أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أخبار العلومالدماغذكاء اصطناعي

شرائح ميكروية تحاكي العقل البشري يمكنها جعل الذكاء الاصطناعي AI أكثر كفاءة من حيث الطاقة

شرائح عصبونية يمكنها خفض متطلبات الطاقة لأجهزة المساعدات الرقمية وأي أجهزة أخرى خفضا كبيرا

الذكاء الاصطناعي AI يجعل ألعاب الفيديو أقرب إلى الواقع، ويُمكَن هاتفك من التعرف على صوتك – لكنّ هذه البرامج المتعطشة للطاقة تستهلكها بمقدار كبير. مع ذلك، فقد يكون الجيل التالي من الذكاء الاصطناعي أكفأ بـ 1000 ضعف بالطاقة، بفضل شرائح حاسوبية تحاكي الدماغ البشري. وتظهر دراسة جديدة أن بإمكان هذه الشرائح العصبونية Neuromorphic chips أن تُشغِّل خوارزميات الذكاء الاصطناعي AI باستخدام جزء فقط من الطاقة التي تستهلكها الشرائح العادية.
«هذا عمل مثير للإعجاب،» كما يقول ستيف فيربرSteve Furber -عالم حاسوب من جامعة مانشستر University of Manchester. مثل هذه التطورات كما يقول، قد تقود إلى قفزات كبيرة في الأداء لبرمجيات معقدة كتلك التي تترجم اللغات أو تُوجِّه السيارات من دون سائق.

صورة: INTEL CORPORATION

يبرع برنامج الذكاء الاصطناعي AI عموماً في العثور على أنماط مرغوب فيها معينة بمجموعة من البيانات، وأحد أهم الأشياء المعقدة التي يفعلها هي أنه يحفظ أجزاء من النموذج ثابتة، في حين يقوم بتجميع الأشياء كلها مع بعضها بعضا. خذ مثلاً كيف يقوم حاسوب بالتعرف على صورة ما. يقوم أولاً بتحديد الحواف الواضحة للصورة، ثم عليه أن يتذكر تلك الحواف – والأجزاء اللاحقة الأخرى من الصورة جميعها – في حين يقوم بتشكيل الصورة النهائية.
عنصر شائع في مثل هذه الشبكات عبارة عن وحدة برمجية تدعى ذاكرة قصيرة المدى طويلة Long short-term memory (اختصارا: الذاكرة LSTM)، تحتفظ الذاكرة LSTM بذكرى عنصر واحد في حين تتغير الأشياء الأخرى مع الزمن. فحافة عمودية لصورة ما، على سبيل المثال، يجب أن تبقى في الذاكرة في حين تقرر البرمجية فيما إذا كانت تمثل جزءاً من الرقم «4» أو باب سيارة. فعلى أنظمة الذكاء الاصطناعي AI النموذجية أن تحفظ مسار مئات من عناصر الذاكرة LSTM معاً في الوقت نفسه.
شبكات الذاكرة LSTM الحالية العاملة على شرائح حواسيب تقليدية هي شبكات دقيقة جداً. ولكن هذه الشرائح متعطشة للطاقة. لمعالجة أجزاء من المعلومة، عليها أولاً أن تسترجع أجزاء مفردة من بيانات مخزنة، وأن تعالجها ثم تعيدها مرة أخرى إلى ذاكرة التخزين. بعد ذلك إعادة تكرار هذه السلسة مرة بعد أخرى.
تجري شرائح Intel وIBM ومصنعو شرائح آخرون تجارب على تصميم بديل للشريحة، تدعى شرائح عصبونية. وتعالج هذه الشرائح معلومات مثل شبكات الأعصاب في الدماغ البشري، حيث يتلقى كل عصبون مدخلات Inputs من عصبونات أخرى في الشبكة، ويطلق إشارة إذا تجاوزت المدخلات الكلية حداً معيناً. صممت الشرائح الجديدة بحيث تحتوي على مواد مكافئة لعصبونات ترتبط ببعضها بعضا في شبكة. وتعتمد برامج الذكاء الاصطناعي AI أيضاً على شبكات من عصبونات زائفة، لكن في الحواسيب التقليدية، فإن هذه العصبونات تحدد بكاملها في برمجية، ومن ثم تبقى افتراضياً في شرائح ذاكرة منفصلة للحاسوب.
يعالج التركيب في شريحة عصبونية الذاكرة والحوسبة معاً، مما يجعلها أكثر كفاءة في استخدام الطاقة بكثير: فعقولنا تتطلب 20 وات فقط من الطاقة، وهو مقدار الطاقة نفسه الذي يضيء مصباحاً بكفاءة عالية من الطاقة. لكن لاستخدام هذه البنية، على علماء الحاسوب أن يعيدوا ابتكار كيفية تنفيذ وظائف مثل الذاكرة LSTM.
تلك كانت المهمة التي قام بها فولفغانغ ماس Wolfgang Maass -عالم الحاسوب من جامعة غراز للتقنية Graz University of Technology. فقد حاول مع زملائه تقليد آلية تخزين في ذاكرة عقولنا تؤديها شبكات عصبونية بيولوجية تدعى تيارات ما بعد فرط الاستقطاب Hyperpolarizing (اختصارا: الشبكات AHP). وبعد أن يطلق عصبون في الدماغ إشارة ما، فإنه يعود إلى مستواه الأساسي Baseline level، ويبقى هادئاً حتى يتلقى مرة أخرى مدخلات كافية لتجاوز حده الأقصى. لكن في الشبكات AHP، بعد إطلاق العصبون مرة فإنه يمنع من الإطلاق مرة أخرى لفترة مؤقتة، وهي فترة ميتة تساعد فعلياً شبكة العصبونات على الحفاظ على المعلومات بطاقة أقل.
دمج ماس وزملاؤه نموذج إطلاق عصبوني AHP في برمجية شبكتهم العصبونية، وشغلوا شبكتهم في اختباريْ ذكاء اصطناعي قياسيين. التحدي الأول كان التعرف على كتابة بخط اليد للرقم «4» في صورة جُزِّئت إلى مئات البيكسلات المنفردة. هنا وجدوا أنه عندما شغلت البرمجية على إحدى شرائح Loihi العصبونية لشرائح إنتل، كانت خوارزميتهم أكفأ بـ 1000 ضعف من خوارزمية تعرف على الصورة مبنية باستخدام ذاكرة LSTM تعمل على شرائح تقليدية.
أما اختبارهم الثاني؛ فيتعين على الحاسوب الإجابة عن أسئلة حول معنى قصص بطول يصل إلى 20 جملة، كانت التركيبة العصبونية أكفأ بـ 16 ضعفاً من خوارزميات تعمل على معالجات حاسوبية تقليدية، كما يخبرنا مؤلفو دراسة نشرت -في عدد أسبوع 26 مايو 2022- في مجلة نيتشر ماشين انتاليجينس Nature Machine Intelligence.
ويشير ماس إلى أن الاختبار الثاني شغِّل على سلسلة من 22 شريحة Loihi من الجيل الأول لإنتل، وهي تستهلك مقداراً كبيراً نسبياً من الطاقة في التواصل مع بعضها بعضا. منذ ذلك الوقت أنتجت الشركة شريحة Loihi من الجيل الثاني، كل منها بعصبونات أكثر، والتي يقول إنها ستخفض الحاجة إلى التواصل بين شريحة وأخرى، ومن ثم ستجعل البرمجية تعمل بكفاءة أكبر.
الآن، لا يتوفر إلا القليل من الشرائح العصبونية تجارياً. لذا من غير المحتمل أن تظهر تطبيقات بمقياس واسع بسرعة. ولكن خوارزميات الذكاء الاصطناعي AI المتطورة -كتلك التي اختبرها ماس- يمكن أن تساعد تلك الشرائح على الحصول على أهمية تجارية، كما يقول أنتون أرخيبوف Anton Arkhipov – مختص بالعصبونات الحاسوبية من معهد ألان Allen Institute. ويضيف: «على الأقل، سيساعد هذا على تسريع أنظمة الذكاء الاصطناعي».
وهذا بدوره يمكن أن يقود إلى تطبيقات جديدة، مثل مساعدات رقمية للذكاء الاصطناعي AI digital assistants، لا تعطي فقط اسم شخص في صورة ما فحسب، بل تتذكر أيضاً أين التقوا معا، وتعيد قصص ماضيهم أيضا. بإدخال نماذج إطلاق عصبونية أخرى في الدماغ، يقول ماس إن التركيبات العصبونية في المستقبل يمكنها يوماً أن تبدأ باستكشاف الكيفية التي تعمل وفقها نماذج الإطلاق العصبونية المتعددة مع بعضها بعضا لإنتاج الوعي.

بقلم: بول فوسن

ترجمة: د. سعد الدين خرفان

© 2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى