كشف أكبر لوحات فنون كهوف الأمريكيين الأصليين بمسح ثلاثي الأبعاد
نقوش رمزية لم تكتشف من قبل في كهف في ألاباما عمرها أكثر من ألف عام
عميقاً في كهف رطب في شمال ألاباما، حقق علماء الآثار اكتشافاً ضخماً. على سقف تحت الأرض بارتفاع نصف متر فقط، كشف الباحثون عن أكبر لوحات فنون الكهوف في أمريكا الشمالية: نقوش معقدة لأشكال شبه بشرية وثعبان نقشها أمريكيون أصليون قبل أكثر من ألف عام.
«إنه عمل رائع ومهم،» كما تقول كارلا كليم Clara Klehm -عالمة آثار من جامعة أركنساس University of Arkansas في فاييت فيل.
على الرغم من أن الجنوب الغربي من الولايات المتحدة مشهور بالرسوم الصخرية المنقوشة على سطوح الأخاديد والجروف، فإن الكثير من فن الصخور في الجنوب الشرقي مخبأ تحت الأرض في كهوف. فكما يقول توماس بلاكهان Thomas Pluckhahn – عالم آثار من جامعة جنوب فلوريدا University of South Florida لم يشارك في الورقة العلمية: «لأربعين عاماً لم يفكر أحد أن الجنوب الشرقي يمتلك فن كهوف.» ولكن خلال العقود القليلة الماضية أظهر علماء آثار، بمن فيهم جان سيميك Jan Simek -من جامعة تينيسي University of Tennessee (اختصارا: الجامعة UAF) في نوكسفيل- أن هذا غير صحيح.
زار سيميك أولاً الكهف 19 غير المسمى – دعا كذلك في أوراق علمية لحماية موقعه الدقيق الكائن على ملكية خاصة – في تسعينات القرن العشرين. في أعماقه الباردة والرطبة حيث لا يصل أي ضوء من الخارج، كشفت مشاعل سيميك وزملائه عن نقوش باهتة على السقف تُصوّر طيوراً وثعابين ودبابير وأشكالاً خطية متقاطعة من الفترة الممتدة ما بين 1000 ق.م و 1000م.
لا يزيد ارتفاع سقف الكهف، حيث توجد النقوش، على أكثر من نصف متر بقليل، لذا كان على الباحثين أن يستلقوا على ظهورهم لرؤية معظم الصور، كما شرح سيميك. فليس هناك مكان للوقوف ورؤية السقف بالكامل، كما يقول.
للحصول على صورة أكثر اكتمالاً للرسوم، زار سيميك الكهف مجدداً في عام 2017 مع ستيفان ألفاريز Stephan Alvarez -مصور ومؤسس أرشيف الفن القديم Ancient Art Archive غير الربحي، والذي يوثَق الفن الصخري القديم حول العالم، وينشره على الإنترنت عبر الواقع الافتراضي. أراد ألفاريز استخدام تقنية جديدة تُدعى المسح التصويري ثلاثي الأبعاد 3D photogrammetry لإنشاء نموذج واقعي ثلاثي الأبعاد للكهف – ورؤية ما إذا كان بالإمكان اكتشاف صور إضافية لم تلاحظ من قبل في هذا المكان الضيق.
نزل الباحثون إلى الكهف واستخدموا حاملاً ثلاثي الأبعاد لالتقاط الصور. وخلال فترة شهرين التقطوا ما يقرب من 16,000 صورة متداخلة وبدقة عالية. ثم ركّبوا الصور مع بعضها بعضا باستخدام برمجية حاسوبية لصف الصور في مكان ثلاثي الأبعاد. وبعد ذلك استطاع الباحثون معالجة النموذج الناتج باستخدام برنامج واقع افتراضي، كما شرح ألفاريز. ويقول: «كان بإمكاننا إنارة المكان بالطريقة التي نريدها، وإسقاط الأرضية تماما» بحيث نرجع إلى الوراء -افتراضيا- ونشاهد السقف بالكامل.
مع معالجة الباحثين للصور لجعل الرسوم أكثر وضوحاً، ظهرت خمسة نقوش رمزية ضخمة كانت في السابق كبيرة جداً وخافتة بحيث لا ترى. شملت ثلاثة كائنات شبه بشرية يلبسون ثياباً ملكية، وشكلاً حلزونياً بذيل يشبه ذيل الأفعى، وأفعى طويلة ذات حراشف. كانت الصور بطول بين 0.93 متر و 3.37 متر؛ مما يجعلها أضخم فنٍ كهوف بأمريكا الشمالية، كما ذكر الباحثون في 4 مايو 2022 مجلة أنتيكويتي Antiquity.
والصور التي ربما صنعت بالنقش على طين طازج على السقف الرطب غير مؤرخة. أما شظايا الفحم وعلامات الدخان -من حرق الخشب- المترسبة على جدران الكهف، والتي ربما جاءت من مشاعل الفنان، فيعود تاريخها إلى الألف الأول. فالأمريكيون الأصليون من ودلاند Woodland -الذين عاشوا في تلك المنطقة في ذلك الوقت- سكنوا في مستوطنات ريفية، وبنوا تلالاً ترابية كبيرة للطقوس الدينية، وتاجروا على نطاق واسع في الجنوب والشرق والغرب الأوسط. بقي أحفادهم في المنطقة لقرون عدة، لكن في أواخر القرن التاسع عشر رحَل الكثير منهم غرباً في ظل سياسات الحكومة الأمريكية الجديدة في إزاحة سكان أمريكا الأصليين.
تشترك الأشكال الموصوفة حديثاً في خصائص مع تشكيلات أخرى من الفن الصخري في الجنوب الشرقي، مثل رسوم صخرية في بينتيد بلاف Painted Bluff في ألاباما، وأيضاً في الجنوب الغربي مثل الأشكال شبه البشرية في منتزه كانيون لاندز الوطني Canyonlands National Park. فالأشكال مماثلة أيضاً لتلك التي وجدت على فخار ودلاند. وعلى الرغم من أن المعنى الدقيق للنقوش الرمزية غير واضح، فإن الكهوف، كتلك التي عثر عليها فيه، ترتبط غالباً بالعالم السفلي، كما يقول الباحثون.
أثناء استكمال الأعمال تشاور المؤلفون مع القبائل الشرقية لهنود التشيروكي، التي يضم موطنها القبلي المنطقة التي يقع فيها الكهف.
تطلَب إنشاء النقوش الرمزية «درجة غير عادية من المهارة الفنية،» كما يقول جورج سابوGeorge Sabo من الجامعة UAF. ولكن الكثير عن الفنانين ما زال لغزاَ. ويتساءل: «من كانوا في مجتمعاتهم؟»
على الرغم من عدم الكشف عن موقع الكهف لحماية الفن من المخربين، فإن الفريق أعدّ فيلم فيديو من نموذجه، بحيث يمكن لأي شخص استكشافه افتراضياً. وكليم متحمسة لرؤية المسح التصويري ثلاثي الأبعاد الذي يستمر بالكشف عن فنون مخفية في مواقع أخرى – ويجعلها متاحة. وتقول: «يمكن لهذا أن يساعدنا على رؤية أشياء لا يمكننا رؤيتها، وأن نتجاوز بمراحل ما اعتادت العين البشرية على البحث عنه.»
بقلم: تيس جوس
ترجمة: د. سعد الدين خرفان
© 2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved