كيف تحدث التكنولوجيا ثورة في نظرتنا لمصر القديمة
بعد مرور قرن من الزمن على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، يسلط التصوير المقطعي والطابعات ثلاثية الأبعاد والواقع الافتراضي الضوءَ على عالم الفراعنة، وحياة عامة المصريين القدماء
قبل قرن من الزمن، وفي هذا الشهر تحديداً، فتح هوارد كارتر Howard Carter مقبرة الملك الصبي توت عنخ آمون؛ وبداخلها، وجد مجوهراتٍ مزخرفةً، وأثاثاً جميلاَ، وملابس راقية، وقناع الوجه الذهبي الشهير. كان كل شيء ملائماً لطقوس الدفن الملكية في أكثر الفترات ازدهاراً في تاريخ مصر القديمة، أو هكذا بدا الأمر تقريباً؛ فمختبئاً داخل أربطة المومياء، وجد كارتر خنجراً في غير محله.
اكتشف أن الخنجر الذهبي يحتوي على مستويات عالية من النيكل المرتبطة بالحديد النيزكي
لم تكن المشكلة في غمد الخنجر الذهبي، بل في نصله المصنوع من الحديد اللامع، وهو معدن لم يتعلم المصريون كيفية صهره سوى بعد قرون من وفاة توت عنخ آمون. وكان لدى كارتر تفسير بسيط؛ افترض أن الخنجر تم استيراده من الخارج، ربما من الإمبراطورية الحيثية القديمة Hittite Empire في الأناضول، حيث اشتهرت صناعة الحديد هناك في وقت مبكر. ولكن في 2016، تم إثبات أن قطعة الحديد تلك جاءت من أماكن أبعد من ذلك بكثير، حيث اكتشف أنه يحتوي على مستويات عالية من النيكل المرتبطة بالحديد النيزكي. لذا، بالنسبة إلى المصريين الذين أخفوا الخنجر بالقرب من جسد ملكهم، كانت تلك القطعة هدية من الآلهة.
أما ما يجعل هذا الاكتشاف يحظى بأهمية كبيرة فهو الطريقة التي تم بها، حيث تم إجراء تحليل بالأشعة السينية دون إتلاف الخنجر؛ كان لذلك دلالة على نهج جديد في علم المصريات الذي يشجع على الحفاظ لا التدمير. سواء كان الأمر متعلقاً بدراسة المومياوات دون فك أربطتها أم إعادة صنع مناظر طبيعية افتراضية كما كانت منذ آلاف السنين، يمكننا الآن اكتشاف أمورٍ بالكاد كان كارتر يحلم بها، مع الحفاظ على القطع الأثرية سليمة للأجيال القادمة.
إن مسح المومياوات ضوئياً ليست بالتقنية الحديثة؛ فقد تم اكتشاف الأشعة السينية في عام 1895، وبعد بضع سنوات في عام 1903، حمل كارتر جثة الفرعون تحتمس الرابع البالغة من العمر 3300 عام خارج المتحف المصري بالقاهرة ونقلها بعربه تجرها الخيول إلى مستشفى قريب تستخدم تلك التكنولوجيا الجديدة. ولكن العقود الأخيرة شهدت تغييرات جذرية في طريقة استخدام علماء الآثار للأشعة السينية، ويرجع ذلك بنسبة كبيرة إلى أنه صار من السهل بكثير الآن الحصول على أجهزة التصوير المقطعي المحوسب CT scanners عالية الدقة، والتي تطلق الأشعة السينية من زوايا متعددة فتخلق صورة ثلاثية الأبعاد للبنية الداخلية للشيء.
في عام 2021، فكّ زاهي حواس، وزير الآثار المصري السابق، وسحر سليم من جامعة القاهرة »لفائف مومياء أمنحتب الأول رقمياً«، وهو فرعون مصري حكم قبل توت عنخ آمون بقرنين من الزمن أي نحو 1500 سنة قبل الميلاد. وكان تابوت الملك قد تعرض للنهب في العصور القديمة، لكن بعد عدة أجيال، أنقذ الكهنةُ الجسدَ وأعادوا دفن الجثة وحفظها، واكتشف في أواخر القرن التاسع عشر محفوظ بعناية داخل تابوت يحتوي أيضاً على أكاليل من الأزهار.
أظهرت فحوصات التصوير المقطعي المحوسب CT scans التي أجراها زاهي حواس وسحر سليم أن المومياء قد تم ترميمها بعناية، كما كشفوا عن وجود 30 قطعة من الذهب والكوارتز والمجوهرات الفخارية، بأشكال مختلفة منها خنفساء الجعران وصدفة الحلزون ورأس الثعبان، إضافة إلى حزام مكون من 34 خرزة ذهبية.
عندما حلّل كارتر وفريقه مومياء توت عنخ آمون عام 1925، فككوها إلى قطع من أجل اكتشاف محتوياتها، بما في ذلك خنجر الحديد الذي وضع بجانبها. ويقول حواس: «يمكننا الآن أن نريك الوجه، والتمائم الذهبية التي وجدناها بالداخل دون أن نلمس المومياء«.
بالطبع لن يستطيع الفحص الافتراضي توليد الشعور بالرهبة نفسه الذي ينتابك عند رؤية شيء عريق وجهاً لوجه، لكن العديد من الباحثين الآن يقطعون خطوات لما هو أبعد من التخيل: استخدام بيانات المسح الرقمي digital scanning data لإعادة صنع الأشياء المادية بتفاصيل رائعة بواسطة طابعات ثلاثية الأبعاد 3D printers. وتستخدم تلك التقنية أحياناً لإشراك الجمهور؛ على سبيل المثال، عندما وجدوا أن مومياء توت عنخ آمون هشة بما لا يسمح لها بأن تسافر للمشاركة في المعرض الدولي المتجول في عام 2010، طبع القيمون نسخة واقعية.
يمكن أن يسهم صنع نسخ مماثلة لأجزاء الجسم التي يتعذر الوصول إليها في الدراسات العلمية. عام 2018، طبع الباحثون قلب مومياء لفهم كيف تعامل معها المحنطون. وفي العام الماضي، أنتج علماء المصريات في مانشستر بالمملكة المتحدة مطبوعات ثلاثية الأبعاد لعظام تم مسحها ضوئياً للتعرف على أنواع Species مومياوات الحيوانات المصرية القديمة.
استخدم كامبل برايس Campbell Price، أمين مصر والسودان في متحف مانشستر، تلك التقنية لإعادة صنع المزيد من العناصر المخفية عن الأنظار، مثل جماجم التمساح الأربعة الموجودة داخل مومياء واحدة. حتى أنه أعاد إنتاج لوحة التحنيط المستخدمة لتغطية الشق الذي تم إحداثه أثناء عملية التحنيط؛ مما كشف عن سطح مزين بعين حورس؛ رمز مصري قديم للحماية. يقول برايس: «ربما لن تتمكن أبداً من رؤية أو التعامل مع هذه الأشياء؛ لكنك تستطيع الآن باستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد«.
يقول إنريكو فيراريس Enrico Ferraris، عالم مصريات وأمين المتحف المصري في تورين بإيطاليا، إن بوسع التكنولوجيا الحديثة أيضاً تغيير طريقة رؤيتنا للحياة في مصر القديمة. كما أضاف أنه قد جرت العادة على أن يركز الخبراء على النصوص، «في العادة، كانوا يولون أهمية أكبر لما هو مكتوب على الشيء وليس لما هو مصنوع منه«. وقد سلط هذا النهجُ الضوءَ على المعتقدات الدينية المصرية: «الخلود، المومياوات، الموت وما إلى ذلك«. كما يجادل في أن العلم الحديث يستطيع تقديم نظرة إنسانية أكثر واقعية حول هذه الحضارة القديمة، مثل تقنيات التصنيع أو كيفية عمل الحرفيين.
ويدعو فيراريس العلماءَ حول العالم إلى استخدام تقنيات مثل مطياف الكتلة mass spectrometry والأشعة السينية الفلورية X-ray fluorescence لإعادة فحص مئات العناصر المكتشفة عام 1906 داخل مقبره تبلغ من العمر 3400 عام لرئيس عمال رفيع المستوى، يدعى خا Kha وزوجته ميريت Merit، تقع المقبرة بالقرب من الأقصر في جنوب مصر. وكشفت تحاليل الفريق لأحد الصناديق المطلية بالمقبرة عن أن الفنان قد استخدم نوعين من الأحبار السوداء، أحدهما لملء مساحات أكبر وواحد من أجل اللمسات الأخيرة، مثل النقاط واللمسات. ويرى فيراريس أن مثل هذه النتائج هي «بداية لفصل جديد في علم المصريات».
مناظر طبيعية افتراضية
إضافة ذلك، فإن استخدام التقنيات الرقمية لا يمكن علماء المصريات من إعادة صنع القبور والمصنوعات اليدوية افتراضياً فقط، بل وصنع مناظر طبيعية كاملة. أما إيلين سوليفان Eliane Sullivan من جامعة كاليفورنيا بسانتا كروز من خلال مشروع يسمى إعادة بناء المقدسات Constructing the Sacred؛ فتجمع البيانات من المصادر بما في ذلك الحفريات وصور الأقمار الاصطناعية والخرائط الطبوغرافية لإنتاج نموذج ثلاثي الأبعاد عبر الزمن لسقارة، وهي مقبرة قديمة مترامية الأطراف جنوب القاهرة. تقول سوليفان إن هذه هي الطريقة المثالية لرصد الطبيعة المتغيرة للموقع على مدار تاريخ مصر.
تحولت المقبرة من قبور مصنوعة من الطوب اللبن متناثرة على حافة الصحراء في عهد الأسرة الأولى، أي نحو 3000 سنة قبل الميلاد، إلى مشهد طقسي ضخم ممتلئ بالأهرامات والمعابد والمقابر التي استمرت حتى العصر الروماني، أي قبل نحو 2000 عام. وتقول سوليفان: «لا أعتقد أنه يوجد شخص لديه دماغ متطور بما يكفي لوصف المئات من المباني المختلفة وإعطائك صورة ذهنية مناسبة»، لكن تقنية إعادة صنع المشاهد بالطابعة ثلاثية الأبعاد تُمكنا من «السفر عبر الزمن افتراضياً»، كما تضيف أن المشاهدين سيستطيعون تجربة الشكل الذي كان يبدو عليه الموقع في أوقات مختلفة في التاريخ.
يتيح النموذج لسوليفان أيضاً اختبار أفكار جديدة، مثل خطوط الرؤية. وتجادل سوليفان في إحدى النقاط المهمة التي لم يلتفت إليها في السابق بخصوص المكان الذي وضع فيه الناس قبورهم، فقد كانت لديهم الرغبة في رؤية الآثار المهمة لهم باستمرار، مثل الأهرامات أو معبد بتاح – إله مصري – في ممفيس القريبة. وتتنبأ سوليفان بأن مثل هذه المناظر الطبيعية الافتراضية ستكون أكثر واقعية مع تطور التكنولوجيا. ويعمل الباحثون بالفعل على إعادة صنع الأصوات والروائح وتأثيرات الإضاءة، في حين يعرض سوليفان وآخرون الصور ثلاثية الأبعاد الخاصة بواسطة نظارات الواقع الافتراضي أو الواقع المعزز VR and AR.
قبل قرن من الزمن، خزّن علماء المصريات العديد من الكنوز التي اكتشفها كارتر وأقرانه داخل صناديق المتاحف، ويحلم هؤلاء العلماء حالياً بصنع عوالم افتراضية تمكنا من التجول في الشوارع القديمة، وشم رائحة البخور داخل المعابد الكبرى، والشعور بالرجفة داخل المقابر الباردة.
ومع ذلك، يشعر بعض المتخصصين بالقلق من أخذ العلم إلى ذلك الحد، على سبيل المثال، إحدى المشكلات المهمة: تصوير الرفات البشرية القديمة وأخذ عينات منها للبحث عن أدلة على الأمراض أو سبب الوفاة. فبعض التقنيات مثل التصوير بالأشعة السينية والأشعة المقطعية واختبارات الحمض النووي أدت إلى إنتاج الأفلام الوثائقية التلفزيونية والكتب الأكثر مبيعاً لكن العديد من العلماء أعربوا عن شكوكهم في النتائج.
علماء المصريات، بمن فيهم برايس، متشككون في الأمر أيضاً. يقول برايس: «يعتقد الناس أن الأمر كالعصا السحرية، ستلوح بالعلم وفجأة، ستعرف كل شيء عن المومياوات» ومع ذلك، فمن الناحية العملية، فإن البقايا الهشة التي تبلغ من العمر آلاف السنين وصمدت أمام عمليات التحنيط العنيفة يصعب تفسيرها أكثر مما لو كنا نتعامل مع الأشخاص الأحياء. يتذكر برايس الجدال القائم بين الأطباء وعلماء الآثار بمتحف مانشستر عند فحص المومياوات بالأشعة المقطعية في مستشفى أطفال محلي. يقول: «لم يتمكنوا من تحديد ما كانوا يرونه أمامهم بالضبط».
هناك أيضاً السؤال الأخلاقي حول كيفية تقديم نتائج عمليات الفحص إلى الجمهور أو تقديمها من الأساس؛ فعلى ما يبدو لن يكون الأفراد القدامى مرتاحين لمشاركة تلك المعلومات؛ فالكتابة الهيروغليفية والصور تشير إلى أنهم أرادوا أن يتم تذكُّرهم كبشر في منزلة الآلهة، وليس كمرضى عاجزين. لهذه الأسباب، فإن معرض المومياوات الذهبية المصرية القادم في المتحف البريطاني، والذي سيأخذنا في جولة حول المعتقدات المصرية القديمة عن الحياة الآخرة، «لن يعرض أي أشعة مقطعية»، على حد قوله، «نحن نعمل بجد على تعديل المعلومات».
يركز باحث آخر، وهو عالم المصريات المستقل نيكولاس ريفز Nicholas Reeves، مؤلف كتاب توت عنخ آمون بالكامل The Complete Tutankhamun، على كل من إمكانات وحدود التكنولوجيا الحديثة. درس نيكولاس عمليات إعادة البناء الافتراضية للجدران المطلية لغرفة دفن توت عنخ آمون، والتي أعدت باستخدام المسح بالليزر والصور الرقمية من شركة فاكتوم آرتي Factum Arte للحفاظ على الفنون. ويقول ريفز: «إنه أمر رائع؛ لا يهم كم يبلغ ارتفاعها على الحائط، تستطيع رؤية كل لمسة من الفرشاة. يمكنك الحصول على رؤية أفضل وأنت جالس على مكتبك أكثر مما لو رأيتها وجهاً لوجه».
أستطاع ريفز التعرف على شقوق غير مرئية سابقاً في جدران المقبرة، مما أوحى له بوجود ممرات مخفية، كما خلص إلى أن العديد من الصور المرسومة لجنازة توت عنخ آمون قد تم تغييرها؛ يعتقد أنها في الأصل أظهرت توت عنخ آمون أثناء دفن ملكة مصرية سابقة، الملكة نفرتيتي. ولكن في عام 2015، اقترح ريفز فرضية مثيرة: أنه بجانب مقبرة توت عنخ آمون الصغيرة نسبياً والمكونة من أربع غرف يوجد على الأقل غرفة واحدة أخرى، مقبرة نفرتيتي نفسها. بعبارة أخرى، ربما لا يكون اكتشاف كارتر المذهل قبل قرن من الزمن هو كل شيء: قد تكون هناك مقبرة ملكية أخرى، أكثر ثراءً بانتظار العثور عليها.
لكن لا يعني ذلك أن ريفز يعتقد أن التركيز الشديد على الأساليب العلمية خالي من التحديات. منذ عام 2015، فحصت عدة فرق جدران مقبرة توت عنخ آمون باستخدام الرادار المخترق للأرض Ground-penetrating radar والذي يستخدم نبضات الرادار لتصوير الأجسام المدفونة. ومع ذلك، كان اكتشاف الغرف المحفورة بعمق داخل الصخور أمر صعب جداً. لم يتمكن الباحثون من الاتفاق على طريقة لتفسير البيانات؛ ومن دون أدلة واضحة، رفض معظم العلماء فكرة نفرتيتي.
لكن ريفز يجادل في أنه لا ينبغي أن تعلو كلمة العلم على علم المصريات. «نحن نفترض تلقائياً أنه الدليل القاطع، لكن لا يمكن تجاهل الأدلة الأثرية». في سبتمبر، أبلغ ريفز عن دليل آخر من اللوحات الجدارية: لقد تم تغيير بعض الكتابات الهيروغليفية في العصور القديمة. على الرغم من أن الكتابات الآن تصور دفن توت عنخ آمون على يد خلفيته، آي، إلا أنهم وجدوا الملك الصبي نفسه وهو يدفن شخصاً آخر في هذه المقبرة ذاتها.
يعتقد ريفز أنه يمكن اختبار فرضيته عن طريق حفر ثقب صغير في أحد جدران المقبرة واستخدام كاميرا صغيرة للتحقيق في الأمر، لكن هل سيحظى بموافقة السلطات؟ لا يزال ذلك السؤال مطروحاً.
على الرغم من الجدال الساخن، ومع تقدم التكنولوجيا طوال الوقت، يرى بعض الباحثين أن البيانات التي تم جمعها باستخدام أدوات علمية غير باضعة Non-invasive قيِّمة جداً في حالة تلف الاكتشافات الأثرية. يقول فيراريس أن «مثل هذه الآثار هي مواد هشّة» في نهاية الأمر، وهذا يعني أن الرفات مُعرَّض دائماً لخطر الكوارث مثل الفيضانات أو الحرائق أو النهب.
يقول فيراريس: «علينا أن نفعل كل شيء للحفاظ على هذه الأشياء، ولكن على الأرجح هذا ليس هو الهدف النهائي». إن المعلومات الرقمية بمجرد التقاطها، غير قابلة للمحو، وهذا «نوع من الضمان» يمكن دراسته وتقديره في المستقبل بغض النظر عما يحدث للأشياء نفسها. «الهدف النهائي هو المعرفة». ربما سيوافق كارتر، الذي أمضى عشر سنوات في تسجيل العناصر التي وجدها في مقبرة توت عنخ آمون بدقة، على هذا الرأي.
كيف مات توت عنخ آمون؟
قليلة هي الشخصيات التاريخية التي حضيت بأبحاث شاملة ونهمة مثل شخصية توت عنخ آمون.
في نوفمبر 1925 فكّ عالم التشريح دوغلاس ديري Douglas Derry أربطة المومياء وأزال الضمادات المتفحمة والمفتتة، وقطع الجسد لنزع مجوهراته وكشط القطع من نعشها الذهبي بسكاكين ساخنة. وخلص ديري إلى أن الفرعون قد مات في سن صغيرة، عندما كان في 18 عاماً من العمر تقريباً، كان لديه رأس كبير، وجرح على خده الأيسر وليس هناك سبب واضح للوفاة.
لا تزال هذه النتائج هي كل ما يمكننا تأكيده. في عام 1968، صوّر عالم التشريح رونالد هاريسون Ronald Harrison – من جامعة ليفربول بالمملكة المتحدة – المومياء بالأشعة السينية من أجل فيلم وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية BBC. وحينها رأى ترققاً في قاعدة الجمجمة، «ربما» نتج من ضربة في مؤخرة الرأس، وهو اكتشاف أدى إلى ظهور العديد من نظريات القتل، ولكن تبين في النهاية أنه نتيجة عملية التصوير.
في عام 2005، رعت ناشيونال جيوغرافيك فريق بقيادة عالم الآثار والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، زاهي حواس، لإجراء مسح مقطعي للمومياوات الملكية في مصر، بما في ذلك توت عنخ آمون. وخلص الفريق بعد فحص الصور ثلاثية الأبعاد الناتجة إلى أن عظم الفخذ الأيسر للملك كان قد كسر، واقترح أنه سقط في حادث عربة. بعد ذلك، حاول حواس وفريقه – تحت رعاية شركة ديسكفري الإعلامية المنافسة لناشيونال جيوغرافيك – استخلاص الحمض النووي القديم من العظام. في عام 2010، أفادوا أن توت عنخ آمون مصاب بالملاريا وأن والديه كانا أشقاء. وأعادوا تحليل فحوصات التصوير المقطعي، وحددوا أنه مصاب بحنف القدم Clubfoot، وأعادوا تقديم الملك الصبي على أنه مريض بالفطرة وعاجز.
ألهمت هذه الدراسات المزيد من الأفلام الوثائقية التلفزيونية، ولكن علماء آخرين انتقدوها ممن جادلوا في أن نتائج الحمض النووي تلك قد تكون بسبب التلوث وأن التصوير المقطعي المحوسب CT scans لا يستطيع التمييز بين الإصابات أو الأمراض التي حدثت قبل الوفاة والأضرار التي حدثت منذ ذلك الحين. فذلك لم يضع حداً للتكهنات: تتضمن النظريات الحديثة أن توت عنخ آمون كان مصاباً بالصرع أو سقط من فوق فرس النهر.
© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.
بقلم جو مارشينت