أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ملف خاص

ما الألم، وكيف يعمل، وماذا يحدث حين تسوء الأمور؟

مع تزايُد عدد الأشخاص الذين يعانون الألم، أصبحنا في حاجةٍ ماسةٍ إلى فهمه لكننا ما زلنا نستكشف الآليات الغامضة المسبِّبة لهذه الظاهرة

سواءءٌ أكان نتيجةً عابرةً عن الاحتكاك بفرنٍ ساخنٍ أو نبضاناً طويل المدى من ساقٍ مكسورةٍ، فإن الألم يمنحنا تطوريةً للبقاء على قيد الحياة. من دونه، قد تحترق أنسجتنا وتتضرر من دون أن ننتبه. قد يكون شيئاً منقذاً للحياة، لكن ربما يكون أيضاً منهكاً إنهاكاً مأساوياً.

وهو مشكلةٌ متفاقمةٌ. يزداد متوسط العمر المتوقع، لكن تلك الأعوام الإضافية غالباً ما تكون مرتبطةً بصحةٍ مُعْتَلّةٍ. من بين جميع العلل الطبية فإنّ الأكثر شيوعاً هو الألم، وبصورةٍ خاصةٍ الألم المزمن الذي يستمرّ أكثر من ثلاثة أشهر (انظر: النظرُ إلى الألم المزمن بوصفه مرضاً بحدّ ذاته يقدّمُ علاجاتٍ أفضل). نحن نفتقر بشدةٍ إلى العلاجات الفعالة، وتلك التي لدينا تُسَبِّبُ مشكلاتٍ، وهو ما اتضح من وباء المواد الأفيونية Opioid epidemic الذي لا يزال يعصف بالولايات المتحدة، حيث ارتفع معدل الوفيات المرتبطة بالمواد الأفيونية بمقدار الثلث بين العامين 2020 و2021. الألمُ تحدٍّ صحي عالمي متزايدُ الصعوبة، ومن هنا تأتي الحاجة إلى فهمٍ أفضل للشعور بالألم وأسبابه وكيفية علاجه.

من اللافت للنظر أننا لم نسْتَطعْ تكوين صورةٍ واضحةٍ لكيفية ومكان تشكُّل الإحساس بالألم إلا في فترةٍ متأخرةٍ نسبياً. بصورةٍ أساسيةٍ، يُحَرَّضُ هذا الشعور بطريقةٍ مماثلةٍ لطريقة تحريض جميع سبل تواصلنا الحسي مع العالم من حولنا. تجمع مستقبلاتٌ Receptors موجودةٌ في نهايات العصبونات (الخلايا العصبية) Neurons الحسية المعلوماتِ من الجلد والعضلات والأعضاء والمفاصل وأي أجزاء أخرى من الجسم معرضةٍ لمنبهاتٍ حسيةٍ، مثل درجة الحرارة والاهتزاز والضغط. تمتد هذه العصبونات إلى عناقيد تُعْرَفُ باسم عقد الجذر الخلفي Dorsal root ganglia، والتي تنقل الإشارات إلى النخاع الشوكي spinal cord والدماغ Brain.

عندما تكون المنبهاتُ الحسية ذات نوعٍ ومقدارٍ معينَين، فإنها تنشط مستقبلاتٍ في نهاية نوعٍ معينٍ من العصبونات في هذه المجموعات، يُسمى مُسْتَقْبِلَات الألم Nociceptor، وتُسَجَّلُ الإشاراتُ على أنها ألمٌ. يُعْرَف هذا الجزء «المؤلم» من العملية باسم الإحساس بالألم Nociception، وهو كشفُ المنبهات المُزْعِجَة.

عُرِفَتْ الآليةُ الأساسية للإحساس بالألم منذ مطلع القرن التاسع عشر، لكنّ تحديد التفاصيل استغرق وقتاً أطول. فعلى سبيل المثال لم يُحَدَّد الجين TRPV1 الذي يُرمِّز البروتين TRPV1 الموجودَ في نهايات مستقبلات الألم والذي يجعل الخلايا حساسةً للسخونة من الحرارة ومن الفلفل، وذلك على يد ديفيد جوليوس David Julius وزملائه من جامعة كاليفورنيا University of California في سان فرانسيسكو. حققوا ذلك بتفعيل الجينات التي لا تكون عادةً نَشِطَةً في الخلايا التي لا تستجيب عادةً للكابسيسين Capsaicin – وهو المادة الكيميائية التي تجعل الفلفل «حاراً». اكتشفوا جيناً يجعل الخلايا حساسةً للكابسيسين ولدرجات الحرارة المرتفعة. وبهذا العمل، حصل جوليوس على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب للعام 2021 مناصفةً مع آرديم باتابوشين Ardem Patapoutian من معهد سكريبس للأبحاث Scripps Research في لا جولا La Jolla في كاليفورنيا California، الذي اكتشف البروتينات التي تحسّ باللمس.

مَثَّلَ تحديدُ الجين TRPV1 قطعةً ذاتَ شأن في مهمة حلّ أحجية الألم، إذ قدَّم أملاً في حَصْرِ Block البروتين لعلاج الألم. غير أنّ فهم المكون الذي ينقل الإشارة في السبيل إلى الدماغ – وحَصْرَه في النهاية – يمكن أن يوفر مزيداً من الوقاية العامة من الألم. في الواقع هذا أمرٌ طبيعي وإن كان نادر الحدوث.

في العام 2006، أشار جيف وودز Geoff Woods وزملاؤُه من جامعة كيمبريدج University of Cambridge إلى «عدم الحساسية الخَلْقية للألم» Congenital insensitivity to pain (اختصاراً: عدم الحساسية CIP)، والتي يُعتقَد أن واحداً فقط من بين كل مليون شخصٍ مصابٌ بها. أولئك الذين يعانون هذه الحالة لا يشعرون بأي ألمٍ على الإطلاق، ومن دون التحذير الرادع الذي يسببه، فإنهم في كثيرٍ من الأحيان لا يعيشون حتى مرحلة البلوغ. كان بعض أعضاء الفريق قد سافروا إلى باكستان لمقابلة صبي مصابٍ بعدم الحساسية CIP جَذَبَ الانتباه بعد الحوادث التي قيل فيها إنّه غرز السكاكين في جسده وسار على الجمر الساخن في استعراضاتٍ في الشارع. مات ميتةً مأساويةً بعد قفزةٍ من سطحٍ قبل وصول الباحثين. عندما درس الفريقُ الحمضَ النووي DNA لعائلة الصبي الممتدة، بمن في ذلك ستةُ أطفال آخرين مصابين بعدم الحساسية CIP، اكتشفوا أساس الحالة: طفرةٌ في جينٍ يُسَمى SCN9A يوفر تعليماتٍ لصنع قناة صوديوم على مستقبلات الألم التي يجعلُها تتفعل. وفي غياب الجين، لا تصل إشارات الألم إلى الدماغ أبداً.

هل ستكون الخطوة المقبلة ثورةً في المسكنات؟ ليت الأمر كان بهذه البساطة. بدءاً سيُعَرَّضُ حَصْرُ السُبُلِ التي تستخدمها إشارات الألم لعددٍ كبيرٍ من التأثيرات الجانبية الخطيرة والمميتة (انظر: علاجات الألم الجديدة التي قد تلغي الحاجة إلى المواد الأفيونية أخيراً). إضافة إلى ذلك، صرنا نفهم بصورةٍ أكبر أنّ الإحساس بالألم ليس الصورة الكاملة حين يتعلق الأمر بآلية الألم.

تجربة الألم دقيقةٌ، وتتضمن «شبكةَ الألم» – وهي عديد من مناطق الدماغ ذات النشاط الكهربائي المُنَسَّقِ. تقول بيث دارنال Beth Darnall، وهي اختصاصيةٌ في علم نَفْس الألم من جامعة ستانفورد Stanford University في كاليفورنيا: «نعلم أن الألم شديد التعقيد. إنّه تجربةٌ حسيةٌ مزعجةٌ، لكنّه ينطوي أيضاً على أبعاد عاطفية واجتماعية».

إضافةً إلى الإحساس بالألم الذي يُعلِمُنا بمكان الألم، هناك نظامٌ وجداني أو عاطفي في الدماغ، وهو أكثر تعقيداً وفهمُنا له أقل (انظر: لماذا يمكن أن تكون العواطف مؤلمةً جداً – وماذا يعني ذلك بالنسبة إلى مسكنات الألم). تقول دارنال: «السياقُ الذي نُحِسُّ فيه بالألم، والمعنى الذي ننسبه إليه، وأفكارُنا، وعواطفُنا، وجودةُ نومنا في الليلة السابقة – كل هذه الأشياء يمكن أن تكون ذات تأثيرٍ في تجربتنا للألم». لذا، فإن الألم الذي نختبره ليس بالضرورة انعكاساً موثوقاً للتهديد الذي يُمَثِّلُه.

هذا الرابط بين نوعية الحياة والألم يؤثِّر في الاتجاهين، إذ إنّ قياس أشياء مثل النوم والتحرُّك يمكن أن يفتح نافذةً على مستوى الألم الذي يعانيه شخصٌ ما وعلى كيفية علاجه (انظر: طرقٌ جديدةٌ لقياس الألم يمكن أن تساعدنا على توصيل مدى سوء الأمر فعلاً). في الواقع محاولةُ التعامل مع موقف الشخص تجاه الألم هو أحد التدخلات غير الدوائية المقبولة على نطاقٍ واسعٍ، لا سيما فيما يتعلق بالألم المُصْطَنَع Nociplastic pain (انظر: لقد بدأنا حالاً فهْمَ أسباب الألم المصْطَنَع). قد لا يكون هناك مهربٌ من الألم، لكن إذا كان فهمه فهماً أفضل يمكن أن يُضْعِفَ تأثيره، فهناك سببٌ وجيهٌ لنأمل خيراً.

هذه المقالة جزءٌ من مجموعة مقالاتٍ خاصةٍ عن الألم نستكشف فيها:

  • النظر إلى الألم المزمن بوصفه مرضاً بحدِّ ذاته يقدِّمُ علاجاتٍ أفضل
  • لقد بدأنا حالاً فهمَ أسباب الألم المصْطَنَع
  • علاجات الألم الجديدة التي قد تلغي الحاجة إلى المواد الأفيونية أخيراً
  • لماذا يمكن أن تكون العواطف مؤلمةً جداً – وماذا يعني ذلك بالنسبة إلى مسكنات الألم
  • طرُقاً جديدةً لقياس الألم يمكن أن تساعدنا على توصيل مدى سوء الأمر فعلاً.

© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

بقلم ستيفاني ساذيرلاند

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى