نظام غذائي لإطالة العمر يؤثر في معدل شيخوخة الخلايا قد يضيف أعواماً إلى حياتك
يشير نظامٌ غذائي جديدٌ قائمٌ على أبحاث عمليات شيخوخة الجسم إلى أنّه يمكنك زيادة متوسط عمرِكَ المتوقع بما يصل إلى 20 عاماً بتغيير ما تأكله ومتى تأكله وكم تأكل منه
لقد رأيْتُ مستقبلي، وهو ممتلئٌ بالفاصولياء ومفعمٌ بالطاقة والحيوية. إضافةً إلى زيادة كمية الفاصولياء، سيكون هناك الكثير من الخضار، بلا لحوم، وستكون هناك فتراتٌ طويلةٌ من الجوع، ودون أي كحولٍ تقريباً. ولكن في مقابل هذا الالتزام الغذائي، سيكون مستقبلي أيضاً أطول وأكثر حيويةً بصورةٍ ملحوظةٍ. عمري 52 عاماً، وبناءً على نظامي الغذائي الحالي، أتوقع أن أعيش 29 عاماً أخرى. لكن إذا غيّرته الآن، فقد أكسب عقداً إضافياً وأعيش بصحةٍ جيدةٍ وصولاً إلى التسعينات من عمري.
إن «النظام الغذائي لإطالة العمر» Longevity diet هذا ليس مجرد صيحةٍ حديثةٍ، بل هو حصيلةُ عقودٍ من أبحاث علميةٍ. وهو ليس مصمماً للوقاية من الأمراض فقط، بل ولإبطاء عملية الشيخوخة – أو هذا هو ما يُدّعَى.
هذا ليس مجرد صيحةٍ حديثةٍ، بل هو حصيلةُ عقود من أبحاث علميةٍ. وهو ليس مصمماً للوقاية من الأمراض.
من المعروف بالطبع أنّ نظامنا الغذائي يمكن أن يغيّر حياتنا. في معظم أنحاء العالم، لا يزال ملايين الأشخاص يموتون مبكرا كلّ عامٍ بسبب نقص السعرات الحرارية والعناصر الغذائية. وفي الوقت نفسه، يموت ما يُقَدّرَ بنحو 11 مليون شخصٍ كلّ عامٍ بسبب الكثير من السعرات الحرارية والنوع الخاطئ من العناصر الغذائية. إنْ التهمْنَا أكثر ممّا نحتاج إليه فسيؤدي ذلك حتماً إلى البدانة وما تسببه من أمراض كأمراض القلب والأوعية الدموية Cardiovascular disease وداء السكري Diabetes والسرطان Cancer. فالأنظمة الغذائية الغربية التقليدية غنيةٌ أيضاً بالسكريات والنشويات المُكَرَرة Refined starch والدهون المشبعة Saturated fat وفقيرةٌ بالأطعمة غير المُعَالجة Wholefood، مما يزيد الطين بلةٍ بتعطيل عملية الاستقلاب (الأيض) Metabolism. ويشمل ذلك الإفراز المُفْرِطَ للإنسولين Insulin -الهرمون الذي يحافظ على مستويات السكر في الدم تحت السيطرة- وهو ذو تأثيرٍ مباشرٍ في الشيخوخة. حسبنا أن نقول إنّ الأنظمة الغذائية الغربية لا توجّه إطالة العمر في الاتجاه الصحيح. لكن هل من الممكن فعلاً أن يطيل الغذاء أعمارنا؟
بين عامي 1970 و2009 في الولايات المتحدة، ارتفع متوسط السعرات الحرارية المُسْتَهْلَكَة يومياً بنسبة 20 %، إلى 2520 سعرةٍ حراريةٍ. وقد تبعَتْ دولٌ غربيةٌ أخرى هذه النزعة. كُشِفَ في بحثٍ حديثٍ من جامعة بيرغن University of Bergen في النرويج عن المدى الصادم لتقصيرِ حياتنا الذي تحدثه أنظمتُنا الغذائية المُسَبِبَة للبدانة والمعززةُ للأمراض والشيخوخة. وضع الباحثون بقيادة لارس فادنس Lars Fadnes نموذجاً لما يمكن أن يحدث للأشخاص الذين يتحولون من النظام الغذائي الغربي التقليدي إلى النظام الغذائي المثالي الذي يحتوي على كميةٍ أكبرَ من الحبوب الكاملة والفواكه والخضار والمكسرات والبقوليات والأسماك، وكميةٍ أقلَّ من اللحوم ومنتجات الألبان والحبوب المُكَرَرة Refined grains والمشروبات السكرية. ووجدوا استناداً إلى بياناتٍ من مشروعٍ بحثي ضخمٍ يُدعى دراسة العبء العالمي للمرض Global Burden of Disease، الذي أَجرى عدة أمورٍ منها تحليلُ الأنظمة الغذائية والأمراض المرتبطة بالنظام الغذائي في 195 دولةٍ، أن الغربيين على الأغلب يستطيعون أن يعيشوا أطول.
إنّ التحوّل إلى هذا النظام الغذائي المثالي في عمر الـ 20 والالتزام به سيؤدي إلى إطالة متوسط العمر المتوقع بأكثر من 10 أعوامٍ للنساء و13 عاماً للرجال. ولا يفوت الأوان أبداً: إذ سيزداد متوسط العمر المتوقع للستينيّن الذين يتحولون إلى هذا النظام الغذائي 8 أعوامٍ وسيزداد متوسط الثمانينيّن 3.4 عاماً. حتى أنّ نظاماً غذائياً يقع بين النظام الغربي التقليدي والنظام الغذائي المثالي للفريق سيضيف ستة إلى سبعة أعوامٍ إن اتُبِعَ في العشرين من العمر. يقول فادنس إنّ سبب هذه الاستجابات الكبيرة بصورةٍ مدهشةٍ قد يكون أنّ النظام الغذائي يُحَسِّنُ الصحّةَ الاستقلابية فوراً. يقول: «لم ندرسْ الآليات بتعمّقٍ، لكن فرضيتنا هي أن توقعات إطالة العمر مرتبطةٌ بتخفيض الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وبتخفيض خطر الإصابة بالسرطان إلى حدٍّ ما».
بمعنى آخر، يمكن للنظام الغذائي الصحي أن يقي من الأمراضَ المرتبطة بالنظام الغذائي السيئ. يا للمفاجأة! ومع ذلك، اعتقد العديد من الباحثين لعقودٍ أنّه يمكننا أن نفعل ما هو أفضل، أن نعدّل خصائصنا البيولوجية لإبطاء عملية الشيخوخة.
جاءت أولى الأفكار قبل أكثر من قرنٍ. عام 1917، اكتشف باحثون في محطة كونيتيكت للتجارب الزراعية Connecticut Agricultural Experiment Station في نيوهافن New Haven أنّ إناث الجرذان التي جرى تجويعها حين كانتْ صغيرةً ظلّتْ خصبةً لفترةٍ أطول من المتوسط، وعاشَتْ حتى عمرٍ متقدمٍ. وأكّدَتْ تجارب أخرى أن «تقييد السعرات الحرارية دون إحداث سوء تغذيةٍ» – وهو ما يُحَقَقُ بتخفيض السعرات الحرارية بنسبةٍ تصل إلى 60 % مع دعم النظام الغذائي بالفيتامينات والمعادن – أبقى الفئران والجرذان بصحةٍ جيدةٍ وعلى قيد الحياة لفترةٍ أطول. كلما كان وقتُ البدءِ بالتقييد أبكرَ وتطبيقُه أكثرَ صرامةً، كانتْ الفائدةُ أكبر.
منذ ذلك الحين، ثَبُتَ أنّ تقييد السعرات الحرارية قادرٌ على إطالة فترة الصحة والعمر في كلّ كائنٍ حي طُبّقَ عليه، بما في ذلك الخميرة والذباب والديدان والرئيسيات Primates. تختلف النتائج اختلافاً واسعاً، لكن ازدياد العمر في البعض كان مذهلاً. على سبيل المثال، يمكن للفئران التي تخضع لتقييد السعرات الحرارية أن تعيش ما يصل إلى 50 % أطول من المتوسط – وهو ما يُتَرْجَمُ إلى نحو 120 عاماً إذا حدث في البشر.
ولكن هل تمكن ترجمته في البشر؟ مع الأسف، فإن إجراء تجارب تقييد السعرات الحرارية على البشر أمرٌ صعبٌ جداً. لا يقتصر الأمر على أنّ الأشخاص يجدون مشقةً كبيرةً في خفض استهلاكهم للطاقة إلى النصف لأكثر من عدة أيامٍ في كل مرةٍ، بل يجب أيضاً إجراء التجربة لأعوام عديدةٍ لتقييم ما إذا كانتْ ذات أي تأثيرٍ يُطيل الحياة. يقول مات كايبرلاين Matt Kaeberlein من جامعة واشنطن University of Washington في سياتل Seattle: «في البشر، لسنا متأكدين فعلاً أنّ تقييد السعرات الحرارية ذو فوائد صحيةٍ كبيرةٍ طويلة الأمد». ونحن نعلم أنّه يمكن أن يُلْحِق أضراراً جسيمةً بصحة الأشخاص الذين يقيدون استهلاك السعرات الحرارية بسبب اضطرابات الأكل. من المهم أن نشير إلى أنّه لا ينبغي لأحدٍ تقييد نظامه الغذائي إلى الحد الذي يضرّ بصحته.
ومع ذلك، هناك أسبابٌ للاعتقاد أنّ تقييد السعرات الحرارية قد يطيل عمر البشر. أحدها هو سببٌ بيولوجي أساسي. اتضح أنّه بغض النظر عن النوع، فإنّ الآلية التي يُحَقِقُ بها تقييدُ السعرات الحرارية تأثيراتِه المطيلةَ للحياة هي ذاتُها بصورةٍ أساسيةٍ: شبكةٌ من المسارات الاستقلابية التي تقيِّم توفّر العناصر الغذائية وتستجيب بتبديل وضع الخلايا بين وضعيتين بيولوجيتين، هما الوليمة والمجاعة Feast and famine. عندما تكون العناصر الغذائية وفيرةً، تُحَفِّزُ هذه المساراتُ الخلايا على النمو والانقسام. أمّا حين تكون نادرةً، فإنّه يُطْلَبُ إلى الخلايا أن تهدأ وتنتظر أوقاتاً أفضل. يقول ڤالتر لونغو Valter Longo من جامعة جنوب كاليفورنيا University of Southern California في لوس أنجلوس Los Angeles: «نرى أنّ معظم الكائنات الحية تدخل في وضع صيانةٍ ولا تشيخ كثيراً».
إنّ أحد الأجزاء الحاسمة في هذه العملية هو كنسُ الحطام داخل الخلايا، مثل الجزيئات والعضيات التالفة، لحرقها كوقود، وهذا يشبه إلى حدٍ ما رمي قطعٍ من الأثاث المكسور في النار. هذه المخلفات هي سببٌ مباشرٌ للضرر الخلوي الذي يؤدي إلى الشيخوخة، لذا فإن تدميرها – وهي عمليةٌ تُسَمى الالتهام الذاتي Autophagy – تمنع حدوث مثل هذا الضرر. يعزز الجوع أيضاً عمليات الإصلاح، والتي يمكن أن تعكس الضرر الذي حدث سابقاً.
الوليمة أم المجاعة
أحد العوامل الرئيسية في نظام استشعار المغذيات هذا هو مُسْتَقْبِلُ الإنسولين Insulin receptor. عندما يُطْلَقُ الإنسولين استجابةً لارتفاع الغلوكوز في الدم، فإنّ بروتين غشاء الخلية هذا يُفَعَّلُ ويُسَاعِد على تحويل النظام إلى النمو والتكاثر. يعود السبب جزئياً في قدرته على فعل ذلك إلى تفعيل مُسْتَشْعِرٍ آخر للمُغذيات يُسَمى mTOR، والذي هو العمود الفقري لنظام الوليمة والمجاعة، ويحظى باهتمامٍ كبيرٍ في دوائر مقاومة الشيخوخة. عندما يتفعل المُستقبِل mTOR، يُوقَفُ الالتهامُ الذاتي والإصلاحُ. لذلك، إذا كان الغلوكوز يتدفق باستمرارٍ إلى مجرى الدم، فإن مُسْتَقْبِل الإنسولين يَعْلَقُ في وضع «التشغيل» ويتفعّل المُستقبِل mTOR بصورةٍ دائمةٍ.
تُظْهِرُ الحيوانات التي خضعت لتقييد السعرات الحرارية حساسيةً أعلى للإنسولين، وتَحسّناً في وظائف الكبد، وفقداناً للوزنِ ودهونِ الجسم. فقد شوهِدَتْ جميع هذه المؤشراتِ البيولوجيّة أيضاً في تجربةٍ نادرةٍ على البشر سُميت CALERIE (التقييم الشامل للتأثيرات طويلة الأمد لتقليل استهلاك الطاقة Comprehensive Assessment of Long-Term Effects of Reducing Intake of Energy) وفيها استهلك البشر سعراتٍ حراريةً أقل بـ 25 % لمدةٍ وصلَتْ إلى عامين. هذا سببٌ آخر للتفاؤل بشأن تقييد السعرات الحرارية في البشر، لكنه لا يتغلب على واقع أن هذا النظام يَصْعُبُ الالتزام به.
ومع ذلك، هناك بعض الأدلة على أن الأنظمةَ الغذائية الأقل صعوبةً ذاتُ تأثيراتٍ مماثلةٍ – على الأقل في الفئران. يتضمن الكثير منها تقييد السعرات الحرارية لبعض الوقت، مثل الصيام الدوري الذي يستلزم عدم تناول أي طعامٍ تقريباً لمدة يومين كل أسبوع، أو ليومٍ كل يومين، أو لمدةٍ تصل إلى أربعة أيامٍ متتاليةٍ في الشهر. شكلٌ آخر هو الأكل المقيّد زمنياً، مثل نظام 8:16 الغذائي، وفيه تُسْتَهْلَكُ كل السعرات الحرارية في اليوم في فترةٍ زمنيةٍ مدتها 8 ساعات يسبقها ويليها صيامٌ لـ 16 ساعة. يُطْلَقُ أحياناً على كلا النوعين من النظام الغذائي: الصيام المتقطع Intermittent fasting. النهج الثالث هو النظام الغذائي المحاكي الصيام، وفيه يأكل الشخص لمدة خمسة أيامٍ في الشهر وجباتٍ نباتيةً منخفضة السكر والكربوهيدرات والسعرات الحرارية، ولكنها غنيةٌ بالدهون، وهي مصممةٌ لإثارة استجابة الصيام دون امتناعٍ تامٍ. (حصل لونغو على براءات اختراعٍ لأنظمة غذائية مُحاكية للصيام، ولديه أسهمٌ في شركةٍ تبيعها).
هناك أنظمةٌ غذائية أخرى تعزز إطالة العمر في القوارض ولا تتطلب حتى الصيام، ولكن اتباعها أكثر تعقيداً. على سبيل المثال، يعتمد تقييد البروتين على خفض السعرات الحرارية التي يُحْصَلُ عليها من البروتين، وذلك من القيمة الطبيعية التي تتراوح بين 10 و15 % إلى نحو 5 %، ويُسْتَبْدَلُ بهذا التخفيضِ سعراتٌ حراريةٌ من الكربوهيدرات. الأنظمة الأكثر تعقيداً هي تقييد الأحماض الأمينية Amino acid، والتي تحدّ من استهلاك بعض اللبنات الأساسية للبروتينات. الهدف الرئيسي هو الميثيونين Methionine، الموجود بصورةٍ رئيسيةٍ في البروتينات الحيوانية، ويتطلب هذا النظام تخفيض استهلاكه بنسبة 80 % أو أكثر. هدفٌ آخر هو التربتوفان Tryptophan – تشمل مصادره الحليب والدجاج والأسماك الزيتية – ويجب تقليله بنحو 40 %. ينجح أيضاً تقليل الأحماض الأمينية ذات السلسلة المتفرعة مثل الليوسين Leucine والأيزولوسين Isoleucine والڤالين Valine – الموجودة بصورةٍ أساسيةٍ في اللحوم ومنتجات الألبان والحبوب – بمقدار الثلثين. يبدو أن هذه التقييد يمارسُ تأثيره بفعل إطلاق آليات المُستقبِل mTOR، إلّا أنّ سبب استجابة الجسم بهذه الطريقة غير واضحٍ تماماً.
هذه التدخلات أقلّ فعاليةً بصورةٍ عامةٍ من التقييد التام للسعرات الحرارية. على سبيل المثال، يؤدي تقييد البروتين إلى إطالة عمر الفئران بنحو 15 % مقارنةً بـ 50 %، أمّا التغذية المقيدة زمنياً فتعطي دفعةً بنسبة 10 % تقريباً. لكن واقع أنّها أسهل أدى إلى ادعاءاتٍ بأنه يمكن تطبيقها مباشرةً على البشر. إذ يقول كايبرلاين إن الأعوام القليلة الماضية شهدَتْ سيلاً من الأنظمة الغذائية المشكوك فيها لمقاومة الشيخوخة، والمطورة بناءً على هذا البحث. يقول: «عندما يقدم الاشخاص توصيات بمثل بهذه التدخلات الغذائية للعامة، فإنهم يفعلون ذلك بغياب أي بياناتٍ واقعيةٍ تشير إلى أنها ذات فوائد تتجاوز ما تحصل عليه من عدم زيادة وزنك».
لكنّ مثل هذه الادعاءات تجد طريقها الآن إلى الدراسات العلمية. ففي أبريل، نشرَتْ الدورية المرموقة سيل (الخلية) Cell دراسة مراجعة Review paper تحتوي على «نظام تعميرٍ غذائي Longevity diet… لإطالة العمر وفترة الصحة لدى البشر». وقد مزج المؤلفان – لونغو وروزالين أندرسون Rozalyn Anderson من جامعة ويسكونسن ماديسون University of Wisconsin-Madison – عقوداً من الأبحاث في بيولوجيا الشيخوخة، وتأثيرِ تقييد السعرات الحرارية، وتدخلاتٍ غذائيةٍ مماثلةٍ، بما هو معروف عن الفوائد الصحيّة لمجموعاتٍ غذائيةٍ مختلفةٍ، بما في ذلك دراسة جامعة بيرغن الحديثة. ودعموها ببياناتٍ عن العادات الغذائية للأشخاص الذين يعيشون في مناطق تعجُّ بالمعمرين مثل أوكيناوا Okinawa في اليابان، وسردينيا Sardinia في إيطاليا. المنتج النهائي هو نظامٌ غذائي يمكن أن يضيف أعواماً إلى حياة الشخص العادي. يقول لونغو: «سيكون هذا لهذا تأثير هائل. سنبدأ بالحصول على تغييراتٍ من 15 إلى 20 عاماً في متوسط العمر المتوقع».
المكونات الرئيسية لنظام التعمير الغذائي هذا – التي لمّا تُخْتَبَر بعد في التجارب – هي تقييدٌ للسعرات الحرارية بصورةٍ تُبقي الشخص نحيفاً، ونظامٌ يومي من التغذية المقيدة زمنياً تقييدا خفيفا جداً، وبضع دوراتٍ مدتها خمسة أيامٍ من محاكيات الصيام كل عامٍ، ونظامٌ غذائي نباتي إلى حدٍ كبيرٍ (انظر: نظام التعمير الغذائي). يقول لونغو إنّ هذا يوفر نظاماً غذائياً صحياً تقليدياً يقي من البدانة وعواقبها، كما أنه يستفيد من استجابة الجوع التي تعزز التعمير. يقول: «هذا ما نعرف أنه ينجح، وذلك استناداً إلى علم الأوبئة، والتجارب الإكلينيكيّة، والأبحاث الأساسية، والدراسات على المُعمِّرين».
لكن كايبرلاين يطلب إلينا أن نتمهل: فحتى الدليل في الفئران على فوائد التغذية المقيدة زمنياً ضعيفٌ. يقول: «كانت هناك بعض الدراسات، لكن كلها تقريباً قصير الأمد – إذ تراوحت عادةً بين 8 إلى 12 أسبوعاً – وفيها ادّعى الأشخاص أنّهم لمسوا فائدةً في بعض الحالات، ولم يلمس البعض فائدةً في حالاتٍ أخرى. أود أن أقول إن هذه الدراسات بمجملها غير مقنعةٍ». والنظام المقترح يشبه النظام الغذائي المحاكي للصيام. وهو بصورةٍ أساسيةٍ فترةٌ من تقييد السعرات الحرارية، وعلى الرغم من الرأي السائد بأن مثل هذا التقييد ينجح دائماً، إلا أنّ هذا غير صحيحٍ. إذ لم تُظْهِر سوى نحو نصف سلالات فئران المختبر التي جُرّب عليها الاستجابَةَ «الصحيحة»، وبعضها الآخر لم يستجبْ على الإطلاق، ونحو ثلثها عاش حياةً أقصر لا أطول. يقول كايبرلاين: «نحن لا نفهم فعلاً سبب ذلك. ومن الخطورة إلى حدٍ ما أن نبدأ التوصية بهذه الأشياء للجمهور، في الوقت الذي يؤدي ذلك إلى خفض العمرَ في الفئران في ثلث الحالات، ويزيدُ من معدل الوفيات». إضافة إلى ذلك، فإن معظم الأشخاص الذين يحاولون تقييد السعرات الحرارية يعانون أيضاً تأثيراتٍ جانبيةً مزعجةً، بما في ذلك اضطراب التنظيم الحراري Thermoregulation، وفقدان الرغبة الجنسية Libido وزيادة احتمال الإصابة بالعدوى.
وينفي لونغو جدية هذه التحذيرات. إذ يقول: «الفكرة هي جعل الأمر آمناً جداً جداً». كان بإمكانه أن يوصي بشيءٍ أكثر تشدداً، يشمل تقييد السعرات الحرارية، و16 ساعةً من الصيام يومياً وفترةً شهريةً من النظام الغذائي المحاكي للصيام، لكنّه اعتبر أنه محفوفٌ بالمخاطر. «هل يمكن أن يساعد؟ نعم. لكن هل يمكن أن يؤذي؟ نعم، يمكن أن يكون كذلك. لذلك لن نتوجه إليه».
ولن نستطيع أن نحكم إن لم نجرب. حصل لونغو حديثاً على تمويلٍ لإجراء تجربةٍ إكلينيكيةٍ مدتها 18 شهراً في إيطاليا. سيُشْرِكُ في الدراسة 500 شخصٍ ويضع نصفهم على نظام تعميرٍ غذائي، ويترك البقية على طعامهم التقليدي، ثم يتابع المؤشرات البيولوجية لتحسن الصحة وطول العمر. ليس لديه أي شكٍ في أنّ الأمر سيكون آمناً وفعالاً. في الواقع، إنه يتّبع هذا النظام الغذائي منذ 30 عاماً. لكن، في حين ننتظر هذه النتائج، لم يفت الأوان بعد على استغلال الحياة، فاستمتع بها.
استشر طبيبك دائماً قبل تغيير نظامك الغذائي تغييراً جذرياً
نظام التعمير الغذائي
بقلم غراهام لاوتون
ترجمة د. محمد الرفاعي
© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.