المنطق أساس المعرفة، ولكن ماذا لو كان المنطق نفسه معيباً؟
نستخدم المنطق لتحويل الحقائق إلى أنظمة من الأفكار، ولكن التناقضات تجربنا على التشكيك فيما نظن أننا نعرفه. وقد يكون الأمر أسوأ؛ لأن المنطق ربما لا يكون كافياً لفهم الواقع
بقلم أبيغايل بيل
أنا لست أصلع، على الأقل لست كذلك في حين أكتب هذه الكلمات. ولكن إن قام فيلسوف حقود بنتف شعر رأسي، واحدة تلو الأخرى، سأصير أصلع. ولكن كم عدد الشعرات التي يتعين نزعها لأتحول من شخص ذي شعر كثيف إلى شخص أصلع؟ ليست هذه إجابة سهلة، قد تكون مستحيلة. وإن كنا لا نستطيع التعرف على نقطة التحول للصلع، هل أنا أصلع أصلاً؟
هذا نوع من أنواع التجارب الفكرية المفضلة لدى الفلاسفة، والتي وصفت أول ما وصفت متعلقة بحبات من الرمل موجودة في كومة من الرمل، والمعروفة مفارقة الكومة Sorites paradox (من الكلمة الإغريقية «Sorites» والتي تعني الكومة). غالباً ما تستخدم كدليل على أن المنطق الكلاسيكي ربما لا يكون كافياً لوصف العالم من حولنا.
وهذا أمر مقلق لأن المنطق يتغلغل في المعرفة البشرية أشد التغلغل، حتى ولو لم نكن ندرك ذلك. نفترض أن بمقدورنا أن نحول سلسلة من الحقائق إلى أنظمة من الأفكار. ولكن ماذا سيكون حالنا لو عرفنا أن المنطق نفسه منقوص؟
تبدأ المفارقات بمقدمة منطقية تبدو حقيقية، ثم تطبق عليها منطقاً يبدو أيضاً أنه صحيح، ولكنه ينتهي بخلاصة خاطئة أو مناقضة للواقع. وكنتيجة، هناك العديد من المفارقات التي تدفعنا إلى التشكيك فيما نظن أننا نعرفه. وهناك عدة أنواع منها، بعضها أصعب تفسيراً من غيرها. وهناك مفارقات تعد الأكثر تحييراً وتأتي على شكل جملة بسيطة (انظر: هل سنتمكن يوماً من حل مفارقة الكذاب).
أحد حلول قصص المفارقات هي الاعتراف بأن المصطلحات أحياناً تكون مبهمة لدرجة تصير معها غير مفيدة خارج نطاق المحادثات اليومية. ولكن بعض الفلاسفة يجادلون في أن المنطق نفسه يحتاج إلى تجديد. وهناك حل آخر وهو أن تقول إن هناك درجات مختلفة من الحقيقة. خذ، على سبيل المثال، مسألة انتزاع شعري، ففي منتصف عملية نتف شعري لا أكون أصلع بعد، ولكن «عدم كوني أصلع» صار أقل مقارنة بالبداية. ففي عام 1965، أسس عالم الحاسوب لطفي زاده Lotfi Zadeh ما يعرف بالمنطق الضبابي Fuzzy logic، وهو نوع من الحوسبة يستخدم درجاتٍ من الحقيقة بدلاً من الأصفار والواحدات.
التقييمية الفائقة
وهناك طريقة أخرى، تسمى التقييمية الفائقة supervaluationism، والتي توفر طريقة لمناقشة المفاهيم الغامضة عن طريق تصنيف بعض العبارات على أنها «صحيحة» True والأخرى على أنها «فائقة الصحة» Supertrue. تخيل شخصية ثانوية في قصة على سبيل المثال، إن لم يخبرنا أحد بعدد إخوتها، يمكننا أن نقول إن امتلاكه لثلاثة أخوة يعد حقيقة غير فائقة الصحة. ولكن، يمكن اعتبارها حقيقة صحيحة ما لم يخبرنا أحد خلاف ذلك. يقول الفيلسوف بريان ويذرسون Brian Weatherson من جامعة ميشيغان University of Michigan: «الادعاء الجري هو الزعم بأن الحقيقة – الحقيقة العاديةOrdinary truth – هي في الواقع حقيقة فائقة، وأن الخطأ Falsity خطأ فائق Superfalsity».
ولكن هناك سؤالاً أعمق هنا: كيف يمكننا التأكد أن المنطق، بل حتى المنطق المُعدَّل، يكفي لفهم الكون على اتساعه؟
وهذا السؤال هو ما استغرق ديفيد ولبيرت David Wolpert من معهد سانتا في Santa Fe Institute في المكسيك عقوداً في التفكير فيه. وفي دراسة حديثه له، شرح بالتفصيل محاججته في أن الأرجح أن هناك نوعاً أعلى من المنطق يمكن استخدامه لفهم الكون، ولكن العقول البشرية لن تكون قادرة على فهمه.
فكر في تلك الأداة اللغوية المتواضعة التي نسميها السؤال. يقول ولبرت إن هناك كائنات – أشياء من مثل البراميسيوم وحيد الخلية – لا يمكنها إدراك ماهية السؤال. في الواقع، بحسب معاييرنا للذكاء، كل الأنواع الأخرى على الأرض محدودة بشكل من الأشكال في الطريقة التي تفهم بها العالم من حولها. لماذا نحن واثقون أننا مختلفون. يقول ولبرت: «نحن البراميسيوم. ما المرحلة التي تلينا؟».
يظن ولبرت أن هناك طرقاً ربما نستطيع من خلالها أن نصل لأنظمة أعلى من التفكير تصل لما وراء المنطق الذي نعرفه. ربما ستكون آلة تورنغ فائقة Super Turing machine يمكنها تجاوز قواعد الحوسبة العادية، أو شكلاً ذكياً من أشكال الحياة خارج الأرضية التي تشارك حكمتها معنا. ربما تكون شيئاً مختلفاً بالكلية. وكيف سيكون هذا المستوى الجديد من الفهم؟ يقول ولبرت: «لا يمكنني إدراك ذلك. ولكن هذا هو لب الموضوع».
هل سنتمكن يوماً من حل مفارقة الكذاب؟
ماذا نفهم عند سماع الجملة «هذه الجملة خاطئة»؟ إن قلنا إن الجملة صحيحة، فالجملة خاطئة. وإن قلنا إنها خاطئة، فهي إذاً صحيحة. بغض النظر عن خيارنا، هناك مخالفة لقاعدة معلومة بالمنطق السليم: وهي أن الجمل التصريحية لا بد لها أن تكون صحيحة أو خاطئة، وليس كلا الأمرين. ولا شك أن هذا النوع من المفارقات نادراً ما نواجهه في الحياة اليومية، كما اقترح البعض أن بإمكاننا تجنب المشكلات بإيجاد قواعد لغوية أفضل تتجنب المفارقات.
ولكن هناك طرقاً أخرى للاستجابة لهذه الأحجية، وفقا لمارغريت كونزو Margaret Cuonzo، وهي فيلسوفة من جامعة لونغ آيلاند New Island University في نيويورك. وتقول: «يمكن للمرء القول إن منطقنا يحتاج إلى مراجعة من أجل التعامل مع الظواهر الأعقد». وهذه هي الطريق التي سلكها بعض الفلاسفة. فعلى سبيل المثال، هناك طريقة تدعى ازدواجية الحقيقة Dialetheism والتي تقول إن بعض الأشياء قد تكون صحيحة وخاطئة في الوقت نفسه. ولكن هذا يصير معقداً؛ حيث يتعين على مناصري ازدواجية الحقيقة أن يعرفوا «كيف نتجنب الوصول بهذا الادعاء، بأن كل شيء قد يكون صحيحاً وخاطئاً، إلى نظام يمكن أن نثبت فيه أي شيء»، وفقا لكونزو. إن أمكن للأشياء أن تكون صحيحة وخاطئة، فإن الحقائق تخسر معناها. وهذه المفارقة تبقى صعبة التفسير.
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.