أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ثقافة

هل ابتكر أناكسيماندر العلم كارلو روفيلي يتساءل

إن اكتشافات الفيلسوف القديم أناكسيماندر حول المطر والرياح والكون قد تجعله القوة الدافعة وراء العلم الحديث، كما يقول الفيزيائي كارلو روفيلي في كتابه الأول الذي أعيدت طباعته!

بقلم سايمون إنغز

أناكسيماندر وطبيعة العلم Anaximander and the  Nature of Science

كارلو روفيلي Carlo Rovelli
(ترجمة: ماريون ليجنانا روزنبرغ
Marion Lignana Rosenberg)

(ألين لين Allen Lane)

انكبَّ الصينيون على دراسة علم الفلك في المؤسسات الحكومية الصينية لأكثر من 20 قرناً قبل ظهور المبشرين اليسوعيين، وأشاروا، بشيء من الارتباك، إلى أن الأرض كروية. لماذا، بعد الكثير من الرصد الدقيق وحفظ السجلات التفصيلية، ظل علماء الفلك الصينيون في القرن السابع عشر يعتقدون أن الأرض كانت مسطحة؟

يعالج الفيزيائي النظري كارلو روفيلي Carlo Rovelli هذا في كتابه الأول أناكسيماندر وطبيعة العلوم Anaximander and the Nature of Science، الذي صدر بالفرنسية في عام 2009 وأعيد نشره الآن في المملكة المتحدة لأول مرة في ترجمة إنجليزية نابضة بالحياة. وروفيلي متيقّنٌ من أمر واحد: «إن رصد الظواهر السماوية على مدى قرون عديدة، بدعم كامل من السلطات السياسية، لا يكفي لإحداث تقدم واضح في فهم بنية العالم».

إذن، كيف تمكن الأوروبيون من الوصول إلى هذه الرؤية؟ يربط روفيلي إجاباته عن ذلك بحياة وأعمال أناكسيماندر، المولود عام 610 قبل الميلاد في الحاضرة العالمية Cosmopolitan ميليتوس Miletus في اليونان القديمة، والتي تقع أطلالها على ساحل تركيا الحديثة.

نحن نعرف عن هذا العمل في الغالب من خلال أعمال أرسطو Aristotle لأن أطروحة Treatise أناكسيماندر الوحيدة المعروفة مفقودة، فيما عدا جزء مثير للتفكير يكشف عن مفهومه بأن هناك قوانين طبيعية تنظِّم الظواهر عبر الزمن. كما توصل إلى فهم الأسباب التي تحرك الرياح وتسبب هطول الأمطار، واستنتج أن جميع الكائنات الحية أتت من البحر، من أسماك أو كائنات شبيهة بالسمك.

لا يهتم روفيلي بمثل هذه الأمثلة على الرؤية الواضحة. بل هو مفتون بجودة تفكير أناكسيماندر. خذ الملاحظة الأكثر شهرة للفيلسوف: أن الأرض عبارة عن جسم محدود من الصخور العائمة بحرية في الفضاء. يقترح أناكسيماندر أن هناك فراغاً تحت الأرض يجب أن تنتقل خلاله الأجرام السماوية مثل الشمس عندما تتوارى بعيداً عن الأنظار. هذا لا يعني أكثر من مثال أنه عندما يسير شخص ما خلف منزل، فسيظهر مرة أخرى على الجانب الآخر. ومع ذلك، فإن ما يجعل هذه الملاحظة جذرية جدا هو أنها، عند تطبيقها على الأجرام السماوية، فإنها تتعارض مع التجربة اليومية، حيث تسير الأشياء في اتجاه واحد. تشير حقيقة أن الشمس تشرق مرة أخرى إلى أن الفضاء ليس له اتجاه مُميَّز عما سواه تسقط نحوه الأشياء – وهي فكرة تتعارض مع «الفطرة السليمة» Common sense.

لم يعد مفهوميّ «أعلى» و«أسفل» مفهومين مطلقين، بل إنهما نسبيَّان

لذا، توصل أناكسيماندر إلى مفهوم الجاذبية Gravity: يسميه «الهيمنة» Domination. وتتدلى الأرض في الفضاء دون أن تسقط لأنه ليس لها اتجاه معين تسقط نحوه، وذلك لأنه لا يوجد أي شيء حولها كبير بما يكفي للسيطرة عليها. أنت وأنا، كوننا أصغر بكثير من الأرض، نسقط نحوها. وهكذا لم يعد مفهومي «أعلى» و«أسفل» مفهومين مطلقين، بل إنهما نسبياَّن.

أما النصف الثاني من كتاب روفيلي؛ فهو أقل إثارة، ولكنه أكثر قطعيّة، ربما للتعويض عن تغطية مناطق مألوفة أكثر. فيشرح كيف تطور العلم، انطلاقا من موقف أناكسيماندر تجاه أستاذه طاليس Thales، إلى طريقة غير طبيعية تماماً في التفكير.

كان طاليس، من وجهة نظر أناكسيماندر، رجلاً حكيماً حتى وإن كان مخطئاً بشأن كل شيء مصنوع من الماء. إذ يقول روفيلي إن فكرة الحكمة والخطأ في آن واحد لا يمكن أن تأتي إلا من نظرية معرفة Theory of knowledge معقدة، «بموجبها يمكن الوصول إلى الحقيقة، ولكن بشكل تدريجي فقط، عن طريق التنقيحات المتتالية».

يتجلى ذكاء روفيلي وفراسته الفكرية ومعظم سحره ككاتب في هذا العمل المبكر المثير، حيث يشرح كيف حسّن نيكولاس كوبرنيكوس Nicolaus Copernicus عمل كلوديوس بطليموس Claudius

Ptolemy من خلال تطبيق معادلاته الرياضياتية على سؤال أفضل، وكيف حسّن آلبرت آينشتاين Albert Einstein عمل إسحاق نيوتن Isaac Newton من خلال دفع رياضيات نيوتن إلى ما وراء الافتراضات المسبقة. فلا شيء يتم التخلص منه في مثل هذه «الثورات» Revolutions العلمية. بل يُعاد توجيه كل شيء.

© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى