أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ملف خاص

علاجات الألم الجديدة التي قد تلغي الحاجة إلى العقاقير الأفيونية أخيراً

لمـاذا تَعِدُنا التدخـلات القـائمة على الكـلام والسـلوك التي لا تستـخدم أي أدويةٍ، وكذلك العـلاج الجيني والسمـوم البكتيرية، بأسلحةٍ جديدةٍ في حربنا على الألم

في الولايات المتحدة وحدها يعاني عشرات ملايين الأشخاص ألماً مزمناً وفي بعض الحالات ألماً يعيق النشاط اليومي، إضافةً إلى أولئك الذين يعانون آلاماً حادةً. ومع ذلك، لا تزال علاجات تسكين الآلام ذاتَ فعاليةٍ جزئيةٍ ولا تفيد إلا بعض الأشخاص.

على سبيل المثال، قد يكون للباراسيتامول Paracetamol (أسيتامينوفين) تأثيرٌ ضئيلٌ أو معدومٌ في الألم الشديد، وتَجَاوزُ الجرعة الموصى بها قد يكون ساماً للكبد. وبالمثل فإن للإيبوبروفين Ibuprofen وغيره من الأدوية غير الستيرويدية المضادة للالتهابات – التي تعالج الالتهاب Inflammation الذي يضغط على النهايات العصبية ويسبب الألم – مجموعةً من التأثيرات الجانبية، بما في ذلك الصداع وعسر الهضم Indigestion، فضلاً عن التداخل مع الأدوية المستخدمة في عديد من الحالات الأخرى. أخيراً، هناك المواد الأفيونية Opioids، التي تحاكي مسكنات الألم الطبيعية في الجسم وهي من بين أكثر أشكال مسكنات الآلام فعاليةً.

وعلى الرغم من أنّ المواد الأفيونية ذات نفعٍ مع عديد من أنواع الألم الحاد والمزمن، فإنها قد تكون غير فعالةٍ ضد أنواعٍ أخرى، وترتبط بالإدمان وخطر الجرعة المُفرِطة Overdose. أَزْهَقَ وباءُ المواد الأفيونية مئات آلاف الأرواح في الولايات المتحدة ممّا سلط الضوء على الحاجة إلى علاجاتٍ بديلةٍ. لكن، على حد تعبير جون وود John Wood، الباحث في مجال الألم من يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London: «كان هناك تتابعٌ هائلٌ من الإخفاقات في محاولة صنع مُسَكِّنَاتٍ جديدةٍ».

يقول إن شركات الأدوية كانتْ تبحث على مدى أعوامٍ عن وسيلةٍ للتقدُّم بدراسة جينٍ Gene قد يكون ذا أهميةٍ حيويةٍ في عملية الألم. ولذلك يقول وود إنّه حين اكتشف فريقٌ في العام 2006 بقيادة جيف وودز Geoff Woods من جامعة كيمبريدج University of Cambridge جيناً بهذه المواصفات، يُسَمَّى SCN9A (انظر: ما الألم، وكيف يعمل، وماذا يحدث حين تسوء الأمور؟) «بدا الأمر كهِبة من السماء».

قنوات الصوديوم جزءٌ حيوي من العملية التي تسمح للعصبونات (الخلايا العصبية) Neuron بأن تتفعَّل. هناك تسعة أنواعٍ معروفةٍ من قنوات الصوديوم، كلُّ واحدةٍ منها موجودةٌ في أجزاء مختلفةٍ من الجهاز العصبي والقلب. قد يكون حَصْرُهَا Block كلها مميتاً، لكن SCN9A يشير إلى طريقةٍ لحصر إشارات الألم مع الإبقاء على بقية أنشطة قناة الصوديوم الأخرى كما هي، لأنّه يُرمِّز Nav1.7، وهو نوعٌ من قنوات الصوديوم موجودٌ بصورةٍ حصريةٍ تقريباً في العصبونات الحسية Sensory neurons.

فوائد العلاج الجيني

على الرغم من أنّ التجارب أظهرَتْ أن الحيوانات والبشر الذين ليس لديهم الجين SCN9A لا يشعرون بأي ألمٍ، فإن تثبيط القنوات Nav1.7 نادراً ما أسفر عن تأثيرِ تسكينِ الألمِ المرغوب فيه. بعد ذلك، في العام 2015، أظهرَ وود وزملاؤه أن العصبونات المنتشرة في جميع أنحاء الجسم التي تُطْلِقُ مسكناتِ الألم الطبيعية تختلف أيضاً في الأشخاص والحيوانات الذين ليسَتْ لديهم القنوات Nav1.7. قد يفسر هذا سبب فشل الأدوية التي تحصر القنوات حصراً انتقائياً في إحداث تأثيرِ حصرِ الألم التامِ الموجودِ في الأشخاص الذين ليس لديهم الجين SCN9A. الآن، هناك نهجُ علاجٍ جيني أكثر دقةً وهو يبدو واعداً في تجارب على القوارض.

أحد المصادر المدهشة لتسكين الألم قد يكون الذيفانات Toxin البكتيرية. عزا الباحثون سابقاً ألمَ العدوى البكتيرية إلى تنشيط الخلايا المناعية المُسَبِّبَةِ للالتهاب، مع ما ينتج عن ذلك من تورُّمٍ يؤدي إلى الشعور بالألم. لكن في العام 2013، اكتشف عالم المناعة إسحاق تشيو Isaac Chiu وعالم البيولوجيا العصبية كليفورد وولف Clifford Woolf، وكلاهما من جامعة هارفارد Harvard University، وزملاؤُهما أنّ البكتيريا يمكنها تنشيط العصبونات الحسية التي ترسل إشارات الألم تنشيطاً مباشراً – ويمكنها تثبيطها كذلك.

أسباب هذه التأثيرات غير مفهومةٍ فهماً جيداً. لكن في العام 2021، قاد تشيو دراسةً على الفئران التي تعاني ألماً حاداً أو مزمناً وأظهر أنّ الذيفانات المُسْتَخْلَصَة من بكتيريا العَصَوِيَّةُ الجَمْرِيَّة Bacillus anthracis، التي تسبب الجَمْرَة الخَبيثَة ‎Anthrax، يمكنها تثبيط العصبونات الحسية. وما يهم أهميةً حاسمةً هو أنّ الألم عاد بعد عدم تقديم العلاج، ما يشير إلى أنّ الذيفان لم يُضِرّ أو يدمر العصبونات، بل حَصَرَها مؤقتاً. يقول تشيو: «يُظْهِر هذا أن الميكروبات Microbe يمكن أن تكون مصدراً للعلاجات».

الألم المزمن يشتمل على أكثر بكثيرٍ من مجرد إحساسٍ جسدي – كما تقول بيث دارنال Beth Darnall من جامعة ستانفورد Stanford University في كاليفورنيا. وتقول إنّه تجربةٌ عاطفيةٌ معقدةٌ أيضاً، ويجب أن يُعالَج على هذا النحو. وتدعو إلى تبني أساليب أخرى، مثل العلاجات النفسية. تقول: «من الممارسات الشائعة عدم التوصية بمثل هذه الاستراتيجيات النفسية الاجتماعية لعلاج الألم إلّا بعد فشل جميع الأدوية، لكن بحْثنا يقترحُ أنّه يجب علينا تطبيق هذا النهج على جميع الأشخاص، لأن مجموعةً كبيرةً تستفيد منه».

على سبيل المثال، في دراسةٍ أُجريت على من يخضعون لعمليةٍ جراحيةٍ لسرطان الثدي، احتاج الذين شاركوا في برنامجٍ لليقظة الذهنية Mindfulness والتثقيف عن الألم وتقنيات التنظيم الذاتي للألم يُسَمى ماي سيرجيكال سكسيس My Surgical Success إلى دواءٍ أفيوني بعد الجراحة فترةً أقصر بخمسة أيامٍ من مجموعة التحكم (الضابطة) Control group، ومن دون أن يشيروا إلى شعورهم بألم أشد.

في دراسةٍ أخرى عن علاجٍ نفسي يُسمى العلاج بإعادة معالجة الألم Pain Reprocessing Therapy (اختصاراً: العلاج PRT)، ويتضمن تَعَلُّمَ إعادةِ تصوُّر الألم على أنه غير مهددٍ، تلقى 50 شخصاً أربعةَ أسابيع من العلاج PRT وقورِنوا بالمجموعات التي أُعطيت إما علاجاً غُفلاً (وهميا) Placebo وإما رعايةً اعتياديةً. في نهاية التجربة تعافى 66 % ممَّن كانوا في مجموعة العلاج PRT من الألم بصورةٍ تامةٍ أو شبه تامةٍ، مقارنةً بـ 20 % في مجموعة العلاج الغُفل و10 % من أولئك الذين تلقوا الرعاية الاعتيادية. أظهرَتْ عمليات مسح الدماغ التي أُجريتْ قبل التجربة وبعدها استجاباتٍ منخفضةً انخفاضاً ملحوظاً في مسارات (سُبُل) الألم Pain pathways في الأشخاص في مجموعة العلاج PRT.

طوَّرْت دارنال برنامجها المُسمى إيمباورد ريليف Empowered Relief، والذي يتكون من جلسةٍ واحدةٍ مدتها ساعتان تشبه برنامج ماي سيرجيكال سَكْسيس. وفقاً لدراسةٍ أُجريتْ على 263 شخصاً يعانون آلام أسفل الظهر المزمنة، قد يكون هذا العلاج فعالاً فعاليةَ ثماني جلساتٍ مدة كل جلسةٍ ساعتان من العلاج السلوكي المعرفي Cognitive behavioural therapy، وهو علاجٌ نفسي مُثْبَتٌ للألم، وقدَّمَ تسكيناً أكبر للألم من جلسة تثقيفٍ صحي متضمنةٍ معلوماتٍ عن التغذية واستخدام الأدوية.

تقول دارنال: «ليستْ لدينا بياناتٌ واضحةٌ جداً عن الآلية حتى الآن»، لكنها تعتقد أنّ برامج التوعية بالألم هذه يمكن أن تساعد في الحالات التي لا تساعد فيها المواد الأفيونية في بعض الأحيان، لأنّها تزود الأشخاص بمجموعة مهاراتٍ لتهدئة الجهاز العصبي في مواجهة الألم والضغوط الأخرى. تقول: «لا تستطيع الأدوية وحدها فعل ذلك».

قوة العلاج الغُفل

يصف الدواء الغُفل Placebo علاجاً ليس له تأثيرٌ طبي فعلي، لكنّه يقدِّم فائدةً. وفقاً لبيث دارنال Beth Darnall من جامعة ستانفورد Stanford University في كاليفورنيا، فإن عالمية الألم وقابليته للتطويع تجعله نموذجاً مفيداً لدراسة الدواء الغُفل والغُفل الضار Nocebo، وهو التأثير المعاكس الذي يمكن أن تؤدي به المعتقدات السلبية إلى تفاقم تجربة الألم. يحاول الباحثون الاستفادة من تأثير الدواء الغُفل لتحسين علاجات الألم.

تقول دارنال: «دُرِسَ الدواء الغُفل دراسةً جيدةً في سياق الألم». اعتمدَتْ فعالية الدواء الغُفل تاريخياً على الخداع: يختبر الأشخاص فائدةً لأنّه قيل لهم إنّهم يتلقون علاجاً فعالاً. لكن في الآونة الأخيرة أظهرَتْ عديد من الدراسات أن «الأدوية الغُفل المفتوحة» – وهنا يُخْبَرَ الأشخاصُ صراحةً أن العلاج خاملٌ – يمكن أن تخفف الألم أيضاً.

من المثير للدهشة دراسةٌ نُشِرَتْ في مجلة ساينتيفيك ريبورت Scientific Reports في يناير تشير إلى أن الأدوية الغُفل يمكن أن تعمل حتى حين لا تُسْتَخْدَم. كان المشاركون الذين لديهم زيتٌ غُفلٌ قادرين على تحمل الألم الناتج عن الماء المثلج فترةً أطول من أولئك الذين لم يكن لديهم الزيت.

© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

بقلم ستيفاني ساذيرلاند

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى