار المطروحة.
يهدف البعض إلى التقليل من نسبة الهيدروجين في مياه البحر ليتحول معظم الكربون فيه إلى ثاني أكسيد الكربون، والذي يمكن سحبه وتخزينه. فترفع نسبة الهيدروجين مجدداً، وإعادة المياه التى استخلص منها غاز ثاني أكسيد الكربون إلى البحر مجدداً، حيث تمتص وبشكل طبيعي المزيد من غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو. صرح بول هالوران من جامعة إكستر في المملكة المتحدة، والذي يعمل على المشروع المسمى سي كيور SeaCURE: «نحن نسرِّع العمليات الطبيعية للمحيط».
كما أضاف أن العامل الأكبر هو أن تركيز ثاني أكسيد الكربون في مياه البحر أكبر 150 مرة منه في الهواء. وهذا سيساعد أيضاً على خفض التكاليف، كما يقول: 300 يورو للطن من ثاني أكسيد الكربون المُزال، مقابل 600 دولار (ما يعادل 442 يورو) استشهدت بها شركة كلايمووركس Climeworks السويسرية المتخصصة بتقنيات سحب الهواء المباشر. وهناك عامل أكبر وهو أن على عكس الطرق الأخرى التي تستخدم المحاصيل والأشجار، هو لا يستهدف استغلال مساحات من الأراضي.
تتمثل نقطة ضعف الفكرة بالرصد. ففور إعادة المياه التى سُحب منها الكربون إلى المحيط، من المستحيل معرفة مدى امتصاصها للكربون. وقد يكون هذا عائقاً أمام الشركات التي تستخدم هذه الطريقة لتحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفري، إذ سيتحتم عليهم وقتها الاعتماد على تقديرات الكربون المستخلص بدلاً من الأرقام الفعلية.
مرشح آخر في المسابقة هو مشروع غرين شيد Green-shed والذي تقوده كارول-آن دوثي Carole-Anne Duthie من الجامعة الريفية الإسكتلندية Scotland’s Rural College (اختصارا: الجامعة SRUC). وتتمثل فكرة المشروع بتأسيس حظيرة حيث تعيش قطعان البقر في آخر مراحل نموّها، وتحويلها من مساحة مفتوحة نوعاً ما إلى أخرى مغلقة بإحكام، ثم امتصاص المعدلات العالية من غاز الميثان منها. وستستمد الطاقة اللازمة للامتصاص من نظام هضم بواسطة الخلايا الاهوائية داخل الموقع on-site anaerobic digester يعمل بواسطة فضلات المواشي.
طاقة المزارع
مثل مياه البحر، تحتوي حظيرة الماشية على تركيزات أعلى من الطبيعي من غازات الدفيئة. وهناك نقطة إيجابية أخرى هو أنه يمكن استخدامه بأقل ضرر للمزارعين. تقول دوثي: «لا يؤدي ذلك إلى تغيير مبادئ الزراعة». ومع ذلك، لا تزال إمكانية تخزين كميات هائلة من الميثان بطريقة اقتصادية مشكلة من دون حل، كما أن معيار عمليات الإزالة لا يزال غير معروف.
ما زالت هذه الافكار في المراحل الأولى من الابتكار. تقول إيميلي كوكس Emily Cox من جامعة كاردف Cardiff University بالمملكة المتحدة: «إن بعض هذه الأفكار قد تنجح وبعضها ربما لا ينجح، ولا بأس بهذا في المرحلة المبدئية». ووفقا لما تقول، لا يمكن للمملكة المتحدة الاعتماد على هذه الحلول لإزالة ملايين الأطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون، والوصول إلى أهداف الكربون المرغوبة.
بدوره، يقول ديفيد جوفي David Joffe من لجنة التغيرات المناخية Climate Change Committee (اختصارا: اللجنة CCC)، وهي مجموعة مستقلة تقدم الاستشارات للحكومة البريطانية، أنه على المدى القصير، سيقع ذلك الدور على عاتق الطرق المعتمدة على الطبيعة، والتي ستكون غالباً زراعة الأشجار وإعادة تأهيل الأراضي الخثية Peatland restoration. والسبب لكون هذه القرارات في مقدمة الحلول المقترحة هو أنها غير مكلفة، وقد تستغرق سنوات لتخفض من مستوى الكربون في الجو.
75-81 مليون طن
من ثاني أكسيد الكربون تحتاج المملكة المتحدة
إلى إزالتها من الهواء
بحلول عام 2050
لكن، هناك عدد محدود من الأراضي، ومن ثم كمية محدودة من الكربون يمكن للأشجار امتصاصها، مما يعني أن أهداف المناخ لن تتحقق إلا بواسطة عمليات الإزالة المخطط لها متوسطة الأجل كذلك. ولعل الإمكانية الأولى هي الطاقة الحيوية الناتجة من احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه Bioenergy with carbon capture and storage والمعروفة اختصارا بالتقنيات BECCS، والتي ترغب مؤسسة الطاقة دراكس Drax بتطبيقها في شمال إنجلترا لحرق الكتلة الحيوية للحصول على الطاقة وضخ ثاني أكسيد الكربون في خزانات النفط القديم والغاز على الساحل. فثاني هذه المخططات يتمثل بسحب الهواء المباشر Direct air capture (اختصارا: التقنية DAC)، حيث تسحب الآلات التي تستخدم المراوح والحرارة والمواد الكيميائية ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الهواء، وهي تقنية تخطط شركة كاربون إنجنيريتغ Carbon Engineering الكندية لإطلاقها في إسكتلندا بحلول 2026 على نطاق واسع.
يقول جوفي: «هؤلاء هم المرشحون الأوفر حظاً. ونعتقد أن التقنيات المقترحة من البعض الآخر تخمينية إلى حد ما. ولا نقصد بهذا بأنهم لا يمكنهم المشاركة، ولكننا لا نرى بأنهم قد أثبتوا جدارتهم لنضمّهم في مخططاتنا». ووفقاً لجوفي، فإن أخذ البدائل بعين الاعتبار لا يزال أمراً مفيداً، وذلك لأن هناك حدوداً مادية لإمكانية زرع الكتلة الحيوية في المملكة المتحدة المطلوبة لنجاح التقنيات BECCS. وتستهلك التقنية DAC كميات مكثفة من الطاقة، ولذلك فإن التطبيق على المدى الواسع في الخمسة عشر عاماً المقبلة قد تستهلك الكهرباء المتجددة اللازمة للسيارات والتدفئة وغيرها.
إن التحدي ضخم، فبحلول 2050، تعتقد الحكومة البريطانية بأن التقنيات الهندسية يجب أن تزيل من 75 إلى 81 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في العام، بدءا من الصفر في الوقت الحالي. والوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول 2050 بواسطة تقنيتي BECCS وDAC وزراعة الأشجار هو أمر يصعب تحقيقه. ويضيف، لكنهما رهاننا الأفضل. ولا يمكن الاعتماد على الأفكار الأخرى لعام 2050، ولكن ربما تكون مفيدة على مدي زمني أبعد. ويقول: «قد يقرر أطفالنا حاجتنا إلى إيجاد حلّ لبعض التغيرات المناخية والوصول إلى ما هو أفضل من صافي الانبعاثات الصفري، ألا وهو صافي الانبعاثات السلبي Net negative، وفي هذه الحالة، فإن البدء بتطبيق هذه التقنيات سوف يساعد».
لاتزال هناك عدة عوائق، نحتاج إلى وضع البنية الأساسية واسعة النطاق للمخازن والنقل، ومع ذلك فإن حكومتي النرويج والمملكة المتحدة تعملان على توفير المخازن والأنابيب اللازمة. ويقول جوفي: «إن لم نحقق تقدماً في هذه الأمور خلال هذا العقد، سنواجه الصعوبات لاحقاً». ووفقاً لروث هربرت Ruth Herbert من رابطة سحب الكربون وتخزينه Carbon Capture Storage Association، وهي هيئة تجارية بريطانية، تشير خزانات النفط والغاز القديمة إلى أنّ الدولتين قد ينتهي بهما الأمر إلى أن تكون مخازن لثاني أكسيد الكربون في الاتحاد الأوروبي.
المشكلة الأخرى هي أنه مازال لا يوجد هناك أي حوافز للشركات لإزالة ثاني أكسيد الكربون وتخزينه. بخلاف مبادرات قدمها القطاع الخاص مثل شركات مثل شوبفاي Shopify وسترايب Stripe التي تدفع مقابل عمليات إزالة باستخدام التقنية DAC؛ مما يعني في الغالب عدم وجود «طريق للسوق» Route to market للشركات التي تفكر باتخاذ قرارات للاستثمار في تلك التقنيات.
وهناك أيضاً مواقف الجمهور. فقد أبدى 108 أشخاص في الاجتماع الأول للجمعية المعنية بالتغيرات المناخية في المملكة المتحدة في 2020، والذي كان يهدف إلى معرفة آراء الشعب، ارتياحهم الكبير لعمليات الإزالة الهندسية. يقول جوفي: «الأمر المهم في إِشراك الجمهور هو إعطاء فكرة واضحة عن سبب عمليات الإزالة: موازنة الانبعاثات المتبقية حيث لا يمكننا الوصول مستوى الانبعاثات الصفري، وعدم السماح للشركات بالتهرب من مسؤولياتها».
ومع كل هذه العراقيل، يقول جوفي: «هناك عالم لا يحدث فيه أيٌّ من هذا». وهناك عاملان قد يدفعان إلى الفشل هما: صراعات الآراء الجماهيرية المعادية، ولحكومات التي لا تقدم الحوافز اللازمة لتطوير الابتكارات التي تقدم مقترحات مثل التي تقدمها المسابقة البريطانية. ويعتقد سميث أنه لحسن الحظ هذا من غير المرجح، لأن الدول الآن أكثر وعياً بأن تجنب المزيد من التغيرات المناخية الخطرة ربما لا يعني فقط الحد من غاز ثاني أكسيد الكربون، بل إزالته. ويردف سميث: «من الضروري حل هذه المشكلة في جيلنا».
بقلم آدم فوغان
ترجمة إسراء دياب
.2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC©