أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
غير مصنف

أول نفق في العالم يتصل بحجرة صهارة قد يطلق العنان لطاقة غير محدودة

في آيسلندا، يخطط العلماء لحفر بئري سبر وصولا إلى خزّان من الصخور السائلة. سيعطينا أحدهما أولى قياساتنا المباشرة للصهارة، ويمكن للآخر تزويدنا بكميات هائلة من الطاقة الحرارية الأرضية

بقلم غرايام لاوتون

آيسلندا هي أحد كثر البلدان امتلاء بالآبار في العالم. إذ تنتشر في دولة الجزيرة آلاف آبار السبر Borehole المحفورة في عمق الصخور لاستخراج الطاقة الحرارية الأرضية Geothermal energy. وسوف تنضم إليها بئر سبر أخرى. يقول يالتي بال إنغولفسون Hjalti Páll Ingólfsson من تجمع أبحاث الطاقة الحرارية الأرضية Geothermal Research Cluster (اختصارا: التجمع GEORG) في ريكيافيك: «سنحفر في حجرة الصهارة Magma نفسها». ويقول زميله يورن ثور غوموندسون Björn Þór Guðmundsson: «إنها أول رحلة إلى مركز الأرض».

حسنا، ليس المركز فعلا. إذ لا يبعد موقع بعض حجرات الصهارة Magma chambers- وهي خزانات من الصخور المنصهرة تحت الأرض – إلّا بضع كيلومترات تحت سطح الأرض، مما يجعلها في متناول أدوات الحفر الحديثة. وتسرّب أحيانا الصهارة إلى السطح، فتقذفها على هيئة حمم بركانية Lava. وهذا هو بالضبط ما بدأ يحدث، وكان ذا تأثير مهول ومدمر قرب بلدة غريندافيك Grindavík في جنوب آيسلندا، وقد وصلت هذه القصة إلى الصحافة. المشكلة هي أننا لا نعرف عادة أين تقع حجرات الصهارة. يقول جون إيشيلبرغر John Eichelberger من جامعة ألاسكا فيربانكس University of Alaska Fairbanks: «لم تثبت أي تقنية جيوفيزيائية أنها قادرة على تحديد موقع خزانات الصهارة بصورة موثوقة». 

لكن الآن، حالف إنغولفسون وزملاءه الحظّ. إذ اكتشفوا حجرة صهارة، ولديهم خطط متقدمة لفعل ما لا يمكن تصوره، سيحفرون فيها عمدا. سيترك المشروع بصمته في التاريخ العلمي، إذ سيعطينا أوّل فرصة مباشرة لدراسة الصخور السائلة الخفيّة التي تستخدمها الأرض لبناء قاراتها. وفي طريقنا إلى ذلك قد نكتشف أيضا سبيلا لتزويد العالم بطاقة نظيفة ورخيصة غير محدودة.

حتى وقت قريب، لم يحاول أحد الحفر في حجرة صهارة، ولا يقتصر السبب على جهلنا بمكانها بصورة عامة، بل يشمل أيضا المخاطر الواضحة. يقول إيشيلبرغر، الذي أجرى أبحاثا عن البراكين لعقود من الزمن: «لا يمكنك عمليا أن تقترح الحفر في صهارة. سوف يسخر الناس منك ويقولون إنّك ستحرّض ثورانا بركانيا. وإضافة إلى ذلك، لا يمكنك العثور عليها». لكن في عام 2009، تغيّر ذلك تغيّرا كبيرا وبصورة غير متوقعة، في بركان يسمى كرافلا Krafla شمال شرق آيسلندا.

إنّه أحد أكثر البراكين نشاطا في العالم، ويقع مباشرة على حيد وسط الأطلسي الجبلي Mid-Atlantic ridge على نقطة تتباعد فيها الصفيحتان التكتونيتان Tectonic plate الأوراسية والأمريكية الشمالية، وقد ثار 29 مرة منذ أنّ استوطنت آيسلندا في القرن التاسع. وكان آخر نشاط له بين عامي 1975 و1984، اندلع حينها تسع مرات، وهي حادثة عرفت حرائق كرافلا Krafla fires.

صورة: MARTYN F. CHILLMAID / SCIENCE PHOTO LIBRARY

درس علماء الأرض هذه الأحداث دراسة مكثفة، ومن هؤلاء عالما البراكين كاتيا وموريس كرافت Katia and Maurice Krafft، اللذين توفيا بصورة مأساوية بعد بضع أعوام أثناء ثوران بركان في اليابان، ورويت قصتهما في فيلم نار الحب Fire of Love في عام 2022. أدّى العمل في كرافلا إلى اكتشاف حجرة الصهارة المحتملة تحت البركان بنحو 3 إلى 7 كم. رسم بال إينارسون Páll Einarsson من جامعة آيسلندا University of Iceland خريطة للموجات الزلزالية المنبعثة من النشاط التكتوني المرتبط بالثوران، ووجد «ظلّين» – وهما منطقتان كانت فيهما الموجات أضعف بصورة ملحوظة أو غائبة تماما. يمكن أن يحدث هذا بسبب وجود سائل – ربما صهارة – يمتص الموجات، إلّا أنّ هناك تفسيرات أخرى. على أقلّ تقدير، كان ذلك بمثابة إشارة إلى وجود شيء مثير للاهتمام هناك.

في عام 2000، قرّر مشروع الحفر العميق الآيسلندي Icelandic Deep Drilling Project (اختصارا: المشروع IDDP)، وهو ائتلاف صناعي حكومي، الحفر في البركان لاستكشاف إمكانية استغلال المياه شديدة السخونة والانضغاط «بصورة فوق الحرجة» لتوليد الطاقة الحرارية الأرضية. اختاروا بقعة أشارت دراسة جيوفيزيائية حديثة وقتها إلى أن حجرة الصهارة – إن وجدت – ستكون تحتها بعمق 4.5 كم على الأقل. وفي عام 2008، بدأت لانتسفيركن Landsvirkjun، وهي شركة الطاقة الرئيسية في آيسلندا والتي تدير محطة للطاقة الحرارية الأرضية في كرافلا، الحفر.

كانت الخطة هي الحفر إلى عمق 4,000 متراً من أجل الاقتراب بدرجة كافية من الصهارة مع الإبقاء على مسافة آمنة. سار العمل بسلاسة حتى أوائل عام 2009. لكن، على عمق نحو 2,000 متراً بدأت الحفّارة تواجه صعوبات بصورة غير مفهومة. وعلى عمق 2,104 أمتار، غطست فجأة مثل سكين ساخن في الزبدة ثم توقفت فجأة. فسحبها المهندسون مسافة 13 متراً وحاولوا إنزالها مرة أخرى إلا أنّها لم تتزحزح. وبعد أيام، أظهرت عينات من بئر المسبر أنّ مساره انسدّ بنوع من الزجاج البركاني شديد الصلابة يسمى الأوبسيديون (السبج) Obsidian. التفسير الوحيد هو أن الحفّارة اخترقت حجرة الصهارة، فغمرت الصخور المنصهرة الحجرة حين سحبت الحفّارة، مما أدى إلى سدّ الفتحة. يقول بيارني بالسون Bjarni Pálsson، من شركة لانتسفيركن، الذي كان مدير المشروع: «عندما حفرنا في الصهارة، كان الأمر غير متوقع على الإطلاق».

يقول إيشيلبرغر: «لقد أدهشني فعلا أنا وبعض العلماء الآخرين الذين يتعاملون مع البراكين أنّ هناك من حفر في الصهارة، وحصل على عينات من الصهارة». وتبين لاحقا أنّ مواجهات عرضية مماثلة حدثت مرتين من قبل، مرة في بحيرة مانينغاي البركانية Menengai caldera في كينيا، وأخرى في بركان يسمى كيلاويا Kīlauea في هاواي. كان هذا دليلا على أنه من الممكن والآمن الحفر في الصهارة دون التسبب في ثوران بركاني.

استخدمت لانتسفيركن بئر مسبر كرافلا لمدة تسعة أشهر لتوليد الكهرباء. لكن حرارة فوّهة البئر على السطح ارتفعت في نهاية المطاف إلى 450°س – وهو على ما يبدو رقم قياسي عالمي – واضطرت الشركة إلى تبريدها باستخدام الماء البارد، وكانت النتائج متفجرة. إذ تظهر اللقطات الدرامية من ذلك الوقت سحبا ضخمة من الدخان الأسود تتصاعد من بئر المسبر. يقول إنغولفسون إنّ هذا لم يكن ثورانا بركانيا، بل البقايا المحترقة من الحفّارة وغلافها الفولاذي الذي طمسته الصهارة. وسرعان ما توقف وتحوّل إلى عجاج غير مرئي من البخار شديد السخونة. يقول إيشيلبرغر: «أدى ذلك إلى تدمير البئر تماما».

منصة اختبار صهارة كرافلا
لكن إن منحتك الحياة صهارة، فاستفد منها. قرّر بالسون وفريقه استغلال واقع إمكانية الوصول إلى حجرة الصهارة لتحقيق هدف قديم لعلماء الجيولوجيا متمثل باستكشاف إحدى هذه الحجرات. وفي عام 2014، أنشأوا مشروع منصة اختبار صهارة كرافلا Krafla Magma Testbed (اختصارا: المنصة KMT). وبعد مرور عقد من الزمن، صاروا جاهزين تقريبا لبدء الحفر.

أقرب مواجهة حقّقها علماء الجيولوجيا مع الصخور المنصهرة حتى الآن كانت سلسلة من البعثات الاستكشافية في هاواي أدارتها وزارة الطاقة الأمريكية US Department of Energy. في عام 1959، ثار بركان كيلاويا، فامتلأت فوهته Crater بالحمم البركانية بعمق 130 متراً. وعلى مدى الـ 30 عاما التي تلت ذلك، أخذت الوزارة عينات من بحيرة الحمم التي كانت تتصلب تدريجيا. يقول إيشيلبرغر، الذي اكتسب خبرة في المشروع: «لقد حفرنا فيها، وكان من المدهش جدا أن نتمكن من الحفر في الصخور السائلة». لكنّهم لم يستطيعوا التقدم أكثر من ذلك. وكان من المفترض أن تتضمن الخطوة التالية إيجاد حجرة الصهارة والحفر فيها، لكن الباحثين فشلوا في تحديد موقعها.

ومع ذلك، انطلقت مرة أخرى رحلة البحث عن الصهارة. يقول إيشيلبرغر: «هذا ما كنا نحلم به. كنت قد تخلّيت تماما عن فكرة أننا سننجح في هذا الأمر. لكن الحلم صار قريب المنال».

الهدف الأول للمنصة KMT هو الحفر في الصهارة وتحقيق اكتشافات علمية. وابتداء من عام 2026، سيبدأ المشروع الحفر بالقرب من بئر المسبر الأصلية باتجاه الحجرة. وسيستغرق الأمر نحو شهرين للوصول إلى هناك، إذ ستتقدم الحفّارة بمشقة عبر الصخور البركانية حتى تصل إلى الهدف. أولا وقبل كل شيء، يريد الباحثون تأسيس فهم جوهري عن الصهارة والحجرة التي تحتوي عليها. يقول باولو بابالي Paolo Papale من المعهد الوطني الإيطالي للجيوفيزياء وعلم البراكين National Institute of Geophysics and Volcanology في بيزا: «ليست لدينا أي معرفة مباشرة عن حال حجرة الصهارة، وهو أمر شديد الأهمية في فهم البراكين بالطبع». مصدر القليل الذي نعرفه هو أساسا من دراسة الحمم. ولكن الحمم والصهارة ليستا متماثلتين. ينطلق الكثير من الغاز حين تصل الصخور المنصهرة إلى السطح ثم تتعرض – على هيئة حمم – للغلاف الجوي، وكلتا العمليتين تغيّران تركيبها الكيميائي. يقول إنغولفسون: «إن القدرة على الدخول إلى القشرة الأرضية وأخذ عينات من الصهارة ستمنحنا معرفة ضخمة».

إضافة إلى ذلك، يريد الباحثون إنزال معدّات علمية في الصهارة. يعني هذا على الحدّ الأدنى أجهزة استشعار درجة الحرارة. كما أنهم يرغبون أيضا في إجراء قراءات للضغط، لكن ذلك سيمثل تحديا أكبر، ويقول إنغولفسون: سيستغرق تطوير أجهزة الاستشعار، إضافة إلى معدات الحفر التي يمكنها تحمل الحرارة والضغط والحموضة الشديدة، وقتا طويلا – ولذا حدّد عام 2026 تاريخا للبدء.

الخطّة هي إنزال معدات في الصهارة وتركها هناك إلى أن تتوقف عن العمل. ستبرّد الحفّارة الصهارة أثناء دخولها، مما سيؤدي إلى تصلّبها وتحوّلها إلى أوبسيديون دافنة بذلك أجهزة الاستشعار. لكنّ العلماء سيتركونه يسخن ويذوب مرة أخرى، مما سيؤدي إلى إطلاق أجهزة الاستشعار في الصهارة السائلة. يقول إنغولفسون: «نأمل بأن نتمكن من أن نقيس درجة الحرارة على الأقل قياسا مباشرا، وهو ما لم يحدث من قبل». سيبقى بئر المسبر مفتوحا، مما سيسمح بالمزيد من الرصد والتجارب لأعوام عديدة. وتصفه المنصة KMT بأنّه أول مرصد للصهارة في العالم. يقول بابالي: « بالنسبة إلى علوم الأرض إنه ما يعادل مصادم الهادرونات الكبير Large Hadron Collider».

سيقيس الفريق أيضا مدرج الحرارة Temperature gradient أثناء تحوّل الصخور الصلبة إلى صهارة. إحدى المفاجآت الكبرى في المواجهة السابقة غير المتوقعة بين الحفّارة وحجرة الصهارة في الموقع كانت السرعة الكبيرة لحدوث ذلك. يقول إنغولفسون: «كانت النظرية هي أنك ستمرّ عبر الصخور الصلبة وتصل إلى ما يسمى حدّ الهشاشة-قابلية السحب Brittle-ductile boundary، حيث تصير الصخور أكثر ليونة ومرونة بسبب الحرارة». وكان من المتوقع أن يحدث ذلك على مسافة مئات الأمتار، لكن في كرافلا، حدث الانتقال على بضعة أمتار.

كما تحظى طبيعة الصهارة في كرافلا باهتمام كبير. تقذف معظم البراكين الحمم البازلتية، التي تتصلب لتشكّل صخر البازلت Basalt البركاني. آيسلندا هي بصورة أساسية كتلة ضخمة من البازلت المسامي. لكن العينات المأخوذة في عام 2009 أظهرت أن كرافلا تحتوي أيضا على صهارة الريوليت Rhyolitic magma، التي تحتوي على كمية أكبر من السيليكاSilica، وهي أكثر لزوجة، وتميل إلى عدم الثوران وتتصلب مشكلة صخورا أمتن مثل الغرانيت Granite والريوليت Rhyolite. هذه هي ركائز Substrates بناء القارات، لكن إيشيلبرغر يقول إنّ العملية غير مفهومة تماما. ويقول: «هذه فرصة لفهم كيفية تكوين كوكبنا للقشرة القارية Continental crust». 

الهدف الثاني هو تحسين التنبؤ بالثوران البركاني. في الوقت الحاضر، يعتمد ذلك بمعظمه على استخدام مقاييس الزلازل وغيرها من المعدات الموجودة على السطح، لكنّه إلى حدّ كبير علم غير دقيق. يقول بابالي: «عندما يحدث شيء ما في بركان، عندما تبدأ الأرض في التحرك، فإننا نسمي ذلك اضطرابا بركانيا. هذا يعني أن شيئا ما يحدث، لكننا نفتقر إلى معلومات مباشرة عن ماهيته. نحن بحاجة إلى ربط قياساتنا السطحية بالديناميّات التي تحدث في الأسفل».

وللوصول إلى هذا الهدف، يخطط المشروع إلى دراسة شبكة حجرات الصهارة لرؤية ما سيحدث على السطح. على سبيل المثال، قد يحقن العلماء سوائل في الحجرة لتغيير الضغط ودرجة الحرارة ومن ثمّ يقيسون النتائج. يقول بابالي: «يمكننا إجراء تجارب واقعية على نظام بركاني واضطرابات بركانية واقعيين، حتى نفهم معنى الإشارات التي نسجلها في البراكين الأخرى».

وكان من الممكن أن توفّر مثل هذه المعرفة تحذيرا أكثر تقدما عن ثوران بركان غريندافيك، وستكون مفيدة في الأماكن الأخرى المعرّضة للخطر. أحد الأمثلة على ذلك هو بحيرة كامبي فليغري البركانية Campi Flegrei، التي تشبه كرافلا لكنها تقع في منطقة ذات كثافة سكانية عالية في إيطاليا. يقول بابالي: «لهذا تبعات كبيرة على البراكين النشطة والمخاطر المرتبطة بها. هناك ملايين وملايين الأشخاص حياتهم معرضة للخطر، وبنى تحتية كبيرة ومبان صناعية وما إلى ذلك». قد تؤدي التجارب أيضا إلى تحسين اكتشاف حجرات الصهارة غير المعروفة. يقول بابالي: «عندما نخترقها قصدا، يمكننا أن نتعلم كيفية اكتشاف وجود الصهارة على مستوى ضحل».

الطاقة الحراريّة الأرضيّة
والهدف النهائي هو تحقيق نقلة نوعية في إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية. وما أن تصير البئر العلمية قيد التشغيل، سيبدأ الباحثون بناء بئر ثانية لاستخدامها منصة اختبار لمصدر جديد للطاقة يمكن أن يزوّد العالم بكميات هائلة من الكهرباء النظيفة دون أي تكلفة تقريبا.

وتسخّر آيسلندا والعديد من البلدان الأخرى النشطة بركانيا، وأبرزها كينيا والولايات المتحدة، بالفعل السوائل الحرارية الأرضية الساخنة لتدوير العنفات (التوربينات) Turbines وتوليد الكهرباء. لكن في الوقت الحالي، لا يمثّل هذا إلا جزءا صغيرا من الطاقة المتاحة. تستخدم محطات الوقود الأحفوري البخار بدرجة حرارة مقدارها نحو 450°س، أمّا حرارة السوائل الحرارية الأرضية فنحو 250°س. يقول إيشيلبرغر: «إنها منخفضة الكفاءة إلى حد ما في درجات الحرارة المنخفضة هذه. لذلك هناك اهتمام بمحاولة تطوير طاقة حرارية من مصادر أرضية شديدة الحرارة».

قبل أن يغوص بئر المسبر عالقا في الصهارة في عام 2009، وصل إلى سوائل حرارية أرضية حرارتها نحو 900°س وضغطها أعلى بنحو 500 مرة من الضغط الجوي. أدّى هذا إلى توليد نحو 10 أضعاف الطاقة التي يولدها بئر المسبر القياسي. إن المعرفة العملية التقنية التي طوّرتها المنصة KMT، والقدرة المحسنة على اكتشاف حجرات الصهارة، قد تقودان إلى تكنولوجيا طاقة جديدة تسمى الطاقة الحرارية الأرضية القريبة من الصهارة Near-magma geothermal، إذ تحفر الآبار في منطقة حدّ الهشاشة-قابلية السحب وتسخّر مياها شديدة السخونة وعالية الضغط لتدوير العنفات. قد تعتقد أنّه لا بد أن تحفر هذه الآبار أعمق بكثير من الآبار الحرارية الأرضية العادية، ومن ثمّ ستكون أعلى تكلفة. لكن الأمر ليس كذلك. تحتوي محطات الطاقة الحرارية الأرضية القياسية في أيسلندا، والتي تكلف نحو 5 ملايين دولار مقدما، على آبار تصل إلى عمق نحو 2.5 كم، وهذا في الواقع أعمق من حجرة صهارة كرافلا. في السياق نفسه، تنتج محطات الطاقة الحرارية الأرضية الحالية الكهرباء بتكلفة 4.3 سنتا أمريكيا لكل كيلووات في الساعة، أي نحو سدس تكلفة الكهرباء في المملكة المتحدة.

تتمتع العديد من الأماكن على الأرض بمواصفات تمكّن من استغلال هذه الطريقة الناشئة الحرارية الأرضية القريبة من الصهارة، وليس أقلّها شأنا حيد وسط الأطلسي الجبلي في المحيط الأطلسي Atlantic Ocean، وهو المكان الذي تتمزق فيه قشرة الأرض بصورة طبيعية. يقول إنغولفسون: «فكّر في جميع مناطق التصدّع Rift zone في المحيطات. يمكننا استخدام الخبرة والمعرفة التي تتمتع بها منصات الحفر البحرية المتقدمة من النفط والغاز وربطها بمعرفة كيفيّة الحصول على الطاقة مباشرة من الصهارة». ويتوقع مستقبلا انتشار منصات ضخمة في معظم أنحاء المحيط، تحصد الطاقة من آبار الصهارة وتستخدمها لإنتاج وقود اصطناعي منخفض الكربون يمكن شحنه إلى الشاطئ.

هذا للمستقبل. لكن المنصة KMT قادرة على تحويل ذلك إلى واقع. يقول إنغولفسون: «هناك فرص لا حصر لها. الشيء الوحيد الذي يتعين علينا فعله هو أن نتعلم كيفية ترويض هذا الوحش». حسنا، علينا أن نتعلم هذا وأن نحفر أكثر.

© 2024, New Scientist, Distributed by Tribune 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى