معرفة كيف يسهم التغيّر المناخي في ظهور الطقس المتطرف أمر أساسي، فلماذا هو كذلك؟
تقول فريدريكه أوتو إنّ عزو ظواهر الطقس المتطرفة إلى التغيّر المناخي، وهو ما أفعله في عملي كعالمة مناخ، يعني أنه يمكننا محاسبة البلدان والشركات على تقاعسها عن العمل
التقارير الإعلامية عن دور التغيّر المناخي Climate change في ظواهر الطقس المتطرفة عادة ما تصاغ مشابهة لما يلي: «على الرغم من أنّ الاحترار العالمي Global warming يجعل هذا هو نوع الظواهر أكثر تواترا، إلا أنّنا لا نستطيع أن نعزو أحداث الطقس الفردية إلى التغيّر المناخي». كان هذا صحيحا في القرن العشرين، لكنه بالتأكيد خطأ الآن.
في عام 2004، نشرتْ أوّل دراسة تعزو ظاهرة متطرفة فردية، هي موجة الحرّ الصيفية الأوروبية في عام 2003، إلى التغيّر المناخي. وتبعتها العديد من الدراسات. أكثر من 50 منها ممولة من مبادرة أسباب الطقس العالمي World Weather Attribution، وهي مبادرة علماء مناخ شاركْت في تأسيسها في عام 2015، تدرس ظواهر مثل هطول الأمطار الغزيرة، وموجات الحرّ، والجفاف لتقييم ما إذا كان التغيّر المناخي بفعل النشاط البشري Human-induced climate change يزيد من احتمال حدوثها ويزيد شدّتها.
توصّلتْ دراستنا إلى أن الرياح الموسمية في باكستان صارتْ أكثر شدة بنسبة 75% بسبب التغيّر المناخي
في العام الماضي، توصّلتْ دراستنا إلى أن الرياح الموسمية Monsoon في باكستان التي أدّتْ إلى فيضانات، ومقتل ما لا يقل عن 1,500 شخص، وأكثر من 30 بليون دولار من الأضرار، صارتْ أكثر شدة بنسبة 75% بسبب التغيّر المناخي. كما أن الحرارة اللافحة التي ضربتْ جنوب أوروبا وأجزاء من أمريكا الشمالية هذا الصيف لم تكن لتحدث لولا التغيّر المناخي. تشكّل مثل هذه الدراسات خطّا رئيسا جديدا من الأدلة في أحدث تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ Intergovernmental Panel on Climate Change (اختصارا: الهيئة IPCC)، والتي تظهر أن التغيّر المناخي بفعل البشر «يؤثّر بالفعل في العديد من ظواهر الطقس والمناخ المتطرفة في كلّ منطقة».
يمكن لعلم الأسباب Attribution science أيضا أن يثبت التأثيرات غير المتكافئة للتغيّر المناخي. إنّ الطقس المتطرف الذي يزيد التغيّر المناخي حدّته يلْحق أضرارا هائلة بأفقر سكان العالم، الذين يعيش جلّهم في الجنوب العالمي (الدول ذات الدخل المنخفض، وهي غالبا الدول التي انتهى استعمارها وتقع بصورة أساسية في جنوب العالم) ويسهمون بأقل قدر من الانبعاثات.
لماذا هذا مهم؟ لماذا يجب ألّا تقتصر معرفتنا على أنّ موجات الحر سوف تصير أكثر تواترا مع الاحترار العالمي، بل يجب أن تمتد إلى معرفة مدى «غضب» ظاهرة طقس معينة؟ لأن هذا يتيح لنا ربط الفهم النظري بالخسائر والخبرات الملموسة، ومن ثمّ اتخاذ خطوات واسعة إلى الأمام في سياسات المناخ والتقاضي Litigation.
يمكننا قياس كمية غازات الدفيئة Greenhouse gas التي أضافتها الأنشطة البشرية إلى الغلاف الجوي منذ بداية الثورة الصناعية. لدينا أيضا قواعد بيانات تجمّع كمية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بشركات الوقود الأحفوري والبلدان. والآن، صرنا نعرف مدى شدة العاصفة وحجم الأضرار التي يمكن أن تعْزى إلى التغيّر المناخي المحْدث بالنشاط البشري.
وليس من قبيل الصدفة أن مؤتمر المناخ COP27 العام 2022 قرّر أخيرا إنشاء صندوق لدعم الدول الضعيفة التي تعاني خسائر وأضرار ناجمة عن التغيّر المناخي، أو أن مقاطعة مولتنوماه Multnomah في أوريغون Oregon تقاضي الآن شركات الوقود الأحفوري من أجل تغريمها أكثر من 50 بليون دولار على الأضرار التي حدثتْ في موجة الحرّ اللافح في عام 2021.
إضافة إلى تقديم الأدلّة لتحميل البلدان والشركات المسؤولية عن تقاعسها بشأن التغيّر المناخي، فإنّ دراسات الأسباب الفردية تسلّط الضوء أيضا على الكيفية التي يمكن بها للمجتمعات أن تصير أكثر مرونة Resilient في مواجهة الطقس المتطرف المتزايد في المستقبل.
وجدتْ كلّ دراسة أجريناها أن المعاناة والكوارث ناجمة عن تعرّض الأشخاص للطقس المتطرف لأنهم كانوا بحاجة إلى كسب المال ولم تكن لديهم مصادر دخل بديلة، وافتقروا إلى المعلومات حول كيفية الاستجابة لتحذير من الطقس المتطرف، وعاشوا في مساكن سيئة الجودة وغير ذلك الكثير. باختصار، كان تعرّضهم لهذه المخاطر يرجع إلى نقاط ضعف قائمة، وأنظمة اجتماعية منْهكة أو غير موجودة.
ومع أنّ التغيّر المناخي غالبا ما يؤدي إلى تفاقم المخاطر، فإنّه كان من الممكن منع العديد من أسوأ التأثيرات. قد يبدو هذا رهيبا، لكنّه في الواقع يمنحنا الكثير من الإرادة لجعل العالم أفضل. علينا مواصلة الكفاح لوقف حرق الوقود الأحفوري، وعلينا أن نناضل أيضا لأنّ العديد من الأرواح يمكن إنقاذها بتحسين نوعية الحياة للجميع.
بقلم فريدريكه أوتو
© 2023, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC