أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
Advertisement
أخبار العلوم

مواد كيميائية مكتشفة حديثاً هي قاتل مستهدف جداً للديدان الطفيلية

مبيد الآفات يقوم على جزيء صغير قد يفيد المحاصيل مع تقليل الضرر الذي يلحق بالحياة البرية

بقلم إيريك شتوكْشتاد

إن أكثر الحيوانات وفرة في المزارع – وفي كل مكان على الأرض – هي في الواقع ديدان مجهرية تسمى الديدان الأسطوانية (الخيطية/النيماتودا) Nematodes. بعض الأنواع تفيد التربة، لكن البعض الآخر يتطفل على المحاصيل، ويتسبب في خسائر تزيد على 100 بليون دولار في معظم أنحاء العالم كل عام. فعلى الرغم من أن مبيدات الآفات يمكن أن تتخلص من الديدان الخيطية الضارة، إلا أنها تلحق أضراراً جانبية بحياة الكائنات الأخرى.

الآن، اكتشف الباحثون مادة كيميائية جديدة تقتل بشكل انتقائي الديدان الخيطية الضارة مع مخاطر أقل بكثير من السمية للإنسان والمخلوقات الأخرى. يقول عالم الطفيليات تيم غيري Tim Geary من جامعة ماكغيل McGill University وجامعة كوينز Queen’s University في بلفاست، الذي لم يشارك في هذا البحث: «هذا أمر فريد حقاً… يمكن أن يوفر طريقة لتحسين مكافحة آفات المحاصيل».

يمكن أن يساعد تدوير المحاصيل وتعقيم التربة باستخدام الصفائح البلاستيكية السيطرة على المشكلة

يحاول المزارعون منع تلف الديدان الخيطية بطرق مختلفة. يمكن أن يساعد تدوير المحاصيل Rotating crops وتعقيم التربة Sterilizing soil باستخدام الصفائح البلاستيكية وزراعة أصناف المحاصيل المقاومة للديدان الخيطية في السيطرة على المشكلة، ولكن الحل الأكثر فعالية هو معالجة الحقول بالمبيدات. ومع ذلك، حُظِرت معظم المواد الكيميائية المستخدمة على نطاق واسع -والمعروفة بقدرتها على قتل الديدان الخيطية- بسبب سميتها للإنسان والحياة البرية. في عام 2004، بدأ مصنعو المواد الكيميائية بالتخلص التدريجي من بروميد الميثيل Methyl bromide، وهو مادة كيميائية أخرى مستخدمة على نطاق واسع في تبخير التربة، لأنه يضر بطبقة الأوزون على الأرض. منذ ذلك الحين، طورت الشركات الكيميائية عدة مبيدات جديدة أكثر أماناً للديدان الخيطية.

يأتي المرشح الأخير من مختبر بيتر روي Peter Roy، عالم الوراثة الكيميائية بجامعة تورنتو University of Toronto (اختصاراً: الجامعة U of T). في السنوات الأخيرة، قيّم هو وزملاؤه نحو 100 ألف جزيء صغير لمعرفة ما إذا كانت تقتل كينورابديتيس إيليغانس Caenorhabditis elegans، وهي دودة أسطوانية غير ضارة معروفة بيولوجيتها جيداً للعلماء. إذا حدد المختبر مادة كيميائية قاتلة للدودة سي. إيليغانيس C. elegans، يفحص أندرو بيرنز Andrew Burns – عالم الوراثة البيوكيميائية في الجامعة U of T، وزملاؤه – ما إذا كان يؤذي أيضاً أنواعاً أخرى من الكائنات الحية، مثل الفطريات والحشرات والفئران. يقول: «لسنا مهتمين بالمواد الكيميائية التي ستقتل كل شيء».

في عام 2016، جذب المُركَّب الذي اجتاز تلك الاختبارات اهتمام بيرنز. يشبه تركيبها الكيميائي دواءً يسمى ليفاميزول Levamisole، والذي يستخدم لعلاج الماشية المصابة بالديدان الأسطوانية الطفيلية، لكن المركب كانت له تأثيرات مختلفة على الديدان، حيث يشلها ليفاميزول، في حين أن الجزيء الصغير المكتشف حديثاً – يُدعى سلكتڤين Selectivin – يقتلها تماماً.

كشفت تجارب أخرى عن طرق مميتة لسلكتڤين. بمجرد أن يمتصها جسم الديدان الخيطية، تُعدّلها الدودة بأنزيمات السيتوكروم (Cytochrome P450s)، والتي تزيل سموم الجزيئات الغريبة في العديد من الكائنات الحية. ولكن لسبب ما، فإن تحول نسخة الديدان الخيطية من السيتوكروم P450 بدلاً من سلكتڤين إلى مادة كيميائية سامة. يقول بيرنز: «في رأيي، كانت تلك هي اللحظة الأولى». يحتاج السيتوكروم P450 إلى الأكسجين ليعمل، لذا افترض بيرنز أن سلكتڤين قد يكون جيدا لقتل الديدان الأسطوانية التي تعيش في التربة، حيث يتوفر الأكسجين بكثرة.

لم يحدث هذا «التنشيط الحيوي» Bioactivation للمواد الكيميائية في أنواع أخرى من الكائنات الحية التي تم اختبارها، ربما لأن إصداراتها من السيتوكروم P450 تتعامل معها بأمان، مما يشير إلى أنها ستكون غير سامة للإنسان والحياة البرية والكائنات الدقيقة في التربة. حتى أن جزيئاً مشابهاً من الناحية الهيكلية يترك بعض الديدان الأسطوانية المفيدة دون أن يصاب بأذى، مثل فازماروديتا هيرموفريديتا Phasmarhabditis hermaphrodita، الذي يقتل الرخويات والحلزونات التي تتغذى بالمحاصيل. يطلق بعض المزارعين أيضاً أنواعاً معينة من الديدان الأسطوانية المفيدة للسيطرة على الآفات الحشرية التي تتغذى بها الديدان وتقتلها.

يقول تشارلز أوبرمان Charles Opperman، اختصاصي أمراض الديدان في جامعة ولاية كارولينا الشمالية North Carolina State University، إن المبيد الجديد الذي لايستهدف هذه الديدان الأسطوانية ويتركها دون أن يصيبها بأذى أثناء قتل الديدان الأسطوانية المتطفلة على النبات سيكون مفيداً. «سيوفر حقاً المزيد من الخيارات للمزارعين للحفاظ على صحة التربة».

بعد ذلك، تعاون الفريق مع الباحثين في وزارة الزراعة الأمريكية U.S. Department of Agriculture لتجربة سلكتڤين ضد الديدان الأسطوانية سيئة السمعة والضارة، ميليودوغيني إنكوغنيتا Meloidogyne incognita، التي تصيب أنواعاً كثيرة من المحاصيل. أفاد الباحثون في مجلة نيتشر Nature، أنه في الاختبارات التي أجريت على نباتات الطماطم المزروعة في البيوت المحمية، سيطرالجزيء سلكتڤين على الديدان الأسطوانية سيطرة جيدة أو أفضل قليلاً من المبيدات الحالية.

ميزة أخرى للجزيء سلكتڤين هي أنه قد يكون تصنيعه أرخص من المبيدات الحالية المستخدمة ضد الديدان الخيطية، حيث لا يتطلب الأمر سوى مذيبين رخيصين، ويمكن إكمال التفاعلات الكيميائية اللازمة دون محفزات باهظة الثمن أو درجات حرارة عالية. يقول أوبرمان: «حقيقة أن تصنيعها غير مكلف نسبياً قد يكون أمراً مهماً».

لا تزال الطريق طويلة قبل أن تكون المادة الكيميائية الجديدة متاحة للمزارعين – إذ تتطلب معظم مبيدات الآفات عشر سنوات من التجربة و250 مليون دولار أو أكثر لضمان الفعالية والسلامة قبل الوصول إلى السوق. غير أن هذا التحدي لم يردع روي الذي يتوق إلى إيجاد شركاء تجاريين للمساعدة على تطوير الدواء وتسويقه.

© 2023, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى