نبضات موجات فوق الصوتية موجه للدماغ تضع الفئران في حالة تشبه السبات
في يوم من الأيام قد يؤدي أسلوب مشابه إلى تحفيز السبات في رواد الفضاء بمهمات فضائية طويلة الأمد - لكن هذا لا يزال حلماً بعيد المنال
بقلم إيميلي أندروود
إنها خيال علمي كلاسيكي: يرقد رواد الفضاء في رحلة بين النجوم في كبسولات أنيقة ومبردة في حالة مما يعرف بالحيوية المُعلَّقة Suspended animation. على الرغم من أن مثل هذه الكبسولات لا تزال مجرد خيال محض، إلا أن العلماء يكبون على أبحاث تحفيز حالة تشبه السبات Hibernation في البشر لتقليل الضرر الناجم عن الحالات الطبية مثل النوبات القلبية والسكتات الدماغية، ولتقليل الإجهاد وتكاليف الرحلات الفضائية الطويلة في المستقبل.
في دراسة نُشرت في 25 مايو 2025 في مجلة نيتشر ميتابوليزم Nature Metabolism، أفاد العلماء أنهم يستطيعون تحفيز حالة مماثلة في الفئران، وذلك عن طريق استهداف جزء من دماغهم بنبضات من الموجات فوق الصوتية. يصف بعض الخبراء هذه النتائج بأنها خطوة فنية رئيسية نحو تحقيق هذا الإنجاز في البشر، في حين يقول آخرون إنه مغالاة في استقراء النتائج على نوعنا نحن البشر.
يقول فرانك فان بروكيلين Frank van Breukelen، عالم البيولوجيا الذي يدرس السبات بجامعة نيفادا University of Nevada في لاس فيغاس، وشارك في تأليف مقال افتتاحي مصاحب للدراسة: «إنها ورقة بحثية رائعة». ويستند العمل إلى مجموعة من الدراسات الحديثة التي تحدد مجموعات Population محددة من العصبونات (الخلايا العصبية) Neurons. في منطقة تسمى الباحَةُ أَمامَ البَصَرِيَّة Preoptic area (اختصاراً: المنطقة POA) في منطقة ما تحت المهاد Hypothalamus. تعمل هذه الخلايا كمفتاح تشغيل وإيقاف لـ«الخدر» Torpor – وهي حالة بطيئة وموفرة للطاقة تدخلها الحيوانات في البرودة الشديدة البرودة أو عندما تعاني سوء التغذية. في الدراسات السابقة، هندس العلماء هذه العصبونات وراثياً للاستجابة للضوء أو لمواد كيميائية معينة، ووجدوا أنها يمكن أن تتسبب في الدخول في حالة الخدر حتى عندما تكون دافئة وقد حصلت على غذاء كافٍ. ومع ذلك، لا يمكن ترجمة هذه التقنيات الباضعة Invasive بسهولة إلى الناس، كما يشير بروكيلين قائلا: «هذا في الحقيقة لن يحدث للناس».
تطلبت دراسة الموجات فوق الصوتية الجديدة، بقيادة المهندسة الحيوية هونغ تشن Hong Chen وفريقها في جامعة واشنطن Washington University في سانت لويس، هندسة الجينات. وعرفت تشين من بحث سابق أن بعض العصبونات لديها مسام متخصصة تسمى قنوات الأيون TRPM2 التي تغير شكلها استجابة للموجات فوق الصوتية، بما في ذلك المجموعة الفرعية من خلايا المنطقة POA التي تتحكم في سبات الفأر. لمعرفة تأثير ذلك في سلوك الحيوانات، وضع فريقها بعد ذلك أجهزة مصغرة تشبه السماعات على رؤوس الفئران لتركيز هذه الموجات على المنطقة POA.
تم تبريد الفئران بتحويل حرارة الجسم إلى ذيولها – وهي علامة كلاسيكية على السبات، كما يشير بروكيلين – وتباطأ معدل ضربات القلب والتمثيل الغذائي
استجابة لسلسلة من الترددات 3.2 ميغا هرتز، انخفضت درجة حرارة الجسم الأساسية للقوارض نحو 3 ْس. وتم تبريد الفئران بتحويل حرارة الجسم إلى ذيولها – وهي علامة كلاسيكية على السبات، كما يشير بروكيلين – وتباطأ معدل ضربات القلب والتمثيل الغذائي (الأيض) Metabolism. وبتعريضها لنبضات إضافية من الموجات فوق الصوتية تلقائياً متى ما بدأت درجات حرارة جسم الحيوانات في الصعود احتياطياً، يمكن للباحثين إبقاء الفئران في هذه الحالة من الخدر لمدة تصل إلى 24 ساعة. وعندما أسكتوا السماعات الصغيرة، عادت الفئران إلى طبيعتها، على ما يبدو دون عواقب وخيمة.
بعد ذلك كرر فريق تشين التجربة على 12 فأراً – من تلك التي لا تدخل في السبات بشكل طبيعي استجابة للبرد أو ندرة الطعام – ووجدت تأثيراً مشابهاً، على الرغم من أن درجة حرارة أجسامها انخفضت فقط بمقدار 1ْس إلى 2 ْس. ويقول الباحثون إن هذا يشير إلى أن هذه التقنية قد تنجح حتى في الحيوانات التي لا تدخل عادة في حالة سبات.
يقول بروكيلين إن ثقته في نتائج الفريق تعززت بحقيقة أنه عندما وجه الباحثون الموجات الصوتية إلى مناطق دماغية أخرى، لم تدخل الفئران في حالة خدر. يشير هذا إلى أن انخفاض التمثيل الغذائي للحيوانات كان سببه بالفعل تحفيز الخلايا العصبية في المنطقة POA وليس ببساطة عن طريق «خلط» Scrambling وظائف الدماغ. يقول: «لا أعتقد أن أي شخص يريد علاجاً يعتمد ببساطة على إيقاف الدماغ، وتكون عواقبه وخيمة». كما أنه حث الباحثين على إعادة تكرار التجربة للتأكد من إمكانية تحفيز التأثير نفسه في الفئران. على الرغم من أن البشر لا يدخلون في السبات الطبيعي، فإن القدرة موجودة في الأنواع من كل سلالة من الثدييات Mammalian lineage تقريباً، من الليمور القزم سمين الذيل Fat-tailed dwarf lemur في مدغشقر إلى سنجاب الأرضي Ground squirrel في القطب الشمالي. ويقول إنه ربما يكون لدى البشر – مثل الفئران – أيضاً قدرة خفية على الدخول إلى شيء يشبه السبات.
غير أن البعض الآخر غير مقتنع. إذ يشك شون موريسون Shaun Morrison من جامعة أوريغون للصحة والعلوم Oregon Health & Science University في أن العلماء لاحظوا بالفعل سباتاً في الفئران. يقول إن التحفيز بالموجات فوق الصوتية يسخن الدماغ، لذا فمن المحتمل أن الباحثين كانوا في الواقع ينشطون الخلايا العصبية الحساسة لدرجات الحرارة في تلك المنطقة، مما تسبب في خفض درجة حرارة أجسام الحيوانات استجابة لذلك. حتى لو كان التأثير حقيقياً، فهو يشك في أننا سنستخدم الموجات فوق الصوتية لوضع رواد الفضاء في حالة الحيوية المُعلَّقة في أي وقت قريباً. ويشير موريسون إلى أن أدمغة الناس أكبر بكثير من أدمغة الفئران، وأن المنطقة POA مدفونة أعمق، مما يجعلها أكثر صعوبة بكثير، وليس من السهل استهدافها بالسماعات الصغيرة الذي تستخدمه تشين وزملاؤها. «من غير المرجح أن تعمل تقنية الموجات فوق الصوتية هذه على البشر بالطريقة التي تعمل بها في الفئران».
© 2023, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved