أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أخبار العلوم

دراسة تربط العدوى الفيروسية ومرض آلزهايمر ومرض باركنسون – بالعديد من التنبيهات

ترتبط الإنفلونزا والفيروسات الأخرى بستة أمراض دماغية، ولكن لم يتم إثبات ذلك

توصلت دراسة ضخمة للتنقيب في البيانات Data mining study إلى وجود العديد من الارتباطات Associations بين الفيروسات الشائعة مثل الإنفلونزا والاضطرابات التنكسية العصبية Neurodegenerative disorders الوخيمة مثل مرض باركنسون Parkinson ومرض آلزهايمر (تنطق آلزايمر) Alzheimer والتصلب الجانبي الضموري Amyotrophic lateral sclerosis (اختصاراً: المتلازمة ALS، المعروف أيضاً بمرض لو غيريغ Gehrig). وهذه النتائج تضيف المزيد إلى نتائج أبحاث سابقة تربط فيروسات معينة بالأمراض العصبية. لكن الخبراء يحذرون من أن الدراسة، التي اعتمدت على السجلات الطبية الإلكترونية بدلاً من العينات البيولوجية، تصف فقط الارتباطات ولا تثبت العلاقة السببية Causation. ومع ذلك، فإن الأمر «مثير حقاً»، كما تقول كريستين فونك Kristen Funk، الاختصاصية بعلم المناعة العصبية التي تدرس مرض آلزهايمر من جامعة نورث كارولينا University of North Carolina في شارلوت. بدلاً من التركيز على العلاقة بين عدوى الهربس البسيط Herpes simplex ومرض آلزهايمر، على سبيل المثال، – وهو تركيز حديث في مجالها – «يوسع هذا البحث هذا النطاق للنظر في الفيروسات المختلفة والمزيد من الأمراض العصبية التنكسية».

هذا، وكان  العلماء قد وجدوا روابط بين الفيروسات والأمراض التنكسية العصبية من قبل. فقد كشفت الدراسات السابقة عن الروابط بين فيروس الإنفلونزا ومرض باركنسون، على سبيل المثال، وبين الثآليل التناسلية Genital warts (التي يسببها فيروس الورم الحليمي البشري Human papillomavirus) والخرف Dementia. وعزز مشروع بارز نُشر في مجلة ساينس Science العام الماضي ارتباطاً آخر: حيث أفاد علماء الأوبئة الذين حللوا عقدين من بيانات اختبارات الدم لعشرة ملايين جندي أمريكي أنه يكاد يكون من المستحيل الإصابة بالتصلب المتعدد دون الإصابة أولاً بفيروس إبشتاين-بار Epstein-Barr الشائع، وهو الكائن المُمْرِض Pathogen الذي يُشتبه به منذ فترة طويلة في أنه يسبب التصلُّب المتعدِّد Multiple sclerosis (اختصاراً: المرض MS).

متأثرين بتلك الورقة، تساءل باحثو المعاهد الوطنية للصحة National Institutes of Health (اختصاراً: المعاهد NIH) عمَّا إذا كان بإمكانهم التنقيب في قواعد البيانات الكبيرة الأخرى لاستنباط المزيد من الارتباطات. وركزوا على الروابط الفيروسية لستة أمراض تنكسية عصبية: آلزهايمر، وباركنسون، والخرف، والتصلب الجانبي الضموري ALS، ومرض التصلب العصبي المتعدد MS، والخرف الوعائي Vascular dementia. (ويجادل بعض العلماء في أن مرض التصلب العصبي المتعدد والخرف الوعائي هما من الأمراض العصبية التنكسية).

وبالبحث في البنك الحيوي FinnGen، وهو بنك حيوي فنلندي كبير يتضمن بيانات الرعاية الصحية الرقمية، وجد الباحثون ما يقرب من 26 ألف شخص مصاب بأحد أمراض الدماغ. بعد ذلك فحصوا ما إذا كان الأشخاص أنفسهم قد أصيبوا أيضاً بمجموعة من الالتهابات الفيروسية. في 45 حالة، اكتشفوا «اقتران» Pairing عدوى دماغية كبيرة، مما يعني أن الأشخاص المصابين بمرض في الدماغ كانوا أكثر عرضة للإصابة بهذه العدوى مما يقرب من 309 ألف شخص غير مصاب بأمراض الدماغ.

بعد ذلك بحث الباحثون عن الـ45 زوجاً المقترنة نفسها في قاعدة بيانات كبيرة أخرى، مستخدمين البنك الحيوي للمملكة المتحدة، حيث حللوا البيانات من 106 ألف شخص، بما في ذلك أكثر من 96 ألف شخص في مجموعة تحكم Contorl group. وتمكنوا فقط من العثور على 22 من الارتباطات. وكانت تلك التي ركزوا عليها في الدراسة.

ووجدوا أن الإنفلونزا Influenza التي تطورت إلى التهاب رئوي هي الأكثر ارتباطاً بالأمراض التنكسية العصبية: فقد أظهر ارتباطاً إيجابياً بجميع الأمراض باستثناء مرض التصلب العصبي المتعدد MS، وفقاً لتقرير الفريق حالياً في مجلة نيورون Neuron. كان الخرف هو مرض الدماغ الأكثر ارتباطاً بالعدوى الفيروسية. إذ تم ربطه بستة أنواع مختلفة، بما في ذلك الإنفلونزا المصحوبة أو غير المصحوبة بالتهاب رئوي والتهاب الدماغ الفيروسي، وهي عدوى نادرة في الدماغ يمكن أن تسببها العديد من الفيروسات المختلفة.

تم العثور على أقوى ارتباط – ارتفاع خطر بمقدار 31 ضعفاً مقارنةً بمجموعة التحكم – بين مرض آلزهايمر والتهاب الدماغ الفيروسي. أما الارتباطات الأخرى؛ فقد كانت أكثر اعتدالا. فعلى سبيل المثال، ارتبطت الإنفلونزا بارتفاع خطر الإصابة بالخرف بمقدار خمسة أضعاف تقريباً.

لم ترتبط أي عدوى فيروسية بتأثير وقائي Protective effect ضد مرض التنكس العصبي. وتشتمل جميع أزواج المرض الفيروسي تقريباً على فيروسات «موجهة للعصب» Neurotropic – أي تلك التي يمكنها غزو الجهاز العصبي المركزي، مثل الهربس البسيط والهربس النطاقي Herpes zoster وبعض سلالات الإنفلونزا.

لكن الخبراء يقولون إن التنبيهات وأوجه الضعف في الدراسة كثيرة. والأهم من ذلك، أن الاقتران ما هو إلا ارتباطات؛ لم يثبتوا أن الفيروسات تسبب أمراض الدماغ. فقد تكون هناك أسباب وراثية تجعل شخصاً ما أكثر عرضة للإصابة بالفيروسات ومرض باركنسون، على سبيل المثال. ومن المحتمل أيضاً أن تؤدي التعرضات البيئية الأخرى دوراً في التسبب بالأمراض التنكسية العصبية.

«هناك قدر كبير من العمل الذي يتعين القيام به لمحاولة الربط بين التعرض الفيروسي وخطر الإصابة بأمراض التنكس العصبي ارتباطا آليا»، كما يقر مؤلف الدراسة الرئيس أندرو سينغلتون Andrew Singleton، الذي يرأس مراكز المعاهد NIH لمرض آلزهايمر وأمراض الخرف المرتبطة به.

في الواقع، يقوض جزء رئيسي من تحليل المؤلفين فكرة أن الفيروسات تسبب المرض، كما تقول كورنيليا فان دويجن Cornelia van Duijn، عالمة الأوبئة الجينية من جامعة أكسفورد University of Oxford. كجزء من الدراسة، استخدم الفريق البيانات الفنلندية لفحص قوة الارتباط لكل اقتران فيروسي وحدوث المرض في سنة وخمس سنوات وخمس عشرة سنة بعد الإصابة. ونظراً لأن الأمراض التنكسية العصبية تستغرق سنوات أو عقوداً حتى تظهر، فقد يتوقع المرء أعلى نسبة خطر هي بعد 15 عاماً. لكن المؤلفين وجدوا عكس ذلك: بالنسبة إلى كل اقتران تقريباً، كان الارتفاع في الخطر أكبر بعد عام واحد من الإصابة وتضاءل بمرور الوقت.

تقول فان دويجن: «هذا عادة ما يكون علامة لعلماء الأوبئة»، مشيراً إلى أن العدوى الفيروسية ربما لا تكون سبباً للمرض، بل نتيجة ثانوية له. ومن المعروف، كما تقول، أنه في السنوات التي سبقت تشخيص الخرف، على سبيل المثال، يكون المصابون «في حالة من الفوضى الأيضية والمناعية».

إضافة إلى ذلك، اعتمد المؤلفون على التشخيصات من السجلات الطبية الإلكترونية، مما يعني أنهم حددوا فقط العدوى الفيروسية التي جعلت الناس مرضى بدرجة تستدعي زيارة طبيبهم أو الذهاب إلى المستشفى. قد يتسبب ذلك في افتقار الفريق إلى آلاف حالات العدوى التي تسببت في ظهور أعراض قليلة أو معدومة، مما قد يؤدي إلى تحيز Biasing في النتائج.

ما هو أكثر من ذلك، كما يقول ألبرتو أشيريو Alberto Ascherio، عالم الأوبئة من كلية هارفارد  تي. أتش. تشان للصحة العامة Harvard T.H. Chan School of Public Health وكبير مؤلفي الورقة التي نُشرت في العلوم Science لعام 2022، يمكن أن تكون رموز التشخيص Diagnostic codes في قواعد بيانات السجلات الصحية خادعة. قد يستخدم الطبيب رمزاً لمرض التصلب العصبي المتعدد عند طلب اختبار لهذا المرض، على سبيل المثال؛ لكن بعد ظهور نتائج اختبار سلبية، قد يظل الرمز في السجل. يقول أشيريو إن الدراسة «تبحث حقاً في الارتباطات في قاعدة بيانات لم يتم تصميمها بشكل واضح لمعالجة هذه الأسئلة – وهو يمثل تقييدا Limitation كبير هنا». 

بالنسبة إلى الورقة المنشورة في مجلة ساينس، سحب أشيريو وزملاؤه عينات مصل من المجمدات وفحصوها بحثاً عن الأجسام المضادة Antibodies للحصول على دليل قياسي ذهبي عما إذا كان شخص في قاعدة البيانات العسكرية الأمريكية مصاباً بفيروس إبستين – بار ومتى. تقول فان دوين: «كان هذا اكتشافاً رائعاً، ولكن هذه النتيجة الآن… ليست جميلة وليست بالقوة نفسها… لذا فإن لديها بعض القصور من الناحية الوبائية».

ويقر المؤلفين بذلك. إذ يقول كبير المؤلفين مايك نالس Mike Nalls، قائد التحليلات المتقدمة في مركز المعاهد NIH: «نحن هنا ننقب فقط في البيانات في محاولة للحصول على نظرة ثاقبة… لكن الأمر يتطلب جيشاً من العلماء لمحاولة إجراء أبحاث المتابعة».

ومع ذلك، لا تزال الورقة تؤدي دوراً مهماً، كما تقول أشيريو. تقول: «هذا موضوع يستحق بالتأكيد المزيد من الاهتمام، والمزيد من البحث… أنا سعيد جداً لأنهم يلفتون بعض الانتباه إلى موضوع قد يكون له آثار كبيرة فيما يتعلق بالصحة العامة».

بقلم ميريديث وادمن

© 2023, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى