خطة 30×30: هذا التطور الكبير في حماية الطبيعة الذي نحتاج إليه لإنقاذ التنوع البيولوجي
يسعى المفاوضون إلى صياغة خطة جريئة لتخصيص نسبة 30 % من مساحة البر والبحر عالمياً لتبقى ملكاً للطبيعة بحلول نهاية العقد. لكن هل باستطاعتهم أن ينجحوا ــ وأن تحقق الخطة هدفها؟
ربما نتبع هذه الخطة حتمياً كفرصة أخيرة لاجتناب الكارثة. ولكن عندما يجتمع العالم في مدينة كونمينغ Kunming، في الصين، في وقت لاحق من هذا العام (2022) من أجل وضع اللمسات الأخيرة على صفقة عالمية ــ تأخرت كثيراً ــ بشأن حماية التنوع البيولوجي (الإحيائي) Biodiversity، فإن مصير المحيط الحيوي الوحيد المعروف في الكون سيكون في أيدي هؤلاء المفاوضين. يقول إريك دينرشتاين Eric Dinerstein، وهو كبير العلماء السابق في مجموعة الحماية التي تعرف بالصندوق العالمي للطبيعة WWF: «نحن في حالة أزمة. لدينا عشر سنوات قبل أن ننجح بتخطي نقاط تحوّل حرجة من شأنها أن تؤدي إلى خسارة لا عودة بعدها في التنوع البيولوجي».
مصير المحيط الحيوي الوحيد المعروف في الكون سيكون في أيدي هؤلاء المفاوضين
في قلب الصفقة المطروحة للتفاوض، هناك هدف جديد وطموح يتجاوز الالتزامات الفاشلة السابقة حماية التنوع البيولوجي. أطلق على هذا الهدف الاسم اللافت «30×30»، وهو يرمي إلى إلزام دول العالم بتخصيص نسبة 30 % من أراضي وبحار الأرض لتبقى مناطق طبيعية بحلول عام 2030. وبالنسبة إلى العديد من علماء الأحياء المختصين بشؤون الحفاظ على الطبيعة Conservation، فإن مجرد رؤية هذه الخطة على طاولة البحث يُعد إنجازاً كبيراً. لكن أعصاب العلماء تتوتر أيضاً بصورة مشادات كلامية. فهل ستشق مبادرة 30×30 طريقها ـــ وإذا حدث هذا، فهل سيتصرف العالم وفقها، وهل سيكون ذلك كافياً؟
التنوع البيولوجي هو أمر مهم. وحتى لو أننا لم نتمكن من إلزام أنفسنا بحفظه لذاته، فيجب علينا فعل ذلك لأسباب أنانية تخصنا نحن على الأقل. توفّر الطبيعة السليمة مجالاً من «خدمات النظام الإيكولوجي» Ecosystem services، بدءاً من دعم الحياة، مثل الهواء والماء النظيف، والتربة الخصبة والتأبير Pollination، إلى الفوائد النفسية، والحماية من تغير المناخ، والطقس المتطرف والكوارث الطبيعية ــ فضلاً عن انخفاض خطر انتشار الأمراض مثل كوفيد19-. إذ تورد المنصة الحكومية الدولية للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية Intergovernmental Science-Policy Platform on Biodiversity and Ecosystem Services 18 فائدة مميزة للتنوع البيولوجي.
ومع ذلك، فنحن بالكاد اهتممنا للأمر. وُضِعَت اتفاقية التنوع البيولوجي Convention on Biological Diversity (اختصارا: الاتفاقية CBD) في ختام قمة الأرض Earth Summit التي عقدت في عام 1992، في مدينة ريو دي جانيرو، بهدف تنسيق الجهود لحفظ التنوع البيولوجي، ومنذ ذلك الحين جرى التوقيع عليها من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باستثناء الولايات المتحدة. غير أننا كنا دوماً نخطئ الأهداف التي حددتها الاتفاقية. وهذا ينطبق على جميع الأهداف العشرين من الحزمة الأخيرة، التي اتفق على تنفيذها لمدة عقد بدءاً من عام 2010. أطلق على مجموعة الأهداف هذه اسم أهداف آيتشي للتنوع الحيوي Aichi Biodiversity Targets، وهي تشمل كل شيء، بدءاً من منع المساعدات عن الأنشطة الضارة بالتنوع البيولوجي إلى خفض فقدان الموائل البيئية Habitat loss بنسبة النصف، وتبني أساليب زراعية مستدامة.
لكن هذه الأهداف لم تبلغ درجة إلغاء كامل. وكان أحد الإنجازات التي يمكن إنقاذها هو «المناطق المحمية» Protected areas، مثل مواقع الحفظ والمحميات الطبيعية. قُدّمَ اقتراح مفهوم مناطق السياج الدائري Ring-fincing أول مرة في العام 1972 من قبل عالمي الإيكولوجيا الأخوين يوجين أودوم Eugene Odum وهاوارد أودوم Howard Odum. وقال هذان العالمان: «سيكون من الصواب السعي إلى الحفاظ على 50 % [من الأرض]». ومنذ ذلك الحين صار هذا حجر الزاوية في سياسة الحفاظ على الطبيعة. يقول بول ليدلي Paul Leadley من جامعة باريس ساكلاي Paris-Saclay University في فرنسا: «نحن نعلم أن المناطق المحمية، عندما تطبق بنحو صحيح، تكون مهمة فعلاً للحفاظ على التنوع البيولوجي».
ركّزت المحاولات المكررة الأولى لمثل هذا «الحفظ المستند إلى المنطقة» على حفظ «عينات تمثيلية» لجميع النظم الإيكولوجية المعروفة، على أساس أن هناك واجباً أخلاقياً وعملياً بعدم ترك الأحياء تنقرض، ولكن هذه المساحة كانت مطلوبة أيضاً من أجل التنمية البشرية. وقد أدى ذلك إلى اقتراح مبدئي بترك ما يقرب من 10 إلى 12 % من سطح الأرض لأدوات الطبيعة. فقد ضاع الهدف الذي حددته اتفاقية التنوع البيولوجي بنسبة 10 % على الأقل بحلول عام 2010، ولكنه رفع جزئياً في آيتشي إلى نسبة 17 % على اليابسة و 10 % في المحيطات بحلول عام 2020. ومرة أخرى ضاعت فرصة تحقيق هذه الأهداف، ولكن بحلول عام 2020، أمكن حماية 15 % من الأراضي و 7 % من البحار. وبشعور نشوة هذا النجاح النسبي، أعلنت اتفاقية التنوع البيولوجي أن الهدف قد «تحقق جزئياً».
وحتى في وقت مبكر من عام 2010، فقد طالب الكثير من علماء الأحياء بأهداف أبعد من ذلك بكثير، وذلك بناءً على إدراك أن العينات التمثيلية لم تكن كافية. وكانت عملية الحفظ الفعّال تعني إبقاء الأنواع الحية ضمن توزعها الطبيعي ووفرة أعدادها، وتأسيس حواجز تحول دون انقراضها، وتمكين النظام الإيكولوجي بكامله من أن يؤدي عمله، مع الحفاظ على فعالية خدمات النظام الإيكولوجي وخلق مرونة Resilience في مواجهة التغيرات البيئية مثل الاحترار العالمي Global warming.
سيتطلب هذا مزيداً من الأرض. يقول عالم الأحياء البحرية إنريك سالا Enric Sala من جمعية ناشونال جيوغرافيك National Geographic Society: «هناك العديد من الدراسات التي تظهر الآن أنه إذا أردنا حماية ليس فقط التنوع البيولوجي وجميع فوائده التي يمنحها للبشرية، بما في ذلك عزل الكربون Carbon sequestration وتخزينه، وتوفير المياه العذبة، فنحن بحاجة إلى نصف الكوكب تقريباً لأن يكون في حالته الطبيعية». تستشهد اتفاقية التنوع البيولوجي بثمانية أبحاث رئيسية لدعم حد أدنى بنسبة 30 %. وتستقر معظم الدراسات على نسبة تزيد على 50 %، وبعضها يذهب إلى 80 %. وقلة منها تتراجع إلى أقل من 30 %، ولكن دوماً مع إخلاء المسؤولية. والأهم من ذلك، كما يقول ستيفن وودلي Stephen Woodley، من الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، هو عدم وجود دراسات تظهر أنه يمكن الحفاظ على التنوع البيولوجي الصحي في مناطق بنسبة أقل كثيراً من 30 %.
هذا هو السبب في أن طموح خطة 30×30 صار محورياً جداً في المفاوضات قبل انعقاد مؤتمر الأطراف COP15 في كونمينغ، وهو أحدث مؤتمر لاتفاقية التنوع البيولوجي. وقد يعني ذلك مضاعفة مساحة الأراضي المحفوظة ومضاعفة المناطق البحرية المحمية أربع مرات تقريباً. وكما يقول ليدلي، فهذا هدف بالغ الطموح، وهناك كل أنواع المخاوف المقلقة بشأنه: أن يجري تمييع خطة 30×30 أو إسقاطها من النص النهائي؛ أي إنه إذا نص على تقليصها، فلن يمكن الوصول إليها؛ وإذا أمكن بلوغها، فلن تحقق هدفها المعلن المتمثل بحماية التنوع البيولوجي بشكل فعّال.
يقول برايان أودونيل Brian O’Donnell، مدير مجموعة حملة من أجل الطبيعة Campaign for Nature، وهي تحالف عالمي لمنظمات الحفاظ على الطبيعة: «هدف خطة 30×30 هو ضرورة مطلقة لنجاح أي اتفاقية عالمية. يجب أن تبقى الخطة في الاتفاق النهائي». فقد خضعت المسودة بالفعل لتدقيق ومراجعة عميقة، لكن هذا لا يعني أنها ستنجو في المفاوضات النهائية بين ممثلي الحكومات رفيعي المستوى. يقول وودلي: «مع اقترابنا من التوقيع، أعتقد أنه سيكون هناك بعض المقاومة لها».
من المرجح أن تأتي هذه المقاومة من البلدان منخفضة الدخل حيث يوجد معظم التنوع البيولوجي المتبقي على الكوكب. ويتمثل اعتراضهم بأن الدول مرتفعة الدخل قد دمرت بالفعل تنوعها البيولوجي في سعيها إلى تحقيق نموها الاقتصادي، والآن يريدون منهم أن يقاوموا فعل الشيء نفسه. يقول وودلي: «تقول دول مثل البرازيل: حسناً، تريدون مني أن أحمي غابات الأمازون ـــ ما الفائدة من ذلك بالنسبة إلي؟. إنهم يقولون ذلك بقوة، وهم ليسوا مخطئين في ذلك». من المحتمل جداً أن تتوقف المفاوضات عند نقطة شائكة مألوفة في مفاوضات المناخ: استعداد البلدان ذات الدخل المرتفع لتعويض البلدان الأقل دخلاً والغنية بالتنوع البيولوجي عن القيام بالجزء الأكبر من المهمة. يقول وودلي: «الأمر كله يتعلق بالمال».
من المحتمل جداً أن تتوقف المفاوضات عند نقطة شائكة مألوفة في مفاوضات المناخ: استعداد البلدان ذات الدخل المرتفع لتعويض البلدان الأقل دخلاً
وقد تدفق بعض المال بالفعل. فعلى سبيل المثال، تساعد ميزانية المساعدة الأمريكية على تمويل أعمال الحفاظ على التنوع البيولوجي في البرازيل في غابات الأمازون المطيرة بمبلغ يصل إلى 80 مليون دولار على مدى عشر سنوات. وفي عام 2015 جرى شطب بعض ديون جمهورية جزر سيشِل مقابل حمايتها لبيئاتها البحرية الحساسة. غير أن البشائر من مفاوضات دولية أخرى متعددة الأطراف ليست واعدة. في محادثات المناخ بباريس في عام 2015، وافقت الدول الأكثر ثراءً على دفع مبلغ 100 بليون دولار سنوياً للدول الأكثر فقراً للتخفيف من آثار تغيّر المناخ. وما زال على هذه الأموال أن تظهر بالكامل. وفي قمة المحيط الواحد One Ocean Summit الأخيرة في بريست، فرنسا، تساءل وزير خارجية مدغشقر جاكوبا ليفا تيهيندرازاناريفيلو Djacoba Liva Tehindrazanarivelo: «متى، على وجه التحديد، سيجري تعويضنا نحن شعوب الجنوب عن هذا الخراب الذي صنعه نصف الكرة الشمالي؟ أعيدوا لنا أموالنا».
يقول وودلي، إذا أمكن التوصل إلى اتفاق ما بشأن التمويل، فهناك ما يكفي تقريباً من الطبيعة البكر لحماية نسبة 30 %. وفقاً لـ دينرشتاين Dinerstein، وهو الآن في منظمة ريزلوف Resolve غير الحكومية في واشنطن، فإن ما يقرب من نصف مساحة اليابسة إما أنه لم يمس بالتأثير البشري، أو أنه لم يمس نسبياً، وخاصة في مناطق الصحراء الكبرى وحوض الأمازون والمناطق الأسترالية النائية وغابات التندرا والغابات الثلجية في القطب الشمالي . وعندما نضيف مواطن الشعوب الأصلية، وهي مناطق عالية التنوع البيولوجي بنحو عام، فربما نكون قد بلغنا تقنياً هدف خطة 30×30 بالفعل.
ومع ذلك، فإن المعنى الذي ستبلغه خطة 30×30 مفتوح. لقد أُطّرت الخطة حالياً كهدف عالمي، ولكنها يمكن أن تصير سلسلة من الأهداف الوطنية، حيث تبقي فيها كل دولة على نسبة 30 % من مساحتها البرية والبحرية. وإذا حصل ذلك، فسيتعين إجراء استعادة بيئية واسعة النطاق في دول مثل المملكة المتحدة، التي لم يبق فيها سوى القليل من التنوع الحيوي السليم، كما يقول ليدلي.
وعلى الرغم من جميع المخاطر، ثمة حماسة متزايدة لخطة 30×30: فقد انضم أكثر من 100 دولة، بما في ذلك العديد من الدول منخفضة الدخل، إما إلى تجمع تحالف الطموح العالي من أجل الطبيعة والناس، الذي يلتزم بخطة 30×30 للبر والبحر، أو إلى خطة التحالف العالمي للمحيطات 30×30 في البحر، أو إلى كليهما. يقول أودونيل: «نحن متحمسون لأن الزخم ينمو بالفعل لهذا الهدف». ومع ذلك، فإن بعض البلدان الكبيرة التي تحتوي على الكثير من التنوع البيولوجي، بما في ذلك البرازيل والصين وروسيا وإندونيسيا والولايات المتحدة، لم تنضم إليها بعد.
وبينما يبدو واضحاً أن حماية أجزاء كبيرة من سطح الأرض ستحمي أيضاً التنوع البيولوجي، إلّا أن هناك فيها ما هو أكثر من أرقام مجردة. وكبداية، فإن حماية منطقة شهدت القليل جداً من التأثير البشري عليها لن تفعل بالضرورة الشيء الكثير لمساعدة التنوع البيولوجي. ويقول وودلي: «يتوزع التنوع البيولوجي بنحو غير متساوٍ إلى درجة كبيرة على كوكب الأرض». إنّ الحفاظ على الأماكن الصحيحة وإدارتها جيداً وربطها ببعضها قدر الإمكان لزيادة فعاليتها هو أمر مهم بالقدر نفسه.
كل هذه الأهداف كانت ضمن أهداف آيتشي، وهي الآن في مسودة الأهداف الجديدة. ويقول بييرو فيسكونتي Piero Visconti، من المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية International Institute for Applied Systems Analysis في لاكسنبورغ، بالنمسا، إن هذا هو ــ جزئياً ــ سبب عدم تحقيق أهداف آيتشي العشرين. فقد تلاعب الكثير من الدول بالنظام عبر إنشاء مناطق محمية في أماكن «كانت غير مهمة بنحو غير متناسب للتنوع البيولوجي»، كما يقول، كما هو الحال في آلاسكا والمناطق النائية القاحلة في أستراليا، وكان الكثير جداً من المناطق الجديدة هو «حدائق على الورق» ذات حدود مرسومة على الخرائط، ولكن مع القليل من الإدارة والحماية الفعلية، أو حتى من دونها.
وبالفعل، فعلى الرغم من زيادة مناطق الحماية منذ عام 2010، فإن حماية التنوع الحيوي لم تزدد بعد بنحو متناسب، كما يقول شون ماكسويل Sean Maxwell، من مركز التنوع البيولوجي وعلوم الحفاظ على الطبيعة Centre for Biodiversity and Conservation Science في جامعة كوينزلاند بأستراليا. ويقول وودلي إن الخوف هو أنه حتى ولو دخلت خطة 30×30 حيز التنفيذ أخيراً، فإن المناطق المحمية الجديدة ستكون بلا أسنان بنحو مماثل ــ وهناك القليل مما يمكن فعله لمنع هذا. وعلى الرغم من أن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) قد وضع تعريفات رسمية لما يؤسس الحماية، وصار أفضل في عمليات القياس والمراقبة، «فإنه لا يستطيع منع البلدان من الغش، ولا يمكنه حل الفساد الكامن في قلب المشكلة»، كما يقول وودلي.
يقول ليدلي إن توفير الموارد هو مصدر قلق حقيقي، والخطر هو احتمال أن تأتي خطة 30×30 بنتائج عكسية إذا وزعت الدول مواردها الشحيحة أصلاً بنحو أضعف. وقد يسرّب المفاوضون أيضاً بعض الغش في المعاهدة، مثل السماح بإحصاء الغابات المدارة بصرامة، أو حتى مزارع النخيل المقتطعة من الغابات الاستوائية المطيرة الغنية بالتنوع البيولوجي، ضمن الأهداف. ويقول دينرشتاين: «هذا حساب خاطئ، وسيكون ذلك مأساوياً».
ويقول أيضاً إنه في نهاية المطاف، سيعتمد تحقيق خطة 30×30 على الكثير من الأشياء التي حدثت بنحو خاطئ في الماضي والتي ستسير بنحو صحيح في المستقبل، وإنه سيكون من السذاجة وضع كثير من التفاؤل فيها. وهذا مجرد هدف واحد من 21 هدفاً في مسودة المعاهدة. ويقول ليدلي: «إنه جزء مهم، لكنه غير كاف إلى حد كبير لتحقيق الأهداف العامة». نحتاج أيضاً إلى التأكد من إدارة الأسباب الأخرى لخسارة التنوع البيولوجي، كما يقول ــ أشياء مثل تغيّر المناخ، والتلوث، والأنواع الحية الغازية Invasive species التي لا تحترم حدود المناطق المحمية.
وإذا كانت عملية اتفاقية التنوع البيولوجي هي كل ما لدينا، فسنكون محقّين في أن نقلق، كما يقول دينرشتاين ــ لكن الأمر ليس كذلك. يقول: «أعتقد أن التغيير سيأتي من تحالف يقوده العلماء، والشباب، والشعوب الأصلية، والمجتمعات المحلية، والمجتمعات المدنية التي ستجبر الحكومات على التحرك». ويضيف: «أنا متفائل بأنه يمكننا إنقاذ الحياة على الأرض. تحتاج البشرية إلى حدوث أزمات كي تستجيب، لكننا نستجيب فعلاً».
حماة من السكان الأصليين
إن الكثير من مناطق سطح الأرض الأكثر تنوعاً بيولوجيا هو محمي بنحو جيد جداً ــ لكن لم يعترف رسمياً أنها كذلك. ففي معظم أنحاء العالم، من القطب الشمالي إلى المحيط الهادئ الجنوبي، يُعتقد أن نسبة 80 % تقريباً من التنوع البيولوجي المتبقي على كوكب الأرض هي موجودة في مناطق يديرها ويمتلكها سكان أصليون.
إن ما يقرب من 7% من الأراضي المدرجة في قاعدة البيانات العالمية للمناطق المحمية التي يحتفظ بها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP هي طبيعية محلية، ولكن نسبة 17 % أخرى من سطح الأرض هي مملوكة، يشغلها أو يديرها سكان أصليون ومجتمعات محلية، كما يذكر إريك دينرشتاين، كبير العلماء السابق في الصندوق العالمي للطبيعة World Wide Fund for Nature (اختصارا: الصندوق WWF). ويقول: «تعمل مجموعات السكان الأصليين في حماية التنوع البيولوجي بنحو أفضل مما تفعله الحكومات». إذا جمعنا كل شيء، كما يقول، فقد تجاوزنا بالفعل الهدف الحاسم المتمثل بحماية نسبة 30 % من سطح الأرض.
تكمن المشكلة في أن الحكومات لاتعترف في معظم الأحوال بمطالبات السكان الأصليين بالأرض. ويقول دينرشتاين: «يجب أن نفعل كل ما بوسعنا لتمويل وتمكين مجموعات السكان الأصليين من السيادة على أراضيهم. سيكون هذا أرخص شيء يمكن فعله حتى الآن، وسيكون له أكبر تأثير».
غالباً ما يكون تمثيل السكان الأصليين في مؤتمرات القمم البيئية العالمية منخفضا، وكثيرا ما تُهمَّش مشاركاتهم. ففي المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة IUCN World Conservation Congress الذي عقده الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة في العام الماضي بمرسيليا في فرنسا، شاركت مجموعة منظمة رسمياً من مجتمعات السكان الأصليين لأول مرة. وفي محادثات المناخ لمؤتمر الأطراف COP26 في غلاسكو، بالمملكة المتحدة، همشوا مرة أخرى.
تقليدياً، كانت مفاوضات التنوع البيولوجي أكثر شمولاً. ومنذ عام 1996 شغل المنتدى الدولي للشعوب الأصلية المعنيّ بالتنوع البيولوجي مقعداً على طاولة المفاوضات، ويقول متحدث باسم اتفاقية التنوع البيولوجي إنها «ملتزمة بالمشاركة الفعالة للشعوب الأصلية… كاعتراف بدورها الأساسي في التنفيذ الناجح لإطار العمل الجديد».
كانت مشاركة الشعوب الأصلية أيضاً ركناً أساسياً من أهداف آيتشي للتنوع البيولوجي، التي امتدت من عام 2010 إلى عام 2020. ومع جميع الأهداف الأخرى، فقد فقدت فرصة تحقيق هذا الهدف، على الرغم من تحقيق بعض المكاسب المنفصلة: في عام 2018، على سبيل المثال، كرّست كوستاريكا آلية للتشاور مع مجموعات السكان الأصليين بشأن أي إجراء قد يؤثر فيهم. ويقول برايان أودونيل، من مجموعة حملة من أجل الطبيعة، إن المفاوضات قد أحرزت تقدماً بشأن حقوق السكان الأصليين، ولكن
ما زال هناك مجال لتحسينها. وبالطبع، وكما يعرف الكثير من السكان الأصليين جيداً، فإن مجرد توقيع اتفاق لا يعني أنه سيحترم.
بقلم: غرايام لاوتون
ترجمة: حازم محمود فرج
© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.