أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاء

ادعاءات مثيرة للجدل عن انحراف الكون قد تغير علم الكون جذريا

يخضع فهمنا للكون للمبدأ الكوني: الافتراض القائل إنه عند الأحجام الهائلة يبدو المشهد متطابقا تقريبا بغض النظر عن الاتجاه الذي تنظر إليه. ماذا لو كان ذلك خاطئا؟

تخيل أنك ضائع وحدك في أرض واسعة وعديمة الملامح. وحيثما نظرت، ومهما ارتحلت، فكل شيء يبدو متشابها. يبدو الأمر كحلم مزعج. صدق أو لا تصدق، هذا هو الكون Universe الذي تعيش بداخله. فإذا وسّعت زاوية المشاهدة بعيدا بما يكفي، بعد النجوم القريبة، عبر مجرة درب التبانة Milky Way، مرورا بالعناقيد المجرية Clusters of galaxies، والبنى الخيطية Filament-like structures التي تربطها بعضها بعضا، ومضيت مبتعدا، في النهاية، سيبدو كل شيء بعد ذلك سلسا Smooth ومتجانسا Uniform حيثما جال بصرك.
هل الأمر كذلك حقا؟ تُعرف فكرة تجانس الكون -عند الأحجام الهائلة، بغض النظر عن الموضع أو الاتجاه- بالمبدأ الكوني Cosmological principle، وهو مبدأ يقبع في قلب أفضل نظريتنا عن كيفية تطور الكون. ويؤمن به علماء الكوزمولوجيا (الكون)، إيمانا راسخا. ولكن بعض المهرطقين حاليا يطرحون العديد من التساؤلات، ويشيرون إلى وجود أدلة جديدة تدعم فكرة تكتل الكون حتى عند أكبر الأحجام، بل إنّ ذلك التكتل مختلفٌ كليا عمّا نتوقعه.
إذا كانوا محقين، سيغير ذلك علم الكوزمولوجيا جذريا. ويتعين علينا حينها البدء بوصف كوننا مجددا من الصفر، وقد يتطلب ذلك قبولنا بعدم وجود نموذج واحد قادر على وصف تطور كوننا حتى يومنا هذا.
إذا كانوا محقين، فإنّ معظم الكوزمولوجيين لا يزالون بعيدين جدا عن الاقتناع. ويقولون -وهم يهزون أكتافهم بلا مبالاة- إنه سبق وأن وجدنا حلولا لتحديات مشابهة. ومع ذلك، يبدو أن تصفية الحسابات تلوح في الأفق. فبطريقة ما أو بأخرى، سيواجه المبدأ الكوني، الذي ظلّ لفترة طويلة لا يُمكن المساس به، سيواجه التحدي التجريبي.
وُلدت فكرة تجانس الكون في جميع الاتجاهات من مبدأ أساسي آخر في علم الكون: حجة نيكولاس كوبرنيكوس Nicolaus Copernicus التي صِيغت في القرن السادس عشر واستبعدت فكرة أن الأرض تقع في موقع متميّز من الكون. فهذه الفكرة عُرفت بالمبدأ الكوبرنيكي Copernican principle. لكن هذا المبدأ الكوني لم يحتل مكانته المرموقة حتى عشرينات القرن العشرين عندما أسهم في صياغة نموذج للكون معتمدا في ذلك على نظرية آينشتاين الجديدة عن الجاذبية: النسبية العامة General relativity.
النسبية العامة معقدة بقدر جمالها، فهي تتألف من عشر معادلات توازن المادة Matter والطاقة Energy على أحد جانبيها والزمكان Space-time على الجانب الآخر. وتتطلب الطريقة الوحيدة لحل تلك المعادلات وضع سلسلة من الافتراضات عن توزع المادة والطاقة وكيفية انحناء الزمكان. فعند افتراض تماثل الكون في كل الاتجاهات، أو تجانسه Homogeneous، ويبدو الكون متشابها في كل اتجاه، وهي خاصية تعرف بالتماثل Isotropy، تمكن علماء الفيزياء من اختزال معادلات آينشتاين لاستخلاص كونٍ بسيط يتطور متطابقا مع النتائج الرصدية.
كرّس حل «فريدمان-لوميتر-روبرتسون-ووكر» Friedmann–Lemaître–Robertson–Walker (اختصارا: الحل FLRW) هذا المبدأ الكوني، وصار أساسا للنموذج القياسي لعلم الكون Standard model of cosmology: أفضل نظرياتنا عن كيفية تطور الكون. فبعد البدء بحدث انفجار كبير (عظيم) Big bang، يتوسع الكون FLRW المثالي بشكلٍ متناظر كبالونٍ يُملأ بالهواء. وبعد ذلك تتشكل النجوم والمجرات والعناقيد نتيجة حصول انحرافات صغيرة في محيط واسع لا يزال سلسا ومتجانسا في كل مكان.
يعمل النموذج القياسي جيدا. فعندما نأخذ خريطة مفصلة للضوء القادم من المراحل المبكرة لكوننا، المعروف بإشعاع الخلفية الكونية الميكروي (الإشعاع CMB)، ونستخدمها في استقراء المستقبل باستخدام النموذج القياسي، فإننا نحصل على نتائج مطابقة تقريبا لما نرصده حالياً. يقول جيم بيبلز Jim Peebles at من جامعة برينستون Princeton University، وهو من طور النموذج القياسي في سبعينات وثمانينات القرن العشرين: «النتوءات والتذبذبات التي نراها في الإشعاع CMB موجودة أيضا في المجرات عند الأحجام الكبيرة»، ويتابع قائلا: «تعمل النظرية القياسية أفضل بكثير مما توقعته. لكن لم أنظر إليها قطُّ على أنها نظرية نهائية. فقد كانت مالئة للفراغ إلى حين التوصل إلى نظرية نهائية».
إدراكنا أن المجرات مرتبطة مع بعضها بعضا بفعل نوع من مادة خفية، تُعرف بالمادة المعتمة Dark matter، ومن ثمّ اكتشافنا لتسارع التوسع الكوني، الذي نُسب إلى الطاقة المعتمة Dark energy، قاد الكوزمولوجيين إلى إضافة بضعة أشياء إلى الوصفة بحرية تامة. فوفقا لبيبلز: «نحن نقول اعتباطا: لتكن هناك طاقة معتمة! لتكن هناك مادة معتمة!»
ومثل بيبلز، يتفق معظم الكوزمولوجيين على ضرورة تطوير النموذج القياسي. في البدء، فإنه ليس لدينا حتى الآن أي فكرة عن ماهية هذه الأشياء الغامضة التي رُميت داخل القدر لتنفع المعادلة. وحتى عندما نضيف الطاقة المعتمة إلى النموذج، فإن قياساتنا الحالية تُخبرنا بأن تسارع توسع كوننا أكبر مما تنبأ به النموذج.
تقترح مجموعة أخرى من نتائج الرصد حاجتنا إلى ما هو أكثر من مجرد تعديلات بسيطة. فعلى مدار العديد من الأعوام، استمرت مجموعة صغيرة من الكوزمولوجيين في الإشارة إلى أنّ الفراغات الشاسعة، المشابهة للفقاعات، التي تنتشر حولها المجرات على هيئة خيوط رفيعة، تجعل من كوننا غير متجانس. ينطبق ذلك أيضا على الجدران الواسعة المصنوعة من المجرات والعناقيد المجرية فائقة الحجم Galactic superclusters. ومن ثمّ في العام الماضي، دفع اكتشاف سلسلة عملاقة من المجرات، عُرفت بالقوس العملاق Giant Arc، الممتدة على طول يصل إلى ثلاثة بلايين سنة ضوئية في عرض السماء، إلى التساؤل عن المبدأ الكوني الذي بُني فوقه النموذج القياسي.
ولا تقوم الحجة على أن هذه القيم المتطرفة Outliers تقدم أدلة إضافية ضد تجانس الكون عند الأحجام الكبيرة فقط، وإنما أيضا فكرة أن سحب الجاذبية الواقع على هذه البنى العملاقة هو ما يؤدي إلى نشوء أشرطة من المادة المنجرفة كالنسيم والمعروفة بـ«التدفق الحجمي» Bulk flow. وقد تتحرك هذه الأشرطة بسرعة تصل إلى مئات الكيلومترات في الثانية وتتوسع على امتداد بليون سنة ضوئية. يقول كريستوس تساغاس Christos Tsagas من جامعة أرسطو في ثيسالونيكي Aristotle University of Thessaloniki باليونان، الذي يطوّر نمذجات كونية من لبنات Tiled cosmological models تتضمن مثل تلك الحركة السريعة للمادة: «كان هناك تقارير عن تدفقات حجمية متطرفة، تدفقات أكبر وأسرع بكثير، لكن لم يؤكد أي منها».
يقول تساغاس إننا موجودون داخل أحد تلك التدفقات الحجمية. فنحن نحيا فوق الأرض التي تدور حول الشمس، والتي تدور أيضا داخل درب التبانة، التي تُسحب نحو مجرة المرأة المسلسلة (أندروميدا) Andromeda، وهي أقرب المجرات إلى الأرض. إضافة إلى ذلك، فإننا ننجرف في اتجاه عناقيد من المجرات كعنقود العذراء Virgo، أو نحو عناقيد فائقة كالجاذب العظيم Great Attractor، وربما في اتجاه تكتلات من المادة تقع وراء أفق ما يُمكننا مشاهدته. إن منظورنا للتوسع المتناظر للكون مقسمّ إلى لبنات نسبة إلى الكون ككل.
يقول تساغاس إن ذلك ربما يقودنا إلى انطباع خاطئ عن الطاقة المعتمة. فنحن نرى أن التوسع الكوني متسارع، إلاّ أنه قد يكون متباطئاً في عمومه. تأمل مثال أنك أثناء قيادتك في طريق سريع، طريق تتحرك فوقه جميع السيارات بسرعات متساوية، فرُغ خزان وقودك وبدأت سيارتك بالتباطؤ. من وجهة نظرك أنت، فإن السيارات الأخرى تظهر وكأن تسارعها يتزايد. وبطريقة مشابهة، إذا كان التدفق الحجمي الذي نوجد داخله يتبأطأ، فسيبدو حينها الكون المحيط بنا متسارعا -مما خلق وهماً بقوة توسع غامضة.
بالطبع، سيكون ذلك مهمّاً؟ لكن يريدنا سوبير سركار Subir Sarkar من جامعة أكسفورد University of Oxford أن نذهب ما هو أبعد من ذلك. فهو يقول إنه وجد أدلة على انحراف Skewed الكون ككل، ومن ثمّ فإن المبدأ الكوني غير صالح.
مجددا، يبدأ كل شيء مع الإشعاع CMB الذي يتوهج بدرجة حرارة واحدة في جميع الاتجاهات. غير أن ذلك ليس دقيقا تماما. فالإشعاع يبدو لنا منحرفاً Lopsided، وينتج ذلك بشكل رئيسي عن تحرك الأرض داخل مجرة درب التبانة بسرعة تصل إلى مئات الكيلومترات في الثانية. وكما هي الحال مع تشوه صوت إنذار سيارة الإسعاف أثناء تسارعها مرورا بك، فإن الإشعاع CMB مشوه نتيجة لحركتنا داخل الكون.
في ثمانينات القرن العشرين اقترح جورج إيليس George Ellis، الذي يعمل حاليا في جامعة كايب تاون University of Cape Town بجنوب إفريقيا، طريقة لاستخدام ذلك الانحراف لاختبار ما إذا كان النموذج القياسي يخضع للمبدأ الكوني. نصت الفكرة حينها على أننا سنرى معدلات انحراف متطابقة تماما في المجرات البعيدة جدا لأن تلك المجرات البعيدة -مثل الإشعاع CMB- تُمثل خلفية ثابتة يُمكننا قياس حركتنا بالنسبة إليها. ويضيف إيليس: «إذا لم يتطابق هذان القياسان، سيكون النموذج FLRW في ورطة كبيرة».
إن الحصول على بيانات للمجرات البعيدة مهمة شاقة جدا لأنها خافتة ويصعب تمييزها بين العديد من الأجرام الفلكية الأخرى الأشد قربا إلينا. ففي عام 2002 تمكن علماء الفيزياء الفلكية في نهاية المطاف من إجراء اختبار بفضل فهرس المجرات الكبير NVSS، الذي جُمع باستخدام تلسكوب المصفوفة الكبيرة جدا Very Large Array telescope بنيو-ميكسيكو. بيّن ذلك الاختبار أن حركتنا داخل الكون تتفق جيداً مع نتائج خريطة الإشعاع CMB. ومع ذلك، فإن عدد المجرات الصغير نسبيا، والغموض المرتبط ببعدها الحقيقي أبقى حيّزا للشك.
يقول سركار: «أدركنا حاجتنا إلى فهرس أفضل»، وسعيا وراء ذلك، انضم سركار إلى عالم الفلك ناثان سيكريست Nathan Secrest من مرصد نافال Naval Observatory في واشنطن بالولايات المتحدة. قدم سكريست لسركار وزملائه فهرساً يحوي 1.4 مليون كوازار Quasars. يُعرف هذا الفهرس بكات-وايز catWISE الذي جُمع من بيانات تلسكوب وايز الفضائي WISE space telescope. والكوازارت عبارة عن تدفقات ضوئية ساطعة جدا تُغذيها ثقوب سوداء فائقة الكتلة Supermassive black holes موجودة في مراكز المجرات. ومقارنة بالفهرس NVSS، يفهرس كات-وايز عددا أكبر بكثير من المصادر المنتشرة في أرجاء السماء وليس فقط المنتشرة في جزء محدد، وذلك مهم جدا إذا كان الهدف تقييم مدى انحراف الكون.
في العام الماضي نشر سركار وسيكرست وزملاؤهما بيانات تشير إلى حصول انحراف في توزع الكوازارات في اتجاه مشابه لذلك الموجود في الإشعاع CMB، لكنه كان أكبر بضعفيْن مقارنة بالتنبؤات التي تأخذ بعين الاعتبار أنّ تلك التشوهات ناتجة فقط من حركة الأرض. والنتيجة الرئيسية لذلك هي أن الكون بكل أجزائه ينجرف أيضا بدلا من انجراف جزء بسيط داخل أجزاء كبيرة من الكون. بكلمات أخرى، ووفقا لسركار، فإن البنى الأساسية منحرفة أيضا.
ولعل أحد طرق فهم ذلك هو تخيل أن جميع الأشياء تُسحب في اتجاه محدد من قبل شيء لا نستطيع رؤيته، ولذلك فإن السؤال المرتبط بكيفية حدوث مثل هذا الانحراف يبقى مطروحا. قد يكون ذلك مترسخا في هيكل الكون البدئي Primordial universe، أو ظهر عندما تكتلت المادة مع بعضها بعضا -ربما حصل ذلك عند أحجام هائلة وأكبر من تلك الواقعة في حدود الكون المرصود.
لكن، سيكون لذلك عواقب جذرية. تقول رويا موهاياي Roya Mohayaee من معهد باريس للفيزياء الفلكية Paris Institute of Astrophysics، وهي المؤلفة المشاركة في الدراسة: «ما اكتشفناه في تلك الكوازارات يُعرِّض المبدأ الكوني للشك».
إذا كان سركار وزملاؤه محقين، فذلك سيكون مزعجا بشكلٍ هزلي لأنه سيعني العودة إلى معادلات آينشتاين والتعرف إلى الحلول المناسبة لكوننا، حلول تختلف عن الحل FLRW السلس والمتجانس، وهنالك في الواقع 20 خياراً. يفترض بعض تلك الحلول أن الكون سلسٌ لكنه ليس متجانسا (حلول بيانشي Bianchi solutions)، ويفترض بعضها الآخر أنه متجانس، لكنه ليس سلسا (حلول لوميتر-تولمان-بوندي Lemaître-Tolman-Bondi solutio)، كما أن بعضها الآخر لا يفترض أيا من ذلك. فإحدى الأفكار، المعروفة بنموذج الجبن السويدي Swiss-cheese model، تحفر حفراً كروية متناثرة
عبر الكون وتملؤها بثقوب سوداء.
يقول غاري غِبينز Gary Gibbons من جامعة كيمبريدج University of Cambridge: «النطاق الرياضياتي للنظر في تلك المسائل واسع جدا»، ويتابع: «لكن تكمن المسألة فيما إذا كنت تشعر بحصولك على صورة مرضية أم لا». ومن ناحية أخرى، يجب أن تقدم درجة الحرية الموجودة في تلك الحلول مظلة احتمالية لحل ألغاز كونية أخرى مثل الطاقة المعتمة، ومعرفة ما إذا كانت موجودة أم لا. كما أنه لا أحد يعرف ما إذا كانت تلك الألغاز عبارة عن حلول معقدة أخرى يُمكن أن تتوافق مع خريطة الكون الحالية.

كوزمولوجيا جديدة
تكمن المشكلة هنا؛ إذ يتطلب الانتقال إلى إطار كوزمولوجي جديد تماما طرقا جديدة لتحليل البيانات، ويجب ألا تفترض تلك الطرق تماثل الاتجاهات -قد يكون ذلك أحد الأسباب التي تفسر سبب تردد الكوزمولوجيين في مجاراة هذا التوجه. يقول سركار: «نحن في موقف لا نحسد عليه أبدا». فالمشككون يشيرون إلى أن النتائج متضاربة حول المسألة المتعلقة بالانحراف الحاصل في بنية الكون عند الأحجام الكبيرة. ويقول جورج سموت George Smoot من جامعة كاليفورنيا في بيركلي University of California, Berkele: «لم أتحمس لذلك»، في حين يقول آخرون إن دراسات أجسام فائقة البعد، كالكوازارات، يعج بالأخطاء المحتملة، ويضيف كريس كلاركسون Chris Clarkson من جامعة كوين-ماري Queen Mary University في لندن: «لم يؤكد أي من تلك النتائج تأكيداً رصينا».
وتقول موهايي إنّ ذلك «غير عادل»، وتتابع: «لقد وضعنا جميع بياناتنا، وعمليات المحاكاة الخاصة بنا على الإنترنت. أود أن أرى إثبات خطأنا. رجاء تعالوا وأرونا». وفي بحث سيُنشر قريبا، راجع الفريق تحليله لبيانات كات-وايز مع تحليل منقح للفهرس NVSS لإنشاء حجة أقوى لكون منحرف.
لكن حتى الأشخاص الذين يؤمنون بقوة البيانات والتحليلات لا يرون سببا يدعو إلى التفكير بجدية في ذلك الاحتمال. يقول بيبلز إنه بدلا من التلميح لوجود كون منحرف، يُمكن تفسير تلك البيانات إذا كانت تلك الكوازارات متكتلة مع بعضها بشكل أكبر بكثير من أي مواد أخرى عند تلك الأحجام. أما في الوقت الراهن، فهو لايزال «معجباً بشدة بالشبكة الضيقة من الاختبارات المحكمة» التي نجح النموذج القياسي في اجتيازها. ووفقا له، فمن المحتمل وجود نظرية أخرى شاملة وتتفق مع كل القياسات والنموذج الذي لدينا، ويضيف متسائلا: «لا يُمكنني دحض ذلك أبداً، لكن يمكنني التساؤل: هل هو مرجح؟». ولكن سركار لا يرى أي سبب يمنع هذا النموذج المبني على المبدأ الكوني من التعايش مع نموذج آخر يكون فيه الكون منحرفا. فوفقاً له، بدلا من وجود نموذج واحد، يُمكن تبني نماذج مختلفة وتطبيقها على أزمنة مختلفة ومن ثمّ جمعها معا.
هناك جيل جديد من التلسكوبات المهيأة لتوضيح الأمور. ففي العام المقبل، سيبدأ تلسكوب Vera C. Rubin العملَ في تشيلي، كما أنّ تلسكوب إقليدس الفضائي Euclid space telescope سيقلع قريبا. وفي هذه الأثناء، تواصل المصفوفة الكيلومترية المربعة Square Kilometre Array إضافة العديد من الصحون الراديوية في جنوب إفريقيا وأستراليا. وفيما بينها، ستجوب هذه المراصد في سماء الليل باحثة عن بلايين من المجرات البعيدة جدا في أرجاء رقعة واسعة من السماء.
سيساعد ذلك على اختبار المبدأ الكوني أكثر. تقترح روث دورر Ruth Durrer من جامعة جنيف University of Geneva بسويسرا استخدام نماذج مختلفة من القياسات من كل تلسكوب للفصل في مسألة سبب الانحراف الموجود في الإشعاع CMB: هل هو ناتجٌ من حركة الأرض في الكون، أم أنه أكثر جوهرية. يتضمن نهج آخر اختبار المبدأ الكوبرنيكي الذي ولد منه المبدأ الكوني عبر تخيلالكيفية التي سيبدو عليها الإشعاع CMB لراصدين بعيدين. وإذا كان موقعنا فوق الأرض ليس مميزا، فإن الإشعاع CMB لن يتغير، ويضيف كلاركسون: «قبل عقد من الزمن تقريبا، كانوا يقولون إنه مجرد افتراض فلسفي لا يُمكن اختباره، لكن يبدو أن ذلك ممكن حقا».

مبادئ على المحك
يُمكنك يمكنك إنجاز ذلك بدراسة العناقيد المجرية حيث تحرف الجسيمات المشحونة فوتونات الضوء عن مسارها الأصلي، وترسلها في بعض الأحيان في اتجاه الأرض. قد تقدم لنا فوتونات الإشعاع CMB، التي شُتت بهذه الطريقة، صورة عما يُمكن أن تبدو عليه تلك الخلفية بالنسبة إلى راصد موجود داخل عنقود مجري. ويقول كلاركسون: «إذا شاهدت مجموعة من راصدين مختلفين إشعاع CMB متماثلا Isotropic، فإنّ ذلك سيجبرنا على قبول المبدأ الكوني»، أما إذا لم يكن الأمر كذلك فستنتهي كل الرهانات.
لا يصعب معرفة سبب تردد العديد من الكوزمولوجيين في وضع نموذج كوني ناجح جدا جانبا على الرغم من عدم اكتماله. تقول دورر: «لا يحب الناس أن تأتي إلى حديقتهم، التي زرعوها على مدار سنوات، ومن ثمّ تقف وتدوس على أحواض الورود». ومع ذلك، يُصر سركار على أن علم الكون يجب أن تقوده عمليات الرصد، وليس العقيدة، ويقول: «ببساطة، تحققت جميع الاكتشافات العظيمة بفضل بناء جهاز، ومن ثمّ توجيهه نحو السماء والنظر إليها»، ويتابع: «علم الفلك يرتبط كليا بالمصادفات الحميدة».

بقلم: توماس ليوتون

ترجمة: د. همام بيطار

© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى