نشر التخويف بالهلاك المناخي قد يصعّب وقف الاحترار العالمي
إنّ التركيز المفرط على الطقس المتطرف يمكن أن يؤدي إلى ردّة فعل عنيفة ضد العمل المناخي في منتصف عشرينات القرن الحالي، إذ إنّ ارتفاع درجات الحرارة العالمية سيبدأ بالتباطؤ بسبب تلاشي نمط مناخ إل نينو
هل سيشهد عام 2023 وصول نهاية العالم المناخية – ومعها دعوة إلى العمل؟ يقول مايكل مان Michael Mann من جامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania إنّه مع الظواهر المتطرفة ودرجات الحرارة التي حطّمت الأرقام القياسية في أنحاء العالم صار هناك بالتأكيد «شعور متفش بالهلاك» بين جمهور الناس. «هناك قلق متفهم بشأن ما إذا كان الأوان قد فات، وما إذا كنا قد تجاوزنا نقطة تحول Tipping point».
إن الإجابة عن ذلك معقدة، لكن بتزايد قوة نمط مناخ إل نينو El Niño الناشئ حتى نهاية العام، يتفق الباحثون على أن المزيد من الأرقام القياسيّة المناخيّة قد تتحطم.
يقول زيكي هاوسفاذر Zeke Hausfather من منظمة بيركلي إيرث Berkeley Earth الأمريكية غير الربحية: «الأمر المثير للاهتمام هو أنّ عام 2024 يتجه فعليا ليكون أكثر حرارة من عام 2023، ويرجع ذلك جزئيا إلى وجود تأخّر صغير بين ذروة ظروف إل نينو في منطقة المحيط الهادي Pacific الاستوائية وتأثيرها في درجات الحرارة العالمية». في الواقع، قد يكون إل نينيو قوي قوّة غير اعتيادية كافيا لجعل عام 2024 أوّل عام يتجاوز فيه احترار الأرض 1.5°س فوق مستويات ما قبل الصناعة، وذلك فقا لمكتب الأرصاد الجوية Met Office، والمكتب هو هيئة الأرصاد الجوية الوطنية في المملكة المتحدة.
ماذا يعني هذا بالنسبة إلى سياسة المناخ؟ تقول كاثرين هايهو Katherine Hayhoe من جامعة تكساس التقنية Texas Tech University، وهي كبيرة العلماء في منظمة الحفاظ على الطبيعة The Nature Conservancy الأمريكية غير الربحيّة، إنّ التغيّر المناخي Climate change سيرتفع إلى أعلى قائمة اهتمامات الناس بسبب تزايد أعداد الذين يختبرون تأثيراته بصورة مباشرة.
وتقول إنّ أحد العوائق الرئيسة التي تعترض الناس في اتخاذ إجراءات مناخية هو «البعد النفسي» Psychological distance. «إن سألت الناس: هل التغيّر المناخي حقيقي؟ سيجيب معظمهم بنعم، اسألهم بعدها: هل سيؤثر فيك؟ ستهبط الأعداد حينها. هذا هو البعد النفسي».
وتقول هايهو إن هذا الحاجز «آخذ بالانهيار» بسبب الطقس المتطرف الذي حلّ في عام 2023. «من في العالم لم يستنشق دخان حرائق الغابات، أو لم يتعرّض لحرارة شديدة، أو فيضانات قياسية، أو يعرف أشخاصا أو زار أو عاش في أماكن تعرّضت لهذه الكوارث؟».
وهذا هو أيضا رأي إد هوكينز Ed Hawkins من جامعة ريدنغ University of Reading في المملكة المتحدة. إذ يقول: «كثيرا ما نتحدث عن تغيّر درجات الحرارة العالمية، وهو ما لا يحسّ به أحد إحساسا مباشرا. ولكن حين يمر الناس بظواهر طقس متطرفة يفاقمها التغيّر المناخي، فربما يساعدهم ذلك على إدراك أن هذه هي العواقب التي سنواجهها. وأن هذه العواقب لن تتغير إلّا نحو الأسوأ».
يقول هاوسفاذر إن تركيز انتباه الجمهور على ظواهر الطقس «الحادة» هذه يمكن أن يكون وسيلة مفيدة لتحفيز مشاركة على نطاق أوسع مع أزمة المناخ – وإقناع من هم في السلطة باتخاذ إجراءات أكثر صرامة لخفض الانبعاثات.
لكنّ ذلك ينطوي أيضا على مخاطر. إذ تحذّر هايهو من أنّه حين سيتلاشى إل نينيو وتعود أنماط الطقس إلى ما يشبه الوضع «الطبيعي»، فمن المرجح أن يتضاءل قلق الناس بشأن التغيّر المناخي. وتقول: «مدى انتباهنا كمدى انتباه قطّة تطارد ضوء ليزر. من الناحية النفسية، نحن غير مؤهلين على الإطلاق للتعامل مع المشكلات طويلة المدى والمتزايدة باطراد».
وقد يؤدي ذلك إلى انهيار الاهتمام العام – ومن ثمّ اهتمام صانعي السياسات – بالقضايا المناخيّة في منتصف العقد الحالي، وهو الوقت الذي تشير فيه الدراسات العلميّة إلى أنّنا يجب أن نضاعف فيه جهودنا لخفض الانبعاثات.
إنّ دقّ ناقوس الخطر بقوة كبيرة في الوقت الحالي، بما في ذلك الإشارة إلى أنّ الأرض قد وصلت إلى نوع من «نقطة التحول» Tipping point نحو الهلاك التي لا رجعة بعدها، يمكن أن يجعل هذا الانخفاض المحتمل في الشعور بالإلحاح أكثر ضررا. في الشهر الماضي، تعرّض الأمين العام للأمم المتحدة United Nations أنطونيو غوتيريس António Guterres لانتقادات البعض لإعلانه أنّ «عصر الغليان العالمي Era of global boiling قد وصل»، وهو مصطلح ليس ذا معنى علمي واضح.
يقول مان: «أقدّر جهود الأمين العام لخلق شعور بالإلحاح – وهو أمر مطلوب». لكنّه يقول إن الخطاب المتشدد يمكن أن يأتي بنتائج عكسية. «هل يتجاوز الغليان العالمي هذا الخط؟ لست متأكدا، لكنّه بالتأكيد يتحرك في هذا الاتجاه».
هذا، ويشير هاوسفاذر منبّها لظاهرة إل نينيو سابقة حدثت بين عامي 2015 و2016 والتي كانت إحدى أقوى الظواهر المسجلة وأدّت إلى درجات حرارة عالمية قياسية. وعندما عاد الكوكب إلى حالة لا نينا La Niña وهجع الطقس الجامح، استخدم المتشككون في المناخ الفجوة في درجات الحرارة العالمية دليلا على توقف الاحترار العالمي. ويقول هاوسفاذر إنّ الشيء نفسه قد يحدث مرة أخرى بعد عام 2024. «أعتقد أنّ علينا أن نحترس بعض الشيء فلا نفرط في تفسير دور إل نينيو باعتباره الوضع الطبيعي الجديد».
وعبّر مان عن مخاوف مشابهة، منبها إلى أنّ «عقلية الهلاك» Doomism في مواجهة الطقس المتطرف هذا العام تقوّض سلامة علوم المناخ وتقوي أولئك الذين يزعمون أنّه ليس علينا فعل شيء لمواجهة التغيّر المناخي.
ويقول: «إن عقلية الهلاك – الفكرة الخاطئة القائلة بأنّه لا يسعنا فعل شيء – صارت تهديدا كبيرا مثلها مثل الإنكار تقريبا. إن في مساواة الاحترار الإضافي الناجم عن ظاهرة إل نينيو بتسارع الاحترار العالمي من الخطأ بمثل ما في ادعاء منكري المناخ أنّ الاحترار العالمي قد توقف في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وأوائل العقد الثاني بسبب ظاهرة لا نينا مطوّلة».
لذا لا، هذه ليست نهاية العالم – لكن كما كانت الحال دائما، علينا أن نبادر إلى العمل. يقول مان: «الواقع سيء بما فيه الكفاية. لكن لا يجب أن نهدر المصداقية بالمبالغة في الأمور».
ما الذي جعل يوليو 2023 الشهر الأكثر حرارة على الإطلاق
هل يتسارع التغيّر المناخي فعلا وتيرة ثورة الطاقة المتجددة
هل يمكن للبشر أن يتكيّفوا مع الحرارة محاربة عقلية التخويف بالهلاك وعقلية الإنكار التغيّر المناخي والطقس المتطرف.
بقلم ماديلين كوف
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.