أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم النفس

الأصل التطوري لجنون الارتياب ولماذا صار أكثر شيوعاً

يعمل علماء النفس على صياغة فهم جديد لجنون الارتياب (البارانويا)، مما يساعد على تفسير سبب تعرض المزيد منا للحالة في هذا العالم الممتلئ بعدم اليقين

كان جيمس تيلي ماثيوز يخشى عصابة مِنْسَج الهواء Air Loom Gang؛ ففي عام 1797، ادعى ماثيوز أن هذه المجموعة الغامضة من الأشرار يمكنها التحكم في أفكاره باستخدام طائرة ورقية والتلاعب بـ«السائل المغناطيسي» لإجباره على الابتسام. وكانت العصابة من نسج خياله، لكن إصرار ماثيوز على أنه يتعرض للاضطهاد جعله يدخل مستشفى للأمراض النفسية في لندن. حالياً، يشتبه العديد من الباحثين بأنه كان مصاباً بالفصام. في السنوات الـ200 منذ ذلك الحين، صار الافتراض السائد هو أن جنون الارتياب الذي عاناه ماثيوز ومن هم مثله هو عَرَض لحالة نفسية شديدة. لكن المواقف تتغير الآن.

كشفت الأبحاث على مدار العشرين عاماً الماضية أن جنون الارتياب لا يقتصر على مجموعة جزئية من الأشخاص الذين شُخِّصوا بالفصام أو حالات مماثلة. يجادل بعض الباحثين بأن هناك، في الواقع، طيفاً من حالات جنون الارتياب، وربما وُجِد 1 من كل 6 منا في نقطة على طول هذا الطيف. والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن عدد الأشخاص المعرضين للأفكار الارتيابية ارتفع مع انتشار كوفيد-19 في معظم أنحاء العالم.

وقد دفعت هذه الاكتشافات علماء النفس إلى إلقاء نظرة جديدة على الارتياب، بما في ذلك تداخل هذه الحالة مع نظريات المؤامرة مثل نظرية «كيو أنون» QAnon. أدت الأبحاث إلى فكرة مثيرة للاهتمام مفادها أن جنون الارتياب الخفيف، بعيداً عن كونه غير مرغوب فيه، وقد يكون حالة متطورة كانت مفيدة لأسلافنا من الهومنين (أشباه البشر) Hominin – ولا تزال تفيدنا حالياً. كما قربتنا هذه الأبحاث أكثر إلى معرفة سبب وقوع أحدنا على طيف جنون الارتياب، وإن حصل ذلك، فإنها تحدد بعض التغييرات البسيطة التي يمكننا إجراؤها على حياتنا لحماية أنفسنا من التدهور.

ما جنون الارتياب؟
يمكن تعريف جنون الارتياب ببساطة على أنه اعتقاد لا أساس له بأن الآخرين يحاولون إيذاءك. وقد تشمل هذه الأفكار غير المبررة الخوفَ من التهديد الجسدي أو مجرد فكرة أن الآخرين يضحكون عليك من وراء ظهرك. وهذا يجعل جنون الارتياب مماثلاً، بشكل ما، للاعتقاد في نظريات المؤامرة (انظر: التداخل بين جنون الارتياب ونظريات المؤامرة). فعلى سبيل المثال، عادة ما يشتبه المؤمن بمثل هذه الأفكار في أن الجهات الفاعلة تشارك في مؤامرات ضارة، على الرغم من أن الهدف من نظريات المؤامرة هو المجتمع ككل وليس الفرد.

تاريخيا، كثيرا ما تم الحديث عن جنون الارتياب كأحد الأعراض المرتبطة ببعض الحالات النفسية الشديدة، بحسب ما يقول غريغوري سكوت براون Gregory Scott Brown، مؤسس ومدير مركز الطب النفسي الأخضر Center for Green Psychiatry في تكساس. ولكن الوضع لم يعد كذلك. يقول براون: «يمكن لأي شخص تقريباً أن ينتهي به الأمر إلى هذه الأنواع من الأفكار غير العقلانية، حتى ولو لم يُشَخَّص بمرض نفسي».

على سبيل المثال، في دراسة أجريت عام 2011 على ما يقارب 7200 شخصاً، اكتشف دانيال فريمان Daniel Freeman في جامعة أوكسفورد University of Oxford وزملاؤه أن أكثر من 18 في المئة من المستجيبين وافقوا على أن هناك أوقاتاً خلال السنة الماضية شعروا فيها بأن الناس يتصرفون ضدهم. ولم تثبت الدراسة إن كان المستجيبون يتعرضون بالفعل للاضطهاد أو أنهم يعانون جنون الارتياب، ولكن بحث فريمان الأوسع تمكن من تحديد أرقام حول مدى انتشار الحالة.

يقول فريمان: «اختبر نحو 1 في المئة من السكان حالات من الوهام الإكلينيكي Clinical delusions [التي يشكل جنون الارتياب جزءاً منها]، والتي يرجح أن تصل إلى طبيب نفسي، ولكن هذا إلى حد كبير غيض من فيض. ويعاني ما بين 1 و3 في المئة من الناس مستوى مماثلا من جنون الارتياب الشديد على الرغم من أنهم لم يتم تشخيصهم بذلك فعليا. كما يعاني 10 إلى 15 في المئة من الأشخاص أفكاراً ارتيابية أخف منها».

بدأ فريمان، على مدار العقد الماضي، بدراسة ما يسميه طيف جنون الارتياب، الذي يحدده معدل وشدة الأفكار الارتيابية. يقول إن الكثيرين منا لديهم القدرة على تطوير جنون الارتياب اعتماداً على ما يحدث في حياتنا.

لماذا الناس معرضون كثيراً لجنون الارتياب؟ نيكولا ريحاني Nichola Raihani من جامعة يونيفيرسيتي كوليدج لندن University College London لديها إجابة مفاجئة. تشك ريحاني في أن الميل الفطري إلى جنون الارتياب الخفيف ربما كان مفيداً للبقاء على قيد الحياة طوال تاريخ التطور البشري – ولا يزال كذلك حتى اليوم.

تشير ريحاني إلى أن البشر متعاونون بشكل غير عادي. وفي ظل الظروف المناسبة، يمكننا الاستفادة من التعاون مع أشخاص لا ينتمون إلى عائلاتنا أو مجموعاتنا الاجتماعية. لكن التعاون مع الغرباء ينطوي على خطر الاستغلال، لذلك من المفيد أن تكون على أُهبة الاستعداد في حال كان المتعاونون من خارج مجموعتك الاجتماعية – أو ما تسميه ريحاني بـ«تحالفك» – يخططون لإيذائك. تقول: «أعتقد أن جنون الارتياب جزء لا يتجزأ من فهمنا لما يعنيه أن نكون نوعاً اجتماعياً Social species».

تقول ريحاني إن هناك أدلة تدعم فرضيتها. فعلى سبيل المثال، نظرت دراسة أجريت عام 2016 في العلاقة بين التمييز العرقي المحسوس وجنون الارتياب لدى مجموعة من المتطوعين الذين يعيشون في لندن. ووجد الباحثون أنه كلما شعر المتطوع بالتمييز ضده، والذي جرى تقييمه من خلال استبانة، زادت احتمالية أن يفترض أن الصور الرمزية التي واجهها في محاكاة للواقع الافتراضي تهدف إلى إزعاجه أو مضايقته. لكن ريحاني وزملاءها أخذوا الفكرة إلى أبعد من ذلك: في دراسة أجريت عام 2018، تمكنوا من التلاعب بالتوقعات الاجتماعية للمتطوعين بطريقة دفعتهم لتكوين أفكار ارتيابية خفيفة.

في دراستهم المخبرية، طلب فريق ريحاني إلى المتطوعين المقيمين في الولايات المتحدة المشاركة في لعبة على الإنترنت. في كل جولة من اللعبة، شاهد المتطوع لاعباً ثانياً – أطلق عليه اسم «الديكتاتور» – يعرض عليه مبلغ 0.50 دولار، وأُعطي خياراً: إما أن يقسم المال بنسبة 50:50 مع المتطوع، أو أن يحتفظ بكل المال لنفسه. بعد كل جولة، طُلب إلى المتطوع تقييم قرار الديكتاتور. هل تصرف لمصلحته الذاتية، محاولاً كسب المزيد من المال؟ أم أن الدكتاتور كان مدفوعاً برغبة في الإضرار بقدرة المتطوع على الكسب؟

في الواقع، لم تكن هناك طريقة للمتطوع لفهم دوافع الديكتاتور. ومع ذلك، إذا كشف فريق ريحاني أن المتطوع والديكتاتور ينتميان إلى الطبقة الاجتماعية نفسها أو يشتركان في المعتقدات السياسية نفسها، فمن المرجح أن يفترض المتطوع أن الديكتاتور كان مدفوعاً فقط بالمصلحة الذاتية. في المقابل، إذا كشف الباحثون أن الدكتاتور ينتمي إلى طبقة اجتماعية أعلى من المتطوع أو يحمل معتقدات سياسية مختلفة، فإن احتمال اعتقاد المتطوع أن قرار الدكتاتور كان قائماً على الرغبة في إلحاق الأذى به كانت أكبر بكثير. وبعبارة أخرى، بدأ المتطوع يعاني جنون الارتياب.

لم تفاجأ ريحاني بهذه النتيجة. وتقول: «يمكنك التفكير في الميل العام إلى الشعور بجنون الارتياب وكأنه قرص تغيير الصوت على الراديو، إن كان لدى البشر هذه القدرة لسبب ما، فيجب أن تزداد وتنقص بناءً على ما يختبره المرء، وتعريض الناس لتهديد اجتماعي معتدل هو ما يحرك القرص نحو جنون ارتياب أكثر بالنسبة إلى معظم الناس».

لا يرى الجميع أن جنون الارتياب على أنه سِمَة طورناها من أجل فوائدها التكيفية في البيئات الاجتماعية. بل إن فيليب Corlett Philip من جامعة ييل Yale University ليس مقتنعاً بأن جنون الارتياب تحفزه التفاعلات الاجتماعية فقط. يقول إن جنون الارتياب يُعَرَّف بشكل أفضل على أنه عدم الثقة في العالم بشكل عام. ولأن الروابط الاجتماعية جزء مهم وواضح من حياتنا، بحسب كورليت، فإن جنون الارتياب عادة ما يرتبط فقط بالشعور بعدم الثقة والشك في الآخرين.

واحدة من أهم وظائف دماغنا هي استخدام الإشارات من البيئة المحيطة للتنبؤ بما سيحدث بعد ذلك، لمساعدتنا على العيش بشكل أفضل في عالم غير مؤكد، كما يقول كورليت. كما يعتقد أن أفكار جنون الارتياب تحدث عندما يقصّر الدماغ في قدراته التنبؤية. تشير هذه الفكرة إلى أن جنون الارتياب قد يكون أكثر انتشاراً إذا صارت الحياة أكثر تقلباً ولا يمكن التنبؤ بها – وهو بالضبط ما اكتشفه كورليت. ويقول: «عندما يتغير العالم، كما حصل في جائحة كوفيد-19 على مدى السنوات القليلة الماضية، نرى أن نسبة جنون الارتياب تزيد في الناس».

واستطاع كورليت دراسة هذا الميل إلى جنون الارتياب لأنه شارك في البحث عن أسباب وانتشار جنون الارتياب قبل أن يبدأ كوفيد-19 بالانتشار في معظم أنحاء العالم. في دراسة أجريت قبل الوباء ولكنها نُشرت في عام 2020، طلب كورليت وزملاؤه إلى المتطوعين في الولايات المتحدة المشاركة في ألعاب عبر الإنترنت، بما في ذلك بعض الألعاب التي لم تنطو على تفاعل اجتماعي. في إحدى هذه الألعاب، على سبيل المثال، عُرِض على المتطوعين ثلاث مجموعات افتراضية من بطاقات اللعب مقلوبة على وجهها. للحصول على درجة عالية، كان عليهم استخدام التجربة والخطأ لمعرفة أي مجموعة تميل إلى إنتاج بطاقات ذات قيمة أكبر. كتحدٍ إضافي، قيل للمتطوعين أن المجموعة ذات الفرصة الأكبر للحصول على درجات عالية ستتغير في مرحلة عشوائية أثناء اللعبة.

كما طلب كورليت وزملاؤه إلى كل متطوع إكمال استبانة نفسية معيارية لتقييم إن كانوا عرضة لأفكار جنون الارتياب أم لا. ووجدوا أن المتطوعين الذين تم تقييمهم على أنهم عرضة للإصابة بجنون الارتياب غيروا من اختيارهم لمجموعة ورق اللعب كثيراً لدرجة أنهم أدوا أداءً سيئاً في اللعبة. ويعتقد الباحثون أن هؤلاء المتطوعين لم يثقوا بالبطاقات، واعتبروها غير قابلة للتنبو أكثير بكثير مما كانت عليه في الواقع. وهذا يعني أنهم لم يتمكنوا من تحديد الاتجاهات الإحصائية التي من شأنها أن تساعدهم على تحديد – والتمسك بـ – مجموعة ورق اللعب ذات الدرجات العالية في ذلك الوقت.

ثم جاءت الجائحة. في معظم أنحاء العالم، أدخلت الحكومات سياسات غير مسبوقة، لا سيما تعليمات الإغلاق وارتداء الأقنعة. وصار العالم المألوف لا يمكن التنبؤ به. استقطب كورليت وفريقه متطوعين جدداً واستمروا بتجاربهم. ووجدوا أن نسبة المتطوعين الذين تم تقييمهم من خلال الاستبانة على أنهم عرضة للإصابة بجنون الارتياب كانت أعلى بكثير بعد تطبيق الولايات المتحدة لسياسة الإغلاق مقارنة بما قبل الإغلاق.

كما استمروا برؤية علاقة بين جنون الارتياب وضعف الأداء في لعبة الورق. وهذا يعني أن بعض المتطوعين ربما بدأوا باختبار أفكار ارتيابية بعد بدء الإغلاق، وفقدوا في الوقت نفسه بعض قدرتهم على الاستجابة بشكل مناسب للإشارات البيئية.

على الرغم من أن ريحاني وكورليت قد طورا تفسيرات متمايزة لجنون الارتياب، إلا أنهما حددا صلة مشتركة بين فرضيتيهما – لا سيما فكرة أن جنون الارتياب يتعلق ولو بشكل جزئي بالتنبؤ بتنبؤات بناء على الإشارات الاجتماعية.

ومع ذلك، لا يمكن لأي فرضية حتى الآن أن تفسر بالضبط كيف ترتبط الأفكار الارتيابية الخفيفة بنوع من الأوهام الاضطهادية المرتبطة بالظروف النفسية الشديدة. وتقترح ريحاني أن الأمر قد يُفَسَّرُ في النهاية على أنه فقدان تدريجي لحساسية التغذية الاجتماعية الراجعة Social feedback. يقول كورليت إن الأشخاص الذين يعانون أشكالا أكثر تطرفاً من جنون الارتياب قد يواجهون مشكلات أساسية مع آليات التعلم المسؤولة عن تحديث معتقداتهم حول عالم دائم التغير.

كما أن كلتا الفرضيتين لا توضحان بشكل كامل كيفية مساعدة الناس الذين يعانون الأفكار الارتيابية. ولكن الأبحاث الأخرى تقدم بالفعل بعض الأدلة.

وقد أظهرت العديد من الدراسات الآن أن القلق المفرط، أو اضطرابات النوم، أو الصدمات النفسية، أو انخفاض تقدير الذات كلها تسهم في حصول جنون الارتياب. تقول جوليا شيفيلد Julia Sheffield من جامعة فاندربيلت Vanderbilt University، تينيسي، عندما يمكنك مساعدة الناس على التعامل مع هذه القضايا، يمكنك تقليل جنون الارتياب – حتى في الأشخاص الذين يعانون حالات نفسية شديدة. وتقول: «إنها استراتيجية بسيطة جداً. ولكن عندما يمكنك الحد من تلك الأفكار المثيرة للقلق في الناس، وبدلاً من ذلك أن يستغلوا ذلك الوقت في بناء أنشطة ذات مغزى في حياتهم، فإنهم لا يحتاجون إلى جنون الارتياب».

وتدعم أبحاث فريمان هذه النقطة؛ حيث وجد فريقه أنه من الممكن الحد من جنون الارتياب لدى الأشخاص الذين يعانون أوهام الاضطهاد من خلال مطالبتهم بجدولة «فترات القلق» التي يُسمح لهم خلالها بالقلق. وإذا شعروا خارج تلك الفترات بأنهم عرضة للأفكار الدخيلة، طُلب إليهم بدلاً من ذلك الانخراط في أنشطة صحية، مثل المشي أو قضاء بعض الوقت مع أحبائهم.

حتى إنه من الممكن استخدام بعض الأدوات على الإنترنت لمساعدة بعض – وإن لم يكن كل – الأشخاص الذين لديهم هذه الأفكار الدخيلة. في دراسة أجريت عام 2017، وجد فريمان وزملاؤه أن العلاج السلوكي المعرفي Cognitive behavioural therapy عبر الإنترنت الذي يحسن النوم يمكنه أن يساعد أيضاً على تقليل مشاعر جنون الارتياب.

ويقول فريمان: «عندما يعاني الناس جنون الارتياب، فإنهم يقضون الكثير من الوقت في التفكير في الأفكار المشبوهة والارتيابية – ويتعزز هذا الأمر لديهم. وهذا ما يدفعنا لندخل طيف جنون الارتياب». هذا هو السبب في أن التقنيات المستخدمة للحد من تلك الأفكار مفيدة.

يقول فريمان: «إذا كنت تشعر بمزيد من الاكتئاب، أو تواجه مشكلات في النوم، أو أن تقديرك لذاتك ينخفض، فإن ذلك سيزيد من تعرضك لجنون الارتياب. إن الطريق إلى علاج جنون الارتياب يكون بمساعدة الناس على التعامل مع هذه الآليات الأخرى – وهذا هو ما سيوفر المساعدة الأكبر».

مكان للبرونويا؟
إذا كان من الممكن العبث بأنظمتنا المعرفية الداخلية لجعلنا نعتقد أن الجميع يريد الشر لنا، فربما يمكن دفع هذه الأنظمة في الاتجاه المعاكس. قبل أربعين عاما، اقترح فريد غولدنر Fred Goldner من كلية كوينز Queens College، بجامعة مدينة نيويورك City University of New York، أن جنون الارتياب لديه نظير إيجابي. أطلق على هذا النظير اسم البرونويا Pronoia، أو الاعتقاد المستمر وغير الدقيق بأن الجميع يتآمرون سراً لمساعدتك. في حين أنه من الناحية النظرية، من الممكن أن يكون هذا الوضع حقيقياً – كما أن هناك منشورات غريبة على وسائل التواصل الاجتماعي تذكرالبرونويا – إلا أنه لا يوجد الكثير من الأبحاث لدعم هذه الفكرة.

ربما لا يكون النموذج التطوري لجنون الارتياب الذي طورته نيكولا ريحاني في جامعة يونيفيرسيتي كوليدة لندن وزملاؤها (انظر: المقالة الرئيسية) متوافقاً مع البرونويا. تقول ريحاني: «يمكنك التفكير في هذا الأمر من زاوية نظرية إدارة الأخطاء». إن عدم الثقة في شخص ما عن طريق الخطأ – جنون الارتياب – قد تكون عواقبه بسيطة. ولكن عواقب الثقة بشخص ما خطأً – البرونويا – قد تكون أعلى بكثير. وتقول: «يفضِّل التطور الآليات التي يكون الخطأ فيها أَميَلَ إلى الحذر».

التداخل بين جنون الارتياب ونظريات المؤامرة
يعتقد أنصار كيو أنون أن QAnon مجموعة من مشتهي الأطفال من عبدة الشيطان آكلي لحوم البشر تآمروا ضد دونالد ترامب خلال فترة رئاسته للولايات المتحدة. لماذا يجد بعض الناس نظريات المؤامرة الشبيهة بهذه مغرية جداً؟ قد توفر دراسة جنون الارتياب بعض الأدلة.

في دراسة حديثة، وجد فيليب كورليت وبرافين سوثاهاران Praveen Suthaharan من جامعة ييل علاقة بنسبة 60 إلى 70 في المئة بين الأشخاص الذين لديهم أفكار ارتيابية وأولئك الذين يؤمنون بنظرية مؤامرة واحدة على الأقل. ثم قام كلاهما بالتحقيق في الشبكات الاجتماعية للأفراد لتحسين فهمهم لكيفية انتشار نظريات المؤامرة عند الأشخاص الذين يعانون مستوياتٍ خفيفةً أو أكثر حدة من جنون الارتياب.

ويقول: «كنا نتوقع أن الأشخاص الأكثر ارتياباً الذين يعتقدون بهذه النظريات سيكونون أكثر وحدة وعزلة. لكن النتيجة التي حصلنا عليها كانت عكس ذلك: فهم يعتقدون أن الآخرين يشاركونهم معتقداتهم». ويقول إن دعم نظرية المؤامرة كان أمراً إيجابياً بالنسبة إليهم.

لذلك، بالنظر إلى هذه الفائدة، هل من الممكن توجيه صديق بعيداً عن نظرية يسهل فضحها؟ الأمر ليس سهلاً، بحسب ما يقول كورليت. كما ينصح بعدم تحدي الفرد مباشرة، ولكنه يقترح بدلاً من ذلك أن يُطلب إليهم التوصل إلى تفسيرات بديلة محتملة لنظريتهم. ويقول: «من المحتمل أن يؤدي فرض تفسيرك عليهم إلى نتائج عكسية عليك. لذا قابل الناس على مستواهم، دون السخرية منهم، وحاول إيجاد أرضية مشتركة. هذا دائماً مكان جيد للبدء». 

بقلم كايت سوكيل

© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Back to top button