أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
Advertisement
أخبار العلوم

إشارات جاذبية يمكنها اكتشاف الزلازل بسرعة الضوء

خوارزمية جاهزة للاستخدام في اليابان يمكنها أن تميز هزات أرضية ضخمة بسرعة أكبر ومصداقية أعلى

بعد دقيقتين من اهتزاز أكبر صفيحة تكتونية في العالم مقابل ساحل اليابان، أصدرت وكالة الأرصاد الجوية اليابانية تحذيرها الأخير إلى نحو 50 مليون من السكان: ولَدت هزة ارضية بقوة 8.1 درجة موجة تسونامي Tsunami متجهة نحو الشاطئ. ولكن القوة الحقيقية للهزة الأرضية في توهوكو Tohoku بتاريخ 11 مارس 2011 لم تُقدر قوتها الفعلية إلا بعد ساعات من وصول الأمواج. وفي النهاية كانت قوتها 9 درجات – مطلقة قوة أكبر بـ 22 ضعفاً من القوة التي توقعها الخبراء، ومخلِّفة 18 ألف قتيل على الأقل، بعضهم في مناطق لم تتلق أي إنذار. الآن وجد العلماء طريقة للتوصل إلى تقديرات أكثر دقة لقوة الزلزال وبسرعة أكبر، باستخدام خوارزمية حاسوبية لتمييز موجات الجاذبية التي تنطلق من الصدع بسرعة الضوء.

«هذه طريقة جديدة تماماً لتمييز الزلازل ضخمة الشدّة» كما يقول ريتشارد ألان Richard Allen -عالِم زلازل من جامعة كاليفورنيا University of California، في بيركلي- والذي لم يكن مشاركاً في الدراسة. وتابعا قائلا: «لو استخدمنا هذه الخوارزمية؛ لكانت لدينا ثقة أكبر بأن ذلك الزلازل قويٌّ فعلاً، ولكان بإمكاننا إرسال الانذار إلى مناطق أوسع وبسرعة أكبر».

يكتشف العلماء الزلازل عادة بمراقبة اهتزازات Vibrations الأرض، أو موجات زلزالية Seismic waves، بآلات تدعى أجهزة قياس الزلازل Seismometers. ويعتمد مقدار التحذير المسبق الذي تقدمه هذه الأجهزة على المسافة بين الزلزال وأجهزة قياس الزلازل، وسرعة الموجات الزلزالية التي تسافر بأقل من 6 كم/الثانية. وتوفر شبكاتُ الرصد في اليابان والمكسيك والولايات المتحدة ثوانيَ أو حتى دقائق من التحذير المسبق، وهذا مفيد جدا في الهزات Temblors الصغيرة نسبياً. لكن بقوة أعلى من 7 درجات، فإن الموجات الزلزالية يمكن أن تتخطى طاقة أجهزة الرصد. وهذا ما يجعل الزلازل الأكثر تدميراً -مثل هزة توهوكو في اليابان- أصعب تحديداً، كما يقول ألان.

مؤخراً أدرك الباحثون العاملون في البحث عن موجات الجاذبية Gravitational waves –وهي تموجات زمكانية Space-time ناجمة عن حركة أجسام ضخمة – أن إشارات الجاذبية تلك، والتي تنتقل بسرعة الضوء، قد تستخدم أيضاً في تتبع الزلازل. «الفكرة هي أنه حالما تنتقل الكتلة إلى مكان ما، فإن حقل الجاذبية يتغير، و… يشعر كل شيء بذلك»، كما يقول برنارد وايتينغ Bernard Whiting – فيزيائي من جامعة فلوريدا University of Florida عمل في مرصد قياس تداخل موجات الجاذبية بالليزر Laser Interferometer Gravitational –Wave Observatory (اختصارا: المرصد LIGO). ويتابع قائلا: «المدهش هو أن الإشارة سترصدها أيضاً أجهزة قياس الزلازل».

وبالفعل هذا ما حصل، فقد ذكر وايتينغ وزملاؤه أن أجهزة قياس الزلازل العادية أحست بإشارات الجاذبية تلك. وينتج من الهزات الأرضية انزياحات ضخمة في الكتلة Mass، وتصدر هذه الانزياحات تأثيرات في الجاذبية تشوِّه Deform حقول الجاذبية الموجودة، والأرض تحت أجهزة قياس الزلازل ايضاً. وبقياس الفرق بين الإشارتين، استنتج العلماء أن باستطاعتهم خلق نوع جديد من نظام الإنذار المبكر بالزلازل. إذ ترصد أجهزة قياس الزلازل إشارات الجاذبية قبل وصول الموجات الزلزالية الأولى، وتظهر هذه الإشارات على جزء من شريط المسح الزلزالي لأجهزة قياس الزلازل، والذي كان يهمل عادة. بمراكمة إشارات من عدد من أجهزة قياس الزلازل معا يستطيع العلماء تمييز نماذج تفسر قوة الأحداث الكبيرة وموقعها، كما يقول وايتينغ.

الآن، طوّر آندريا ليكياردي Andrea Licciardi – باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة كوت دو آزور Cote d’Azur University- وزملاؤه خوارزمية تعلّم آلة Machine-learning algorithm للتعرف على ذلك النمط في البيانات. فقد دربوا النمذجة Model على مئات الآلاف من محاكاة الزلازل، وذلك قبل اختبارها على مجموعة بيانات حقيقية من توهوكو. تنبأت النمذجة بدقة بقوة الهزة الأرضية في نحو 50 ثانية – وهذا أسرع من أحدث أنظمة الإنذار المبكر، كما نشر الباحثون في مجلة نيتشر Nature، في 11 مايو 2022.

«إنها أكثر من مجرد بذرة لفكرة – لقد أظهروا أن بالإمكان فعل ذلك»، كما يقول وايتينغ. ويستطرد قائلا: »ما أظهرناه كان برهاناً على مبدأ. وما قدموه الآن هو برهان تطبيقي على هذا المبدأ».

وإشارات الجاذبية أضعف من أن تستخدم في اكتشاف زلازل أصغر من 8.3 درجة حسب التقنية الحالية، ومن غير المحتمل أن يقدم النظام تحذيراً إضافياً أكبر في مناطق زلزالية المُغطاة بالفعل من قبل أجهزة قياس الزلازل. لكن يمكنها تقديم تقديرات موثوق فيها أكثر لقوة الزلازل الأقوى، وهو أمر ضروري خاصة للتنبؤ بالتسونامي الذي غالباً ما يستغرق من 10 إلى 15 دقيقة إضافية للوصول، كما يقول آلان. وبهذه التقنية كان باستطاعة علماء الزلازل في اليابان أن يقرروا بدقة قوة زلزال توهوكو، وأن يصدروا التحذيرات المسبقة اللازمة «من 1 إلى 2 دقيقة بعد بدء الزلزال، في حين أن قياس مثل ذلك في العام 2011 استغرق ساعات. لو توفر مثل ذلك حينها؛ لكان رائعاً»، كما يقول جين–بول أمبويروAmpuero Jean-Paul عالم الزلازل من جامعة كوت دو آزور والمؤلف المشارك في الورقة العلمية.

لكن التقنية غير عاملة بعد: إذ إنها لم تعالج بيانات في الزمن الفعلي Real time. وهذه النمذجة مُعدّة الآن للاستخدام في اليابان – لكن فقط على زلازل تتولد من تصدعات محددة يحتمل أن تولَد «زلازل كبيرة». وسيتطلب الأمر تدريب الخوارزمية بشكل مستقل للاستخدام في المناطق المختلفة، ويطبق الباحثون حالياَ ذلك على شبكات الرصد الزلزالي في البيرو وتشيلي، كما يقول ليكياردي. ويبقى أنه «لدينا خوارزمية من الجيل الأول… وهي خطوة هائلة نحو الأمام، الآن دعنا نمضي قدماً ونتحقق ما إذا كانت تعمل حقاً»، كما يقول ألان.

بقلم: زاك سافيتسكي

ترجمة: د.سعد الدين خرفان

©2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى