كيف تعايشت العديد من الديناصورات العملاقة آكلة اللحوم في العصر الجوراسي مع بعضها بعضا؟
كان هناك نوع واحد من الديناصورات الكبيرة اللاحمة يحتاج إلى الكثير من اللحم ليتغذى، فكيف نجا العديد منها جنبا إلى جنب في العصرين الجوراسي والطباشيري دون أن تتضور جوعا؟ ربما وصلنا أخيرا إلى الجواب
من بين كل «السحالي الرهيبة»، لم يكن هناك شيء عجيب ومهيب مثل السبينوصور Spinosaurus. يمكن أن يصل طول هذا اللاحم ذي الخطم الشبيه بخطم التمساح إلى 14 مترا وأن يزن أكثر من 7 أطنان. فهذه الإحصاءات الحيوية تضعه في سباق أكبر لاحم بري على الأرض في كل العصور. حتى أن هذا الديناصور حصل على دور البطولة باعتباره الشرير المركزي في فيلم «الحديقة الجوراسية 3» Jurassic Park III عام 2001، مما أثار نقاشات لا نهاية لها على الإنترنت حول من سيفوز فعلا في صراع بالأسنان بين هذا الزاحف ذي الظهر المُدعّم بالأشواك والتيرانوصور Tyrannosaurus.
عاش السبينوصور في شمال إفريقيا قبل نحو 100 مليون عام، في حين كان التيرانوصور يجول أمريكا الشمالية قبل نحو 66 إلى 68 مليون عام
في الواقع، يستحيل أن تكون هذه المعركة قد حدثتْ: عاش السبينوصور في شمال إفريقيا قبل نحو 100 مليون عام، في حين كان التيرانوصور يجول أمريكا الشمالية قبل نحو 66 إلى 68 مليون عام. ولكن هذا لا يعني أن المواجهات بين الديناصورات الهائلة اللاحمة لم تحدث. مع أنّه قد يكون من الصعب تخيّل العديد من المُفْترسات التي تزن العديد من الأطنان تتعايش في الموئل Habitat نفسه، إلّا أنّ تشارك هذه الأراضي كان شائعا في العصرين الجيولوجيين الجوراسي والطباشيري. فالسؤال الذي يواجه الباليونتولوجيون هو: كيف أمكن للعديد من اللواحم العملاقة أن تتقاسم نظاما إيكولوجيا Ecosystem واحدا بينها؟
إنّنا نقترب الآن من إجابة. أمضى الباليونتولوجيون عقودا يجمعون المعلومات عن الحياة اليومية للديناصورات مثل السبينوصور والتيرانوصور، متتبعين كل شيء من النظام الغذائي إلى نمو هذه الوحوش الشهيرة. بعد أن بدأ الباحثون يكْسون باللحم عظام هذه اللواحم الضخمة ويتصورون الأدوار التي أدّتها في بيئتها القديمة، اتضح شيء ما: ربما أخطأنا في فهم طريقة عيشها وصيدها بصورة جوهرية.
لأكثر من قرن بعد وضع كلمة «ديناصور» عام 1842، لم يتساءل أحد فعلا عن سبب نمو نسخ عملاقة من هذه اللواحم – المعروفة بالميغاثيروبودات (ميغاثيرابودات) Megatheropods – إلى هذه الأحجام المخيفة: سبب ذلك هو ببساطة أنّ عالم الديناصورات كان أكبر. وكان من الواضح حتى في القرن التاسع عشر أن بعض الديناصورات العاشبة صارتْ ضخمة بصورة مهولة. بدا أنّ فريسة بهذا الحجم تتطلب وجود مفترس هائل. فقد تطورت الميغاثيروبودات لتصطاد العواشب العملاقة Megaherbivores.
لكن كون الحيوانات ضخمة لم يكن بالأمر السهل. ففي الأعوام الأخيرة، اعتبر البعض أن نظاما إيكولوجيا قديما كان موجودا في شمال إفريقيا قبل نحو 100 مليون عام هو المثالُ الأكثر وضوحا على مدى غرابة موائل الديناصورات. لأعوام، كان النظامُ الإيكولوجي – المعروف بــ كمكم Kim Kim – الذي نُقّب عنه في المغرب يكشف عن نفسه بسيل مستمر من الأحافير. في بحث منشور عام 2020، حاول نزار إبراهيم Nizar Ibrahim من جامعة بورتسموث University of Portsmouth في المملكة المتحدة وزملاؤُه فهم الأدلة التي عُثر عليها هناك حتى ذلك الوقت. وخلصوا إلى أن مجتمع الحيوانات كان مذهلا. من بين الديناصورات المفترسة، كان هناك السبينوصور الذي يبلغ طوله 14 مترا، والكاركارودونتوصور Carcharodontosaurus بطول 12 مترا والدلتادروميوس Deltadromeus بطول 8 أمتار – إلى جانب ميغاثيروبودا لم يُسمَّ بعد، صُنّف أبليصورا Abelisaur وبلغ طوله 5 أمتار على الأقل.
ربما كانتْ الديناصورات المُفترسة الكبيرةُ ذات شهية عالية، وذلك من دون شك لكي تغذي أجسامها ذات الدم الحار Warm-blooded body. في الواقع، إذا كانتْ الحيوانات المفترسة الحديثة دليلا، فمن المحتمل أن كلّ ميغاثيروبودا في كمكم يكان يهضم عدة أطنان من الطعام كل عام، ومن ثمّ كان البحث عن الفريسة يشغل بالتأكيد الكثير من وقته – ربما خلق هذا مشهدا مخيفا بالنسبة إلى أنواع الفرائس. وقال إبراهيم حين نُشر البحثُ: «يمكن القول إن هذا كان أخطر مكان في تاريخ كوكب الأرض».
ديناصورات آكلة للسمك
ومع ذلك، يبدو أيضا أنّه كان أحد أكثر المواضيع إثارة للحيرة. ذلك لأنّ فريق إبراهيم خلص إلى أن كمكم احتوى على عدد قليل جدا من الديناصورات العاشبة العملاقة التي يمكن للميغاثيروبودا أكلها. لم لمْ تتضور المُفْترسات؟ بالنسبة إلى فريق إبراهيم، فإن الإجابة موجودة في الممرات المائية العديدة التي كانت تعبر كمكم. اقترح الفريق أن الأسماك، لا الديناصورات الضحمة آكلة النباتات، هي التي غذّتْ اللواحم الموجودة هناك.
في نظر العديد من الباحثين، من المؤكد أنّ سبيناصور يبدو كآكل سمك – إلّا أنّه لم يُحدد ما إذا كان كاركارودونتوصور ودلتادروميوس يصطادان الأسماك أيضا. من غير الواضح أيضا كيف أمكن لهذا المفترسات العملاقة المتنوعة العثور على ما يكفي من الفرائس المائية لتأكلها، حتى حين يوضع في الاعتبار واقع وجود بعض الأسماك في كمكم المعروف أنها نمت إلى 4 أمتار طولا.
بينما يواصل إبراهيم وزملاؤه استقصاء هذه الأسئلة، ينبّه آخرون لأننا ما زلنا غير متأكدين من وجود هذا النظام الإيكولوجي المقترح الذي يعتمد على الأسماك والممتلئ بالمفترسين.
من المهم أن ندرك أن تسلسل الصخور الذي يوجد فيه نظام إيكولوجي لعصور ما قبل التاريخ يمتد غالبا على مساحة جغرافية شاسعة ويمثّل ملايين الأعوام. ومن دون سجلات مفصّلة للمكان المُحدد الذي عُثر فيه على أحافير ديناصور معين في تسلسل الصخور تصعب معرفةُ الأنواع Species التي عايشها على وجه اليقين. تعوزنا غالبا هذه الملاحظات العلمية في ديناصورات كمكم.
قد يكون من الصعب على الباحثين العمل في صخور كمكم نظرا لوجودها جزئيا في الصحراء الكبرى. في الواقع، اكتشف العديد من الأحافير في المنطقة أفراد من الجالية المحلية. وينتهي الأمر ببعض العينات إلى تغذية تجارة الأحافير المحلية الرائجة (والقانونية) – وينتهي بعضها الآخر في السوق السوداء غير القانونية. في كلتا الحالتين، غالبا ما تضيع المعلومات الجيولوجية الدقيقة التي يحتاج إليها الباليونتولوجيون لفهم إيكولوجية كمكم.
آثار أقدام أحفورية
وقد دفع هذا بعض الباليونتولوجيين إلى الظنّ أن غزارة اللواحم في كمكم مبالغ في تقديرها. تقول كاتلين شرودر Katlin Schroeder من جامعة نيو مكسيكو University of New Mexico: «لا تعكس أحافير كمكم التنوع الفعلي الكامل للمنطقة». وتعتقد أن اعتبار ما عُثر عليه حتى الآن صورة كاملة للنظام الإيكولوجي القديم «فدقة تمثيل التنوع الإيكولوجي كهذا هي بمثل دقة تقديم تصور للإتجاهات الغذائية لحي سكني بكامله بناء على استفتاء حول اللحوم أُجري في مطعم للستيك».
وتلقي آثار أقدام متأحفرة في الصخور لأقدام ديناصورات بظلال الشك على الرؤى التي تتصور مكانا تكتظ فيه اللواحم. مع أنّ الآثار الأقدام الأحفورية ليست مدهشة كالهيكل العظمي لميغاثيرابود (وحشي الأقدام) عملاق، إلّا أنّها يمكن أن تخبرنا معلومات بيئية أكثر. والسبب هو أن آثار الأقدام في مكانها تبقى في مكانها، أمّا العظام والأسنان فيمكن أن تحملها الأنهار أو الفيضانات فتتأحفر بعيدا عن المكان الذي عاش فيه الحيوان الذي خلّفها. بعبارة أخرى، آثارُ الأقدام «مرتبطة بالنظام الإيكولوجي»، وذلك وفقا لماتيو بيلفيدير Matteo Belvedere من جامعة فلورنسا University of Florence بإيطاليا.
إذا كانت هذه البيئة القديمة مملوءة باللواحم الضخمة التي تحشو نفسها بالأسماك، فيجب أن ينعكس ذلك في السجل الأحفوري لآثار الأقدام. لكنّ الأمر ليس كذلك. يبدو أن معظم الآثار الموجودة في كمكم تركتها ميغاثيرابودات متوسطة الحجم، أمّا آثار الأقدام التي خلفتها الميغاثيروبودات؛ فنادرة.
يقول بيلفيدير: «رأيي الشخصي هو أن سجل عظام كمكم يعاني بعض التحيز». ويقول إنّ الأحافير العظمية قد تسجّل في الواقع مجموعة متنوعة من البيئات ومجتمعات الديناصورات المختلفة التي كانت موجودة في بقاع مختلفة. فخلاصة القول: بعد كلّ هذا، ربما لم يعجّ أخطرُ مكان على وجه الأرض باللواحم الجائعة.
لكن، إن كان هذا هو الأمر، فقد يكون كمكم الجيولوجي تشكيلا غير اعتيادي – لأننا نعلم على وجه اليقين أن أنظمة إيكولوجية جوراسية وطباشيرية أخرى احتوت في الواقع على العديد من الميغاثيروبودات التي عاشتْ مع بعضها بعضا. وإضافة إلى ذلك، بدراستنا لهذه الأنظمة الإيكولوجية القديمة الأخرى، فإننا نقترب من فهم كيف تعايشت الأنواع المختلفة حادة الأسنان مع بعضها بعضا.
خذ السهول الفيضية المغطاة بالسرخس في غرب أمريكا الشمالية في أواخر العصر الجوراسي، قبل نحو 150 مليون عام. هذه البيئة محفوظة الآن في مجموعة من الصخور تُعْرفُ بتكوين موريسون Morrison Formation – وللتبسيط، سُمّي موضع الديناصورات في ذلك الوقت بالاسم نفسه. يقول جوزيف بيترسون Joseph Peterson من جامعة ويسكونسن أوشكوش University of Wisconsin Oshkosh: «لا يوجد مكان على الأرض حاليا يمكن أن يمثّل بصورة جيدة نموذجا إيكولوجيا لتكوين موريسون».
في رحلة سفاري عبر هذا الركن من العالم الجوراسي، قد تصادف حيوانات عاشبة (آكلة للنبات) تنافس في حجمها حجم الحيوانات الضخمة Megafauna الحديثة – مثل ميمورابيلتا Mymoorapelta المغطى بالدروع البالغ طوله ثلاثة أمتار، أو ستيغوصور Stegosaurus البالغ طوله سبعة أمتار. ولكنها بعيدة كل البعد عن أكبر الوحوش التي قد تصادفك. فتكوين موريسون كان أيضا موطنا لمجموعة متنوعة من سحليات الأرجل Sauropod الهائلة جدا. تضمنت هذه الديناصوراتُ طويلةُ العنق آكلةُ النباتات ديناصور الأباتوصور Apatosaurus، والكاماراصور Camarasaurus، والديبلودوكس Diplodocus والبراكيوصور Brachiosaurus. كان من الممكن أن يصل طول العديد منها إلى 20 مترا أو أكثر، وكان بعضها يزن 35 طنا أو أكثر – مثل وزن الحوت الأحدب.
وهناك أيضا ميغاثيروبودات. نما سيراتوصور Ceratosaurus ذو القرون الثلاثة إلى طول يزيد على سبعة أمتار. أمّا الألوصور Allosaurus ؛ فبلغ متوسط طوله نحو ثمانية أمتار؛ حتى أنّ بعض العينات الاستثنائية نمت أطول من ذلك بمترين. أخيرا، كان هناك التورفوصور Torvosaurus الذي بلغ طوله عشرة أمتار، وهو مفترس ذو جمجمة طويلة وأسنان كالشفرة. وكانت هذه الزواحف من أوائل ما شهدته الأرض من اللواحم التي كانت عملاقة فعلا – وهناك ثقة أكبر بكثير في أنها تعايشتْ مع بعضها بعضا لأن لدى الباحثين معلومات جيولوجية دقيقة تمكنهم من إعادة بناء مجتمعات تكوين موريسون القديمة.
من بين مجموعة آكلات اللحوم، فإن الألوصور هو الذي يعثر عليه الباليونتولوجيون في أغلب الأحيان. يوجد في تشكيل موريسون محجر كليفلاند-لويد لأحافير الديناصورات Cleveland-Lloyd Dinosaur Quarry وسط يوتا Utah، حيث يُجري بيترسون بحثا ميدانيا. عُثر هناك على بقايا 46 ألوصور على الأقل – ومن المحتمل أن يصل العدد الإجمالي إلى المئات.
يبدو أن ميغاثيرابودات في تكوين موريسون كانت شائعة حتى ولو تجاهلنا الوفرة المذهلة من الأحافير في هذا المحجر من المعادلة. قدّر تحليل للأنظمة الإيكولوجية للديناصورات، نشره في وقت سابق عام 2022 جيمس فارلو James Farlow من جامعة بوردو Purdue University في ولاية إنديانا Indiana وزملاؤه، أن هناك ميغاثيرابود واحد مقابل كلّ خمسة عواشب عملاقة. في الواقع، كان عددها كبيرا لدرجة أنّه بدا أنه لن يكون هناك ما يكفي من اللحوم إلّا إن كانت اللواحم عشوائية فيما تأكله بصورة شبه تامة. ومع ذلك، تشير اختلافات تشريحية دقيقة بين الميغاثيرابودات إلى أنها كانت تفضل مجموعة متنوعة من الفرائس. فلا تزال طبيعة هذه التفضيلات محل نقاش، لكن الباحثين بدأوا محاولة الإجابة عن السؤال الأعم: كيف يمكن لكل صياد حاد الأسنان أن يجد ما يكفي لتناوله هنا؟
في عام 2021، اقترح عالما أحياء إجابة جزئية. استخدموا محاكاة حاسوبية للنظام الإيكولوجي لاستكشاف تكوين موريسون، واستنتجوا أن معدل الوفيات الطبيعي للصوروبودات كان مرتفعا بما يكفي لتأمين إمداد شبه دائم من اللحوم المتعفنة حولها. وأشاروا إلى أنّه ربما تمكن واحد على الأقل من الميغاثيرابودات، ربما الألوصور، من النجاة بصورة أو بأخرى بكونه قمّاما Scavenger محضا – مثل نسر عملاق لا يطير ويتنقل بين وجبات مجانية. ومن شأن هذا أن يقلل المنافسة.
إضافة إلى ذلك، افتراضُ أنّ الميغاثيرابودات لم تكن توجّه نظرها وتملأ معدتها إلا بأكبر الحيوانات في البقاع يتجاهل شيئا مهما بصورة أساسية عن أنظمة الديناصورات الإيكولوجية. فقس كلّ ديناصور – حتى ديبلودوكس الذي كان طوله 25 مترا – من بيضة لم تكن في معظم الحالات أكبر من ثمرة غريبفروت.
مع أننا يمكن أن نكون واثقين بصورة معقولة أن جميع أنواع الديناصورات العاشبة كانت تضع أعدادا كبيرة من الفراخ Hatchlings الصغيرة الحجم، إلا أن الباليونتولوجيين نادرا ما يجدونها في السجل الأحفوري. هناك بعض التفسيرات المحتملة لذلك. ربما كان احتمال تأحفر عظام الفراخ الصغيرة والضعيفة أقل بكثير من احتمال تأحفر أحافير عظام الحيوانات البالغة الأكبر والأقوى. أو ربما يشيع أن يغفل الباليونتولوجيون الذين ينقبون عن الأحافير عن هذه البقايا الصغيرة.
هناك احتمال آخر: ربما كانت الديناصورات الصغيرة هدفا – بل حتى وجبة مفضلة – لبعض أنواع ميغاثيرابودات. هذا أمر منطقي، إذ إنّ اصطياد الحيوانات الصغيرة وقتلها أسهلُ من اصطياد الحيوانات البالغة القوية، التي قد تصيب ميغاثيرابودات إصابة خطيرة بضربات أطرافها وذيلها. ربما كان صغير البراكيوصور كفشار Popcorn جوراسي بالنسبة إلى ألوصور ينمو.
ميغاثيرابودات شرهة
أشار فريق فارلو إلى أنّ بعض اللواحم الضخمة في تكوين موريسون ربما تجاهلتْ آكلات النباتات الضخمة وصغارها إلى حد ما. ربما ركّزتْ ميغاثيرابودات على الأنواع الأصغر من الديناصورات بدلا من اصطياد العواشب العملاقة – يشابه هذا الحيتان القاتلة التي تزن عدة أطنان والتي تعيش في المحيطات الحالية وتصطاد غالبا سمك السلمون والفقمات بدلا من أسماك القرش الكبيرة والحيتان. لم تكن حيوانات الألوصور البالغة تمانع أكل بعضها البعض، وهو ما توثقه أحافير موقع كولورادو Colorado.
في الواقع، ربما كانت ميغاثيرابودات شرهة إلى درجة أن الأنواع الأصغر من ميغاثيرابودات لم تكن تستطيع منافستها. لهذا علاقة بكيفية نمو الديناصورات وباختلاف الأنظمة الإيكولوجية في العصرين الجوراسي والطباشيري عن أي شيء نعرفه حاليا.
تقول شرودر: «تحتوي معظم مجتمعات اللواحم الحديثة على لواحم صغيرة ومتوسطة وكبيرة». لكن وفقا لتحليل نشرته شرودر وزملاؤها عام 2021، هذا التنوع لم يكن موجودا في البيئات القديمة التي جابتها ميغاثيرابودات.
بالطبع، «ضخم» هو مصطلح نسبي هنا – فعلى سبيل المثال، أكبر اللواحم الحديثة في سيرينغيتي Serengeti في تنزانيا هو الأسد، إذ يبلغ طول الذكر نحو مترين ويزن نحو 250 كغم. لكن، إلى جانب الأسود، توجد نمور متوسطة الحجم وفهود وضباع مرقطة – تتراوح أوزانها بين 60 إلى 90 كغم – وكلاب برية إفريقية أصغر، لا يزيد وزنها على 35 كغم.
ولمقارنة ذلك بنظام ميغاثيرابودات الإيكولوجي تقول شرودر: «تختلف مجتمعات الديناصورات عن المجتمعات الحديثة في أن الديناصورات اللواحم متوسطة الحجم غائبة أو نادرة ندرة مثيرة للريبة». فيما يسمى بتكوين حديقة الديناصورات Dinosaur Park Formation – وهو نظام إيكولوجي محفوظ في صخور لها الاسم نفسه عمرها 75 مليون عام في كندا – كانت أكبر الحيوانات المفترسة هي تيرانوصورات مثل غورغوصور Gorgosaurus الذي يمكن أن يزن أكثر من 2 طن. وفقا للسجل الأحفوري، كان وزن ثاني أضخم اللواحم 200 كغم فقط، ما يترك «فجوة» لواحم ضخمة. في عالمنا الحديث، سيكون هذا مماثلا لعدم وجود لواحم في سيرينغيتي بين الأسد والثعلب خفاشي الأذنين – وهو حيوان مفترس يزن 5 كغم يتغذى بالنمل الأبيض.
تقول شرودر إن بيولوجيا ميغاثيرابودات ربما تفسّر هذه الفجوة. تماما مثل الديناصورات العاشبة، عندما دخلتْ ميغاثيرابودات العالم كانتْ فراخا صغيرة. وضعتْ الحيواناتُ البالغة مجموعات كبيرة من الفراخ إلى درجة جعلتْ صغار ميغاثيرابودات تشكلُ جزءا كبيرا من إجمالي الكتلة الحيوية Biomass للنوع – ربما نحو 50%. على الرغم من أن عددا قليلا نسبيا من هؤلاء الصغار سيصل إلى مرحلة البلوغ، إلا أن جحافل القضم الصغيرة هذه تحتاج إلى قدر كبير من الطعام. وخلصتْ شرودر وزملاؤها إلى أن صغار ميغاثيرابودات كانت كثيرة بما يكفي لتتفوق على اللواحم الأخرى الصغيرة والمتوسطة الحجم بأكل الفرائس الصغيرة، مما يوضّح فجوة اللواحم.
تخلّى الباليونتولوجيون عن افتراض أن الديناصورات المفترسة العملاقة أمضت أيامها تصارع العواشب العملاقة حتى تقضي عليها. وقد يكون من الصحيح افتراض أن الميغاثيرابودات في بعض الأحيان العواشب العملاقة، إلا أننا بدأنا بناء صورة أكثر اكتمالا لنظامها الغذائي وسلوكها. من المحتمل أن بعض هذه المفترسات الهائلة اصطادتْ فراخا وحيوانات صغيرة أخرى. مزّقتْ أخرى حيوانات نافقة متعفنة، ويُرجّحُ أكثر أنّها اقتنصتْ الأسماك من المجاري المائية القديمة. بعبارة أخرى، لم يكن سلوك الميغاثيرابودات متطابقا مع بعضها. قد يكون القاسم المشترك الوحيد هو: حيثما وجد فك ضخم، كانت له طريقة ليفترس بها.
© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.
بقلم رايلي بلاك