بدا وكأن أحدهم أعاد الزمن إلى الوراء؛ حتى إنك لترى المخالب التي كانت تترنح من قبل صارت تقبض على الأشياء بقوة جديدة، والقلوب والأكباد استعادت حيويتها النضرة، والذكريات المشوشة صارت أوضح؛ فبحسب تجارب ستيف هورفاث Steve Horvath، فإن العمر الحيوي للجرذان تراجع إلى النصف، ويقول: «كنت مذهولاً بذلك».
هورفاث هو باحث في مجال عكس الشيخوخة في جامعة لوس أنجلوس University of Los Angeles، في كاليفورنيا. وقد رأى هذه الآثار المدهشة عام 2020 بعد أن حقن جرذاناً كبيرة بالعمر بمستخلص من دم قوارض أصغر سناً. وليس هورفاث وحده من يبحث في هذا المجال؛ فهناك عدد متزايد من المختبرات التي تنشر نتائج تشير إلى أن تفكيرنا حول الشيخوخة قد يكون خاطئاً.
بدلاً من أن تكون الشيخوخة نتيجةً لتراكم الاستهلاك والتلف بمرور الوقت، قد تكون الشيخوخة ناتجةً من الآليات التي تبني أجسادنا في الرحم وتحافظ عليها بعد أن نولد. تعمل هذه الآليات لصالحنا في مرحلة الشباب، ولكن الفشل في إيقافها يجلب التدهور الذي تتسم به مرحلة الشيخوخة. فهذه النظرة الجديدة تعطينا فهماً أفضل لحقيقة الشيخوخة ولإمكانية إبطائها أو حتى لعكسها بشكل جزئي.
صحيح أن العمليات التي تقود إلى الشيخوخة تبقى مسألة خلافية، إلا أن المختصين ببيولوجيا الشيخوخة Biogerontologists يتفقون على شيء واحد – ألا وهو ما يظهر للعيان: وهو أن هناك تدهوراً متزايداً في الوظائف الجسدية تمر به أغلب الكائنات الحية بمرور الوقت. ووضعوا قائمة بالتغيرات الخلوية التي تتبع هذا التدهور، والتي تشتمل على تفتت نهايات الكروموسومات، وتلف وعدم استقرار الجينوم، وتغيرات في طريقة إحساس الخلايا بالمغذيات.
لعدة سنوات، كان البيولوجيون يفضلون فكرة أن هذه العلامات كانت نتيجة التلف، كالتلف الذي يتشكل بسبب الجزيئات عالية التفاعلية والمسماة الجذور الحرة Free radicals التي تنتج من الاستقلاب الحاصل في الخلايا. وكان يبدو أن هذا يفسر سبب أن تقليل كمية الطعام الذي تأكله القوارض يقلل من الشيخوخة ويطيل العمر؛ فيقل معدل الاستقلاب عند الحيوانات التي تطعم بكميات محددة، مما يقلل من إنتاج الجذور الحرة. وبالمثل، فإن الأدوية التي تقلل من قدرة الخلايا على الإحساس بالمغذيات، عن طريق بروتين يسمى البروتين mTOR وظيفته تنظيم الاستقلاب، تؤدي إلى حياة أطول في حيوانات المختبر.
الحد من الضرر
ولكنّ بعض الباحثين بدؤوا يجدون عيوبا في هذه الفكرة؛ فعلى سبيل المثال، فإن تغيير مستويات الجذور الحرة في حيوانات المختبر لا يقصر ولا يطيل من حياتها بشكل يتسق مع كونها المسبب الأبرز للشيخوخة. وفي الوقت ذاته، فإن علماء الجينات توصلوا إلى سلسلة من النتائج المفاجئة لطفرات جينية لها آثار دراماتيكية على أمد الحياة، مما يشير إلى أن الجينات تتحكم في الشيخوخة. والعديد من هذه الجينات لها علاقة بالتحكم في النمو، وهي عملية نمائية مهمة. يقول وولف رايك Wolf Reik من معهد بابراهام Babraham Institute بالقرب من كيمبريدج، المملكة المتحدة: «أظن أن الشيخوخة عبارة عن برنامج، وليست مجرد استهلاك وتلف عشوائيين».
كان هذا ما دفع بعض الباحثين إلى إعادة إحياء فكرة اقتُرِحَت من قبل في خمسينات القرن العشرين، وهي أن الشيخوخة قد تنتج من العمليات نفسها التي تتحكم في نمائنا. ويقول جواو بيدرو دي ماغالهايز João Pedro de Magalhães من جامعة ليفربول University of Liverpool في المملكة المتحدة: «لا أدعي أن معظم خصائص الشيخوخة تنتج من انفلات زمام هذه الآليات التطورية. ما أقوله هو إن هناك فكرة قائلة إن الشيخوخة بالمجمل تأتي نتيجة للتلف. لا أظن أن هذه الفكرة تتناسب مع كل البيانات التي تتكشف لنا الآن يوماً بعد يوم».
الفكرة أن العمليات النمائية Developmental processes التي تسرع من قدرة الكائن الحي على البقاء والتكاثر في مرحلة أبكر في الحياة تستمر بالعمل، بحيث تصير مَرَضيّةً مع تقدم الزمن. أحد الأمثلة على ذلك هو كيف تستمر عدسات عيوننا بالنمو خلال مرحلة البلوغ، مما ينتج منه طول نظر في منتصف العمر. وهناك مثال آخر يتعلق بالتشذيب الطبيعي للوصلات بين الخلايا العصبية (العصبونات) Neurons، الذي يحدث في الدماغ النامي للأطفال الرضع. يقترح دي ماغالهايز أن استمرار هذه العملية في مراحل البلوغ المتأخرة قد يسهم في انخفاض القدرات المعرفية Cnitive decline. وكذلك نقصان كثافة العظام الذي تعاني منه النساء بعد انقطاع الطمث Menopause قد يكون نتيجة الاستمرار بعمليات يُسحَبُ فيها الكالسيوم من العظام لدعم إنتاج الحليب عند الأمهات المرضعات، بحسب ما يقترح دافيد جيمز David Gems من جامعة يونيفيرسيتي كوليدج لندن University College London.
وبخلاف نظرية التلف، المبنية على فقدان الخلايا لوظائفها، فإن نظرية النماء في الشيخوخة تشتمل على احتفاظ الخلايا بوظائفها، ولكنها تقوم بها بشكل غير ملائم. يقول جيمز: «تبدو الأمور منطقية بشكل جميل خلافا لما قبل في عصر نموذج التلف المستمر». ويساعد ذلك على فهم السبب في أن العديد من الجينات المرتبطة بالشيخوخة لها علاقة بأمور من مثل النمو، بحسب ما يقول. كما أنها توفر سبباً بسيطاً لقدرة الحمية الغذائية، أو الأدوية التي توقف عمل البروتين mTOR، على إبطاء الشيخوخة. وبدلاً من تقليل التلف المرتبط بالاستقلاب، فإنها تكبح النمو وعمليات نمائية أخرى عن طريق التقليل من الإشارات التي تنشطها.
وهناك أدلة تجريبية تدعم هذه الفكرة. على سبيل المثال، بيّن فاديم غلاديشيف Vadim Gladyshev وفريقه في كلية طب هارفارد Harard Medical School، أن إعطاء الفئران المولودة حديثاً دواءً يسمى رابامايسين Rapamycin، الذي يثبط البروتين mTOR، أبطأ من نموها، وأخّر من نضجها، وبدا أنه يساعد الذكور تحديداً على العيش فترة أطول، وكل ذلك يتسق مع وجود رابط بين معدل النماء والشيخوخة. كما أن التجارب المجراة على الديدان تشير إلى أن التقليل من مستويات جينات مرتبطة بالنمو في مرحلة متأخرة من العمر يمكنه أيضاً أن يطيل فترة الحياة.
إذا كانت الشيخوخة مرتبطة بالنماء، فإن هذا يدفع إلى التفكير في الاحتمال المثير القائل إن الشيخوخة قد تكون طيّعة أكثر مما كنا نعتقد. إن استطعنا إيجاد طرق لإبطاء البرامج الخاطئة أو إيقافها، أو حتى دفعها إلى التقدم بشكل عكسي، فإن هذا قد يكون طريقة لعكس بعض جوانب الشيخوخة.
وبعكس ما يبدو عليه الأمر، فإن هذا ليس بعيد المنال؛ فهناك على الأقل حيوان واحد يمكنه القيام بذلك بشكل طبيعي: ما يعرف بقنديل البحر الخالد Immortal jellyfish، الذي يمكنه العودة في نمائه إلى مرحلة سابقة، فيبدو أنه صار أكثر شباباً بعد هذه العملية (انظر: أسرار قنديل البحر الخالد). وخلال المراحل الأولى في نماء الإنسان، فإن الجنين، الذي نتج من خلايا آبائه الأكبر سناً بكثير، يعيد بعض العلامات الخلوية الدالة على الشيخوخة يبدأ حياته بعد أن يجدد شبابه.
صار تسخير هذه القوة لاحقاً في الحياة محوراً رئيسياً لأبحاث الشيخوخة. ولكن، ليست هناك طريقة لإعادة أجسادنا كاملة من مرحلة البلوغ إلى مرحلة الطفولة، وهناك الكثير من الأسباب التي تدفعنا لعدم الرغبة بذلك. ولكن الأمر الذي استطاع العلماء فعله هو إعادة أحد جوانب النماء: وهو العملية التي تحصل فيها الخلايا الجنينية غير الناضجة على وظائفها البالغة المتخصصة. وبفعل ذلك، استطاعوا أيضاً إعادة ضبط Reset عمرها الخلوي.
إعادة ضبط الساعة
في عام 2006 اكتشف شينيا ياماناكا Shinya Yamanaka وكازوتوشي تاكاهاشي Kazutoshi Takahashi من جامعة كيوتوKyoto University في اليابان أن هناك أربعة بروتينات -تعرف الآن بعوامل ياماناكا Yamanaka factors – تكون في العادة نشيطة فقط في المراحل الجنينية الأولى. وإذا، أضيفت إلى خلايا بالغة فإن هذا يجعلها «تنسى» تدريجياً وظائفها البلوغية المتخصصة. وتعود هذه الخلايا إلى حالة شبيهة بالمرحلة الجنينية، وتعود لها القدرة على تشكيل أي نوع خلية في الجسم، مشابهة بذلك لقدرة قنديل البحر الخالد على العودة إلى مرحلة نمائية مبكرة. كما اكتشف هورفاث أن هذه الخلايا متعددة القدرات Pluripotent cells لها خاصية أخرى مثيرة للاهتمام؛ فعندما طبق مقياس الشيخوخة المعروف بالساعة فوق الجينية Epigenetic clock على هذه الخلايا، وجد أن الساعة أعادت نفسها للوراء إلى مرحلة الصفر.
تعتمد الساعات فوق الجينية على التعديلات الكيميائية التي تجريها الخلايا لحمضها النووي (الحمض DNA)، والتي تعرف بالمَثْيَلَة Methylation أو إضافة مجموعة الميثيل. اكتشف فريق هوفراث أن نمط المثيلة في جينوم الخلية يختلف بمرور الوقت، وأنه يطابق العمر الزمني بدقة مفاجئة.
لا يزال العلماء يحاولون معرفة ما الذي يتحكم في هذه الساعات، حتى وإن كانت هي سبب الشيخوخة أو نتيجة من نتائجها. ولكن العديد من الأدلة تشير إلى أن النماء له علاقة بالأمر. تتخذ الخلايا في الجنين سلسلة من القرارات حول نوع الخلية التي ستكونها هذه الخلايا، وذلك عن طريق تشغيل أو إيقاف تشغيل مجموعات من الجينات بشكل انتقائي (وهي عملية تتحكم فيها بروتينات تغلف الحمض النووي)، أو تغيير الحمض النووي نفسه عن طريق المثيلة. كما أن المثيلة تميل لأن تبقى ثابتة على حالها، متيحة للخلايا أن «تتذكر» أي الجينات يجب أن تكون فاعلة.
إن العديد من علامات المثيلة المرتبطة بالعمر ترتبط بجينات النماء، كما أن معدل مرور الوقت في هذه الساعات مختلف بحسب المرحلة؛ فهو أسرع ما يكون خلال مرحلة النماء ويصير أبطأ في مرحلة البلوغ، وهي خاصية شائعة في جميع الثدييات. يقول دي ماغالهايز: «هذا يشير بالفعل إلى وجود دور لآليات النماء في تحفيز الشيخوخة»، وإذا كان إرجاع الخلايا إلى مرحلة تعدد القدرات يعيد ساعاتها فوق الجينية لنقطة الصفر، فإن هذا يعزز الاحتمال المثير بأن إلغاء تخصص الخلايا قد يبطل بشكل أو بآخر بعض جوانب الشيخوخة الخلوية.
ولكن هناك عائقا يحول دون ذلك؛ فعندما تعاد برمجة الخلايا وتفقد وظائفها التخصصية، فإنها غالباً ما تصير خلايا سرطانية. وهذا بالضبط ما حدث عندما حاول الباحثون في البداية تشغيل عوامل ياماناكا في الفئران، ولكنهم استطاعوا، عن طريق تعديل جرعة العوامل، أن يقللوا من معدل تشكل الأورام. وبعدها، في عام 2020، استطاع فريق يقوده دافيد سنكلير David Sinclair في كلية الطب بهارفارد Harvard Medical School تشغيل ثلاثة عوامل في شبكيات فئران أكبر سناً، مما حسن فقدانهم للبصر المرتبط بتقدم العمر وأثبت إمكانية استعادة شباب الخلايا من دون إعادة برمجتها بالكامل.
هناك سلسلة من النتائج الحديثة تدعم ذلك؛ فعلى سبيل المثال، اكتشف رايك وزميله ديلجيت جيل Diljeet Gill من معهد بابراهام أن تجديد الشباب يحدث في مرحلة مبكرة في عملية إعادة البرمجة، قبل أن تفقد الخلية تخصصها بشكل يتعذر إرجاعه معه. وعمل الزميلان على خلايا الأنسجة الضامة المعروفة بالأرومات الليفية Fibroblasts والمأخوذة من بالغين في منتصف أعمارهم، ولمدة أسبوعين، أعطيا الخلايا دفقات من عوامل ياماناكا، وأثبتا في بداية أبريل 2022 أن ذلك أعاد ساعاتهم فوق الجينية إلى الوراء بنحو 30 سنة.
نسيت الخلايا بشكل مؤقت حالتها، وشغلت بعض الجينات المتعلقة بتعدد القدرات، وأوقفت تشغيل بعض الجينات المتعلقة بوظيفتها كأرومة ليفية. وبعد أربعة أسابيع، عادت لحالتها المعتادة، إلا أنها كانت أكثر شباباً من الناحية فوق الجينية. يقول جيل: «تتذكر الخلايا بطريقة ما نوعها الخلوي الأصلي»، ليس هذا فحسب، بل إن أنماط النشاط الجيني عادت إلى نوع أكثر شباباً، وأثرت هذه التغيرات في وظائف الخلية أيضاً؛ فقد أنتجت مستويات شبابية من بروتين مهم من بروتينات الأنسجة الضامة يسمى الكولاجين Collagen. وعندما كشط جيل ورايك طبقة الخلايا في طبق الخلايا، وهو ما يُعادل إحداث جرح في النسيج، فإن الخلايا التي استعادت شبابها كانت أسرع في الزحف لتغطي الكشط وتغلق الجرح مقارنة بالخلايا الأكثر شيخوخة.
وهناك مجموعات بحثية في مناطق أخرى أبلغت عن نتائج مشابهة؛ ففي السنة الماضية، استطاع فريق يقوده جاكوب كيميل Jacob Kimmel في كاليكو Calico، وهي شركة تقانة حيوية في كاليفورنيا تهدف إلى تطوير تدخلات لإطالة فترة الحياة، أن يعيدوا شباب خلايا بالغة من دون إجراء إعادة كاملة لبرمجة الخلايا، وهذه المرة باستخدام أجزاء من عوامل ياماناكا. وفي مارس 2022 استخدم فريق يقوده خوان كارلوس إيزبيسو بيلمونتي Juan Carlos Izpisua Belmonte -من معهد سولك Salk Institute في كاليفورنيا ومختبرات ألتوس Altos Labs، وهي شركة تقانة حيوية تركز على إعادة شباب الخلايا- الهندسة الخلوية لتشغيل عوامل ياماناكا وإيقاف تشغيلها حسب الرغبة في فئران سليمة متقدمة بالعمر، وأبلغوا أنهم رأوا استعادة للشباب فوق الجيني في أنسجة مُعيّنة.
كما استطاع باحثون آخرون إنتاج إعادة الشباب فوق الجيني في قوارض بالطريقة المريعة التي تقوم على وصل الدورات الدموية للفئران المتقدمة بالعمر مع الفئرات الشابة، وفي حالة هوفراث فإن ذلك اشتمل أيضاً على حقن البلازما.
ولا يزال فهم كيفية توليد الدم الشاب لهذه الآثار أمراً يحتاج إلى التوضيح، ولكن، وكما هي الحال مع إعادة البرمجة، فإنه يشتمل على تغييرات في أنماط المثيلة التي تُرى في مناطق محددة في الجينوم. كما أنها تأتي في العادة مع تغييرات في النشاط الجيني ليصير أقرب إلى حالة الشباب، والنتيجة الأخرى المقنعة من الناحية المضادة للشيخوخة هي زيادة في الوظائف الفيزيولوجية من مثل تحسن قوة العضلات وإصلاح العظام.
حتى الآن، لا يزال هناك الكثير من الأسئلة حول المعنى الحقيقي لاستعادة الشباب فوق الجيني. وبالمثل، فإن ما يحدث في الخلايا التي أعيدت ساعاتها للوراء لا يزال أمراً غير واضح. ولكن بغض النظر عما يحدث في تجارب إعادة البرمجة وتجارب الدماء الشابة، فإنها لا تمثل عكساً كاملاً للشيخوخة؛ فقد وجد جيل وريك، على سبيل المثال، أن نهايات الكروموسومات التي تقصر، وهي علامة مميزة للشيخوخة، لا تستعيد طولها في الخلايا التي استعادت شبابها.
بغض النظر عما يحدث في تجارب إعادة البرمجة وتجارب الدماء الشابة، فإنها لا تمثل عكساً كاملاً للشيخوخة
هذه الأيام لا تزال أياما مبكرة في محاولاتنا لمعالجة الشيخوخة، ولكن هناك أمراً واحداً واضحاً؛ وهو أن الشيخوخة عملية معقدة تشتمل على العديد من العوامل، ويجب أن نكون حذرين عندما نفكر في حلول بسيطة لإعادة الساعة إلى الوراء. ومن المرجح أن هناك عوامل أخرى، من مثل التلف، التي قد يكون لها دور في تقدمنا بالعمر.
ولكن لا يبدو أن «شيخوخة الإنسان أكثر مطواعية مما كنا نفترض في السابق». هناك عدد كبير من شركات التقانة الحيوية، التي نشأت مؤخراً بهدف استخدام هذه المرونة لصياغة أساليب جديدة لمنع أو علاج التدهور المرتبط بالشيخوخة، من مثل فقدان العضلات المرتبط بالشيخوخة، والتنكس العصبي، والتهاب العظام والمفاصل المرتبطة بالشيخوخة.
على الأمد القريب،يأمل جيل بأنه سيصير بالإمكان إعادة شباب خلايا البشرة من شخص ما، ومن ثم زراعتها مرة أخرى لعلاج حالات من مثل الجروح، والحروق، والقرحات، من دون خطر حدوث رفض للأنسجة. وإذا استطعنا فهم كيفية تسبب برامج النماء الخاطئة بالشيخوخة، فإن ذلك يعني أننا سنستطيع إيجاد طرق لإيقاف تشغيلها من دون التسبب بمشكلات في أماكن أخرى. يقول جيمز: «أظن أن هناك احتمالاً جيدا للتدخل في آليات نمائية للشيخوخة من دون إحداث نتائج سلبية»، ومع ذلك فإنه يحذر من أنه ليس لدينا في الوقت الحالي دليل واضح على المرونة العامة في شيخوخة الإنسان يمكننا استغلاله بسهولة. ويكمل:«أظن أن المثير للاهتمام هو احتمال أن نتمكن من فهم بيولوجيا الشيخوخة فهما فعليا. وبعدها، من يدري ما سنتمكن من فعله».
وعلى الأمد البعيد -وهذا فيه الكثير من التنبؤ- فإن دي ماغالهايز يتساءل عن إمكان استخدام التكنولوجيا لإعادة شباب كائنات حية كاملة، من ضمنها البشر. ويقول: «أظن أن هذا واحد من أكثر الأسئلة إثارة في هذا المجال».
سر قنديل البحر الخالد
«الآلهة وحدهم هم الذين لا يشيخون، الآلهة لا يمكن أن يموتوا». هذا ما كتبه الكاتب المسرحي اليوناني القديم سوفوكليس Sophocles. واضح أنه لم يلتق بقنديل البحر الخالد Turritopsis dohrnii، وهو مخلوق بحري صغير وشفاف، وقد منحته قدرته على عكس دورة حياته اسمه الذي يعرف به «قنديل البحر الخالد» Immortal jellyfish. ومنذ اكتشاف هذه القدرة غير الاعتيادية في 1996، فإن هذا المخلوق اشتُهِر بأنه يحمل أسرار خداع الموت. في الواقع، فإننا ما زلنا في مرحلة البداية في فهم الغموض الذي يكتنفه. يبدأ القنديل T. dohrnii حياته على هيئة يرقة Larvae تسبح بحرية، قبل أن يستقر في قاع البحر ليشكل مستعمرات من البوليبات (السلائل) Polyps. وتتكاثر هذه الأخيرة عن طريق التبرعم وإطلاق أشكال بالغة تسمى المديوزا Medusae، وهي الشكل المألوف لقناديل البحر، بأجسام شبيهة بالجرس وتخرج منها زوائد. عادة ما تموت المديوزات بعد عدة جولات من التكاثر، ولكنها إن جُرِحَت أو تعرضت لعطب، فإنها يمكنها أن تعود إلى مرحلة سابقة من دورة حياتها لتشكل البوليبات مرة أخرى، مستعيدة شبابها خلال ذلك. وبتكرار هذه الدورة، يمكن للقنديل T. dohrnii نظرياً أن يعيش إلى ما لانهاية. فالمشكلة أنه يصعب جدا الإبقاء على قناديل البحر حية في المختبر، ما يعني أن عدداً قليلاً من العلماء درسوها بتفصير كاف ليكتشفوا كيف يقوم بهذه الخدع. ولكن هناك بعض الأدلة. من أجل تحديد الجينات المرتبطة بعكس النماء، فإن ماريا بيا ميغلييتا Maria Pia Miglietta من جامعة تكساس أي اند إم Texas A&M University وزملاؤها درسوا النشاط الجيني في مراحل مختلفة من حياة القنديل T. dohrnii. ووجدوا أنه على الرغم من أن البوليبات العادية والمعكوسة تظهر متماثلة، إلا أنها تُفعّل حزماً مختلفة من الجينات؛ فالسلائل المعكوسة على سبيل المثال تزيد من الجينات المرتبطة بالنماء، مما يجعل القنديل T. dohrnii مثالاً مذهلاً على إعادة البرمجة الخلوية وإعادة الشباب (انظر: المقالة الرئيسية). وليست القناديل T. dohrnii الكائنات الحية الوحيدة التي تمثل الخلود؛ فأحد أبناء عمومة قناديل البحر، يسمى الهيدرا Hydra، والتي لا يبدوأنها تكبر بالعمر أبداً، وهي ميزة يبدو أنها تتحقق عن طريق تبديل الجسد بشكل كامل كل ثلاثة أسابيع، وهذه الاستراتيجية ناجحة جداً لدرجة أن الهيدرا قد تعيش لأكثر من 1000 سنة.
بقلم: كلير أينسوورث
ترجمة: د. عبدالرحمن سوالمة
© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.