سفينة أبحاث عالية التقنية جاهزة للبحث عن حياة جديدة في الفوهات الحرارية المائية
فالكور توو (Falkor too) سفينة بحثية متطورة يبلغ طولها 100 متر، أبحرت في 3 مارس 2023 للبحث عن فوهات حرارية مائية وكائنات لم تكتشف بعد، مما قد يلقي الضوء على كيفية نشأة الحياة على الكواكب الأخرى
بقلم آشلي بالزر فيجيل
انطلقت سفينة الأبحاث الأكثر تقدماً على الإطلاق للإبحار في مهمتها الافتتاحية والتي ستستغرق 40 يوماً للبحث عن كائنات لم يسبق اكتشافها من قبل في أعماق البحار وذلك لإلقاء الضوء على إمكانية نشأة الحياة في مكان آخر من الكون.
فلكور توو والتي يبلغ طولها 110 مترات، كانت تسمى سابقاً ملكة القطبين Polar Queen وكانت مخصصة للصناعة البحرية، قد خضعت لعملية تجديد لمدة 17 شهراً لتزويدها بمعدات علمية.
غادرت السفينة من سان خوان، بورتوريكو، في 3 مارس لاكتشاف المنطقة على طوال سلسلة التلال الواقعة في وسط الأطلسي، حيث تتسبب حركة الصفائح (الألواح) التكتونية Tectonic plates في تصدعات في قاع البحر. كما ستبحث عن أنواع غير عادية من الفوهات الحرارية المائية Hydrothermal vents، وهي شقوق في قاع البحر تنبعث منها مياه ساخنة، إضافة إلى الحياة الغريبة التي تستضيفها.
يقول قائد البعثة ديفيد بترفيلد David Butterfield من المعهد التعاوني لدراسات المناخ والمحيطات والأنظمة الإيكولوجية Cooperative Institute for Climate, Ocean and EcosystemStudies بجامعة واشنطن في سياتل، أنه حتى بعد عقود مما يشبه اكتشاف «المدينة المفقودة» بعثورنا على فوهات حرارية شبيهة بالمداخن في عمق المحيط الأطلسي، لم نستطع اكتشاف سوى مواقع مشابهة قليلة جداً.
جهّز العاملون بمعهد شميت للمحيطات Schmidt Ocean Institute في بالو ألتو Palo Alto بكاليفورنيا فالكور توو، والتي ستحل محل سفينة أصغر تسمى فالكور، وتزويدها بـ 30 نوعاً من أجهزة الاستشعار الأوقيانوغرافية والملاحية والجوية. فهناك أيضاً ثمانية مختبرات، بما في ذلك: مختبر بارد ومختبر مياه البحر ومختبر إلكترونيات حاسوبية ومختبر روبوتات، وغرف معيشة تتسع لما يقرب من 100 شخص. لكن العثور على فوهات جديدة لن يكون بالمهمة السهلة.
يقول بترفيلد: «عندما تذكر الفوهات الحرارية المائية أمام الناس فهم غالباً ما يتخيلون فتحات سوداء ينبعث منها الدخان، لكن ما نبحث عنه مختلف تماماً، كما يصعب العثور عليها لأنها لا تطلق هذه الكمية الكبيرة من الدخان».
ما إن يصلوا إلى حيد وسط المحيط الأطلسي Mid-Atlantic Ridge، ستستخدم الفرق الموجودة على متن السفينة السونار لرسم خريطة للتضاريس. كما سيرسلون أيضاً مركبات ذاتية القيادة تحت الماء (AUVs) للبحث عن الإشارات الكيميائية الناتجة عن التفاعلات بين مياه البحر والصهارة Magma الساخنة التي المنسابة من الشقوق. وسترسم المركبات خرائط عالية الدقة لتحديد الأشكال الشبيهة بالفوهات في قاع البحر.
وإذا هاج البحر، فهناك فتحتان في جسم السفينة تدعيان بركتي القمر Moon poolsthrough ستمكنان العلماء من إطلاق هذه المركبات دون الحاجة إلى الصعود إلى سطح السفينة.
ما إن يحدد الباحثون المواقع الواعدة، سيستكشفونها باستخدام مركبة تعمل عن بعد تسمى سباستيان SuBastian ومراقبة ما يحدث من خلال الشاشات الموجودة على السفينة. تستطيع سباستيان أن تصل إلى عمق 4,500 متر تحت سطح البحر، أيْ أعمق من قاع حيد وسط المحيط الأطلسي. وستُبثّ لقطات حية عالية الدقة لرحلة الغوص حتى يتمكن الباحثون والجمهور، على حد سواء، من رؤية اللمحات الأولى لأي مخلوقات جديدة يعثر عليها بالقرب من الفوهات الحرارية.
وتهتم البعثة على وجه الخصوص بالفوهات الحرارية المائية في المناطق المعروفة بتجمعات اللّب المحيطية Oceanic core complexes، حيث تتحرك الصفائح التكتونية الأرضية ببطء شديد، فبدلاً من أن تتصلب الصهارة وتكوِّن طبقة سميكة من الصخور البركانية، يكون الوشاح Mantle الأرضي، وهو الطبقة الواقعة بين اللب Core والقشرة الخارجية External crust، عرضة لمياه البحر.
يحدث تفاعل كيميائي يعرف بـ«التسربن» (التحول إلى سربنتين، التحول المائي الحراري) Serpentinisation بين فتحات المياه وصخور الوشاح، ينتج منه الهيدروجين والميثان والمركبات العضوية الأخرى. ويسمح هذا للميكروبات بالاعتماد على التخليق الكيميائي Chemosynthesis باستخدام الطاقة الكيميائية لتحفيز عملية التمثيل الغذائي Metabolism، كما يمكّن الحيوانات التي تستهلك الميكروبات من العيش هناك على الرغم من عدم وصول ضوء الشمس إليها.
تقول جولي هوبير Julie Huber من معهد وودز هول لعلوم المحيطات Woods Hole Oceanographic Instituation بماساتشوستس، وإحدى المشاركات في البعثة: «نحن مهتمون كثيراً بكيفية ارتباط الكيمياء وعلم الأحياء الدقيقة ومجتمعات الحيوانات بجيولوجيا موائلها Habitat».
كما تضيف أن تأثير تحول التسربن على الموائل المحيطة يمنحنا طريقة لدراسة التكوين المحتمل للحياة.
هذا، وتقول هوبير: «إن عملية تحول التسربن التي نهدف إلى دراستها تحدث في أماكن أخرى في مجرتنا أيضاً، بما في ذلك احتمال حدوثه عميقا تحت القشرة الجليدية على قمر كوكب زحل «إنسيلادوس» Enceladus». وتضيف، كون اللبنات الأساسية الكيميائية العضوية للحياة يمكن أن تتشكل من دون مدخلات من الكائنات الحية «فستكون لذلك آثار محتملة على كيفية نشأة الحياة لأول مرة على الأرض وإمكانية حدوثها في مكان آخر من الكون».
ووفقا لبترفيلد، لدعم تلك الدراسة، ستجمع المركبة سباستيان عينات من قاع البحر، «بما في ذلك عينات من مياه البحر، وعينات من مياه الفوهات الحرارية المائية، والصخور والحيوانات الصغيرة مثل القواقع، وبلح البحر أو الروبيان التي تعيش حول الفوهات»، وسيقوم الباحثون بتحليل العديد من تلك العينات في المختبر البارد، والذي يتم تبريده إلى نحو 5°س كي يكون ملائماً للعمل على عينات من أعماق البحار الحساسة لدرجة الحرارة.
يقول جيوتيكا فيرماني Jyotika Virmani، المدير التنفيذي لمعهد شيمت للمحيطات Schmidt Ocean Institute إن مهمة السفينة قد تغير من فهمنا للمحيطات. ويستطرد قائلا: «هذا العام، سنستكشف عدة أنواع أخرى من الفوهات الحرارية المائية، ونبحث في مناطق تكاثر الأخطبوط، ونختبر تكنولوجيا معالجة التلوث بالبلاستيك الدقيق، وندرس الشعاب المرجانية العمودية، وأكثر من ذلك بكثير. نحن لا نعرف الكثير عن المحيط، إلا أننا في طريقنا لتغيير ذلك».
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC