أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الدماغ

بدأنا أخيراً نفهم ضباب الدماغ وكيفية علاجه

لطالما استعصى ضباب الدماغ، والذي يشتمل على مشكلات في الذاكرة ونقصٍ في الإدراك العقلي والتركيز، على البحث العلمي حتى اقتحم كوفيد19- المشهد وتسلطت الأضواء عليه. والآن، بدأنا نتعلم المزيد عن حقيقة ضباب الدماغ الدقيقة وكيفية التغلب عليه

كانت كورتني شوكيس Courtney Shukis تنتظر بشغف فترة الغداء؛ فقد كانت قد تعافت لتوها من كوفيد19- وكانت سعيدة للقاء أصدقائها مرة أخرى. وقبل أن تخرج من منزلها في بلانو، تكساس، تفحصت التقويم، وحفظت في عقلها معلومات عن المطعم وزمن اللقاء. تستذكر شوكيس قائلة: «ولكن بدلاً من الذهاب هناك، ركبتُ السيارة وذهبتُ إلى مكان مختلف تماماً، وجلستُ على الطاولة زهاء نصف ساعة، ناظرةً إلى هاتفي الجوال، متسائلةً عن سبب غيابهم. كان ضباب دماغي Brain fog سيئاً بحق».
لم تكن هذه الحادثة الوحيدة؛ فبعد إصابة شوكيس بكوفيد19-، عانت نوباتٍ متكررةً من فقدان الذاكرة، وكانت تنسى تحضير العشاء، وعانت مشكلاتٍ في إيجاد الكلمات لوصف الأشياء واختلطت عليها أوقات إحضار الأولاد من المدرسة. وتقول «لم أعانِ من قبل قطُّ من هذه الأمور. بدا وكأن دماغي لم يكن يعمل بالشكل الصحيح».
شوكيس هي واحدة من ملايين الأشخاص في العالم الذين يُبلِّغون عن اختلالات شديدة في الوظائف المعرفية بعد إصابتهم بعدوى كوفيد19-، ونتيجة لذلك، سُلِّطت الأضواء على مسألة ضباب الدماغ Brain fog. ويعتقد الكثيرون أن هذا كان يجب أن يحصل منذ زمن طويل. تقول سابينا برينان Sabina Brennan: «هذا أمر لطالما أبلغ عنه مرضى مصابون بمشكلات طبية مختلفة، قائلين إنه يؤثر في قدرتهم على أداء وظائفهم لفترة طويلة»، وسابينا بيرنان هي عالمة أعصاب من كلية ترينيتي في دبلن Trinity College Dublin، بأيرلندا، ومؤلفة كتاب «التغلب على ضباب الدماغ» Beating Brain Fog. والأمل هنا في أن هذا الاهتمام قد يحسن الرعاية المــخصَّصة لأولئك المصابين به. تقول برينان: «إن كانت هناك نتيجة إيجابية من جائحة كوفيد19-، فهي بقعة الضوء المسلطة حالياً على ضباب الدماغ وأن المجتمع العلمي يولي هذه المسألة اهتماماً أكبر بكثير».

يعود مصطلح ضباب الدماغ إلى بدايات القرن التاسع عشر، عندما استخدم الطبيب الألماني جورج غراينر Georg Greiner عبارات من مثل «ضبابية ضوء المنطق» أو «تعتيم الوعي» لوصف النقصان المعرفي Cognitive deficits الذي يصاحب الهذيان. وأما مصطلح ضباب الدماغ؛ فقد استخدم بشكل متقطع منذ ذلك الحين كطريقة لوصف الوظائف المعرفية المتباطئة، ولكنها صارت مشهورة ثانية في تسعينات القرن العشرين، حيث تصف تجربة العيش مع متلازمة التعب المزمن Chronic fatigue syndrome وأمراض المناعة الذاتية Autoimmune.
ولكن ضباب الدماغ ليس حالة طبية بحد ذاته، ولا توجد محددات تشخيصية له. ولكنه مصطلح عام يشتمل عددٍ كبير ٍمن الأعراض المعرفية، التي تشتمل على نقص الوضوح العقلي، ومشكلات في الذاكرة، وعدم القدرة على التركيز. «هي طريقة لوصف أن تفكير المرء، أو ذاكرته، أو تركيزه ليست كما كانت في السابق» بحسب ما يقول أندرو بادسون Andrew Budson من نظام الرعاية الصحية التابع لشؤون المحارين القدامى في بوسطن Veterans Affairs Boston Healthcare System بماساشوستس.
وحاليا، هناك عشرات الحالات المرضية المرتبطة بضباب الدماغ، ومن ضمنها الحساسية، وانقطاع الطمث، واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (اختصاراً: الاضطراب ADHD)، والفشل الكلوي، وكذلك أمراض في الصحة النفسية من مثل التوتر والاكتئاب. «استخدم الناس مصطلح ضباب الدماغ لوصف مجموعة من الأعراض المعرفية التي تصاحب مجموعة كبيرة من الحالات الطبية المختلفة ولوقت طويل» كما تقول آنا نوردفيغ Anna Nordvig، طبيبة الأعصاب في كلية طب ويل كورنيل Weill Cornell Medicine في نيويورك. ولذلك كان من الصعب القيام بإحصاء دقيق حول مقدار انتشار ضباب الدماغ، ولكنها تعتقد أن انتشاره أكثر شيوعاً مما يعتقده العديد من الأطباء.
ما نستطيع قوله هو إن ضباب الدماغ ليس مجرد إحساس عابر. وعلى الأرجح، فإن أغلبنا مرَّ بتجربة التفكير المتثاقل أو الصعب في مرحلة من حياتنا، على ربما بعد الإصابة بعدوى، أو أخذ دواء معين. بشكل عام، فإن هذا الضباب يتلاشى بعد فترة قصيرة، ولكن بالنسبة إلى العديدين، فإن ضباب الدماغ يستمر لأسابيع أو أشهر أو حتى سنوات، وفقا لسوزان غيلبيرغ-لينز Suzanne Gilberg-Lenz من مركز سيدارز-سيناي الطبي Cedars-Sinai Medical Center في بيفيرلي هيلز بكاليفورنيا. وتقول: «إن وجدت أنك تعاني مشكلاتٍ تتعلق بضباب الدماغ بشكل دوري -أي أن ذاكرتك أو انتباهك لا يعملان كما كانا من قبل وأن ذلك يسبب خللاً في حياتك- فإن هذا يعني أنها صارت مشكلة وأنك يجب أن تعمل شيئاً حيال ذلك».

ضباب الدماغ ليس مجرد إحساس عابر. وعلى الأرجح، فإن أغلبنا مرّ بتجربة التفكير المتثاقل أو الصعب

 

ومما يتعلق بالطبيعة الشخصانية لضباب الدماغ حقيقةُ اختلاف شعور الناس به، مما يجعل منه مصطلحاً «مائعاً» بحسب ما تقول جولي دوما Julie Dumas، وهي عالمة أعصاب تدرس انقطاع الطمث والوظائف المعرفية في جامعة فيرمونت University of Vermont. وتقول: «يعاني البعضُ مشكلاتٍ في الذاكرة، وآخرون في الانتباه. وهناك آخرون يشعرون فقط بالتعب». وهذا كله يصعب من قياس ضباب الدماغ، ما يعني أن ضباب الدماغ لم يحصل على الاهتمام بالقدر الذي كان عليه من قبل، بحسب ما تقول. وعندما يجري المعانون لضباب الدماغ فحوصَ الوظائف المعرفية، فإنهم يميلون إلى أن يكونوا ضمن النطاق الطبيعي في الوظائف، «حتى وإن كانوا يشعرون بأن أدمغتهم تخذلهم»، بحسب ما تقول دوما.
وكحال بعض الأمراض العصبية الأخرى، من مثل الشقيقة، فإن ضباب الدماغ يصيب النساء أكثر من الرجال، ونتيجة لذلك، قلّل الأطباءُ من قيمته على مرِّ التاريخ، وفقا لبرينان. وتقول: «لم يأخذه الأطباء دوماً على محمل الجد؛ لأنهم ظنوا أن النساء قد يبالغن أو يهوّلن مما يحدث لهن».
وعقب حدوث الجائحة، صار من الصعب تجاهل ضباب الدماغ. نحو 10 إلى 25 % من المصابين بفيروس كورونا المسمى سارس-كوف-2 SARS-CoV-2 يطورون كوفيداً طويل الأمد، وهو حالة تتميز بمشكلات صحية جديدة ومتكررة أو مستمرة، ومتعلقة بالعدوى. وبينما يُبلِّغ العديدون عن وجود تعب، وآلام عضلات ومشكلات هضمية، فإن ضباب الدماغ هو من ضمن المشكلات الثلاث الأكثر إبلاغاً. وفي السنة الماضية، وجد مسح أجري على نحو 1000 بالغ في الولايات المتحدة من المصابين بكوفيد طويل الأمد أن نحو النصف منهم أبلغوا عن وجود ضباب دماغي مستمر، وعن نسيان ومشكلات في التركيز.

لا يوجد نمط واضح
كما هي الحال مع ضباب الدماغ المرتبط بحالات مرضية أخرى، فإن وجوده قد يختلف عند الأشخاص المتعافين من كوفيد19-. وقد تحدثت إيما لادس Emma Lads من جامعة أكسفورد University of Oxford هي وزملاؤها مع مئات المصابين بكوفيد طويل الأمد حول مشكلاتهم العصبية المعرفية. وتعلموا أن التجربة التي يعيشها الناس مع هذه المشكلات المعرفية كانت شديدة التنوع. تقول لادس: «يمكنك بالتأكيد أن ترى بعض المشكلات المتشابهة من مثل مشكلات الذاكرة أو مشكلات العثور على الكلمات المناسبة، ولكن لم يكن هناك نمط محدد يتبعه هذا الخلل. الشيء الوحيد المشترك بين كل المرضى كان أنهم وصفوا هذه المشكلات المعرفية على أنها من المشكلات الوظيفية الأكثر
صعوبة من حيث قدرتهم على العيش معها بعد إصابتهم بكوفيد».
حاول مظفر كاسر Muzaffer Kaser، وهو طبيب نفسي في جامعة كيمبريدج، هو وزملاؤه أن يحددوا مقدار آثار ضباب الدماغ بعد كوفيد19- عن طريق دراسة COVID and Cognition (واختصاراً: دراسة COVCOG). وجمعوا فيها تقارير شخصية من 181 شخصاً سبق وأن أصيبوا بكوفيد19-، وكذلك من 185 شخصاً لم يصابوا به. كما أعطوا المشاركين سلسلة من الاختبارات المعيارية التي تقيم أداء الذاكرة، والانتباه، والوظائف التنفيذية (وهي حزمة من القدرات العقلية التي تشتمل على الذاكرة العاملة) من تحسين فهمنا لما يعانونه.
الأشخاص الذين يعانون خللا معرفيا بسيطا Mild cognitive impairment، وهو إحدى مشكلات الذاكرة ويعتبر عامل اختطار لتطوير داء آلزهايمر، يميلون إلى أن يحصلوا على نتائج تعادل تقريبا انحرافا انحرافا معياريا Standard deviation يساوي واحداً نسبةً إلى معدل النتائج في هذه الاختبارات المعرفية. ووجد فريق قاصر أن المصابين بضباب الدماغ التالي لكوفيد يحصلون على نتائج تكون حول 0.5 انحرافٍ معياريٍّ من المعدل. ويقول كاسر: «ربما لا يبدو ذلك بالأمر الكبير على الورق، بل إنه قد يعتبر طبيعياً بالنسبة إلى شخص لا يوجد له اختبار مسبق لمقارنته به، ولكن انخفاضاً بمقدار 0.5 انحراف معياري في وظائفك المعرفي هو كافٍ بحيث يُخلُّ بقدرتك على الأداء اليومي».

دماغ ملتهب
إذن، ما الذي قد يحدث في رأس الشخص ليتسبب له بهذا الخلل المعرفي؟ من أجل أن يكون أداء الشخص على كامل وجه، يجب أن تكون سائر مناطق الدماغ -والخلايا العصبية بينها- قادرة على التواصل بشكل فعال مع بعضها بعضا، من أجل أن تستجيب وتعالج المعلومات المتعلقة بالعالم من حولنا.
هناك دراسات نظرت إلى أعضاء أخرى في الجسم، وقد أظهرت أن الكثير من الضرر الحاصل في كوفيد19- يكون بسبب الاستجابة المناعية المفرطة. وهذا ما قاد العديد من الباحثين إلى أن يقترحوا أن التهاب Inflammation الدماغ، والذي تسببه الاستجابة المناعية العالية نفسها، هو ما يوقف عمل الشبكات العصبية، وهو ما يقود إلى تلف وموت خلوي؛ مما يجعل من الصعب على خلايا الدماغ أن ترسل الإشارات فيما بينها.
هذه فكرة منطقية. وقد وجدت الدراسة COVCOG أنه كلما ازدادت شدة المرض، ازدادت المشكلات المعرفية. وعندما قارنت غوينيل دوو Gwenaëlle Douaud، من جامعة أكسفورد، هي وزملاؤها التقارير الطبية الموجودة لـ401 شخص قبل إصابتهم بكوفيد19- وبعد أن تعافوا، واشتمل ذلك على مسوحات الدماغ، وجدوا انخفاضاً معرفياً أكبر عند التقييم المعرفي، كما أنهم وجدوا أيضاً ضرراً نسيجياً في مناطق معينة. ومن هذه المناطق الحُصَيْن Hippocampus، وهو الموزع المركزي للذاكرة في الدماغ. ومع ذلك، تقول دوو، فإنه ليس من الممكن التأكد ما إذا كانت هذه التغيرات النسيجية مرتبطة بضباب الدماغ أم لا. وتقول: «ليست لدينا طريقة لمعرفة ما إذا كان المشاركون المصابون يعانون ضبابَ الدماغ. ولكنهم لاحظوا نقصاناً معرفياً أكبر في سرعة المعالجة وبالتحديد في الوظائف التنفيذية عند المصابين. كانوا يستصعبون من القيام بالمهام المعقدة».
ولكن نوردفيغ تعتقد أن الآليات الدقيقة لضباب الدماغ المرتبط بكوفيد19- أكثر تعقيداً بكثير من مجرد الالتهاب وحده. على سبيل المثال، نعلم أن العدوى بسارس-كوف-2 يمكنها التأثير في جهاز الدوري Circulatory system، ومن الممكن أن تؤثر التغيرات الطارئة في الأوعية الدموية على الحاجز الدموي الدماغي Blood-brain barrier، والذي يحمي الدماغ ويفصله عما يحدث في بقية الجسم.
تشير أبحاث نوردفيغ إلى أن كوفيد19- قد لا ينتج عنه دوماً ضرر لمناطق في الدماغ، ولكنه قد يقود إلى «خطر على الأنسجة». ولعدد من الأسباب، والتي تتراوح بين الالتهاب إلى الأوعية الدموية المعرضة للخطر، فإنه قد توجد مناطق دماغية يتعذر على خلاياها الحصول على المغذيات أو تدفق الدم اللازم لتعمل بأفضل حال. وتقول نوردفيغ: «الآن هناك عدد من الدراسات التي تتحدث عن نقصان في قدرة الدماغ على التقاط المغذيات، الأمر شبيه جداً بالرقع؛ بحيث إن هناك العديد من المناطق الصغيرة المصابة». ويمكن لذلك أن يفسر لماذا يوجد هذا التباين في الاختلالات بين المصابين، بحسب ما تقول، وكذلك لماذا يبدو كأن مدى ضباب الدماغ غالباً ما يتذبذب في الشدة. وتقول: «هذا في الواقع خبر جيد؛ حيث إن النسيج لا يزال موجوداً ويعمل، ولكن ليس بالجودة التي يجب أن يكون عليها. هذا يعني أنه قابل للشفاء وأن هناك احتمالاً لتحسن المصابين».

رسوم: IIKON IMAGES / ROY SCOTT / SCIENCE PHOTO LIBRARY

كما أنه من المرجح أن كوفيد19- يزيد من سوء الأمراض المتعلقة بضباب الدماغ والموجودة مسبقاً عند العديد من الناس. ويمكن أن تشتمل هذه الأمراض على مشكلات في النوم، من مثل انقطاع النفس النومي Sleep apnoea، والذي نعلم أنه يؤثر في الوظائف المعرفية، وكذلك صداع الشقيقة (المايغرين) والاضطراب ADHD. كما أن الاكتئاب والتوتر مرتبطان بأعراض شبيهة بضباب الدماغ، ويمكن أن تصيب الإنسان أو أن تسوء حدتها بعد نوبة كوفيد19-، بصورة خاصة إن كانت شديدة. تقول نوردفيغ: «في عيادتنا، نرى الكثير من الأمراض المتصاحبة. وهذه الأمراض، والتي تقارب في عددها عدد الإصابات بكوفيد نفسه، قد تسهم في هذا الخلل المعرفي بشكل عام».
كما أن هناك دراسات تظهر القواسم المشتركة بين مشكلات الدماغ التي تلاحَظُ بعد كوفيد-19 ومشكلات الدماغ المرتبطة بضباب الدماغ؛ فعلى سبيل المثال، يمكن أن تلاحَظ زيادة الالتهاب في مرحلة انقطاع الطمث وكذلك في الاكتئاب والتوتر وأغلب الأمراض ذاتية المناعة، وهذا يزيد من صعوبة علاجها.
تقول نوردفيغ: «نعلم أن ضباب الدماغ معقد
جداً. لا يوجد شيء محدد يمكنك قياسه وإصلاحه. على الأرجح أن هناك عشرات العوامل المختلفة، وليس فقط الالتهاب، والتي تؤثر في الكثير من الأجهزة الجسدية المختلفة التي تقود في النهاية إلى
هذا الخلل المعرفي».
ومع ذلك، فإن المتفق عليه أن المشكلة قابلة للشفاء. يقول قاصر: «علمنا أن ضباب الدماغ هو في الواقع أقرب لأن يكون خللاً معرفياً Cognitive dysfunction لا إعاقة معرفية Cognitive imparirment؛ فالإعاقة تحمل في طياتها تلميحاً بأن الشيء قد فُقِد وأنه من غير المرجح استعادته».
ومع أنه لا توجد إحصائيات دقيقة، إلا أن أغلب الدراسات تشير إلى أن الأشخاص سيلحظون تحسناً خلال ثلاثة أشهر، في حال علاج الأمراض المصاحبة المتعلقة بضباب الدماغ. ولذلك، تقول دوما، من المهم جداً أن تتواصل مع طبيبك ليس فقط بخصوص ضباب الدماغ، ولكن بخصوص الأعراض الأخرى التي قد تعانيها. كما تقول إن أحد أفضل الأشياء التي يمكنك القيام بها هي «أن تعالج كل ما يمكن علاجه».
وهذا ما حدث لشوكيس، على الرغم من أن الطبيب لم يكن لديه ما يقدمه للتخفيف عنها. «قالوا لها بشكل أساسي إنه سيذهب من تلقاء نفسه، وبعد نحو ثلاثة أشهر، هذا ما حصل بالفعل».
على الرغم من قلة العلاجات، فإن التغييرات على نمط الحياة يمكنها أن تساعد، بحسب ما تقول برينان. يعتبر النوم خطوة أولى جيدة؛ لأن الحرمان من النوم يسهم في الإحساس بالبطء والتشويش واللَّذَيْن يصاحبان ضباب الدماغ. كما أن تحسين حميتك الغذائية والتمارين يمكنهما أن يساعدا أيضاً.
تقول برينان: «لطالما علمنا أن ما كان نافعاً للقلب فهو نافع للدماغ. وهذا يشمل الأنظمة الغذائية المضادة للالتهاب، كالحمية المتوسطية (حمية البحر الأبيض المتوسط) والتمارين الرياضية. والحق أن النشاط البدني واحد من أفضل الأشياء التي يمكنك القيام بها لإبقاء دماغك يقظة. حتى وإن بدأت فقط بمشي قصير ثم زدت من ذلك تدريجياً، فهذا يساعد كثيراً».
النوم، والحمية، والتمارين، جميعها معروفة في تقليلها للالتهاب في الجسم والدماغ، ولا شك في أن هذا له منافعه. ولكن هناك تفسيرات أخرى أيضاً. يُعتَقَدُ الآن أن النوم يسرع التخلص من الفضلات من الدماغ، حيث تُزالُ المخلفات الجزيئية التي تعيق التوصيل العصبي. والحمية السليمة، كالحمية المتوسطية، تضمن أن يحصل الدماغ على المغذيات التي يحتاج إليها ليؤدي مهامه على كامل وجه. تقول برينان: «يؤثر ما تضعه في فمك على ما ينتجه دماغك، وتبني حمية صحية هو أفضل طريقة للحصول على المغذيات التي يحتاج إليها دماغك ليؤدي وظائفه على كامل وجه».
وأما بالنسبة إلى التمارين، فإنها تحفز إنتاج المركب الكيميائي المسمى بعامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ Brain-derived neurotrophic factor، والذي يشار إليه أحياناً بـ«سماد الدماغ»؛ لأنه يساعد على تعزيز عملية إصلاح وتحسين أداء الوصلات الموجودة بين خلايا الدماغ. وتزيد التمارين من تدفق الدم للدماغ. تقول برينان: «عندما تبدأ بالتمرين، فإن الدم المتدفق لدماغك يحمل معه أكسجيناً ومغذيات إضافية لخلاياك العصبية، والتي تحسن من نقل الإشارات. ومع التمارين الجسدية المنتظمة، يلاحظ الناس تحسنات في الذاكرة، والانتباه، وسرعة معالجة المعلومات». كما يمكن للعلاج السلوكي المعرفي أن يساعد الأشخاص على التعامل مع بعض آثار ضباب الدماغ، من مثل قلة القدرة على العمل والتمرين.
وكذلك ثبت أن العلاج المهني Occupational therapy يساعد بعض المصابين بضباب الدماغ على تعلم استراتيجيات لتخفيف مشكلات الانتباه أو الذاكرة. كما يمكن أن تتحقق الاستفادة من العلاجات المناسبة التي تهدف لمواجهة الاكتئاب والتوتر.
ويبقى ضباب الدماغ معقداً وغامضاً، ولكن الدراسات حوله تبقى مستمرة. تبحث لادس وزملاؤها عن تغيرات في الجزيئات الصغيرة المتعلقة بالاستقلاب الخلوي، والتي تعرف بمحصول الاستقلاب Metabolites، لترى إن كان بإمكانها المساعدة على التنبؤ بأي الأشخاص أكثر عرضة لتطوير ضباب دماغي بعد العدوى بفيروس كورونا. وكذلك فإن نوردفيغ وفريقها يبحثون عن جزيئات بيولوجية لها علاقة بأعراض ضباب الدماغ، وهدفهم هو فهم ما الذي يحدث في الدماغ وتحديد الأهداف المحتملة للعلاج.
تقول نوردفيغ: «حقيقة أننا نرى العديد من التقاطعات مع حالات مرضية أخرى تعني أننا قد نكون أكثر قدرة على تحديد جزيئات معينة، أو أجسام مضادة معينة، أو جزيئات مناعية أخرى بحيث تُحَفَّزُ عندما يصاب المرء بكوفيد-19 أو أياً من الحالات الصحية الأخرى. من الممكن أن نجد جزيئاً صغيراً ما يمكن أن يصير يوماً ما علاجاً لضباب الدماغ، ولكن الأمر سيحتاج وقتاً».

بقلم كايت سوكيل

ترجمة د. عبدالرحمن سوالمة

© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى