الشمس تصل إلى ذروة نشاطها في وقت أقرب من المتوقع، لتصل إلى مستويات لم نشهدها منذ عشرين عاماً
يمكن أن تهدد ثورات الشمس الأقمار الاصطناعية وشبكات الكهرباء، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى تنبؤات أفضل
في عام 2019، مع اقتراب الشمس من الحد الأدنى في دورة نشاطها المغناطيسي Magnetic activity التي تبلغ 11 عاماً، اجتمع عشرات العلماء لإجراء تمرين تقليدي: التنبؤ بالذروة التالية. الآن، بعد سنوات قليلة من عودة الشمس إلى تزايد نشاطها، صار من الواضح أن التنبؤ الرسمي، الصادر من اللجنة التي شكّلتها وكالة ناسا والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي National Oceanic and Atmospheric Administration (اختصاراً: الإدارة NOAA)، والخدمة الدولية لبيئة الفضاء International Space Environment Service (اختصاراً: الخدمة ISES)، أخطأ الهدف. فقد تجاوز نشاط الشمس بالفعل التوقعات، حيث وصل إلى مستويات لم نشهدها منذ 20 عاماً، وقد يصل إلى الحد الأقصى للنشاط الشمسي (ذورة النشاط الشمسي) Solar maximum خلال العام المقبل، قبل أشهر من الجدول الزمني المفترض. يقول إيليا أوسوسكين Ilya Usoskin، عالم الفيزياء من جامعة أولو University of Oulu: «من الواضح أن اللجنة قللت من تقدير الوقت».
يسلط هذا التناقض الضوء على الحاجة إلى مراقبة أفضل للشمس. وقد يشير أيضاً إلى عوامل غير معروفة تؤثر في دينامو الغاز المتأين الذي يؤدي إلى نشوء المجال المغناطيسي للشمس. يقول مارك ميش Mark Miesch، عالم الفيزياء الشمسية من جامعة كولورادو بولدر University of Colorado Boulder: «أود أن أعتقد أننا نحرز تقدماً فيما يتعلق بفهم الدينامو، ولكن لا يزال هناك الكثير مما ينبغي دراسته».
الرهانات عالية. في ذروة النشاط، تطلق الشمس في كثير من الأحيان العنان لعواصف جسيمية Particle storms تصطدم بالأرض، مما يهدد الأقمار الاصطناعية، ويعطل البث اللاسلكي، ويزيد من حمل شبكات الطاقة. تقول تاميثا سكوف Tamitha Skov، عالمة الفيزياء الشمسية من جامعة ميلرزفيل Millersville University، إن الدورة السابقة كانت خفيفة على نحو غير معتاد، وتتابع قائلة: «لقد انغمسنا في شعور زائف بالرضا عن النفس».
يتتبع العلماء عادة الدورات الشمسية عن طريق حساب البقع الشمسية Sunspots، وهي شعلات من النشاط تحفزها عُقد من حلقات المجال المغناطيسي. ويرتفع عدد البقع الشمسية على مدار الدورة الشمسية، ثم ينخفض إلى ما يقرب من الصفر مع تراجع النشاط المغناطيسي. فعندما اجتمعت لجنة التنبؤ NASA-NOAA-ISES في عام 2019، حلَّلت نحو 60 نمذجة Model مختلفًة للتنبؤ، يحسب كل منها تقديراً لذروة عدد البقع الشمسية ومتى ستصل إلى الذروة.
بعض النمذجات إحصائية بحتة، حيث تطوِّإ تنبؤاتها باستقراء ملاحظات البقع الشمسية عبر قرون من الزمن. ويعتمد آخرون على «إشارات سابقة» Precursors يمكن ملاحظتها ويعتقد أنها مرتبطة بالدورة الشمسية، مثل قوة المجال المغناطيسي عند قطبي الشمس عند الحد الأدنى للطاقة الشمسية Solar minimum. ومع تقدم الدورة، يصبح «حقل البذور» Seed field هذا أكثر قوة حيث تتحول خطوط حقله إلى شكل كعكة الدونت بفعل دوران الشمس – إذ تدور أسرع عند خط الاستواء منه عند القطبين. وتعتمد الفئة الثالثة على نمذجات حاسوبية متقدمة تشبه نمذجات المناخية، فتستوعب أكبر قدر ممكن من البيانات القابلة للرصد ثم تستخدم قوانين الفيزياء لمحاكاة دينامو الشمس والمجالات المغناطيسية المتغيرة.
وبعد أسبوع من مناقشة مزايا الأساليب المختلفة، صوتت اللجنة وتوصلت إلى إجماع: سيبلغ عدد البقع الشمسية الشهري ذروته عند نحو 115 بقعة شمسية، في وقت ما في حدود يوليو 2025، مما يجعلها دورة ضعيفة نسبياً، تشبه إلى حد كبير الدورة السابقة. ولكن الشمس استيقظت بالفعل بشكل أسرع وأصبحت أكثر شراسة مما كان متوقعا. وظهرت 159 بقعة شمسية في يوليو و115 بقعة شمسية في أغسطس.
«هل فهمنا الموضوع تماما؟» تقول ليزا أبتون Lisa Upton، عالمة الفيزياء في معهد أبحاث الجنوب الغربي Southwest Research Institute، والتي شاركت في رئاسة اللجنة: وأجابت على سؤالها قائلة: «بالتأكيد لا. ولكن بالنظر إلى مستوى عدم اليقين المرتبط بما نحاول القيام به هنا، فهو في الواقع توقع جيد جداً».
تعتقد أبتون أن أحد أسباب فشل توقعات اللجنة هو جودة وطول عمر الملاحظات التي تغذي وتدفع نمذجات الإشارات السابقة والدينامو، والأهم من ذلك، قوة المجال المغناطيسي القطبي. تأتي هذه القيم في المقام الأول من مرصد ويلكوكس الشمسي Wilcox Solar Observatory، الذي يمكنه رصد بصمة المجال القطبي على طيف ضوء الشمس. لكن دقة التلسكوب ضعيفة نسبياً ورؤيته محدودة. سترسل بعثات ناسا مثل فايرفلاي Firefly وسولاريس Solaris بمركبات فضائية تكون أقرب إلى الشمس لاستكشاف حقولها القطبية مباشرة، لكن هذه البعثات لا تزال في مرحلة التطوير.
ويشك باحثون آخرون في وجود عقبة أعمق. العلاقة بين المجالات المغناطيسية القطبية والنشاط الشمسي اللاحق مستمدة من قياسات امتدت لبضعة عقود فقط، وقد تكون هناك عوامل أخرى تؤثر في هذه الظاهرة. تأتي الأدلة من عمليات الرصد التي يقودها سكوت ماكينتوش Scott McIntosh، عالم الفيزياء الشمسية ونائب مدير المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي National Center for Atmospheric Research. على مدار عقدين من الزمن، تتبع هو وزملاؤه ملايين «النقاط المضيئة» Bright points في صور الشمس فوق البنفسجية القصوى، والتي يعتقدون أنها تتبع نطاقات المجال المغناطيسي التي تتحرك تحت جلد الشمس Sun’s skin. يبدو أن النقاط المضيئة تتبع نمطاً عبر دورتين شمسيتين: تظهر التجمعات بشكل روتيني عند خطوط العرض الوسطى في بداية الدورة الشمسية الأولى. بعد ذلك تهاجر نحو خط الاستواء حيث يصل النشاط الشمسي إلى ذروته ثم تنخفض ثم تصل إلى ذروتها مرة أخرى. وفي نهاية الدورة الثانية، تختفي النقاط فجأة فيما يسميه الباحثون «الحدث المُنهي» Terminator event. بعد هذا الحدث مباشرة، تظهر النقاط المضيئة مرة أخرى عند خطوط العرض الوسطى وتبدأ دورتها من جديد.
يعتقد ماكينتوش أن نمط الدورة المزدوجة Double-cycle pattern يعني أن نطاقات المجال الأساسية من الدورات اللاحقة يجب أن تتفاعل، أحياناً بشكل بناء، مما يؤدي إلى زيادة النشاط الشمسي. ويعتقد أنه يمكن استخدام توقيت الأحداث الفاصلة المتتالية للتنبؤ بهذا التداخل، وارتفاع وتوقيت الحد الأقصى الشمسي التالي. وبعد اكتشاف أحدث حدث فاصل في ديسمبر 2021، توقع هو وزملاؤه أن البقع الشمسية لهذه الدورة ستبلغ ذروتها وصولا إلى 184 بقعة شمسية في وقت ما بالقرب من أوائل عام 2024.
يقول ميش: «إنه نمط رائع وشيء من شأنه أن يتحدى نظرية الدينامو». أما ديبيندو ناندي Dibyendu Nandi، عالم الفيزياء الفلكية من المعهد الهندي لتعليم العلوم والأبحاث Indian Institute of Science Education and Research في كولكتا، الذي عمل على نمذجات الدينامو المستخدمة في لجنة التنبؤ لعام 2019، فهو غير مقتنع بالقوة التنبؤية للأحداث المُنهية. ومع ذلك، فهو لا يزال يعتقد أن النقاط المضيئة قد تكون إشارة مهمة. إذ يقول: «أعتقد أنهم قد وقعوا على شيء ما».
ويقول ناندي إن عمليات محاكاة الدينامو قطعت شوطاً طويلاً في العقد الماضي، وهي الآن تتنبأ بحقول البذور القطبية بشكل جيد. ويفسر ذلك بأنه إذا استمر النشاط الشمسي الإجمالي في التزايد بشكل يتجاوز التوقعات، فقد يضطر العلماء إلى إعادة النظر فيما إذا كانت الحقول القطبية هي الشيء الوحيد الذي يحرك الدورة الشمسية حقاً. فكما تشير ملاحظات ماكينتوش، ربما يترك تفاعل المجالات المغناطيسية المتبقية في باطن الشمس بصمةً في الدورة التالية. وهذا احتمال يختبره ناندي الآن باستخدام النمذجات المتباينة.
يقول ناندي: «إذا كان هناك شيء واحد مؤكد في هذا المجال من التنبؤ، فهو أننا يجب أن نكون مستعدين دائماً لإثبات خطأنا والعودة إلى لوحة التخطيط من جديد».
بقلم زاك سافيتسكي
© 2023, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved