أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
Advertisement
ثقافة

كتاب المسافرين إلى الأراضي التي لا يمكن تصورها: العبء الحقيقي للخرف

في كتاب حكيم وصعب، تركز داشا كيبر على الأشخاص المنسيين الذين يهتمون بأولئك الذين يعانون الخرف

بقلم جيمس ماكوناتشي

المسافرون إلى أراضٍ لا يمكن تصورها Travellers to Unimaginable Lands
داشا كيبر Dasha Kiper
(الناشر: Profile Books)

تقول داشا كيبر إن الأشخاص الذين يعتنون بأولئك الذين يعانون الخرف هم «ضحاياه غير المرئيين»، ونادراً ما تتم مناقشته في الأدبيات البحثية ولم يقدم لهم سوى القليل من الدعم. فقد طوّرت كيبر مسيرتها المهنية بالاستماع إليهم. في سن الخامسة والعشرين، انتقلت إلى العيش مع أحد الناجين من المحرقة النازية البالغ من العمر حينها 98 عاماً، وكان في المراحل المبكرة من مرض الألزهايمر (تنطق ألزايمر) Alzheimer’s disease، وبعد حصولها على درجة الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، أمضت عشر سنوات في تقديم المشورة لمقدمي الرعاية، وأشرفت على إدارة مجموعات الدعم Support groups.

المسافرون إلى أراضٍ لا يمكن تصورها: الخرف ومقدمو الرعاية والأعمال الخفية للعقل Travellers to Unimaginable Lands: Dementia, carers and the hidden workings of the mind هو كتابها الأول. ويروي الكتابُ قصصَ الأشخاص المصابين بالخرف ومقدمي الرعاية لهم. استعانت كيبر بنموذج أوليفر ساكس Oliver Sacks، لتنسج البحث النفسي والعصبي في رؤاها الخاصة حول أعمال العديد من المؤلفين بمن في ذلك صموئيل بيكيت Samuel Beckett وفرانز كافكا Franz Kafka وهيرمان ميلفيل Herman Melville وخورخي لويس بورخيس Jorge Luis Borges.

وتكتب كيبر بأسلوب واضح كأسلوب ساكس. وتقول إن إحدى مقدمي الرعاية «بدت ملتفة حول نفسها في مكانها، كما لو كان من المؤلم الجلوس بلا حراك»، في حين كانت والدتها «تسير ذهاباً وإياباً، في مشية عرجاء غير منتظمة،… وكل خطوة تخطوها كانت أشبه باستجواب».

ولكن في حين كانت الحالات التي يستعرضها ساكس غريبة، فإن حالات كيبر عادية جدا. خذ ياسمين مثلا، التي سجلت ملاحظات على الأبواب والجدران، تناشد والدتها عدم إخراج الطعام من المُجمِّدة (الفريزر) أو مغادرة المنزل أو التصرف بعنف. أو إليزابيث، التي نفى زوجها أحياناً معرفته بها وطردها من المنزل لأنها غريبة.

تقول إليزابيث لكيبر: «يسأل الناس دائماً عن المريض… دعني أخبرك شيئاً، المريض بخير؛ إنه مقدم الرعاية الذي يصاب بالجنون». غالباً ما يعكس مقدمو الرعاية سلوك من يعتنون بهم، كما تشير كيبر، حيث ينخرطون في الإنكار والتشويه والجدال واللوم والتكرار اللانهائي. المحرك الرئيسي هو ما تسميه كيبر عمى الخرف Dementia blindness. وهو يشبه كثيرا الطريقة التي يعوِّض بها دماغنا عن النقطة العمياء البصرية لدينا، لذلك يرى مقدمو الرعاية الشخص الذي اعتادوا رؤيته. بمناقشة هذا، تشير كيبر إلى نظرية الكاتب نسيم نيكولاس طالب Nassim Nicholas Taleb حول «المغالطات السردية» Narrative fallacies، و«الموقف المتعمد» Intentional stance عند الفيلسوف دانيال دينيت Daniel Dennett، و«مترجم الدماغ الأيسر» Left-brain interpreter عند عالم الأعصاب مايكل غازانيغا Michael Gazzaniga – العمليات اللاواعية والناشئة «المسؤولة عن إخفاء التناقضات والارتباك تحت البساط».

قبول ما هو أقل من الشخص الذي نعرفه حق المعرفة يعني التخلي عن فكرتنا عن هويتهم، مما قد يؤدي إلى تجريدهم من إنسانيتهم

وتكتب كيبر أن هذه العمليات تتآمر مع تحيزاتنا العاطفية، بما في ذلك حاجتنا الناشئة إلى «واقع متفق عليه بشكل متبادل»، والذي يكون أكثر حدة في حالة الأفراد الذين نحن أكثر قربا منهم، وفي المواقف التي لا نسيطر عليها. وهذا يخلق ما تسميه معضلة مقدم الرعاية Carer’s dilemma: «قبول ما هو أقل» من الشخص الذي نعرفه حق المعرفة يعني التخلي عن فكرتنا عن هويتهم، مما قد يؤدي إلى تجريدهم من إنسانيتهم.

تعكس التفسيرات الأدبية لكيبر قفزتها الجذرية: رؤية المواقف المستحيلة من وجهة نظر مقدم الرعاية أو أحد أفراد الأسرة. فقصة هيرمان ميلفيل Herman Melville بارتليبي: العرضحالجي Bartleby: the Scrivener، – قصة موظف (كاتب) يرفض كل شيء، ويقول إنه «يفضل ألا يفعل ذلك» – يُنظر إليه من وجهة نظر صاحب العمل وهو يكافح لفهم الموقف، في حين يكون في نواحٍ كثيرة أكثر احتياجاً من الموظف الراضي عن نفسه. كذلك، فإن رواية التحول (المسخ) Metamorphosis لكافكا تُقرأ على أنها صورة لديناميكيات الأسرة التي تُؤخذ إلى حد العبثية. أما مسرحية بيكيت في انتظار غودو Waiting for Godot؛ فتسلط الضوء دراميا على «كيف نخلق ونعترف بإمكانية وجود الوضوح والمعنى والاتصال حتى عندما يبدو أن هناك غرابة وعبثاً فقط».

هذه ليست مجرد قراءات أدبية، بل من خلالها يستحضر ساكس شعور التعاطف. وتكتب كيبر أن مقدمي الرعاية «يتعرضون للتعذيب في غرف المعيشة والمطابخ، والغرف التي تعبق بالذكريات وتستحضر إلي الذهن أنماط السلوك القديمة، والغرف اللعينة التي تجبرهم على اختيار ديناميكية غير سعيدة أو مزعجة على خيار عدم وجود ديناميكية على الإطلاق». هذا كتاب حكيم ويهيج المشاعر بإيجابية.

© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى